→ كتاب الرد على ابن النغريلة | كتاب الرد على ابن النغريلة مقدمة المؤلف المؤلف: ابن حزم |
الفصل الأول ← |
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله
قال أبو محمد علي بن احمد بن حزم رضي الله عنه:
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم بها عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا، لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة الزهراء والحمية للملة الغراء، ثم هم متردون بما يؤول إليه إهمال هذا الحال من فساد سياستهم والقدح في رياستهم، فللأسباب أسباب، وللمداخل إلى البلاء أبواب، والله اعلم بالصواب.
وقد قال علي بن العباس : { لا تحقرن سبيباً كم جر أمراً سبيب }
وقال أبو نصر ابن نباتة :
فلا تحقرن عدواً رماك | وإن كان في ساعديه قصر |
فإن السيوف تجذ الرقاب | وتعجز عما تنال الإبر |
لاسيما إن كان العدو من عصابة لا تحسن إلا الخبث مع مهانة الظاهر فيأنس المغتر إلى الضعف البادي، وتحت ذلك الختل والكيد والمكر، كاليهود الذين لا يحسنون شيئاً من الحيل ولا آتاهم الله شيئاً من أسباب القوة وإنما شأنهم الغش والتخابث والسرقة، على التطاول والخضوع، مع شدة العداوة لله تعالى ولرسوله ﷺ .
وبعد فإن بعض من تقلى قلبه للعداوة للإسلام وأهله وذوبت كبده ببغضه الرسول ﷺ من متدهرة الزنادقة المستسرين بأذل الملل وأرذل النحل من اليهود التي استمرت لعنة الله على المرتسمين بها، واستقر غضبه عز وجل على المنتمين إليها، أطلق الأشر لسانه، وأرخى البطر عنانه، واستشمخت لكثرة الأموال لديه نفسه المهينة، وأطغى توافر الذهب والفضة عنده همته الحقيرة، فألف كتاباً قصد فيه، بزعمه، إلى إبانة تناقض كلام الله عز وجل في القرآن اغتراراً بالله أولاً، ثم بملك ضعفة ثانياً، واستخفافاً بأهل الدين بدءاً، ثم بأهل الرياسة في مجانة عوداً؛ فلما اتصل بي أمر هذا اللعين لم أزل باحثاً عن ذلك الكتاب الخسيس لأقوم فيه بما أقدرني الله عز وجل عليه من نصر دينه بلساني وفهمي، والذب عن ملته ببياني وعلمي، إذ قد عدمها، والمشكى إلى الله عز وجل ووجود الأعوان والأنصار على توفية هذا الخسيس الزنديق المستبطن مذهب الدهرية في باطنه، المكفن بتابوت اليهودية في ظاهره، حقه الواجب عليه من سفك الدماء واستيفاء ماله وسبي نسائه وولده، لتقدمه طوره وخلعه الصغار عن عنقه، وبراءته من الذمة الحاقنة دمه، المانعة من ماله وأهله، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل.
فأظفرني القدر بنسخة رد فيها عليه رجل من المسلمين، فانتسخت الفصول التي ذكرها ذلك الراد عن هذا الرذل الجاهل، وبادرت إلى بطلان ظنونه الفاسدة بحول الله تعالى وقوته؛ ولعمري عن اعتراضه الذي اعترض به ليدل على ضيق باعه في العلم، وقلة اتساعه في الفهم على ما عهدناه عليه قديماً، فإننا ندريه عارياً إلا من المخرقة، سليماً إلا من الكذب، صفراً إلا من البهت؛ وهذه عقوبة الله تعالى المعجلة لمن سلك مسلك هذا الزنديق اللعين مقدمة، أما ما أعد الله له ولأمثاله من الخلود في نار جهنم فهو المقر لعيون أولياء الله عز وجل فيه وفي ضربائه، وبالله تعالى التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.