→ الفصل الثاني | كتاب الرد على ابن النغريلة الفصل الثالث المؤلف: ابن حزم |
الفصل الرابع ← |
الفصل الثالث
وكان مما اعترض به أيضاً ان ذكر قوله عز وجل {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى منتهى قوله في الآية نفسها {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} (فصلت: 10)
قال : فذكر في هذه الآية خلق الأرض في يومين وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، فهذه ستة أيام ، ثم ذكر قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} (فصلت:11) إلى منتهى قوله تعالى {فقضاهن سبع سموات في يومين} (فصلت: 12) .
ثم ذكر قوله تعالى {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام} (ق: 38) .
قال أبو محمد : والقول في هذه الآيات كالقول في التي مضى فيها الكلام ولا فرق ، وهي أنها تكتفي بظاهرها عن تكلف تأويل لها ، وأنه لا يظن في شيء من هذا كله اختلافاً إلا عديم العقل سليب التمييز مطموس عين القلب ظليم الجهل ، لأنه تعالى إنما ذكر خلق الجميع من السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، فسر لنا تعالى تلك الأيام الستة ، فمنها يومان خلق فيهما الأرض ومنها أربعة أيام قدر في الأرض أقواتها ، وأنه تعالى قضى السموات سبعاً في يومين ، وقد صح بما تلونا قبل أن تسويته تعالى السموات سبعاً كان بعد خلقه لما في الأرض جميعاً ، فاليومان اللذان خلق الله تعالى فيهما السموات سبعاً هما اليومان الآخران من الأربعة الأيام التي قدر فيها أقوات الأرض لأن التقدير هو غير الخلق ، لان الخلق هو الاختراع والإبداع وإخراج الشيء من ليس إلى أيس بمعنى من لا شيء إلى ان يكون شيئاً موجوداً .
وأما التقدير فهو الترتيب وإحكام الأشياء الموجودات بعد إيجادها ، وهذه معان لا يعلمها إلا من أعز الله تعالى نفسه من ذوي الهمم الرفيعة ، المترفعة عن مهانة الإساءة ودناءة المعايش ، القاصدة إلى طلب المعاني الفاضلة والحقائق المؤدية إلى معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله ﷺ ، والدخول في ظل الإسلام والملة الحنيفية المصحبة من الله تعالى السعد في الدنيا والنصرة والعزة ، المتكفل لها في الآخرة بالفوز بالجنة والقبول والرضوان والريحان ، والحمد لله رب العالمين الذي جعلنا من أهلها ، وإياه تعالى نسأل ان يميتنا عليها حتى نلقاه وهو راض عنا ، آمين .
وأما من لم يقطع دهره إلا بالسرقة ولا أفنى عمره إلا بالخيانة والغش فبعيد عن إدراك هذه المعاني وفهمها .
وليت شعري أين كان هذا الخسيس المائق إذ اعترض بهذا الاعتراض على هذه الأنوار الساطعة والحقائق الظاهرة عن التفكر فيما يقرأونه في هذيانهم المخترع وزورهم المفتعل الذي يسمونه "التوراة"
إذ يقولون : إن الله تعالى خلق الخلق في ستة أيام ، واستراح في اليوم السابع ؟
وهل تكون الراحة إلا لتعب ونصب قد خارت قواه وضعفت طبيعته ؟
فمثل هذا وشبههه من دينه الخسيس الذي يستسر به لو تهمم بالفكرة فيه ثم بادر إلى التوبة منه والدخول في دين الله تعالى الذي لا دين له سواه ، الذي به بدا الملك على لسان محمد ﷺ ، والحمد لله رب العالمين .