الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 55/أشعار منثورة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 55/أشعار منثورة

بتاريخ: 1 - 5 - 1920


للكاتب الروائي الروسي تورجنيف

ينقلها إلى العربية الكاتب الفاضل علي أفندي أدهم

لا نزال نجاهد

أي حادث تافه زهيد قد ينتقل الإنسان في بعض الأحايين من حال إلى حال؟

مشيت مرة في الطريق ولخطرات الهموم الهواجس في نفسي أي اعتلاج، وكان قلبي قد كظته أوصاب مخاوف سوداء ثم رفعت رأسي وكان الطريق ينطلق أمامي انطلاق السهم بين صفين من شجر الحور المتطاول الفارع.

فوق ذلك الطريق على مسافة عشر خطوات مني في أشعة الشمس الذهبية المتلألئة الباهرة للعيون السادرة للأبصار كانت تثب طائفة من العصافير بسلاطة وخفة وحسن ثقة بالنفس ولمحت واحداً منها خاصاً كان يطفر على جوانب الطريق بعزيمة المستئيس وهمة المستميت نافخاً صدره مغرّداً في زهو وطغيان وتصلف كأنه يريد أن يقول ليس ثمت ما يخشى.

مجاهد صغير مستبسل مغامر أروع مقدام؟

وفي الوقت نفسه كان باز يرنق بجناحيه في أعنان السماء كأنه قد قيض لابتلاع هذا المجاهد الباسل الصغير.

فنظرت وتضاحكت وانتفضت نفسي فتبدد عني شمل الخواطر الحزينة وشعرت بتجديد العزيمة والإقدام وتوقد الحماس للحياة.

دع بازي أيضاً يرنق بأجنحته فوقي فإننا سنجاهد ولا نعبأ بشيء.

ن. ن

في سكون ورشاقة أنت تسيرين في طريق الحياة، فلا دموع ولا ابتسامات وقل أن تنبعث من عينيك نظرة غير مكترثة صادرة عن انتباه بدون احتفال تتخلل سكونك.

أنت صالحة عاقلة وفي منتأى عن كل شيء وليس بك منة حاجة إلى أي إنسان.

أنت حسناء ولا يستطيع أحد أن يدري أأنت تقدرين حسنك أم لا؟ وليس عندك عطف فتمنحيه ولا ود فتبذليه ولست ترغبين في أحد.

نظرتك عميقة ولا فكر فيها وفي ذلك العمق الواضح المستبين فراغ.

كذلك في حقول الجنة ومزارعها تتحرك الظلال اللطائف على الأنغام الموقرة المصبوبة بلا حزن ولا سرور.

غداً غداً

كل يوم نعيشه ونقضيه يكاد يكون فارغاً مملاً قليل المنفعة والجدوى وليس يترك وراءه سوى القليل من الآثار وأن الساعات القليلة عندما تمر الواحدة تخطف في ذيل الأخرى لجنونية مفقود المعنى.

ولكن بعد ذلك يرتضي الإنسان الوجود ويغالي بالحياة ويعلق عليها الآمال وعلى نفسه وعلى المستقبل، وأي عميم من الخبر ومستفيض من اليمن ينتظره من المستقبل ويرجّيه من ورائه.

ولكن لماذا يخيل له أن الأيام المقبلة سوف لا تكون مثل هذا اليوم الذي عاشه.

ولكنه لا يتصور حتى ذلك وهو لا يحب التفكير وهو يحس بذلك صنعاً.

آه الغد الغد؟ وهو يرفه عن نفسه بذلك حتى يطوح به ذلك الغد في القبر وفي القبر لا اختيار ولا تفكير.

رجلان مثريان

عندما أسمع إطراء الرجل التمول روتشلد الذي يوقف من ريعه الضخم وثروته الطائلة الآلاف لتربية الأطفال والعناية بالمرضى والآخذ بيد العجائز والمقعدين أستحسن منه ذلك ويصيب مني مواقع الرقة والتأثير.

ولكني وأنا في غمرة ذلك التأثير الحسن لا أتناسى مزارعاً آوى إلى كوخه ابنة أخ له يتيمة.

قالت له امرأته: إذا نحنح أوينا كانكا فنصرف من أجلها كل نقودنا ونبددها ونصبح لا نملك ما يكفي لاستحضار ملح نتناوله طعاماً مع قطعة من الخبز.

فقال زوجها الزراع حسن - نستغني عن الملح!

إن روتشلد جِدُّ متأخر عن ذلك المزارع.

الطبيعة أريت فيما يُرى النائم أني جئت معبداً ضخماً تحت الأرض ذا سقف عال مقوس وقد كان غاصاً بأنوار أرضية متشابهة وفي وسط المعبد كانت تجلس امرأة وقور فخمة عليها ثوب أخضر فضفاض وكانت قد أسندت رأسها إلى يدها وكان يلوح عليها أنها مسترسلة في تفكير عميق.

علمت في الفور أن هذه المرأة هي الطبيعة نفسها فسرت في نفسي رجفة احترام ممزوج بخوف صاعد من قرارة روحي.

وأتيت تلك الصورة الجالسة وانحنيت بإكبار وقلت يا أمنا وأم الجميع فيم تفكرين؟ أتفكرين في مستقبل الإنسانية وكيف ينال الإنسان أسمى ما في دائرة الامكان من الكمال والسعادة.

فحركت المرأة عينيها السوداوين الرهيبتين في بكاء وتراخ وتمتمت شفتيها فسمعت صوتاً رناناً صليل الحديد يقول أني أفكر في كيف أمنح قوة أوفر لساق البرغوث ليتسنى له الفرار من أعدائه على أحسن وجه فإن ميزان الهجوم والدفاع مختل غير متزن فيه ويجب أن يراعى ويحفظ.

فتلجلجت في الجواب وقلت ماذا؟ وما الذي تفكرين فيه؟ أولسنا نحن بني الإنسان أولادك الأعزاء؟ فتململت ثم قالت كل المخلوقات أبنائي وإن عنايتي ترفرف فوق الجميع وأنا كذلك أفني الجميع وأبيدهم.

فأجبتها متلجلجاً، ولكن الحق والعقل والعدل.

فقالت بصوتها الحديدي: هذه كلمات الإنسان! وإني لا أعرف الحق من غيره وإن العقل قانون الإنسان وماذا يعنيني من العدل؟

لقد وهبتك الحياة وسأستردها وأهبها لغيرك أديداناً كانوا أم رجالا - أنا لا أبالي.

فانظر في خلال ذلك لنفسك ولا تقف في سبيلي - وكنت أود مراجعتها ولكن ألأرض اهتزت وتنهدت فاستيقظت.