مجلة الرسالة/العدد 142/القصص
→ دراسات أدبية | مجلة الرسالة - العدد 142 القصص [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 23 - 03 - 1936 |
درامة من اسخيلوس
2 - محاكمة أُورست
(الدرامة الثالثة من الأورستية)
المنظر: (في الأكروبوليس بأثينا)
الزمن: (بعد فرار أورست من الأديتون بحقبة غير قصيرة)
(يدخل أورست)
للأستاذ دريني خشبة
- 6 -
- (مينرفا يا ربة العدالة!
هاهو ذا أورست، المنبوذ الطريد، يلجأ إليك بعد لُغوبٍ وأَين، وكد وعناء، يستظل بظلك الوارف، ويلتمس الإنصاف في جوارك، والعدل في حماك، طاوياً إليك القفار من لدن أبوللو، إلهي الذي أنفذني إليك غير مدنس بوزر ولا مُضرّج اليدين بدم، بعد إذ نشأت ربيب غربة وحلْف آلام. . . أصلي لك يا مينرفا وأتبتل! وألوذ بك وأتوسل، أن تتأدني فتنظري في أمري، وتشدي بعدالتك أزري، وتفصلي في الحادث الجلل الذي انتدبني أبوللو له. . . فكان شجني. . . وكان حَزَني!)
وما يكاد أورست يفرغ من صلاته وبثه حتى تدخل ربات الذعر فيروعهن أن يرينه متحنثاً في معبد مينرفا
- (هيا!! إنه هو بعينه! وإن الدم ما ينفك يقطر من يديه الآثمتين! إنه هنا، وقد ذرعنا الأرض باحثات عنه! وإنا لنشم رائحة الدم تنتشر عنه! لنحط به؟ لن يفلت هذه المرة هذا القاتل! لقد اختبأ من قبل في صومعة أبوللو، وهو اليوم يأوي إلى الأكروبوليس ويسجد بين يدي صورة! صورة الخالدة مينرفا! يحسب أنها تضع عنه وزره! تعال تعال! لنمزق لحمك الغض الطري، ولتغتذ بشبابك البض الفينان! ولنقذف بك في حميم الجحيم! إنك لن ترى هناك مظلوما. . . بل هم جميعاً مثلك. . . قتلة. . . آثمون. . . عتوا على أنفسهم وعلى الآلهة وعلى الناس! كل يلقى جزاءه ثمة! فلتسجل عليك هيدز كما سجلت عليهم!)
معاذ الحق يا ربات الذعر! لقد ثقفت الحكمة في معاهد الشفاء! وسترين أنني أدفع عن نفسي تلك التهمة الباطلة، لأن سلطاناً علويا يحل عقدة لساني! هاهي ذي يدي نقية بريئة طاهرة لا أثر للجريمة فيها! لقد اطهرت من الدم الذي ترين أن تأخذنني به، لأن أبوللو، تبارك وتقدس، قد صب عليها شؤبوب رحمته! أنا لم أكن يوماً مجرماً ولا قاتلاً يا ربات؟! ولقد عشت في قوم غرباء سنين عددا، فلمَ أكون مجرماً وقاتلاً اليوم!؟ لم لم أسيء إلى أحد قبل هذه المرة إن كنت آثماً شريراً مجبولاً على إيذاء الغير؟ ستمر الأيام، والزمن وحده زعيم بإظهار براءتي! وهأنذا أدعو مينرفا بفم نقي وشفتين طاهرتين، ولسان خير مُبرَّا أن تسمع إلى نجواي، وتستجيب لندائي، وتكون الفيصل الحق بيني وبينكم؛ فقد كنت، وكل مواطني، عبادها الأمناء. . . وهي لا بد مصيخة إلى صرختي. . . مهما تكن بعيدة الآن في بعض شأنها.)
- (لا يقرن في نفسك أبدا أن يحميك أبوللو، أو تدفع عنك مينرفا ما قدر عليك أن تلقاه جزاء على ما اجترحت وفاقاً!! ستذهب على وجهك على أرض كلها حسك، وفي سبيل موحشة إلا من الهموم والحسرات! خَرسْت! يا قاتل أمه! سنمزق لحمك الذي يتدفق فيه دم خطاياك، وسنأكلك حياً لتكون قرباناً للبطن الذي حملك، فبقرته جزاء له!! ويل لك. . . ويل لك! اصغ إذن لأنشودة موتك، قبل أن نبطش بك!)
- 7 -
وتعزف موسيقى الجحيم!!
فاستمع لها فماً من الرعد، وبوقاً مفزعا من أبواق الدار الآخرة، ولساناً كله ذعر من ألسن هيدز!! لقد طفقت ربات العذاب يرقصن ويغنين، وينفخن في مزامير الموت، فأنكرن من أبوللو حمايته للمجرم الذي سفك دم أمه، ووقوفه في سبيلهن من بعد يمنعهن حقهن في تعذيب القاتل، وتشَكّين من زيوس الذي يمقتهن بغير الحق، مع ما خصتهن ربات القضاء من فضل على الآلهة. . . وتودعن أورست بالويل والثبور، وعظائم الأمور وبالظلمة الغاشية التي تتردى فيها روحه بعد أن يبطشن به
وفيما هن يتغنين أغنيتهن المنكرة، إذا مينرفا تقبل. . . فَيَصْمُتْن!!
- (أوه! لقد تردد في أذني دعاؤكم يا صحب، إذ أنا أجول في الأرض المفتوحة باسمي على شطئان الهلسبنت، فرأيت أن أعود إليكم، حاثة المطى التي تعرج في السموات، حاملة درعي إجبس، فما هي إلا أن خفقت خفقة أو خفقتين، حتى آبت إلى معبدي! ما بالكم؟ من هذا المسكين الراكع عند قدسي المحرم؟ وأنتن! العياذ بالأولمب؟ إنكن لا تشبهن أحداً من الناس، ولا أحدا من الآلهة؟ يا للنكر؟! ولكن. . . معذرة!. . .
- (تباركت يا ابنة زيوس سيد الأولمب وكبير الآلهة! نحن بنات الليل الدجوجيّ. . . ساحرات السُّفْل. . . موطننا الأعماق من هذه الأرض!)
- (أعلم ذلك كله. . . أسماءكن ومثواكن)
- (وتعلمين ما انتدبنا له القدر. . . صيد القتلة وتطهير الأرض من المجرمين!)
- (وإلى أين ينتهي بالقاتل، سافك الدماء، مطافه في هذه الدنيا؟)
- (إلى حيث لا فسحة أمل، ولا مهلة لِسَرّأء!)
- (إذن أنتن تحاصرنه هنا الآن؟)
- (مادام قد رضى لنفسه أن يكون قاتل أمه، ومهرق الدماء!)
- (أعن رضى؟ أم قسره على ذلك شجن لم يكن له به يدان!؟)
- (وأي شجن يقسر على قتل الوالدين؟)
- (لقد سمعت طرفاً واحداً. . . فلأسمع من الطرف الآخر)
- (إن المتهم ليعجز عن الحلف، ومن يدري؟ فقد يقسم حانثا؟؟)
- (يبدو لي أنكن تؤثرن مظهر العدالة على العدالة نفسها؟!)
- (وكيف يا ربة الحكمة الزاخرة؟ خبرينا!)
- (إي وأرباب الأولمب! لا تأبهن بنصر يأتي عن يمين كاذبة!)
- (إذن سَلِيه! واحكمي بيننا بالحق!)
- (وهل تقبلْن أن يكون قراري القرار الفصل؟) - (أجل! إقراراً لما لك من فضل! وما لأبيك من نبل)
- (إذن، أجب أيها البائس بدورك! ولكن، اذكر لنا أولاً: ما أنت؟ وما موطنك؟ وأي غم يلم بك؟ ثم ادفع التهمة عن نفسك إن تكن باطلة، واذكر إن كنت على حق إن صح أنك قتلتها. . . إني لأراك تلوذ بوثني، وتستجير بقدسي، قل. . . أجب. . . تكلم. . . قل الحق. . . والحق الصراح)
وكفكف أورست عبراته، وقال:
- (إلهتي ربة العدالة)
لو كنت مجرماً سفاك دماء ما جسرت أن ألوذ بك، ولما قويت على اقتحام قدسك وتدنيس بساطك والتعلق بوثنك، وإن سفاكا مجبولا على الشر لن يستطيع أن ينبس بدعوى كاذبة في حضرة مينرفا ربة العدالة التي تستشف الأسرار وتدرك خافية القلوب وخائنة الأعين بلمحة طائرة من عينها الصائبة. . . ولقد وقفت أمام آلهة أخرى من قبل، فما كنت أجسر على قولة أرسلها إلا أن تكون حقاً. . . . . . . . . . . . إذن، أنا مواطن من آرجوس، وأبي، يا ويح له من أب، أحد عبادك المخلصين؛ إن لم يكن أحبهم إليك. . . أجاممنون يا ربة العدالة! أجاممنون قائد جندك وأمير أسطولك، الذي أعنته على أعدائك، فأنتصر على بريام وقهر إليوم، وعاد ليسبح بحمدك ويشكر لك. . . ولكن! يا للهول! لقد دبرت له زوجته الآثمة. . . أمي. . . أمي التي خانت عهد زوجها، وداست عرض مملكتها، وفتحت قلبها لغير رجلها. . . أمي هذه يا ربة العدالة قد دبرت لرئيس جندك، وأخلص عبادك قتلة غادرة، تكتنفها الظلمات، وتضرب من حولها الأسرار، فذبحته يوم عودته من الجهاد في سبيلك والذود عن اسمك، غير راعية فيه إلاً ولا مبقية على عهد. . . . . .
ثم لم تبال أن تعترف، وجثته بين يديها، أنها قتلته. . . وأنها صاحبة دمه. . . . . . وكانت قد قذفت بي، إذ أنا طفل أحوج ما يكون إلى حضن أم وفؤاد أب، إلى أعماق منفى سحيق مقفر، أعاني الذل وأدرج في حجر التعاسة، فلما شببت وبلغت الحلم، كان أول واجب علي في الحياة أن أثأر لأبي المظلوم، من أمي الآثمة، فعدت إلى آرجوس وقتلتها. . . أجل. . . قتلتها. . . قتلت المرأة التي قتلت أبي. . . أقر. . . أعترف. . . قتلت أتعس الأمهات، فهل سمعتن يا ربات العذاب وزبانيات جهنم!؟. . . . . . ذلك إذن وزري، إن كان في مثل هذا العمل وزر. . . وقد شاركني فيه أبوللو. . . أوحى إلي أن أقتل أمك. . . فقتلتها. . . ولو لم تكن آثمة من قبل ما أرقت قطرة واحدة من دمها. . .
هذه يا ربة العدالة قضيتي فرَيْ رأيك فيها وأنا قابله. . . وسأخضع له. . .)
وأجهش أورست بالبكاء. . . فبدا التأثر الشديد على وجه إلهة العدالة. . .
- (قضية معضلة، وكان حري بكم يا بني الموتى ألا تضطلعوا بها. . . بل أنا نفسي أكاد أجاوز حدودي حين أقيم من نفسي فيصلاً فيها بينكم! وَيْ! لقد أقدمت على عجل إلى أثينا. . . مقدسي وطوبايْ. . . فيالك من لاجئ مهيض الجناح، مبَلبل الروح. . . في حين تبدو صحيفتك غراء ناصعة!. . . ولكن!. . . أصغ إلي يا أورست! لقد كدت أدعوك مواطناً. . . لولا ما ينبغي لك من إيضاح براءتك، وتمهيد طريقك، ورأب الصدع الذي تلج منه إلى اتهامك ربات الذعر. . . اللائى يأبين إلا أخذ المجرم بجرمه. . . لأنه عملهنّ، ولا محيص من أدائه لهن. . . فجلِّ برهانك، وأعد حجتك، وأيد حقك بيقين يقشع الشك. . . حتى أعود بالمحلفين العدول من أثينا، لأشركهم في هذه الحكومة الشائكة، والقضية المربكة. . .)
(تخرج مينرفا)
- 8 -
ويستولي طائف من الشك على ربات الذعر، وتروعهن عن مينرفا هذه النعومة التي لقيت بها أورست، فيهزجن بنشيد طويل من موسيقى الجحيم، كله قصف وكله رعد، وكله ودق يخرج من هذه الأفواه الشائهة، والألسن التي تتلوى كألسن النيران. . . وينعين على الإنسانية ما يعصف بها من ظلم إذا انتصرت الجريمة، ولم يقف في سبيلها قصاص. . . (هنالك تنقلب الدنيا فتصبح مباءةً للاثم، وهنالك يغدو الناس شراذم من اللصوص وقطاع الطرق والسفاكين، وهنالك لا يأمن والد على نفسه من ولده، ولا أم هي مطمئنة على حياتها من أبنائها. . . ويومئذ تعم الشرور وتطغي الويلات. . . حتى لا يكون شبر من الأرض فيه أمان لآمن، مادمنا نحن نائمين عن المجرمين لا نأخذهم بآثامهم، ومادام هؤلاء الأرباب يضربون سلطانهم علينا، ويتدخلون في شؤوننا، من غير حق ولا برهان مبين. . . . . .)
وتدخل مينرفا، فتهتف بسادن المعبد قائلة:
- (أذِّنْ في عبادي بالصمت أيها السادن، أو انفخ في صورك حتى تردد أصداؤه في السموات معلنة انعقاد محكمة العدل، فلا ينبس أحد ممن بالمدينة الخالدة بكلمة، ليعوا شريعتي، ولينقشوها في صفحات صدورهم، ولتخلد ثمة إلى ما أشاء!)
(ويظهر أبوللو فجأة فتقول ربات الذعر:)
- (أيها الإله أبوللو! فيم أقبلت؟ ألتشارك في قضية ليس لك فيها شأن؟)
- (لقد أقبلت لأبرهن على براءة هذا الضارع البائس الذي لاذ بي، وصلى لي، وسألني معونتي لأضع عنه الوزر الذي تأخذنه به. . . وأقبلت كذلك لأدافع عن نفسي فيما يخصني من هذه القضية، لأني شريك في مقتل كليتمنسترا. . . . . . أيتها الربة العادلة مينرفا! خذي في سؤالنا بما يبدو لك. . . فأنا منصتون!!)
فتقول مينرفا: (إذن نبدأ القضية، ولقد سمعت حديث الاتهام من أفواه هؤلاء فكانت حجتهن دامغة وبرهانهن ساطعاً.)
فيشيع البشر في أوجه ربات الذعر وتخاطب رئيستهن أورست قائلة:
- ها قد سمعت. . . وسمعت من قبل كلماتنا القلائل حينما اتهمناك وأقمنا عليك البينة، فهلم فتحدث، ولتتحدث باختصار كما تحدثنا نحن من قبل، ولتجب عن هذا السؤال أولاً: أولم تذبح أمك يا أورست؟!)
- (أنا لا أنكر أنني ذبحتها يا ربات!)
- (قُضي الأمر! ها قد فرغنا من ثلث المعركة!)
- (تهْن ما شئتن؛ فأنكن لم تصرعنني بعد!)
- (ها!. . . بقي عليك أن تخبرنا كيف ذبحتها؟)
- (بأبيض ذي شفرتين! أرسلته فوق رقبتها، وخوّضت به في صدرها، فقطعت وتينها!)
- (وهل حرضك على هذه الجريمة أحد؟)
- (بأمر أبوللو كما يشهد هو بذاك!)
- (أمرك الإله، سيد الشمس، أن ترتكب جريمة قتل الأم؟)
- (أمرني بها، وأنا مؤمن بما فعلت، مطمئن إليه!)
- (ها. ها. سرعان ما تغير لهجتك حينما يسمُك القضاء العادل!)
- (سينتفض أبي في رمسه فيحل محلي! أنا لا أخشى شيئاً!!) - (آي! وهكذا تعتمد على العوْن يمدك به الموتى! يا قاتل أمه!)
- (إن هذه الأم تحمل وزراً مضاعفاً وإثماً أنكر من إثمي، إن يكن لي إثم!)
- وكيف؟ قص على المحكمة!)
- (أجلْ! فلقد ذبحت بعلها. . . وذبحت أبي!!)
- (لقد خلصت من أوزارها بالموت!)
- (خلصت من أوزارها بالموت؟! ها. ها. . . عجيب أمركن! مالكن كيف تحكمن؟ لقد قتلت زوجها. . . وقتلت أبي وعاشت سنوات عشراً. . . فأين كنتن؟! لِمَ لم تقصصن أثرها كما تقصصن أثري!)
- (ذلك لأن رحماً لا تصلها بمن قتلت! ولا رابطة من دم!)
- (إي! وأنا؟ أي رابطة من الدم تصلني بمن قتلت؟ ألمجرد حملها بي وأنها ولدتني؟)
- (أكبر رابطة أيها اللعين! لقد غذتك إذ أنت في أحشائها، واحتملت كثيراً من أجلك!)
- 9 -
وكأنما ضاق أورست ذرعاً بربات الذعر فهتف بأبوللو يقول:
- (والآن يا إلهي أبوللو أدِّ شهادتك، وليفض بالحق لسانك! هل كنت على حق حين قتلت أمي؟! إني لا أنكر مما صنعت شيئاً، ولكني جد محتاج إلى دفاعك. . . فقط. . . لتجلو الحقيقة لهذا المجلس الموقر، ولكل الحاضرين هنا!!)
فينهض أبوللو، ويرسل حديثه في جلالة ووقار:
- (أصارحكم القول يا جميع من حفل بهم هذا المعبد المقدس، ولا أحسب أحداً منكم يساوره الشك فيما أقول. . . أنني أبداً ما أوحيت بشيء إلى رجل أو امرأة، إذ أنا متربع على عرشي في السموات العُلى، إلا عن أمر يصدره لي أبي بصدد هذا الشيء!! وهذا ما كان فيما نحن بصدده الآن. . . أرجو ألا تلغطوا. . . بل آمركم بالأصالة عن أبي!!!)
فتضطرب ربات الذعر وتقول كبيرتهن:
- (وتقول إن أباك - زيوس سيد الأولمب - هو الذي أذنك أن توحي إلى أورست فيثأر لمقتل أبيه، في حين لا يبالي بمقتل أمه؟!)
- (وبم يبالي؟! وماذا يقدس فيها، حين يعود رجل له وقاره وتدينه، وأيمانه الذي لا يحد بربه زيوس، ظافراً من ساحة الحرب، فتذبحه زوجته الآثمة بعد أن تنصب له الأحابيل في كل شبر من قصره؟! أي زوجة هذه التي تعبث بشرف زوجها، وتمزق عرضها، وتنفي ولدها، وتذل ابنتها، وتدوس الشرائع والحرمات!؟)
- (إذن هو أبوك زيوس الذي يرثي لهذا الأب المسكين الذي قتلته زوجته! أمرك عجيب يا سيد الشمس! أبوك زيوس ينصر أورست لأنه يثأر لأبيه! إذن لم وضع زيوس نفسه الأغلال في عنق أبيه كرونوس وسجنه آخر الدهر؟ أليس هذا نقيض ذاك؟ أجب! تكلم! وأنت يا ربة العدالة! وأنتم أيها المحلفون! أعيروه أذناً صاغية!)
- (اخسأن أيتها الهولات! شاهت وجوهكن! يا عدوات السماء! إن مولاكن قد صنع ما صنع بأبيه ليكفي العالم شره - وهو مع ذاك لم يرق دمه!)
- (إذن كيف تدافع عن هذا الطريد الذي هراق دم أمه؟ وكيف تخول له أن يتربع على عرش آرجوس؟ وكيف يتسنى له أن يقدم قرباناً عن فعلته؟ وهل قربان إلا هو؟!)
- (آه! إنكن تزعمن دائماً أنه ابن كليتمنسترا!! وليس بعد هذا ضلال! إنه ليس من أهلها، لأنها عمل غير صالح!! إن أورست ابن أجاممنون فحسب! لأن أجاممنون هو الذي غرس بذرته، وإن يكن قد غرسها في أرض حمِئة ذات أوباء! ولو شاءت السماء لغرست البذرة في أرض أخرى - في أرض حقيقية - في حديقة - ثم لنشأ أورست عوداً فيناناً من غير أم. . . . . . . . . يا ربة العدالة! مينرفا يا ابنة زيوس العظيم! لقد أرسلت أورست ليرفل في ظل رحمتك النامي، وليحظى بحمايتك، وليسجد تحت قدميك، هو وشعب الأرجيف الكريم! أعيدي إليه وقاره وطمأنينته إذن، فهو جدير بهما! ليعد إلى شعبه الباسل ليظلوا إلى الأبد عبادك المخلصين! إنه بريء! إنه بريء!)
فتقول مينرفا:
- (كفى! كفى! حسبنا ما سمعنا! والآن، أعطوني موثقكم أيها المحلفون! عاهدوني على أن تؤدوا الشهادة غير متحرفين! ليكن الحق وحده رائدكم حين تدلون بآرائكم!)
(البقية في العدد القادم)
دريني خشبة