مجلة الرسالة/العدد 142/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 142 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 23 - 03 - 1936 |
رجائي ورجاء الزيات
كان لي ابن لم يكن يعدّ الثامنة من عمره، وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي أطلقته - على رغمي - بين أفياء الجنة يتعجل نعيمها. وبقيت أتجرع غصص هذه الدنيا، لموته حيناً ولحياتي أحياناً
جرى عليَّ هذا الفراق الأبدي فحزنت وتكاءدني وصف هذا الحزن فأنا إلى اليوم أجد مسّه، ولا أستطيع بثه. ولقد كذبت الشعراء حين جعلوا الحزن ناراً تتقد، وتصطلي حرها الكبد. وحين زعموه حسرة تقطع النفوس، ولا تشفي منها الكؤوس. وحين تصوروه أسفاً قاتلا، وموتاً نازلا. وحين شبهوا زفراته بشواظ النار، ودموعه بالسحاب المدرار
والحق أن اللفظ يعيا بوصف حزني كما عي قلبي باحتماله. وما عيننا بوصف النعمة زائلة، إلا حين عجزنا عن فهمها ماثلة. وكيف نتصور وجوداً كانت روائح الجنة في رياه، والسلام أولى دعواه وأخراه
سميت فقيدي (رجاء) وما شغلت نفسي حين اخترت له هذا الاسم أن أكون فيه مقلداً تابعاً، وإنما ارتجلته من قلبي يوم عقدت الرجاء برجاء، وأملت أن يكون خاتمة الشقاء، وبداية الصفاء
يعلم الله يا أخي أن نعيك لرجائك قد أعاد حزني جذعاً، كما كان يوم صادفني وفيّ بقية من الأسر أقوى بها على بعض الأمر، فأما اليوم وقد انهدت قواي بما أخذ مني الأسف وما أبقى، فإني أراك قد نعيت إليّ نفسي بهذا النعي، وما قصدتَ بذلك بغياً عليّ. ولكني أنا الذي أعددت نفسي لرمسي، بين يومي وأمسي
عرفتك أديباً مثقفاً خدمت الأدب أستاذاً ومؤلفاً ومترجماً وناقداً، ثم رأيتك منذ أعوام تجمع هذه المزايا في صحيفتك الخالدة (الرسالة). وكان من حق مثلك على الأيام أن ترفه عنه وتعفيه من معضلات رزاياها حتى يفرغ لواجبه وينهض بعبئه
عرفتك وادع النفس، هادئ الخلق، حليما لا تثار، ولا تُغلب على الوقار. وكان من حق مثلك على الأيام ألا تخرجه عن وقاره. ولا تضجره بحلمه. بل تتركه لهذه الوداعة وتلك الطمأنينة، يرتع الأخوان في بحبوحتها ويفيئون إلى ظلها كلما لفحهم هجير الرعونة، وآذاهم لهب الشغب. ولكن الأيام لم تمسّك بهذا الخطب الجليل إلا بعد أن عجمت عودك فوجدته صُلبا، وقرعت صفاتَك فوجدتك صَلدا، ذلك هو ظن إخوانك الذين عرفوا إيمانك بالله قويا، وعرفوك للفضيلة وفياً، فلتكن بثواب الصبر حريّا
وبعد، فاقبل عزاء رجل أشبه أمره أمرك، وأدرك - إن ضقت بالدنيا - عذرك. فساق ماضيه وحاضره سلوى تتحدث بلسان الواقع ولا تلجأ إلى خيال الواعظ
ومن عرف الأيام معرفتك لقي حوادثها في درع من الصبر مضاعفة، وشهر على الجزع مشرفيات مرهفة.
أنت يا فوق أن تعزَّى عن الأحل ... ام لباب فوق الذي يعزيك عقلا
وبألفاظك اهتدي فإذا ع ... زَّاك قال الذي قلت قبلا
قسيمك في الحزن
محمود مصطفى
مدرس الأدب للمتخصصين في مادته بالجامعة الأزهرية
السخاوي
طالعنا الأستاذ الباحث المحقق مؤرخ العصر محمد عبد الله عنان على صفحات الرسالة الغراء بنتائج تحقيقاته. . . . وقد أفاض إفاضة عظيمة فيها للإمام العالم أبي الفضل محمد السخاوي ولما لموسوعته الضوء اللامع من قيمة أدبية وأثر تاريخي عظيم
وقد ذكر الأستاذ عنان في إحدى مقالاته بالرسالة أن للسخاوي أثرين من نوع خاص ولهما أهمية خاصة إلى أن قال: (وقد انتهى كلاهما إلينا. أولهما كتاب تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والبقاع المباركات) الخ. . . وقد سارت دار الكتب الملكية في فهرستها على غرار الأستاذ عنان فنسبت الأثرين في فهرستها إلى الإمام السخاوي
وقد أتيت على ترجمة الإمام السخاوي قراءة وقتلتها بحثاً فلم أظفر بين مؤلفات السخاوي بهذين الأثرين اللذين نسبهما الأستاذ عنان للسخاوي كما نسبتهما دار الكتب
وليست هناك حجة تقوم بإزالة هذا اللبس أصدق مما خطه الإمام السخاوي في ترجمته لنفسه بالضوء اللامع وأما الأثر الذي عناه الأستاذ عنان (الخطط والمزارات) فهو للعالم الجليل محمد بن أحمد الحنفي السخاوي وقد فرغ من تأليفه سنة 956هـ وكان حياً سنة 960هـ وقد عده ابن مخلوف في طبقات المالكية
أما الإمام السخاوي صاحب الضوء اللامع والمؤلفات العديدة التي عدها في ترجمته فقد توفي سنة 902هـ
فإحقاقاً للحقيقة وصوناً لمعالم التاريخ نأمل أن يجزم رجال التاريخ أن الأثرين اللذين عناهما الأستاذ عنان ليسا للإمام السخاوي صاحب الضوء اللامع. . كما نتقدم بالرجاء إلى العالم المثقف محمد أسعد براده مدير دار الكتب أن يصحح ذلك في فهارس الدار
والسلام على من عمل الخير أو سعى إليه.
(جرجا)
محمود عساف أبو الشباب
الأدب الألماني في المنفى
لم تقتصر الثورة الاشتراكية الوطنية الألمانية على تحطيم النظم والأوضاع السياسية الألمانية الجمهورية والديموقراطية، ولكنها حطمت صرح الحياة الألمانية القديم كله، وشملت آثارها كل نواحي الحياة الاجتماعية والفكرية والثقافية؛ وكان من آثارها الظاهرة تدهور العلوم والفنون والآداب في ظل النظم الطاغية الجديدة؛ وكان قيام الحكومة الهتلرية محنة حقيقية للأدب الألماني؛ فغادر ألمانيا عدة كبيرة من أقطاب الكتاب والمفكرين، فراراً من يد المطاردة والاستعباد الفكري؛ وكان الكتاب والعلماء اليهود في مقدمة من هرعوا إلى المنفى، ولكن الأمر لم يقتصر على هؤلاء، فقد غادر الوطن القديم جمهرة من أكابر الكتاب الألمان (الآريين) لأنهم لم يطيقوا الحياة في ذلك الجو المضطرم بشهوة الانتقام السياسي، وكان في مقدمة هؤلاء عميد الأدب الألماني المعاصر توماس مان حامل إجازة نوبل، وأخوه هزيخ مان، ونشأ منذ ثلاثة أعوام، أي مذ قامت الحكومة الهتلرية في المنفى أدب مستقل يتمتع في الخارج بكامل حريته، وإن يكن يعاني صعاب المنفى ومتاعبه. ذلك لأن الحكومة الهتلرية لم تقتصر على مطاردة زعماء الأدب الألماني، بل عمدت أيضاً إلى محاربتهم في أرزاقهم المستقبلة، فحظرت على الناشرين الألمان أن يعاملوهم، ومنعت كتبهم من دخول ألمانيا، ولكن ذلك لم يفت في عزم أولئك الكتاب الأحرار، فقد لقوا ضيافة حسنة في إنكلترا وفي فرنسا وفي سويسرة، ورحبت دور النشر في هذه البلاد بالتراجم الإنكليزية والفرنسية لكتبهم الجديدة، وأخذ الأدب الألماني الرفيع ينمو ويزدهر في المنفى
وقد نشأ الأدب الألماني في المنفى سامياً بطبيعة الظروف التي أحاطت به، وكان طابع الكفاح والعرض السياسي ومقارعة الفكرة والعاطفة يغلب عليه أولا؛ ومن هذا النوع كتاب هيزيخ مان (البغضاء) وهو كتاب تاريخي رائع، وقصة سياسية بقلم ليو فويختفانجر عنوانها (أخوة أوبنهايم) ظهرت في أمريكا سنة 1933؛ وأخرى بقلم بالدر أولدن وعنوانها (قصة نازي) وقد ظهرت في إنكلترا.
ولم يفقد الأدب الألماني عبقريته في المنفى، فقد دلل على أنه ما زال يحتفظ بهذه العبقرية في سلسلة من الكتب والقصص القوية المختلفة في نوعها وفنها؛ ونستطيع أن نذكر منها (هندنبورج) بقلم رودلف أولدن؛ و (شباب هنري الرابع ? لهزيخ مان، وآخر المدنيين لارنست جليزر، (والمائة يوم) ليوسف روت، و (النغم المؤسي) بقلم كلاوزه مان، ويوجد الآن تحت الطبع عدة كتب وتراجم هامة منها: ترجمة لبطرس الأكبر، وأخرى لهتلر. ويلاحظ مع ذلك أن الصبغة التاريخية والسياسية مازالت تغلب على معظم الكتب الممتازة بين تراث الأدب الألماني في المنفى. مثال ذلك كتاب (هندنبورج) لرودلف أولدن؛ وقد كان أولدن محامياً كبيراً ومحرراً في جريدة (البرليز تاجبلاط)؛ وكتابه ينم عن قوة في العرض ودقة في التمحيص والتصوير؛ وفي رأيه أن الماريشال الراحل، عميد الجمهورية الألمانية ورمز ألمانيا مدى أعوام طويلة، لم يكن سوى بروسيا؛ وأنه لم يكن رجل سياسة وتفكير قط، وإنما كان جندياً يؤمن بسيادة الطبقات، وأن سيادة الطبقة البروسية هي مصدر قوة ألمانيا وعظمتها، وعما قليل أيضاً يصدر كتاب (هتلر) لاميل لودفيج والمنتظر أنه كباقي تراجمه سيكون قطعة رائعة من التصوير النفسي
وكذلك كتب القصص، فأن يوسف روت يصور لنا في قصته (المائة يوم) صورة الطاغية (نابليون) الذي يكفر في العزلة والمنفى عن جرائمه وزلاته، ويتدبر الآلام والمظالم التي أنزلها بالأمة والشعب والوطن، ثم هو يقضي وحيدا، ويغمر أعوامه الأخيرة فراغ هائل، ويرقب العالم الخارجي فشله وسقوطه؛ ويكتب يوسف روت بأسلوب ساحر، ونزعة غنائية مؤثرة حتى ليخيل إليك أنه يمزج الشعر بالنثر. ويقدم إلينا أرنست جليزر أيضاً في (آخر المدنيين) قصة سياسية هي تاريخ ألماني هاجر إلى أمريكا منذ نصف قرن وعاش في العالم الجديد بأمل العودة إلى وطنه، ولكنه لم يعد إلا قبيل قيام الحكومة الهتلرية، ويصف لنا المؤلف حياة المجتمع الألماني في الريف عقب الحرب، وروعة الهزيمة، ونكبة التضخم المالي، واعتقاد الشعب أن الذنب في ذلك كله يرجع إلى (البروسيين) وكيف أن الشعب لم ينضم إلى الحركة الهتلرية إلا باعتقاد أنها كفاح ضد السيادة البروسية. ثم يصف لنا بعد ذلك روعة اليأس الذي استحوذ على بطله حينما رأى ألمانيا الديموقراطية قد حطمت وغاضت، فغاضت معها آماله ثم حياته
ويرى النقدة أن أبدع كتب الموسم كتاب هينريخ مان (شباب هنري الرايع)؛ ويرد المؤلف في كتابه على الملاحظة التي تلاحظ في أدب المنفى، وهو أنه أدب تاريخ، ويقول لنا، أجل إن الأدب الألماني في المنفى يجب أن يكون تاريخياً، ومن التاريخ تستخرج العظات والعبر، ويستمد الأمل في المستقبل ويصف لنا المؤلف حياة هنري الرابع ملك فرنسا ومحقق وحدتها في أسلوب بديع هادئ، وفي عرض قصصي ساحر مؤثر
وهكذا ينشأ خارج ألمانيا، وفي ظلال المنفى، أدب ألماني جديد، قوي حر، تميز باستقلاله وحياته الجديدة في ظلال حرية غاضت من أرضه ومهاده، وهو يتجه بأمله إلى المستقبل القريب
بعض عناوين وأسماء
بعث إلينا أديب يستفهم عن عناوين بعض الكتاب الحديثة التي تستعرضها (الرسالة) بلغاتها الأصلية، ويرجو أن تكتب الرسالة دائماً عناوينها الأصلية وأسماء مؤلفيها بالإفرنجية. وهذا ما تفعله الرسالة في الواقع في معظم الأحوال، وإذا كنا نكتب أسماء المؤلفين أحياناً باللغة العربية فقط، فذلك اعتماداً منا على شهرة أولئك المؤلفين وعلى فطنة القارئ. وفيما يلي بعض العناوين والأسماء التي استفهم عنها الأديب المذكور في كتابه: