الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 152/البَريدُ الأدَبيّ

مجلة الرسالة/العدد 152/البَريدُ الأدَبيّ

بتاريخ: 01 - 06 - 1936


هنري دي رينيه

من أنباء باريس الأخيرة أن الشاعر والكاتب القصصي الكبير هنري دي رينيه قد توفي في الرابع والعشرين من مايو؛ وبذا يكون قد توفي في أيام قلائل عضوان من أسطع أعضاء الأكاديمية الفرنسية، هما الأستاذ هنري روبير المحامي الأشهر (وقد ترجمناه في العدد الماضي) وهنري رينيه، وخلا بذلك كرسيان في مجتمع الخالدين. وقد ولد هنري فرانسوا دي رينيه في ديسمبر سنة 1864 في هونفلور من أعمال كالفادوس من مقاطعات الحدود؛ وكان أبوه هنري شارل دي رينيه مفتشاً في الجمارك، وتلقى الكاتب دراسته في كلية ستانسلاس، ودرس القانون؛ ولكنه انصرف منذ حداثته إلى الأدب؛ وبدأ بقرض الشعر قبل أن يبلغ العشرين، وفي سنة 1885، أصدر أول مجموعة شعرية، عنوانها (أيام الغد) فأصابت نجاحاً وأتبعها بعد ذلك بعدة مجموعات أخرى نذكر منها: (أوسمة دارجيل) ' و (فستيا الملتهبة) وعالج هنري دي رينيه كتابة القصص في نفس الوقت، وظهر منذ أواخر القرن الماضي بقصصه القوية الخصبة؛ ومن أشهر قصصه (عصا جاسب) (سنة 1895)، و (العشيقة المزدوجة) (سنة 1900) و (فراغ فتى عاقل) ' (سنة 1903)، و (الخوف من الهوى) ' (سنة 1907) ' (سنة 1912) و (وهم تيتوباسي) ' (سنة 1916) و (الخاطئة) (سنة 1920) و (الفرار) ' وغيرها

وكان هنري دي رينيه أيضاً صحفياً من الطراز الأول، يعالج المسائل الاجتماعية والأدبية في الصحف الكبرى بقوة وبراعة؛

وقد تبوأ كرسيه بين الخالدين في الأكاديمية الفرنسية منذ أعوام طويلة

حياة لايدي هستر العجيبة

تتفوق حوادث التاريخ أحياناً على القصة في غرابتها وروعة ظروفها؛ ومن ذلك حياة (لايدي هستر ستانهوب) الإنكليزية التي خاضت في أوائل القرن التاسع عشر غمار رحلات وحوادث مدهشة في تركيا ومصر وسوريا. وقد صدر أخيراً بالإنكليزية كتاب عن هذه السيدة المغامرة عنوانه بقلم السيدة جوان هاسلب

وقد نشأت اللايدي هستر في أسرة نبيلة في أواخر القرن الثامن عشر، وهي ابنة أخت لوليم بيث الوزير الإنكليزي الشهير، ولم تكن فتاة حسناء. ولكنها كانت تتمتع بجاذبية نسوية غريبة؛ ولم تصادف في بدء حياتها نجاحاً في المجتمع الإنكليزي ولا قبولاً في بلاط الملك جورج الثالث؛ بيد أنها اتصلت صلات غرامية ببعض رجالات العصر، مثل اللورد جرانفيل لنيفنسون والسير جون مور القائد الشهير؛ ثم عافت المجتمع الإنكليزي ونقمت عليه لما لقيت فيه من إعراض وخصومة، وغادرت إنكلترا في سنة 1810 لكي لا تعود إليها إلى الأبد. وبعد أن زارت جبل طارق ومالطه ذهبت إلى اليونان وهنالك لقيت الشاعر بيرون؛ ولكنهما لم يتفاهما؛ فسافرت إلى استانبول؛ وهناك اتصلت ببلاط السلطان محمود، وتركت لنا وصفاً شائقاً عن بلاطه وحاشيته وحفلاته. وإليك نبذة ظريفة تصف خروج السلطان إلى السلاملك في يوم الجمعة:

(يركض البستانية صائحين (أفسحوا لجلالة السلطان أمير المؤمنين) وهم يلوحون بأسواطهم المعقودة؛ بينما تنتظم في الشارع فرق من جند الانكشارية ترد الجموع؛ ويبدأ الموكب بالسقائين يرشون الشارع، ثم كوكبة من الفرسان ذوي اللحى تحيط بها جماعة زاهية تحمل أدوات القهوة السلطانية وسيف السلطان وشبكة في أوعية ساطعة)

وبعد أن لبثت لايدي هستر حيناً في استامبول سافرت إلى مصر، واتصلت في الحال بمحمد علي، وزارته في قصره الفخم بالأزبكية فأكرمها، وأنس بلقائها؛ ونوهت اللايدي هستر فيما بعد بكرمه وذكرت أنه اعتاد أن يقف للقائها؛ وفي ذات يوم نظم محمد علي عرضاً عسكرياً إكراماً لها، وعرض فيه الكولونل سيف (سليمان باشا) القوى البدوية، وبعد نهاية العرض قدم لها محمد جوادين هدية منه

بيد أن اللايدي هستر رغم ذلك تصف مصر بأنها مريعة، بأزقة ضيقة، وروائح كريهة، وشوارع متربة

وسافرت لايدي هستر بعد ذلك إلى فلسطين ثم إلى الشام، وهنالك تعرفت بالأمير الشهابي وتوثقت بينهما أواصر الصداقة؛ ثم سارت إلى تدمر حيث أعلنت نفسها ملكة على بعض قبائل البدو، وحصنت قصرها في جبل الياس، والتف حولها كثير من الدروز والنيصرية؛ ولما غزا إبراهيم الشام احترم قصرها ولم يهاجمها، وبلغ حب بعض السوريين لها أن كانوا يعتبرونها شبه قديسة، بل إن بعض الدروز اليوم يضعونها بين آلهتهم وتوفيت تلك المرأة العجيبة في يونيه سنة 1839، ودفنت هناك في روضة بديعة

هذا ملخص الحياة المدهشة التي خاضت غمارها اللايدي هستر ستانهوب، والتي تصفها لنا المس هاسلب في كتابها وصفاً بديعاً شائقاً

وتختتم المؤلفة كتابها بوصف بطلتها بأنها كانت (خاتمة ذوي الشذوذ والأطوار الغريبة في القرن الثامن عشر، وأول الممهدين للحياة الجديدة في القرن التاسع عشر)

العلم والدين

يقول الأستاذ هكسلي في فصل نشره في إحدى المجلات الكبرى إن أصحاب النظريات العقلية في القرن التاسع عشر كانوا على يقين من أن ما يسمونه (النزاع بين العلم والدين) سينتهي حتماً بهزيمة الدين، ولكن تأريخ العصر الحديث أثبت أن هذه النظرية لا أساس لها. ذلك أن العلم لم يهدم الدين، ولكنه نقله فقط من ميدان إلى آخر؛ وقد كان من أخطاء أجدادنا أنهم كانوا يتصورون العلم والدين عدوين يحارب أحدهما الآخر، وأن العلم أمضى أسلحة من الدين، وأنه سيودي غير بعيد بالدين حتى يغدو جثة لا روح فيها؛ وتلك صورة خاطئة. فالعلم والدين ليسا عدوين، ولكنهما قوتان عظيمتان من قوى الطبيعة

إن الإنسان يفكر والله يدبر؛ ولكن المصلحين لم يظفروا بتحقيق المهمة التي رمزوا إلى تحقيقها، وهي القضاء على الأوهام والخرافات التقليدية التي تدخل الدين بغير حق. وقد أحرزوا في هذا السبيل نجاحا محدودا؛ ولكنهم هيئوا بجهودهم ميدانا لأنواع أخرى من العادات والتعصب، ربما كانت أسوأ من الخرافات الأولى؛ فهنالك اليوم من ضروب العبادة القومية والتعصب القومي والجنسي ما لا يقاس في حدته وروعته بتلك العواطف الساذجة التي جهد المصلحون للقضاء عليها

الحفريات الأثرية في فلسطين

تعمل الآن في فلسطين عدة بعثات علمية في الحفريات الأثرية، بعضها يعني بالعصر اليهودي، وبعضها بالعصر الروماني، والبعض الآخر بعصر المسيح. وقد نشرت مجلة المباحث الأثرية الفلسطينية التي تصدرها مطبعة جامعة اكسفورد في عددها الأخير بيانات جامعة عن النتائج الأثرية التي انتهت إليها جهود هذه البعثات؛ ففي بيت لحم، عثر المنقبون تحت كنيسة المهد على آثار كنيسة أخرى أقدم منها، ووجدت بعض آثار للفسيفساء القديمة تحت بلاط الكنيسة الحالية؛ ووجدت أقسام الكنيسة القديمة واضحة، ولكن لم يبق منها سوى بعض جدران متهدمة؛ بيد أن ما وجد من البناء والفسيفساء يكفي لتكوين فكرة حسنة عن هندسة هذه الكنيسة القديمة وطرازها

وكشفت الحفريات في تل حسن بالقرب من أريحا عن كنيسة بيزنطية قديمة قد أزيلت تماماً، ولكن أمكن إعادة معالمها من آثار الفسيفساء التي وجدت؛ وقد كانت على ما يظهر من طراز البازيليكا القديمة، ذات فناء متوسط ورواقين في الجانبين، تفصلهما حنايا معقودة؛ وقد كانت الفسيفساء في حالة حسنة، وهي تشبه تلك التي وجدت تحت بلاط كنيسة المهد؛ ويرى المكتشفون أنها ربما كانت الكنيسة التي خصصت للعذراء مريم، وقام بإصلاحها الإمبراطور يوستنيان حسبما يذكر المؤرخ بروكوبيوس

ووجد هنا وهنالك كثير من الآنية الخزفية؛ وقد أثارت هذه الآنية بين العلماء المكتشفين كثيرا من الجدل، واعتقد بعضهم أنه ظفر من بينها بآنية ترجع إلى عصر حرب طراودة الشهيرة التي نظم عنها هوميروس إلياذته الخالدة

وتجري في نفس الوقت حفريات متعددة في جهة الناصرة، حيث يظن أن المسيح قضى حداثته وشبابه

الإسلام في المجر

يطوف السيد حسين حلمي مفتي بودابست ببلاد الهند لجمع تبرعات تساعد مسلمي المجر على تشييد مسجد ومدرسة لتعليم أولاد المسلمين. وقد نشرت مجلة (الإسلام) التي تصدر بالإنجليزية في سنغافورة حديثا مع الأستاذ راسوليفتس محمد بك سكرتير الجمعية الإسلامية ببودابست عن حالة المسلمين في المجر، فكان مما ذكره أن عدد المسلمين يبلغ الآن زهاء ثلاثة آلاف نسمة ومن المحزن أن حالتهم الاجتماعية في تدهور رغم أن البرلمان المجري اعترف في عام 1916 بالإسلام كدين من أديان الدولة، وأكثر المسلمين في حالة فقر مدقع، وهم في حاجة ماسة إلى عطف العالم الإسلامي واهتمامه بهم. فأولادهم يضطرون إلى التعلم في مدارس المسيحيين والتزوج من بناتهم. ولا يوجد في كافة بلاد المجر مسجد لإقامة الصلاة مع العلم أنه كان في بودابست وحدها 40 مسجدا أيام الدولة العثمانية وتوجد اليوم في بودابست جمعية إسلامية تأسست في عام 1916 باسم (جمعية جول بابا) وقد جعلت مهمتها السعي في بناء مسجد ببودابست ومدرسة لتعليم أولاد المسلمين وتثقيفهم في أصول دينهم، وقد منحتها الحكومة قطعة أرض لتشييد المسجد، لكنها لا تجد المال الكافي للبناء، ومن المؤسف حقاً أن المسلمين يجتمعون لصلاة الجمعة في بهو فندق يستأجرونه خصيصاً لهذه الغاية. أما في الأعياد والمواسم فهم يجتمعون في ضريح ولي مسلم مدفون بأطراف بودابست واسمه (جول بابا)

معهد فني للجنائيات

من أنباء السويد أن معهد الجنائيات الفني الملحق بجامعة ستوكهلم قد افتتح في بنائه الجديد المجهز بأحدث الوسائل والمخترعات الفنية؛ ويقال إنه الآن أحدث معهد جنائي من نوعه إذا استثنينا معهد البوليس البريطاني

وقد كان هذا المعهد حتى اليوم منقسما إلى عدة أقسام؛ ومع ذلك فقد كان يجذب إليه الطلبة والفنيين من كل صوب ليدرسوا في أقسامه المختلفة التي اشتهرت بدقة أبحاثها الفنية؛ وكان يؤمه بالأخص رجال البوليس من السويد والنرويج والدنماركة وفلندة وكذلك بعض رجال البوليس الإنكليزي (اسكتلنديارد) لينتفعوا بتجاربه ومعلوماته

ويدرس الآن في هذا المعهد عدد كبير من المحاميين لدى المحاكم الجنائية وضباط البوليس، وفيه عدا ذلك نحو أربعمائة طالب يدرسون في أقسامه المختلفة طرق مكافحة الجرائم واستكشافها

كشف طبي خطير في علاج البلهارسيا

الدكتور محمد خليل عبد الخالق بك أستاذ علم الطفيليات بكلية الطب، ومدير معهد الأبحاث بوزارة الصحة، قد عرف بأبحاثه واكتشافاته الطبية العديدة، وامتد الاعتراف بكفاءته إلى الدوائر العلمية الأجنبية، فسجلت اسمه في قائمة العلماء الباحثين

وقد حدث منذ شهرين أن وفد على معهد الأبحاث طفل في التاسعة من عمره مريض بالبلهارسيا، وقام المعهد بعلاجه عن طريق الحقن بمركبات الأنتيمون، وهي الطريقة المتبعة في مثل هذه الحالات، ولكن الطفل عقب تناوله الحقنة الثامنة توفي بغتة، واتضح من تقرير الطبيب الشرعي أن حقن الطفل تم على حسب الأصول الفنية

ولقد شغل هذا الحادث ذهن الدكتور خليل بك، وما زال به اهتمامه وتفكيره حتى اهتدى إلى كشف السر فيه وفي أمثاله من الحوادث، فدعا جمهرة من الأطباء إلى قاعة المحاضرات بكلية الطب لشرح كشفه والمناقشة فيه

وقد انعقد الإجماع على أن هذا الاكتشاف قد وضع أساساً جديداً لعلاج البلهارسيا، وسيكون من أثره:

أولاً - إنقاذ حياة ألفي مصاب بالبلهارسيا يموتون فجأة في كل عام، وقد كانت وفاتهم مبعث حيرة كبيرة بين الأطباء المعالجين والأطباء الشرعيين

ثانياً - ضمان الشفاء لعشرات الآلاف الذين كانوا فيما مضى لا يتمتعون به كلاماً حاسماً في أوجز وقت وبأقل تكاليف

ويقدر عدد المصابين بالبلهارسيا في ريف مصر وصعيدها بعشرة ملايين يتقدم منهم للعلاج سنوياً زهاء مليون ويموت منهم فجأة ألفان تقريباً، ولم يكن في مقدور العلم أن يتكهن بتلك الوفيات الفجائية التي أشرنا إليها، ولا كان في مقدوره ضمان القضاء على الداء الوبيل قضاء مبرماً. أما اليوم فقد توصل الدكتور خليل بك إلى اكتشاف طريقة بسيطة كيميائية تمكن الممرض أو مساعد الطبيب أن يجربها؛ وهي طريقة يعرف بها على وجه التحقيق المسائل الآتية:

1 - هل يفرز المريض أكثر الدواء الذي يعطى له، ولا يمكث في جسمه إلا قليل منه لا يكفي لقتل الديدان المسببة للبلهارسيا، وعلى ذلك يصعب شفاؤه بالجرعة المعتادة؟

2 - هل المريض لا يفرز الدواء مطلقاً، أو يفرزه بمقادير ضئيلة، وعلى ذلك يتراكم في جسمه ويسممه، فيموت فجأة إذا بذل أقل مجهود عضلي؟

3 - هل المريض يفرز الدواء بمقادير عادية، وعلى ذلك يشفى؟ والأكثرية من المرضى من هذا القبيل

وقد أثبت ذلك الاكتشاف أن تقدير الجرعات في علاج البلهارسيا بمركبات الأنتيمون ومنها الفؤادين كان أساسه خاطئاً إذ أن الجرعة كانت تقدر حسب السن أو وزن الجسم من غير مراعاة لتفاوت الأشخاص في سرعة إفراز الدواء ومقدار هذا الإفراز. وليس مجهولاً أن القيمة الشفائية الفعلية لمثل هذه العقاقير لا تتوقف على مقدار ما يدخل الجسم منها فقط، بل تتوقف أيضاً على ما يمكث منها فيه؛ ومن الطبيعي أنه إذا تفاوت الأشخاص في إفراز هذه العقاقير اختلف تأثيرها تبعاً لذلك، وهذا ما أثبته الدكتور خليل بك بتجارب كيميائية أجريت أمام الجمعية الطبية المصرية

ويتلخص الكشف الذي اهتدى إليه الدكتور لتعيين نسبة الإفراز في كل جسم في أخذ تفسرة من بول المريض قبل الحقن لتعرف هل يحتوي البول على مادة مماثلة للمادة التي سيحقن بها أولا؛ ثم يحقن المريض وتؤخذ تفسرة أخرى من بوله بعد نصف ساعة تقدر بخمسة سنتيمترات، ويضاف إليها مثلها من محلول كيميائي مركب من كلور الحديد يضاف إليه نشادر قوي مطهر. فإذا كان في البول إفراز من المادة المحقون بها احمر لونه، وإذا لم يكن هناك إفراز ظل اللون على حاله الطبيعية، ثم تؤخذ تفسرة أخرى بعد ثلاث ساعات وتكرر معها التجربة ذاتها