الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 148/الحياة الأدبية بالمغرب

مجلة الرسالة/العدد 148/الحياة الأدبية بالمغرب

بتاريخ: 04 - 05 - 1936


بقلم محمد عبد المجيد بن جلون

لقد حان أن نتكلم نحن أيضاً عن الحياة الأدبية في بلادنا، فـ (الرسالة) سائرة تتحدث عن الأدب في الأقطار العربية، التي - وإن بددتها الأطماع السياسية - ستظل تجمعها لغة الضاد إلى ما شاء الله. ونعني بالمغرب المغرب الأقصى، وبالأدب الأدب الحديث؛ أما الأدب القديم فنود أن نرجع إليه في مناسبة أخرى لما شاع في المشرق من أن المغرب قطر لم يساهم في الأدب العربي، وتلك حقيقة اكتشفها مؤلفا كتاب: (المطرب في تاريخ الأندلس والمغرب) محمد عجاج، وعلي سعد؛ ومصدر ذلك هو الجهل بالمغرب وتاريخه. والمؤلفان معذوران - إلى حد ما - لأن تاريخ المغرب - الأدبي منه بنوع خاص - لا يزال في ظلمات المكاتب، إلا قليلاً؛ على أن هذا القليل نفسه لا يسمح لنا أن نحكم بأن المغرب ليس له أدب قديم؛ وما نريد أن نزيدهما على ما كتب في هذا الموضوع أستاذنا محمد علال الفاسي (المغرب الجديد - عدد 3 - السنة الأولى)

وبعد، فما هي حالة الأدب العربي بالمغرب اليوم؟ لقد أجهدت نفسي في أن أصل إلى جواب أطمئن إليه عن هذا السؤال، فما وجدت الحقيقة إلا في أنها حالة ضعيفة؛ فما هي الكتب الأدبية - بالمعنى الصحيح - التي يصدرها المغرب؟. . . . . أعفني بربك أيها القارئ، فالحقيقة مرة، وقلبي يضطرب عند ذكرها اضطراباً

وإذ عدمنا الكتب فلنتساءل عن الصحف. إن كل ما يصدره المغرب مجلتان أدبيتان: الأولى (مجلة المغرب) للأستاذ محمد الصالح ميسة برباط الفتح، والثانية (المغرب الجديد) للأستاذ محمد المكي الناصري بتطوان، اجتازت الأولى مرحلة أربع سنوات، والثانية أتمت سنتها الأولى منذ قريب. فما قيمة ما تنشر هاتان المجلتان؟ ذلك ما نريد أن نتحدث عنه الآن باختصار

فأولاً يجب أن تعلم أن المجلات المصرية - يا للمجلات المصرية! - طغت عليهما إلى درجة أن إحداهما لا تباع في فاس، لأنها فقدت المشتري بالمرة وهما معاً تصدران شهرياً، فلننظر الآن ما في هاته المجموعات

أما ما يسمى بالبحث الأدبي ففيها الكثير، خصوصاً حول الأدب العربي في المغرب قديماً، فهذا البحث الذي يتابع نشره الأستاذ محمد علال الفاسي على الطريقة الحديثة، عن أبي علي اليوسي، وبحثه القيم يبهر القارئ؛ وهو يكتب الآن بحثاً عن أثر شعر المتنبي في المغرب بمناسبة ذكراه الألفية، وموضوع كهذا، في وقت بالمغرب كهذا، يصدر بهذا العنوان الخطير، يكاد لا يصدقه العقل، وأحكم على البحث بالبراعة والإلمام بالموضوع لأنني اطلعت على جزء منه

وأما إذا بحثت عما يسمى بالإنتاج الأدبي، فذلك ما لا تعثر عليه، فليس يدور بخلد المغربي أن يعالج القصة، بل القصة عنده لهو وعبث يجب أن يضن عليه بوقته الثمين. . . وهناك شعر قليل ولكنه نظم ليس إلا، ذلك أن المغاربة يجهلون الشعر تماماً، اللهم إلا قواعد جافة لا تسمن ولا تغني من جوع. والذين يزعمون أنهم شعراء يزعمون كذلك أنهم أعلى من أن يحدثهم طه حسين مثلاً عن فن الشعر. يقلدون القدماء ويقفون ويستوقفون، مما كان سائغاً في العصور الغابرة أيام الناقة والجمل، أما اليوم فكل هذا محاكاة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليست من الشعر في شيء. كذلك يفقدون المثل الأعلى، وإنما هو هذيان يجري إلى غير غاية، ومعان مفككة، وهم ضعفاء الخيال، والحقيقة أن حالة المغرب الاجتماعية لها الأثر الفعال في هاته الناحية، وهنا أستثني شاعر شبابنا الأستاذ محمد علال العباسي فاسمع هاته النغمات الحلوة يرسلها قلب عليم قد امتلأ حباً لهذا الوطن العزيز:

وإذا متُّ عليه فأنا ... مطمئن لرضاه المثمن

فاغسلوا بالماء منه بدني ... واجعلوا نسج بنيه كفني

وادفنوني في ثراه وضعوا ... فوق قبري منه زهر السوسن

واكتبوا فوق ضريحي بدمي ... هاهنا قبر شهيد الوطن

وإذا تصورت الشاعر منفياً عن مهد صباه، بعيداً عن الأهل والوطن، في باريس، طلبت منه أن تعيد النظر في هاته الأبيات؛ وهو لا زال لم ينشر ديوانه (روض الملك) بعد؛ وله قصائد رائعة - عند ما كان في باريس تجدها في مجلة السلام، يوم كانت مجلة السلام

وأكثر ما ينشر ويذاع من قصائد للمغاربة رديء سقيم، أشفق على قارئه وسامعه أكثر مما أشفق على قائله. . .

والآفة التي تستولي على المغاربة هي الكسل، وماذا يتطلب قول الشعر. . . هل يحتاج إلى إطلاع في التاريخ أو تحصيل شيء من الفنون. . . هكذا يظنون، فينشأ الكسل

والنهضة المغربية تقوم على أكتاف الشباب الناشئ، فهناك شباب يكتبون لأنفسهم، ويقولون الشعر لها أيضاً، وربما أطلعوا بعض أصدقائهم على ذلك، وبعد هذا فإلى ظلمات الدرج، حيث يعلم الله وحده ماذا يكون بها، وكاتب السطور يعرف جماعة من هؤلاء في فاس اطلع لهم على قصص لا بأس به، وشعر له حظه من الجودة يبشران بمستقبل حافل. إذن فالأمل في الشباب الناشئ الذي يقرأ بنهم ما يكتبه أفذاذ الشرق، فاعتدلت بذلك أفكاره نوعاً من الاعتدال، ويوشك إن هو استمر على اجتهاده أن يكون منه أدباء، يبذرون في الأرض المغربية الخصبة بذور الأدب الصحيح، بل إني أؤكد أن هؤلاء الناشئين لابد أن يكون لهم شأن، فما كانت هاته الجهود لتضيع هباء

بهذه اللمحة الموجزة تستطيع أن تتبين ما في المغرب من أدب، وأن نستنتج أنه في الحالة الحاضرة ضعيف الأدب، وأنه وإن لم يكن ميتاً فهو قريب من ذلك، وأن حالة الناشئة تبشر بمستقبل زاهر قريب، لما لهذا الشباب الطموح من عزيمة

والعقلية المغربية أقرب إلى العلم منها إلى أي شيء آخر، ولو كنا نتحدث عن الحالة العلمية لطال بنا الحديث، خصوصاً ما يلقى في جامعة القرويين من دروس جامعة مع اعترافنا بما فيها من نقص وما تحتاج إليه من تهذيب

ولعله استرعى نظرك أننا ما ذكرنا غير الأستاذ محمد علال العباسي فليس معنى ذلك أنه ليس في المغرب غيره، ولكن معناه، أنه - في نظري - أعدل إخوانه الأدباء رأياً، وأقربهم إلى الصواب، فهو أديب حقاً، وله نفسية الأديب، ويحيا حياته. وكل من يعرف وداعته وأخلاقه يطمئن إلى ما نقول، بيد أنه لا يصرف كل أوقاته - ولا جلها - في الأدب، بل اشتغاله به محدود ضيق الدائرة، ولو كان يفعل لكان أديباً جباراً فما خُلق إلا ليكون أديباً

بقي أن نقول إن القرويين والمدارس القومية والحكومية كلها تحمد وتعاب، غير أن أفضل معهد للدرس هو القرويين. ولو كان أبناء (الكولج ومولاي إدريس) يشتغلون بالعربية. لكانوا أنجب من أبناء القرويين، ولكن كل همهم في الأدب الفرنسي والتفرنج، وهم زيادة على ذلك يعيشون في ظلام لا يستطيعون السير فيه وحدهم

وهنا ننوه بما (للرسالة) الغراء على أبناء المغرب من فضل. فإليها يرجع طموح الناشئة، على هداها يسيرون، وبنورها يهتدون؛ فشكراً لك (يا رسالة) الحياة، ولك أنت يا مصر الشقيقة، فلن تجدي في المغرب نكراناً للجميل

فاس

محمد عبد المجيد بن جلون