الرئيسيةبحث

كتاب الرد على ابن النغريلة/الصفحة السادسة


الفصل الخامس


ثم ذكر هذا الزنديق الجاهل قول الله تعالى {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} (الرحمن: 39)

قال : ثم قال في آية أخرى {فلنسألن الذي أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} (الأعراف: 6)

قال : وهذا تناقض .

قال أبو محمد : لو فهم هذا المائق الجاهل أدنى فهم لم يجعل هذا تعارضاً ، أما قوله تعالى : {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان}

فإن ما بعد هذه الآية متصلاً بها قوله تعالى : {فبأي آلاء ربكما تكذبان* يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام* فبأي آلاء ربكما تكذبان* هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون* يطوفون بينها وبين حميم آن* فبأي آلاء ربكما تكذبان} (الرحمن: 40- 45)

فصح بهذا النص ان هذا إنما هو في حين إيرادهم جهنم التي هي إن شاء الله دار هذا الخسيس ذي الظهارة اليهودية والبطانة الدهرية ولا ريب في أنه إذا أخذ بناصيته وقدميه ليهوي بها في النار ، نار جهنم ، فإنه لا يسال عن ذنبه يومئذ .

وأما قوله تعالى : {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} ، فإنما ذلك في أول وقوفهم يوم البعث وحين المسألة والحساب .

فارتفع التناقض الذي لا مدخل له في شيء من القرآن ولا في كلام النبي ﷺ .

ولكن هذا الوقاح المجنون لو تدبر ما في كذبهم المفترى الذي يسمونه "التوراة"

في السفر الثاني منه ان الله تعالى قال لموسى بن عمران : إني أرى هذه الأمة قاسية الرقاب دعني لأعقب غضبي عليهم لأهلكهم وأقدمك على أمة عظيمة .

ثم ذكروا أن موسى عليه السلام دعا ربه تعالى وقال في دعائه : تذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحق عبيدك الذين حلفت لهم بذلك وقلت لهم سأكثر ذريتكم حتى تكونوا كنجوم السماء وأورثهم جميع الأرض التي وعدتهم بها ويملكونها أبداً ، فحن السيد ولم يتم ما أراد إنزاله بأمته من المكروه .

قال أبو محمد : هذا نص هذا الفصل عندهم .

وهذه صفة لا يوصف بها إلا إنسان ضعيف النفس ، وفيه البداء ، وأنه تعالى لم يتم ما أراد ان يفعل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

وفي السفر المذكور إثر هذا ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام : "من أذنب عندي سأمحوه من مصحفي، فاذهب أنت وهذه الأمة التي عهدت إليك فيها، وسيتقدمك ملك" .

ثم بعد شيء يسير ذكر ان الله تعالى قال لموسى : "اذهب واصعد من هذا الموضع أنت وأمتك التي خرجت من أرض مصر إلى الأرض التي وعدت بها مقسماً لإبراهيم وإسحق ويعقوب لأورثها نسلهم وأبعث بين يديك ملكاً لإخراج الكنعانيين والأموريين والبرزيين والحيثيين واليبوسيين ، وتدخل في أرض تفيض لبناً وعسلاً، لست أنزل معكم لأنكم أمة قاسية الرقاب لئلا تهلك بالطريق .

فلما سمع العامة هذا الوعيد الشديد عجت تبكي ولم تأخذ زينتها .

فقال لموسى بن عمران : قل بني إسرائيل انتم قد قست رقابكم ، سأنزل عليكم مرة أهلككم فضعوا زينتكم لأعلم ما أفعله بكم .

ثم ذكروا جواب موسى عليه السلام لله تعالى على هذا الكلام فقال : وكان يكلم السيد موسى عليه السلام فماً لفم ، كما يكلم المرء صديقه ، فقال موسى بن عمران السيد : أتأمرني ان أقود هذه الأمة ولا تأمرني ما أنت باعثه معي .

فقال له السيد : سيقدمك وجهي وأروح عندك .

فقال موسى عليه السلام : إن لم تتقدمنا أنت فلا ترحلنا من هذا الموضع ، وكيف اعرف أنا وهذه الأمة أنك عنا راض إذا لم تنطلق معنا ونتشرف بذلك على جميع من سكن الأرض من الأجناس ؟

فقال له : سأفعل ما قلت لأني عنك راض .

قال أبو محمد : ففي هذا الفصل من السخف غير قليل ، وبيان لا يحتمل تأويلاً ، لان فيه البداء ، وأنه تعالى عما يقولون علواً كبيراً قال إنه لا يمضي معهم لكن يبعث معهم ملكاً يبصرهم بأمر الله تعالى ، فلم يزل به موسى حتى رجع عن قال عز وجل وقال : سأمضي معكم ، ولم يقنع موسى بمسير الملك معهم إلا بمسير الباري عز وجل معهم .

وفي هذا تحقيق النقلة على الباري في الأماكن ، وليست هذه صفة الله تعالى وغنما هي من صفات المخلوقين ؛ وفيه التكليم فماً لفم وتحقيق التجسيم والتناقض على الباري تعالى في كلامه وفعله ، دون تأويل .

ولا مخرج لهم من هذا .

فلو فكر هذا الوقاح الزنديق في مثل هذا وشبهه لزجره عن التعرض لما لا سبيل له إليه وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل .

ولو ان هذا الزنديق المائق كان له أقل تحصيل ، لما أقدم على المظاهرة بهذا الدين الخسيس طرفة عين ، ولكنه لم يقره الشيطان من كل ما استبان له من هذا البهتان إلا انسلاخه من جميع الأديان ، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان .