مجلة البيان للبرقوقي/العدد 40/كلمات العظماء
→ متن العمرية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 40 كلمات العظماء [[مؤلف:|]] |
الأحزاب الروسية ← |
بتاريخ: 1 - 3 - 1918 |
طلب إلينا أن نعود فنتحف القراء بمجموعة من الكلمات الطيبة الخالدة التي تستوقفنا في أمهات الكتب وتضاعيف الأسفار بين كلمة فاه بها رجل عظيم في موطن عظيم مثله أو كلمة نابغة عرضت لكاتب كبير أو مؤلف خالد أو نادرة أرسلها فيلسوف مشهور أو ملك كبير أو قائد جبار، ولعل الكلمة الواحدة تقوم مقام موضوعات متشعبة وتثير خواطر لم تخطر من قبل على أحد ببال، وسنفتتح هذه الكلمات دائماً بكلمات من أحدايث سيدنا رسول الله ﷺ ثم نردفها بأخرى مأثورة لنبي كريم أو قطب من أقطاب الدين تيمناً بها واعتباراً بما تنطوي عليه من المعاني الإلهية المقدسة.
قال رسول الله ﷺ:
ما هلك امرؤ عرف قدره
هذه الكلمة هي رأس الحكمة بل هي أساس صلاح العالم كله سواء في ذلك الأفراد والشعوب، فلولا جهل المرء أو الشعب قدره لما عانت الأفراد والشعوب ما عانت وتعانيه مذ خلق الله آدم أبا البشر إلى يوم يبعثون، وقد قال الأول من عرف نفسه عرف ربه، وقال أبو الطيب:
ومن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى
وقال رسول الله: كفى بالسلامة داءً
من أبلغ ما سمع، يريد رسول الله أنه إذا امتد بالمرء العمر وبلغ من الكبر عتياً كان هذا الكبر نفسه المسبب عن السلامة والعافية داءً من أخبث الأدواء لما يستتبعه الكبر من الضعف والتهشم وما إليهما، وفي معناه يقول الشاعر حميد:
(1) وثمة معنى آخر لعله يريده ﷺ وهو أن الحياة الإنسانية مبنية على أن بعض الضعف نافع لها فلو سلم الإنسان من الأدواء فكفي سلامته داء لأنها تفسد فيه بعض الغرائز الكريمة فيبطر ويطغى إلى غير ذلك مما يشاهد في أهل الغرور وذلك من أخبث الأدواء النفسية.
أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلماً
ويقول آخر:
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فلأنها الأصباح والأمس ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء
وقال زهير:
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برامي
فلو أنني أرمى بنبل رأيتها ... ولكنني أرمي بغير سهام
وقال رسول الله:
الصبر عند الصدمة الأولى
وهذه الكلمة أوضح من أن تستوضح، وقال عليه السلام:
إياكم وخضراء الدمن
تمام الحديث: قيل وما ذاك يا رسول الله، فقال: المرأة الحسناء في منبت السوء - وأصل الدمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها فربما نبت فيها النبات الحسن الناضر وأصله في دمنة خبيثة قذرة، وأكل هذا النبات مؤذ - ضرب رسول الله هذا النبات مثلاً للمرأة الجميلة الوجه اللئيمة المنبت، قال أبو عبيد أراد فساد النسب إذا خيف أن تكون لغير رشدة.
وقال رسول الله:
المرأة كالضلع إن رمت قوامها كسرتها وإن داريتها استمتعت بها.
الضلع العود فيه ميل وانحناء، وفي معناه استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج - وهذا على الكناية، وقال السيد الرسول:
ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً الموطأون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون.
قوله الموطأون أكنافاً قال ابن الأثير: هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذليل وفراش وطيء لا يؤذي جنب النائم، والأكناف الجوانب، أراد رسول الله الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى ولا ينبو به موضعه، والثرثارون أي الذين يكثرون الكلام تكلفاً وتجاوزاً وخروجاً عن الحق والمتفيهقون توكيد للثرثارون من فهق الغدير امتلأ ماء فلم يكن فيه موضع مزيد - يريد رسول الله الصدق في المنطق والقصد وترك ما لا يحتاج إليه، ومصداق ذلك قوله لجرير بن عبد الله البجلى يا جرير إذا قلت فأوجز وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف.
من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر
لسيدنا السيد المسيح صلوات الله وتسليماته عليه - جاء في الأصحاح الثامن من إنجيل يوحنا ما معناه: ثم حضر السيد إلى الهيكل صباحاً وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلمهم ثم قدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت وهي تزني فقالوا له يا سيد هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل وقد أوصى نبي الله موسى أن مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت - قالوا هذا ليمتحنوه كي يفرط منه ما يؤاخذونه به ويلاحظونه عليه - فأطرق السيد صلوات الله عليه وأخذ ينكث الأرض بأصبعه وأخذوا هم يلحون في تسآلهم فانتصب السيد ثم قال هذه الكلمة السماوية الخالدة التي سرت مسرى الأمثال واحتذاها كتاب الغرب ووضعوا في معناها من الروايات ما لا يكاد يحصي ومن هذه الروايات رواية ماجدولين للروائي الشهير ولكي كولنز وهي تلك التي كان ينشرها البيان في العام الماضي - وهذه المرأة كانت تسمي مريم المجدلية، وقريب من معنى هذه الكلمة قول السيد المسيح أيضاً.
هلّا أخرجت الخشبة التي في عينك ثم أخرجت القذى الذي في عين أخيك وهي من الكلمات الحكيمة التي لا خفاء بها.
القوة في العمل أن لا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة أن لا تخالف سريرة علانية واتقوا الله فإنما التقوى بالتوقي ومن يتق الله يقه.
لسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن قوله:
إذا كنت في منزلة تسعني وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوةً للناس، وقال رضي الله عنه:
إنما مثل العرب مثل جمل أنف فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنّهم على الطريق.
الجمل الأنف الذي لا يريم التشكي أي يديم التشكي من فعل الخزامة التي توضع في أنفه يريد أن العرب على الرغم من أنفتهم وإبائهم أن يساقوا بالقوة سأحملهم على الطريق الحق قوة واقتساراً ولا أبالي.
ذاك أوقع له فيه
روي أن قوماً ذكروا لعمر رجلاً فقالوا يا أمير المؤمنين فاضل لا يعرف من الشر شيئاً فقال ذاك أوقع له فيه.
الخطيب بوالو: من كبار الكتاب الفرنسيين في القرن السابع عشر.
(مثل الشرف كمثل جزيرة قفر مترامية لا ساحل لها ولا مرسى فمن خرج منها فلا يستطيع لها عوداً!)
(الطعام الذي يعاد تدفئته وتسخينه لا يساوي شيئاً)
(انظر إلى الإنسان في ثوبه الحقيقي، فهو أبداً يتنقل من أبيض إلى أسود، ينقض في الصباح ما أقر في العشية، أبداً تلقاه قلقاً نزوعاً عدواً لنفسه، يغير في كل لحظة آراءه كما يغير زيه وبزته، اليوم في قلنسوة وغداً في قبعة، ولفحة واحدة من الهواء تسوءه وقد تقتله).
(لا أعرف إلا ثلاثة: كورني وموليير وأنا!)
هذا ما أجاب به بوالو إذ سئل كم رجل عظيم أخرجه عصر لويس الرابع عشر.
فانبرى له إذ ذاك من سأله، ولكن ماذا تقول في راسين؟ فأجاب لقد كان رجلاً آية في الاجتهاد وكنت أعلمه بكل مشقة كيف ينظم شعراً. . .!
وكان بوالو يبعد كثيراً في فضيلة الصراحة، فقد حدث أن لويس الرابع عشر، الملك العظيم كما يلقبونه دفع إليه يوماً بضعة أبيات من نظمه وسأله أن ينبئه برأيه فيها فلم يكن من بوالو إلا أن قال، ليس في العالم شيء يستحيل على جلالتكم فقد أردت أن تنظم قصيدة غثة فنجحت!. . .
ولعل هذه الجرأة أشد ما قذف في وجوه الملوك.
وجاء إليه كاتب قبل وفاته بآن قريب برواية تمثيلية ليرى فيها رأيه، وكانت تمت إلي السخف والتفاهة بسبب فلم يسع بوالو إلا أن قال له أتريد بروايتك هذه أن تعجل منوني!. . .
(إذا استبطأ الجلوس قدوم رجل ينتظرونه فلا يلبثون أن يتذكروا سيئاته قتلاً للوقت).
- وكان هذا جواب بوالو إذ سئل عن سبب دأبه على أن يحضر إلى الموعد الذي يضرب له في اللحظة المحدودة!
الكردينال ريشيليو
(أروني ستة أسطر كتبها أخلص المخلصين وأنا مستطيع أن أجد فيها ما يبعث على شنقه!).
وهذه الكلمة دليل على قوة عارضة الرجل وبراعته في التخريج والتأويل.
فردريك الكبير، ملك بروسيا:
(لو أردت أن أعاقب ولاية من ولايات دولتي وليت عليها الفلاسفة. . .)
قال هذه الكلمة عندما كان فولتير قد أساءه وكان إذ ذاك يضطغنها عليه
(أنا فوق النحو)
قالها إذ لاحظ عليه فولتير كثيرة وقوعه في اللحن إذا نظم أو كتب
وكذلك كان نابليون وكان يتشفع لذلك قائلاً إن رجلاً أكثر دأبه النظر في شؤون الشعب لا يستطيع مراعاة قواعد الإملاء والنحو.
(سيدي، إنك أخطأت في مخارج ثلاث كلمات)
قالها دي فافرا إلى كاتب الجلسة وهو يقرأ عليه الحكم بإعدامه.!
ولعل هذا من أغرب ما علم من ثبات العظماء!
(احترمي العبء يا سيدتي)
قالها نابليون لسيدة إذ كانت تأمر جماعة من العبيد - يحملون أحمالاً صعداً إلى ربوة عالية - أن يدعوا الطريق لنابليون
(لو كان حياً لجعلته أميراً)
قالها نابليون عن كورني وكان أكبر شعراء الفرنسيس المتقدمين.
وقد ذكر الشاعر جوت هذه الكلمة ثم أردفها بالكلمة الآتية: وإن كان نابليون لم يقرأ حرفاً واحداً من شعره.
(إني أغزو المدائن والبلاد وجوزفين تغزو القلوب والأرواح!)
قالها عن زوجته:
(أردت أن يكون البحر الأبيض المتوسط بحيرة فرنسية) قالها وهو في منفاه:
(ألا تتكرمون يا سادة بإطلاق الرصاص!!)
قالها متهكماً وقد عتبوا عليه إنه لم يراع الأدب في أمر الجند بإطلاق رصاصهم!
وإنني لأخاف ثلاث صحف سيارة أكثر من مائة ألف سيف!!)
الرحمة خور في الطبيعة
قالها محمد بن عبد الملك الزيات وزير الواثق العبّاسي - وكان رجلاً قاسياً حجّالجيّ المذهب وله حكايات في ذلك ليس هذا موضعها وهو أول من أحدث التنور لتعذيب خصومه فيه وفي هذا التنور عذبه المتوكل حتى فاظ مات فيه.
الجماع جنون وحسب الرجل أن يجنن نفسه مرة واحدة في كل عام
لأبي مسلم الخراساني.