الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 152/درامة من أسخيلوس

مجلة الرسالة/العدد 152/درامة من أسخيلوس

مجلة الرسالة - العدد 152
درامة من أسخيلوس
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 01 - 06 - 1936

3 - الفرس

للأستاذ دريني خشبة

تتمة

- 7 -

(يظهر شبح دارا ويخاطب الجماعة)

- (أوه! أنتم هنا يا رفاق الصبي ولِدَات الشباب! مرحي! لقد ابيضت نواصيكم، وجلل هامتكم وقار المشيب! ماذا؟! ما لكم واجمين هكذا؟ أي شجو يعقد أساريركم يا سادات فارس؟ ماذا أسمع؟ هناك! هناك في جميع آفاق المملكة؟ الجماهير العزيزة تئن وتبكي! ويح لكم يا رعاياي! أية كارثة؟! تكلموا؟ إن قربان الخمر الذي أسقيتم ثرى رمسي قد روّى أعظمي وانتشت بِحُمَيّاه نفسي؟ لشد ما أيقضتني أناشيدكم وأذْكاركم تتغنونها على هذا القبر يا سادات، وتتغناها معكم مليكتي!! تكلموا! تكلموا إذن! فيم جُؤاركم بي، وصلاتكم من أجلي، لأطْويَ الرحب إليكم من عالم الأشباح؟ إن الآلهة ترنو إليّ من بعد، وإنها تكاد تتخطّفني. . . لماذا تصمتون هكذا؟ تكلموا وإلا فالويل لي من أرباب الظلمات!. . .)

- (لشد ما تفرق قلوبنا إذ نرى إلى هذه الهامة! كيف السبيل إلى الكلام؟ أي فزع يذوب كالموت في فرائصنا؟)

- ليفرخ روعكم! إن صلاتكم الطيبة هي التي سعت بي إليكم! فيم هذا الجزع الذي يسيطر عليكم؟ وهذا الحزن لِمَهْ! تكلموا! البدار، اختصروا ما استطعتم فأني عجلان، والآلهة تحدجني من أعماق الدار الآخرة!)

- (نفْرَق أن تنبس أفواهنا بكلمة عما حاق بأعز الناس! إن حبنا له، وجزعنا عليه يمنعنا من أن نقول كلمة!. . .)

- (هذا دأبكم دائماً. . . طالما كنتم تخافون من لا شيء إذن، فتكلمي أنت يا من كنت شريكتي في أهنأ حياة؟ وأرجو أن توجزي ما استطعت.! ما هذه الصيحات التي ترتفع من رعاياي في البر والبحر؟ ما لهم يبكون في كل صوب!) - (مولاي دارا!؟ ملكي! يا من أقمت مجد الوطن، وكنت مُحَسَّداً من أندادك للأبهة التي شادت دعائمها يدك. . . كم أنت اليوم مُحَسَّد كذلك للراحة التي تنعم بها في جوار آلهتك. . .؟ قصتنا موجزة، وتكاد ترويها كلها كلمة واحدة! الإمبراطورية يا مولاي؟ لقد نسج الزمان عليها عناكب الخراب وليس من يقيل عثرتها!!)

- (لِمَهْ؟ هل طاعون سلطه عليها رب الشر؟ أم ثورة جعلت غزلها من بعد قوة أنكاثاً؟)

- (لا هذا ولا ذاك! ولكن. . . جيشنا. . . لقد حطمه القضاء تحت أسوار أثينا!)

- (جيشنا؟ وَمن مِن أبنائي هذا التاعس الذي غامر به ثمة؟)

- (الطائش إجزرسيس! لقد أقفرت آسيا من روض شبابها بسبب تَهَوُّره؟)

- (في البر أم في البحر، حاقت بهم النكبة النكباء!)

- (فيهما معاً يا مولاي!)

- (وكيف تم لهذا العسكر المجْر عبور البَحر إلى هيلاس؟)

- (مهندسوه يا مولاي أقاموا له جسراً عَجَبَاً!)

- (وأي جسر هذا الذي يصبر لأمواج البوسفور وأواذيه؟)

- (كانت أرواح مخربة تنفخ في صدره طيلة ذلك اليوم!)

(وأية ضربة لازب طاحت بجيش فارس وبأسطولها؟ أكان العدو أكثر عدداً وأعز قوة! يا لتعسك يا إجزرسيس! ترى! كم شرذمة نجت من بطشة هذا القضاء؟)

- (ثلة في البر وثلة في البحر. . . وكان هو ينطلق لا يلوى على شيء! حتى عبر إلى آسيا!)

- (إيه يا آلهة! هكذا تديرين رحى الخراب على من يديرها على نفسه! إجزرسيس الطائش! لقد كان شيطانه هواه، فلم يرحم شبابه ولم يترفق بشباب فارس! حسب المأفون أنه يسخر بالآلهة، ليستطيع أن يكتب الأقضية، ويحول مجرى المقادير. . . ألا قد حبط مكره. . . وحاق به سوء تدبيره. . . وبدد في حماقة كل ما ذخرت لفارس من قوة وعتاد. . . وجعل خزائن سوس لأعداء الإمبراطورية نهباً مُقَسماً. . . ألا من أَضلّك يا أتعس الأبناء!)

- (أضلته نفسه، وغلب عليه استبداده، وسَوَّلت له تلك العُصبة من الحمقى والمأفونين) (تعْساً لهم مُشِيري سوءٍ، وإخوان ضلالة! وتعساً له من أُحيْمق، هدم المجد الذي بناه أجداده فرفعوا عماده، ومهدوا له وأرسوا في ساحات النصر أوتاده. . . الشقي الذي نسى نصيحتي فوق سرير الموت، إذْ حذرته من محاربة الهيلانيين!)

- (والآن يا مولانا! أنصح نهتد بك في ظلمات المستقبل)

- (هي نصيحتي أبداً. . . لن تتغير. . . لا تلتحموا في حرب مرة أخرى مع الهلانيين! حتى ولو كان جندكم أكثر من جندهم أضعافاً مضاعفة! إنهم يحاربون من أجل وطنهم المفدى! أما أنتم. . . ففي سبيل أطماعكم تهرق دماء شبابكم! هذا إلى هيلاس نفسها. . . إنها تحارب بجنود لا ترونها في جانب أبنائها!)

- (هيلاس تحارب بجنود لا نراها؟ وكيف؟)

- (أجل! إنها تحارب المغيرين بالمجاعات والأيْن والطواعين! انظروا! إن شراذم مبعثرة تهيم في الآفاق. . لا تلوي على شيء. . . تفر من الميدان! ويلاه! إنها فلول أجنادكم، أصبحت لا تقدر على شيء!. . . لقد تركها القائد الشقي تقاسي من الجوع والعرى والزّمهرير. . . أشباح وسمادير، يرنق فوقها الموت عند كل أكمة!! إجزرسيس! يا أتعس الأبناء! ذق إنك أنت العزيز الكريم! فيتم استباح جنودك معابد الآلهة وأقداس الأرباب! لقد دنسوا هياكل القوم، وسلبوا معابدهم، وكسروا أوثانهم. . . فليذوقوا إذن وبال أمرهم، ولترو من دمائهم رماح الأسبرطيين. . . وليؤدوا الدين من خزائن أرواحهم مُهَجاً غالية!! يا للآلهة!! ما أقساه درساً ألقيته على كبرياء بني الموتى وخيلائهم!! زيوس يا سيد الأولمب! يا كبير الآلهة ذا الطول، يا شديد الانتقام! ما أهول بطشك حين تأزف ساعته. . . وما أبلغ حلمك!)

أيتها الملكة! يا أم إجزرسيس! يا أم ولدي التاعس! هلمي فالبسي أبهى حلك ذات الأوشية، وانطلقي فالقي ولدك المحزون! رفهي عنه وواسيه بكلمة طيبة لن يحتملها إلا منك، وبلغيه نصائحي. . .)

أما أنتم يا رفاق صباي! فالسلام عليكم. . . لتثلج صدوركم ولتطلب نفوسكم. . . لقد فرغتم من زينة هذه الحياة الدنيا التي لا تسير في ركاب الموتى إلى الدار الآخرة)

(يغيب الشبح) - 8 -

ويرسل الأشياخ الفارسيون النُّجب زفرة كأنها لفحة من جهنم، ويعبسون عبوسةً سادرةً حزينة لما يتحيف الوطن من أشجان، ثم تمضي الملكة لتضفي عليها من أبهى وشْى فارس ولؤلؤ بحرها العجيب، ولتذهب فتلقى ولدها المقهور المنهزم، الذي عاد من حلبة هيلاس يجرر أذيال الخيبة، ويتهالك على نفسه في أسمال الخزي والانكسار. . . (ولدي إجزرسيس! الذي لا بد له في هذه المحنة من قلب الأم يضمه ويحنو عليه، ويقشع عن عينيه ديجور الهم، ويعيد إليه مسرة الدنيا وحبور الحياة!)

- 9 -

أما الخورس - وهم أولئك الأشياخ الوقورون - فيهزجون بنشيد طويل يذرفون فيه دموعهم على مجد الأكاسرة الغابر، ويبكون على أيام كانت فارس سيدة الأرض ومؤدبة الأمم، ويذكرون الهزائم التي حاقت بجيوشهم في البر والبحر. . . (وشبح الخراب الذي ينوء بكلكله على المدائن والقرى، واليتم والجزع والبكاء التي تغزو كل بيت، وتمزق صدر كل أم) وإفلات الأيالات الفارسية في غرب آسيا وشمال هيلاس من قبضة الفرس. . . حتى لو شاء الهيلانيون غزو فارس نفسها لما استعصت عليهم

- 10 -

(يدخل إجزرسيس متخاذلاً)

- (واشجوى!)

لقد جل الخطب، وفدحت قاصمة الظهر، وامتداد يد الحدثان إلى زهرتك يا فارس، يا وطني، فقضت عليها في ريعان، وأذبلت غصنها إذ هو ناضر ريان، وجعلتها قصة في كتاب الزمان! ويحي! كيف لي أن ألقي ساداتك أيها الوطن وقد خذلت هيلاس قواي، وخانت تجلدي واصطباري! ألا ليتني لقيً بين أشلاء جنودي، ألا ليت كثيباً مهيلاً طواني في ساحة المجد، فلم أعد إليك يا بلادي! لقد كان ثمة عزاء لي بين القتلى من صناديدي!)

- (أهذا أنت يا إجزرسيس! ويلاه! من للأبهة والمجد! من للجيوش الجرارة والجنود المظفّرة! من للكواكب والرايات! أين أين القادة الصيد، والأبطال الصناديد والمغاوير المذاويد؟ لقد انتفضت فارس تبكي أفلاذ أكبادها فأين تركتهم دون وليٍّ ولا نصير؟ أكانت تعدهم لهذا العبث الذي قذفت بهم فيه وهم زهرتها وذخيرتها وعتادها؟ ويلاه! يا للساعة ويا للحساب العسير؟ لقد كان أجدر لو لم تلقك آسيا أيها الملك كسيرة القلب مهيضة الجناح، لا حول لها ولا طول، ولا مجير ولا هاد!)

- (زهٍ! زهٍ! يا سادات فارس! يا للحظ العاثر والمجد الغابر! أو هكذا يا رب تخزيني ملء رعيتي وبين جدران بيتي؟)

- (بل نحييك بالصراخ والعويل كما كان المارياندون يحيون موتاهم. . .)

- (إذن، فهلموا فابكوا! لتنهمر دموعكم حتى ما تجف، ولتشق السموات آهاتكم حتى ما تقف! ألا ما حيلتي؟ لقد اتحدت عليّ الأقدار، واسودت في صحائف غيبي الحظوظ!)

- (بل نحن نصرخ في وجهك صرخة فارس التي كلها ألم وشجو. . .)

- (وا أسفاه! ماذا عساني كنت صانعاً وقد اتحد مارس وملؤه عليّ!)

- (بل قل لنا أيها الملك! أين أين أكايرتا؟ أين أين السوسيون والفرندسيون والبلاجيون وغيرهم وغيرهم من أشراف القبائل والبطون والأفخاذ؟

- (غرق من غرق، وغال الردى في الميدان من غال في يم سلاميس وبرية بلاتيه.)

- (بل أجب هذه الدموع وحرق الضلوع! أين أين المظفر فرْنوخوس وأريوماردوس الصالح، وأمير الأمراء سيوالكوس! وأين أين القنابل ذات الأيد من مازستراس وسيرابيس وممفيس!. . .

- (ابتلعهم اليم. . . ثم لفظهم الدأماء! ودارت عليهم المنايا أغربة سوداً وغرابيب لا تبقي ولا تذر!. . . فلا قائد اليوم ولا مقود!!)

- (يا للنكبة! يا للثمن الفادح! يا لزهرة شبابك يا فارس في هذا الرزء الذي ليس كمثله رزء، والمصاب الذي دونه كل مصاب!! إذن ماذا بقي للوطن أيها الرجل؟)

- (هذه الأسمال التي ترونها لا تكاد تستر جسد مولاكم!!

- (أهي كل ما بقي من الغرق و. . . الهزيمة؟

- (وهذا البيت الخاوي على عروشه. . . وكانت إليه خزائن الأرض من قبل؟ ماذا بقي لنا؟ لقد تفرق عني جميع أعواني أباديد! - (ألا ما كان أشجع اليونانيين في هذه الحرب!

- (ألا ما كان أشجعهم حقاً! أبداً ما رأت عيناي أشجع منهم! لقد ظفروا بنا وأظهرتهم آلهتهم علينا، فلنا الخزي السرمدي، ولهم المجد الأبدي؟

- (ويلاه! إذاً سحقت كل قوة فارس!

- (عن بكرة أبيها! وليس لنا الآن إلا البكاء والنحيب! فرددوا بكائي وأسْعِدوا يا سادات

- (أي إسعاد أيها الملك وقد قضت علينا ضربة لازب!

(يبكون. . . ثم يعولون)

- (رددوا آلامي، فما أشجاكم أشجاني!

- (ألا من يرثي لنا. . . يا للشجو. . . يا للشجو!!

- (وبللوا تلك اللِّحى. . . اذرفوا عبراتكم يا رفاق!

(يأخذ الأشياخ في البكاء، ويشتد عويلهم، ثم يشقون جيوبهم. . . . . . . . . . . . . . .)

- (غفرانك يا فارس! غفرانك يا دارة المجد، وهالة العظموت! هلموا يا سادة! هلموا إلى الهيكل. . . إلى النار المقدسة.)

دريني خشبة