مجلة البيان للبرقوقي/العدد 40/الأحزاب الروسية
→ كلمات العظماء | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 40 الأحزاب الروسية [[مؤلف:|]] |
يوميات قائد بحري ← |
بتاريخ: 1 - 3 - 1918 |
التي خلقت الثورة والتي ناوأتها
من أعجب أحداث هذه الحرب الكبرى أن تتمخض في قطعة من الأرض عن ثورة أهلية لم تكن في حسبان أهلها من قبل، فتدول دولة حكومة مطلقة كان الذي يعيشون تحتها يظنون أنهم مذعنون إليها يد الدهر، وهذه الثورة ونعني بها النهضة الروسية لا تعد صالحة إلا إذا قام على أطلال الحكومة القيصرية الذاهبة صروح متينة شامخة من الرقي والتهذيب والإصلاح، لأن الثورات الأهلية لا يحكم عليها إلا بنتائجها، وعلينا أن نرتقب زمناً طويلاً للبناء، لأن البناء متراخي الزمن يعوره من المهلة والأناة والحيلة والدأب مالا يعوزه الهدم.
ونحن ننتهز هذه الفرصة فنبسط للقراء بياناً مجملاً عن الأحزاب التي تعمل للنهضة ليكون هذا معجماً للناس إذا مرت بهم أخبار روسيا في عرض الصحف، أو قرأوا عنها ما يروقهم في الكتب والمجلات.
حزب الكماريلّلا
هذا الاسم يطلق عادة على أهل المبادئ الرجعيين من الرجال والنساء الذين كانوا يحوطون القيصر وفيهم السياسيون، ومن بينهم القواد وفي غمارهم الكنيسيون والقساوسة، وفيهم النزاعون إلى ألمانيا وكانوا قبل إبان الثورة يعملون في الخفاء لإقامة صلح بين الدولتين وآخرون منهم مثل راسبوتين همهم إحراز السلطة والاغتناء وإفعام خزائنهم بالمال وجيوب أشياعهم والمحسوبين عليهم ولم تكن قرارات القيصر وأفعال القيصرة إلا رهينة تأثير هؤلاء القوم ولم يكن مستطيعاً أي أمر لا يرتضونه أن يصل إلى مسمع القيصر أو يقع على مرأى القيصرة.
حزب الثنوفنيق
هم عمال الحكومة القديمة الأصاغر - ولا سيما رجال الشرطة المنشورون في روسيا طولاً وعرضاً، وهم يتكاثرون عديداً ولما كانت رواتبهم ضئيلة استعانوا بالرشوة والأعطية ونهب الناس ولعل قسوتهم وغشهم وإرهاقهم وحيلهم هي العامل الأكبر الذي أساء سمعة الحكومة القيصرية عند الفلاحين وملايين الناس الذين أنقضت هذه القسوة ظهورهم ولذا كان أول الخطوات التي خطتها الحكومة الجديدة هي أن تحذف هذه الفئة حذفاً وتقضي على أثرها المفسد كل القضاء.
حزب المائة السوداء
اسم يطلق على أشد حزب الرجيعين رجعية وأكبر أنصار القيصر وصنائعه، وأفراد هذا الحزب رجال من أهل النفوذ والمناصب وكانوا يستخدمون ألعن الوسائل للقضاء على الوطنين والحربين وطالما ذهبت نفوس وسالت مهج وارتكبت شنائع بأمرهم وتأثيرهم وأول من طال نفوذهم واتسع سلطانهم عام 1905 عندما خابت الثورة التي حاول الأحرار إثارتها في ذلك العام ونفوذ هذا الحزب لا يزال باقياً على الرغم من دأب زعماء الثورة في إبادتهم، وهم اليوم قد عادوا يدسون الدسائس ويعقدون المؤامرات لرجعة العرش.
طبقة البورجوا أو الطبقات الوسطى
هذا الاسم هو الذي يطلق على الطبقة الوسطى في الثورة الفرنسية ولكن هذه الكلمة اتخذت لها معنى جديداً في روسيا منذ بدء الثورة فأصبحت تطلق على كل جمع من الناس يعرف عنهم أن مصالحهم السياسية وأميالهم الاجتماعية لا تتفق وأميال الجماهير وهم لهذا متهمون عند الثوريين وكان من هذا أن اعتبر كثيرون من المفكرين وأصحاب الأذهان السامية ضمن هذه الطبقة وفي هذا خطر شديد على الكتاب والمفكرين، وهذا الخطر نفسه هو الذي وقع في الثورة الفرنسية، فطيح بكثير من الفلاسفة والكتاب فوق الجيولوتين.
حزب البولثفيكي
هؤلاء جمع مركب من عدة عناصر من الأحزاب الأهلية الفوضية المختلفة، ولهذا فهم ليسوا حزباً مؤتلفاً منظماً، وأشياعهم يمتون إلى أحزاب متعددة، وهم لذلك مختلفو الرأي في كثير من الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية ولكن مبدأهم الأول الذي تضافروا عليه هو العمل والاستعداد للذهاب إلى أبعد حدود التطرف ولو إلى القتل في سبيل غايتهم، وهم السبب في المجازر التي وقعت في الأيام الأخيرة في طرف بتروغراد وهم القابضون على أزمة الحكومة اليوم.
حزب اللينينيث
حزب صغير من الاشتراكيين ولكنه أكثر الأحزاب عملاً ونشاطاً وقد استمد اسمه من زعيمه نقولا لينين وكان هذا الرجل قبل الثورة اشتراكياً صميماً ثم أصبح بعد الثورة أكبر دعاة الصلح بأي ثمن وأية وسيلة وأكبر المنادين لعقد صلح منفرد بين روسيا ودول الاتحاد وقد اتهم بأنه صنيعة من صنائع الألمان وأنه يتقاضى منهم أجراً على دعوته فأمرت الحكومة الوقتية بإلقاء القبض عليه فتمكن من الهرب، ومنذ ذلك التاريخ أصبح طريد القانون فانتشر أفراد حزبه طرائق بعد ذلك ولكنه مع ذلك استطاع أن يقيم في عدة أنحاء من المملكة مظاهرات ضد تلك الحكومة وكانت مبادئه الاشتراكية ودعواته الشديدة الحماسية هي التي فشت في الجيوش الروسية فبعثت على رجعة الجنود على جاليسيا ومن ريجا وقد استطاع أن يجعل الجنرال كورنيلوف تحت إمرته وأذناً واعية لمبادئه، ويعتقد في روسيا أنه منذ اختفائه يشتغل جندياً في صفوف جنود ذلك القائد.
الزمستفوس
هي مجالس منتخبة في كل قسم من أقسام المملكة وهم قوم عقلاء يعملون لصالح روسيا وهم لا ريب الذين نشروا في الأمة الرغبة في إقامة حكومة مستقلة وكان البرنس جورج لوف أول وزراء الحكومة الوقتية من أكبر أنصار هذه المجالس الشورية وهو الذي قام بتشكيل مجتمع كبير عام من كافة أحزاب الزمستفوس في أشد عهود هذه الحرب وأرهب المواطن التي وقفتها جيوش الروس - وكان من هذا المجتمع أن قام بتوريد جميع الأغذية والميرة والذخائر والإسعافات الطبية للجيوش في الميدان.
وهناك أحزاب وفرق وطرائق متعددة أقل شأناً من هذه بين رجعية وناهضة أغفلنا ذكرها لأنها قلما تجيء في الأنباء والصحف.