مجلة الرسالة/العدد 148/رسالة الأزهر في القرن العشرين
→ أعلام الإسلام | مجلة الرسالة - العدد 148 رسالة الأزهر في القرن العشرين [[مؤلف:|]] |
الحياة الأدبية بالمغرب ← |
بتاريخ: 04 - 05 - 1936 |
للأستاذ المسيحي لبيب الرياشي
مؤلف كتاب (نفسية الرسول العربي)
رسالة الأزهر في هذا القرن، القرن العشرين المسيحي!. . أم القرن الرابع عشر المحمدي؟ - هي تصير رسالة الرسول العربي العالمي المقدسة في القرن الأول المحمدي منذ ألف عام وثلثمائة عام وستين عاما وثمانية أعوام (1368)
أجل هي تصير رسالته مذ تحنث وتعبد فتجرد إلى أن غطه الوحي فعلم، إلى أن حمى التنزيل وتتابع - فجاهد وعلم وأنذر وبشر - فبلغ
بشر بالحكمة والموعظة الحسنة الناس جميعاً (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)
أنذر وبشر وعلم - بفؤاد وادع وقلب سليم وسريرة طاهرة - فبلغ: (ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك) إلى أن أكمل جهوده وأتم رسالته واستودعها الفرقان الحكيم. وجعل قيمين على تنفيذها سرائر صحابته وتضحية المؤمنين بنبوءته ليعملوا بما أوحى إليه وأنزل عليه ويجاهدوا وينيروا
يجاهدوا وينيروا - البشر جميعاً بدين الفطرة، والإخاء، والشورى، والمساواة، والعدل، والعلم، والحكمة، والحجة، والضمير، والحرية، والجرأة، والصراحة، والاستقلال، وقرة أعين في الدنيا (ورضوان من الله أكبر) في الآخرة
إذن على أسس هذا الواجب العادل، وهذا التمثل الحق، يُرفع هيكل مجيد لرسالة الأزهر في القرن الرابع عشر المحمدي أو القرن العشرين كما أسمته وزارة المعارف المصرية الجليلة
إذن يرفع هيكل رسالة الأزهر في القرن كما رفع هيكل الإنسانية الإلهي في القرن الأول المحمدي - فيقابل الدور الأول دور التحنث والتعبد والتجرد والعلم، بتحنث وتعبد ودراسة من ينتخبهم الأزهر أم يتجندون للعلم في الأزهر على أن ينتخب الأزهر طلابا من أولي الشعور الخصب وأولي العزم والذكاء العميق، والتحسس الضميري، عشاق التضحية وعشاق الحق ويثقفهم ثقافة كاملة شاملة
ينتخب الأزهر طلابه من الشبان ممن اكتملت صفاتهم تلك ليتعلموا مع علم الدين و الرسول وسنته وسيرته واللغة العربية اللغات الحية العالمية، ويدرسوا الأديان العالمية وتاريخها وفلسفتها وأساطيرها
كل فريق يتخصص للغة حية، ويتخصص لفرع من فروع العلوم ليعلموا عن كل علم جوهره الحق فيكون علمهم علما حقا (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)
قلت ينتخب الأزهر طلابه من الذكور والإناث فلا يحتكر العلم والتبشير الذكور عملاً بالآية الكريمة (والمؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة. . .) ولأن واجبهم في التبشير العالمي واجب الذكور والإناث على سواء
وقلت ينتخب الأزهر طلابه من ذوي الشعور الخصب والذكاء العميق والتحسس الضميري وعشاق التضحية والحق لكي لا يقولوا الله ما لم يقل في كتابتهم سيرة الرسول، ويعملوا الرسول ما لم يعمل في تبيان حياته، ويضعوا في فمه ألفاظا تطهر منها فمه
فيقولون مثلاً (غزوة) لكل واقعة انتصافية، أو تهذيبية، أو تبشيرية
إن الغزوة كتبت بعقلية من كتب بعد مائتي سنة من وفاة الرسول مع ما في من ظاهرة السلب وحب القتال غير المعقول وغير الحق
إن المفهوم والمعقول من الآيات المنزلة عند ما أذن الرسول بالقتال كانت للانتصاف والتهذيب والتبشير لا الغزو (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)
(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) فهل يحب الغزاة الناهبين؟
(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً)
(الذين إن مكناهم في الأرض، أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور)
(وقاتلوا حتى لا تكون فتنة)
تلك هي الآيات الحكيمة المنصفة التي نزلت على الرسول، فمن أين جاء كتاب السيرة ومن تابعهم بالغزو. . . وبالغزوات
ولكي لا يقول الرسول هكذا: تذهب الكثرة من المؤرخين إلى أنهم - أي الصحابة - فكروا وفكر محمد (ص) على رأيهم في الانتقام من قريش لأنفسهم ومبادأتهم بالعداوة والحرب
ولكي لا يقولوه الطعن والشتم والسباب، بقولهم: طعن آلهة قريش، شتمها، سبها، ولكي، ولكي
إن الرسول لم يكن منتقما، وقد حذر الانتقام، ولم يكن سباباً، والحديث الصحيح والقرآن الحكيم ينفيان عنه حب الانتقام والشتم والسباب؛ فمن أي مصدر قرآني، أو حديث صحيح وضعوا في صدر الرسول الانتقام وفي فمه السباب؟؟. . .
إن الرسول فكر في الانتصاف من أعداء الله وأعدائه. فكر في حرية التبشير، فكر في تعليمهم الحق، وعلم بما فكر. فلما لم يذعنوا بالحسنى بعد ثلاثة عشر عاما أذن له في القتال الانتصافي، ولم يسب آلهة قريش، بل عابها. لم يسبها لأن حديثه مشهور: لا تكن سبابا
(ليس المسلم بالسباب ولا بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء)
(إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)
للأسباب المتقدمة التي صهرناها صهراً ننادي الأزهر بيت العلم المحمدي الأول، ونقول: إن واجب رسالته الواجب. الواجب كتابة سيرة للرسول تتفق والقرآن الحكيم؛ وعقلية الرسول البريئة وأعماله الحقة. وقلنا على طلاب الأزهر أن يثقفوا ثقافة جامعة شاملة، لكي لا يرموا قلب الحق بما رماه به كاتب مشهور تعلم في الأزهر، واتصل بالشيخ محمد عبده اتصالاً وثيقاً، وكان من المؤمنين برسالة الرسول ونبوة الرسول!
لكي لا يرموا قلب الحق وإن تعريباً وإن نقلا بقولهم في تأبين من اشتهر بالبخل وحب المال اشتهاره بالذكاء والدهاء
لكي لا يرموا قلب الحق بقولهم
(في مثل هذا اليوم منذ مائة سنة مات الرجل العظيم. مات الرجل الخالد. مات فولتر. ما مات فولتر حتى احدودب ظهره تحت أثقال السنين الطوال وأثقال جلائل الأعمال وأثقال الأمانة العظيمة التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها فحملها وحده، ألا وهي تهذيب السريرة الإنسانية فهذبها فاستنارت فاستقام أمرها. .) وفولتر هذا الذي هذب السريرة الإنسانية فاستقام أمرها، فولتر هذا الذي عظمه مسلم مؤمن وسكب عظمته في صدر كل عربي مسلم. فولتر هذا هو كاتب القصة التمثيلية بعنوان (محمد) ولقد أهداها إلى البابا بنوا الرابع عشر بهذه العبارات (فلتستغفر قداستك لعبد خاضع من أشد الناس إعجاباً بالفضيلة إذا تجرأ فقدم إلى رئيس الديانة الحقيقية ما كتبه ضد مؤسس ديانة كاذبة بربرية. وإلى مَنْ غير وكيل رب السلام، والحقيقة أستطيع أن توجه بنقدي فسق نبي كاذب وأغلاطه؟ فلتأذن لي قداستك في أن أضع قدميك الكتاب ومؤلفه وأن أجرؤ على سؤالك الحماية والبركة وإني مع الإجلال العميق أجثو وأقبل قدميك القديستين
في 17 أغسطس سنة 1745
(فولتر)
ترى لو كان المعرب الذي استعار بلاغة القرآن تثقف الثقافة الحقة الجامعة الشاملة وفهم نفسية من كتب عنه وأعماله وأقواله
ترى لو كان مثقفاً ثقافة صحيحة أكان يقول عن فولتر قوله سواء أكان يقول إن فولتر هذب السريرة البشرية فاستنارات فاستقام أمرها، وإن أمانة هذا التهذيب عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحده؟ ويكون تهذيبه للبشر بهذا الشكل الفاسق غفر الله لمن عرب ولمن ثقف هذه الثقافة
إذن لتكن رسالة الأزهر تعليم اللغات الحية ولتكن رسالته الثقافة الجامعة الشاملة ليطلع طلابه على أهم المسائل فيظهروا الحق حقاً والباطل باطلاً
لتكن رسالة الثقافة الشاملة، فلا يصاب طلاب الحق بأمثال من ذكرت، وبأمثال عالم كتب حياة محمد (ص) وعندما شاء أن يصور كيف خشيت قريش البعث ورعبت من جهنم قال: (أما الجنة التي أعدت للمتقين، وجهنم التي أعدت للظالمين. أما ذلك كله فلم يكن يدور بخاطرها، وذلك كله قد سمعوا به في دين اليهود، وفي دين النصارى). وقال في صفحة ثانية: (والموسوية والعيسوية تصفان حياة الخلد ورضا الله)
لا أعلم أين قرأ المؤلف وصف الخلد، ووصف الجنة وجهنم في الدين الموسوي!
لا جنة ولا جهنم أيها المؤلف الفاضل في الدين الموسوي ولم يرد وصفهما لموسى. إن التوراة اكتفت بقولها: (إن الله له منتقم يفتقد ذنوب الآباء في البنين إلى الجيل الرابع، ومن ثمة يفتقد خطايا الخاطئ وذنوبه بجسمه ونسله وأنعامه ومواشيه فحسب)
مثل هذا القصور في الثقافة لا يليق بمن يكتب حياة أعظم من سار على قدمين من بني البشر - حياة الرسول - لذا ترى أن أول واجبات رسالة الأزهر توسيع دائرة المعارف وتثقيف الطلاب ثقافة جامعة شاملة قبل أن يكتبوا عن الرسول وقبل أن يحللوا الحكمة السامية التي تجسدت في شخص محمد، والأدب الرفيع الذي جلل أقواله وأعماله
جهلت قومه عليه فاغضى ... وأخو الحلم دأبه الأغضاء
وقلنا بالتخصص ليخرج من طلابه نوابغ في أي فرع من فروع العلوم، فإذا تخصصوا ونبغوا حق لهم أن يفسروا القرآن الحكيم لأنهم يومئذ، ويومئذ فقط، يفهمون الآيات الطبية والتشريعية العالمية الدولية والنفسية البشرية، وعلوم الفلك والطبيعيات وو. . . . إن في القرآن مجموعة العلوم البشرية فأنى لغير مجمع كبير علمي أخصائي في أي العلوم يفهمه ويفسره؟ فإذا تخصصت كل فئة لفرع أجادت فهم القرآن وأجادت تفسيره
(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر)
هذه الأطوار الستة وردت في القرآن الحكيم منذ أربعة عشر قرناً أثبتتها الاكتشافات الحديثة أمس (واتخذها الفلاسفة الطبيعيون حجة على أطوار خلق الجنين توافق الأطوار التي نشأت فيها أصول الحيوانات في الأزمنة العريقة في القدم قبل خلق الإنسان بادهار طويلة، وذلك لأن الإنسان يكون في الطور الأول من إنشائه نطفة أشبه بالحيوانات السافلة المساماة بذوات الجوف، ثم يستحيل إلى علقة فيصير أشبه بالسمك، ثم ينسلخ مضغة فيكون شبيهاً بالحيوانات المائية البرية ذوات العمرين، وبعد ذلك يتحول إلى مشابهة أدنى مراتب الحيوانات اللبون وهو حينئذ في بدء الطور الذي ينمو فيه خلقاً سوياً متميزا بخصائصه النوعية)
أنى لغير الطبيب الحكيم أن يفهم عظمة القرآن وعلوم القرآن إذا مرت أمامه الآية الطبية تلك وأمثالها وأنى له أن يفسرها؟
وأنى لغير المشترع أن يعلن بسرعة أن أعظم لجنة ألفتها جمعية الأمم في القرن العشرين مؤلفة من أكبر مشترعي العالم منذ أشهر معدودة لتحكم بين دولتين هما من أعضاء جامعة الأمم
لقد قالت اللجنة التشريعية: مادام أن مجلس الثلاثة عشر قال إن إيطاليا هي المعتدية على الحبشة، ولما كان كلاهما عضو في جامعة الأمم فعلى جامعة الأمم أن تناصر المعتدى عليها
ذلك حكمها. فلنسمع حكم القرآن في مثل هذا الموقف ولنعتبر ولنحترم
لنسمع للحكم السامي الرفيع الذي جاء به الفرقان منذ أربعة عشر قرناً، الحكم الجامع الشامل، الحكم الذي عجز عن الإتيان بمثله أعظم علماء الشرع في القرن العشرين:
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهم. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين)
فإذا اكتملت الثقافة واكتمل التخصص وتعلم اللغات فقد ابتدأ دور الجهاد فأصبحت رسالة الأزهر الثانية والثالثة. أما الدور الرابع فالترجمة وإرسال الوفود تحت كل كوكب للتعليم والإنذار والتبشير بالحكمة والموعظة الحسنة بفؤاد وادع وقلب سليم
وأن يكون من جهاد الأزهر طبع المؤلفات النفيسة عن الرسول وعن القرآن وعمن نصروا الرسول متشرفين بحكمة إمامته العظمى، وليكن من جهاده نشرها
حسب الأزهر أن يقوم بما تقدم لينقل للإنسانية رسالة سامية تطمئن الأصغرين وتسعد في الدارين
الخلاصة عن رسالة الأزهر
1 - أن ينتخب طلابه من ذوي الشعور الخصب وعشاق الحق ليتعلموا مع العلوم الشرعية الأزهرية كلها تاريخ الأديان وفلسفة تلك الأديان وأساطيرها
2 - ليتعلموا اللغات الحية
3 - وأن يكونوا فئات في التخصص كل فريق يتخصص لعلم حتى يجيدوا فهم القرآن الحكيم الجامع لكل العلوم ويجيدوا تفسيره
4 - أن يترجم الأزهر خيرة المؤلفات العربية ذات العلاقة بالدين الإسلامي والرسول العربي إلى اللغات الحية
5 - أن يبعث إرساليات تبشيرية تحت كل كوكب تبشر بالحكمة والموعظة الحسنة للناس جميعا
6 - أن يكتب سيرة الرسول العظيم كتابة تتفق مع ما ورد في الفرقان الحكيم والأحاديث الصحيحة، ورأي المؤرخين السياسيين المنصفين
7 - أن يترجم تلك السيرة، أم الحياة، إلى اللغات الحية جميعها وأن يطبع ما صُنف من المؤلفات النفسية عن الرسول وعن الدين
(دمشق)
لبيب الرياشي