الرئيسيةبحث

كتاب الأم/كتاب سير الأوزاعي/في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها


في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها


قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في المرأة إذا سبيت ثم سبي زوجها بعدها بيوم وهما في دار الحرب أنهما على النكاح وقال الأوزاعي ما كانا في المقاسم فهما على النكاح وإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما وأخذها لنفسه أو زوجها لغيره بعدما يستبرئها بحيضة على ذلك مضى المسلمون ونزل به القرآن وقال أبو يوسف إنما بلغنا عن رسول الله ﷺ وأصحابه أنهم أصابوا سبايا وأزواجهم في دار الحرب وأحرزوهم دون أزواجهم فقال رسول الله ﷺ: (لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة حيضة) وأما المرأة سبيت هي وزوجها وصارا مملوكين قبل أن تخرج الغنيمة إلى دار الإسلام فهما على النكاح وكيف يجمع المولى بينهما إن شاء في قول الأوزاعي على ذلك النكاح فهو إذا كان صحيحا فلا يستطيع أن يزوجها أحدا غيره ولا يطؤها هو وإن كان النكاح قد انتقض فليس يستطيع أن يجمع بينهما إلا بنكاح مستقبل.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: (سبى رسول الله ﷺ سبي أوطاس وبني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء وقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها ولا هل سبي زوج مع امرأته ولا غيره وقال وإذا استؤمن بعد الحرية فاستبرئت أرحامهن بحيضة) ففي هذا دلالة على أن تصييرهن إماء بعد الحرية قطع للعصمة بينهن وبين أزواجهن وليس العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استئمانهن بعد حريتهن.

[قال الشافعي]: وأبو يوسف قد خالف الخبر والمعقول أرأيت لو قال قائل بل انتظر بالتي سبيت أن يخلو رحمها فإن جاء زوجها مسلما وأسلمت ولم يسب معها كانا على النكاح وإلا حلت ولا أنتظر بالتي سبي معها زوجها إلا الاستبراء ثم أصيبها لأن زوجها قد أرق بعد الحرية فحال حكمه كما حال حكمها أما كان أولى أن يقبل قوله لو جاز أن يفرق بينهما من أبي يوسف. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإن سبي أحدهما فأخرج إلى دار الإسلام ثم أخرج الآخر بعده فلا نكاح بينهما. وقال الأوزاعي إن أدركها زوجها في العدة وقد استردها زوجها وهي في عدتها جمع بينهما فإنه: (كان قد قدم على النبي ﷺ من المهاجرين نسوة ثم أتبعهن أزواجهن قبل أن تمضي العدة فردهن رسول الله ﷺ إليهم) قال أبو يوسف قول الأوزاعي هذا ينقض قول الأول زعم في القول الأول إن شاء ردها إلى زوجها وإن شاء زوجها غيره وإن شاء وطئها وهي في دار الحرب بعد. وزعم أنهم إذا خرجوا إلى دار الإسلام فهي مردودة على زوجها وروي عن رسول الله ﷺ أنه فعل ذلك فكيف استحل أن يخالف رسول الله ﷺ إذا وقع السباء وأخرج بهن إلى دار الإسلام فقد انقطعت العصمة أمر رسول الله ﷺ الناس في السبايا أن لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة ولو كان عليهن عدة كان أزواجهن أحق بهن فيها إن جاءوا ولم يأمر بوطئهن في عدة والعدة أكثر من ذلك ولكن ليس عليهن عدة ولا حق لأزواجهن فيهن إلا أن المسلمين يستبرئونهن كما قال رسول الله ﷺ وهذا بين واضح وليس فيه اختلاف.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وهذه داخلة في جواب المسألة قبلها.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب فأصابه المسلمون فأدركه سيده في الغنيمة بعد القسمة أو قبلها أنه يأخذه بغير قيمة وإن كان المشركون أسروه فأصابه سيده قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن أصابه بعد القسمة أخذه بالقيمة وقال الأوزاعي إن كان أبق منهم وهو مسلم استتيب فإن رجع إلى الإسلام رده إلى سيده وإن أبى قتل وإن أبق وهو كافر خرج من سيده ما كان يملكه وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وإن شاء صلبه ولو كان أخذ أسيرا لم يحل قتله ورد على صاحبه بالقيمة إن شاء وقال أبو يوسف لم يرجع هذا العبد عن الإسلام في شيء من الوجوه ولم تكن المسألة على ذلك وإنما كان وجه المسألة أن يحوز المشركون العبد إليهم كما يحوزون العبد الذي اشتروه. وأما قوله في الصلب فلم تمض بهذا سنة عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من أصحابه فيما نعلم ولم يبلغنا ذلك في مثل هذا وإنما الصلب في قطع الطريق إذا قتل وأخذ المال. قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس: (عن رسول الله ﷺ في عبد وبعير أحرزهما العدو ثم ظفر بهما فقال رسول الله ﷺ لصاحبهما إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك) قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في عبد أحرزه العدو فظفر به المسلمون فرده على صاحبه. قال وحدثنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ: (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولهم ويرد عليهم لقطاؤهم) قال أبو يوسف فهذا عندنا على العبد الآبق وشبهه. وقوله ويرد متسريهم على قاعدهم فهذا عندنا في الجيش إذا غنمت السرية رد الجيش على الفقراء القعد فيهم بهذا الحديث وقال أبو يوسف الذي يأسره العدو وقد أحرزوه وملكوه فإذا أصابه المسلمون فالقول فيه ما قال رسول الله ﷺ وإذا أبق إليهم فهذا مما لا يجوز ألا ترى أن عبيد المسلمين لو حاربوا المسلمين وهم على الإسلام لم يلحقوا بالعدو فقاتلوا وهم مقرون بالإسلام فظهر المسلمون عليهم فأخذوهم أنهم يردون إلى مواليهم فأما الصلب فليس يدخل فيما ههنا.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فرق أبو حنيفة بين العبد إن أبق إلى العدو؛ والعبد يحرزه العدو ولا فرق بينهما وهما لسيدهما إذا ظفر بهما وحالهم قبل يقسمان وحالهم بعد القسمة سواء، وإن كان للسيد أن يأخذهما قبل القسم أخذهما بعده وقد قال هذا بعض أهل العلم وإن لم يكن له أخذ أحدهما إلا بثمن لم يكن له أن يأخذ الآخر إلا بثمن قال أبو حنيفة إذا كان السبي رجالا ونساء وأخرجوا إلى دار الإسلام فإني أكره أن يباعوا من أهل الحرب فيتقووا. قال الأوزاعي كان المسلمون لا يرون ببيع السبايا بأسا وكانوا يكرهون بيع الرجال إلا أن يفادى بهم أسارى المسلمين وقال أبو يوسف لا ينبغي أن يباع منهم رجل ولا صبي ولا امرأة لأنهم قد خرجوا إلى دار الإسلام فأكره أن يردوا إلى دار الحرب ألا ترى أنه لو مات من الصبيان صبي ليس معه أبواه ولا أحدهما صليت عليه لأنه في أيدي المسلمين وفي دارهم وأما الرجال والنساء فقد صاروا فيئا للمسلمين فأكره أن يردوا إلى دار الحرب أرأيت تاجرا مسلما أراد أن يدخل دار الحرب برقيق للمسلمين كفار أو رقيق من رقيق أهل الذمة رجالا ونساء أكنت تدعه وذلك؟ ألا ترى أن هذا مما يتكثرون وتعمر بلادهم ألا ترى أني لا أترك تاجرا يدخل إليهم بشيء من السلاح والحديد وشيء من الكراع مما يتقوون به في القتال ألا ترى أن هؤلاء قد صاروا مع المسلمين ولهم في ملكهم ولا ينبغي أن يفتنوا ولا يصنع بهم ما يقرب إلى الفتنة وأما مفاداة المسلم بهم فلا بأس بذلك.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا سبى المسلمون رجالا ونساء وصبيانهم معهم فلا بأس أن يباعوا من أهل الحرب ولا بأس في الرجال البالغين بأن يمن عليهم أو يفادي بهم ويؤخذ منهم على أن يخلوا والذي قال أبو يوسف من هذا خلاف أمر رسول الله ﷺ في أسارى يوم بدر فقتل بعضهم وأخذ الفدية من بعضهم ومن على بعض ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة بن أثال فمن عليه رسول الله ﷺ وهو مشرك ثم أسلم بعد ومن على غير واحد من رجال المشركين ووهب الزبير بن باطا لثابت بن قيس بن شماس ليمن عليه فسأل الزبير أن يقتله وأخذ رسول الله ﷺ سبي بني قريظة فيهم النساء والولدان فبعث بثلث إلى نجد وثلث إلى تهامة وثلث قبل الشام فبيعوا في كل موضع من المشركين وفدى رسول الله ﷺ رجلا برجلين. أخبرنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين: (أن رسول الله ﷺ فدى رجلا برجلين).

[قال الشافعي]: فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم أحد والديه فلا نبيعهم منهم ولا يفادى بهم لأن حكمهم حكم آبائهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه وأما قول أبي يوسف يقوى بهم أهل الحرب فقد يمن الله عليهم بالإسلام ويدعون إليه فيمن على غيرهم بهم وهذا مما يحل لنا أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى لهم في كثير من الحالات من بيع عبد أو عبدين منهم وقد: (أذن رسول الله ﷺ لأسماء بنت أبي بكر فقالت إن أمي أتتني وهي راغبة في عهد قريش أفأصلها؟ قال نعم) وأذن رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكسا ذا قرابة له بمكة وقال الله عز وجل: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} مع ما وصفت من بيع النبي ﷺ من المشركين سبي بني قريظة فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحدا رخص في بيعهما وهو لا يجيز أن نبيعهما.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا أصاب المسلمون أسرى فأخرجوهم إلى دار الإسلام رجالا ونساء وصبيانا وصاروا في الغنيمة فقال رجل من المسلمين أو اثنان قد كنا أمناهم قبل أن يؤخذوا أنهم لا يصدقون على ذلك لأنهم أخبروا عن فعل أنفسهم وقال الأوزاعي هم مصدقون على ذلك وأمانهم جائز على جميع المسلمين لأن رسول الله ﷺ قال: (يعقد على المسلمين أدناهم) ولم يقل إن جاء على ذلك ببينة وإلا فلا أمان لهم قال أبو يوسف لحديث رسول الله ﷺ معان ووجوه لا يبصرها إلا من أعانه الله تعالى عليها وهذا من ذلك إنما معنى الحديث عندنا يعقد على المسلمين أولهم ويسعى بذمتهم أدناهم القوم يغزون قوما فيلتقون فيؤمن رجل من المسلمين المشركين أو يصالحهم على أن يكونوا ذمة فهذا جائز على المسلمين كما: (أمنت زينب بنت رسول الله ﷺ زوجها أبا العاص وأجاز ذلك رسول الله ﷺ) فأما غنيمة أحرزها المسلمون فقال رجل منهم قد كنت أمنتهم قبل الغنيمة فإنه لا يصدق ولا يقبل قوله أرأيت إن كان إذا غزا فاسقا غير مأمون على قوله أرأيت إن كانت امرأة فقالت ذلك تصدق أرأيت إن قال ذلك عبد أوصى أرأيت إن قال ذلك رجل من أهل الذمة استعان به المسلمون في حربهم له فيهم أقرباء أيصدق أو كان مسلما له فيهم قرابات أيصدق فليس يصدق واحد من هؤلاء وهل جاء الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال يعقد لهم أدناهم في مثل هذا مفسرا هكذا قد جاء الحديث عن رسول الله ﷺ مخالفا لهذا عن الثقة: (ادعى رجل وهو في أسارى بدر أنه كان مسلما فلم يقبل ذلك منه رسول الله ﷺ وجرى عليه الفداء وأخذ ما كان معه في الغنيمة ولم يحسب له من الفداء وقال رسول الله ﷺ الله أعلم بذلك أما ما ظهر من أمرك فكان علينا).

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: حالهم قبل أن يملكهم المسلمون مخالفة حالهم بعدما يملكونهم فإذا قال رجل مسلم أو امرأة قد أمنتهم قبل أن يصيروا في أيدي المسلمين فإنما هي شهادة تخرجهم من أيدي مالكيهم ولا تقبل شهادة الرجل على فعل نفسه ولكن إن قام شاهدان فشهدا أن رجلا أو امرأة من المسلمين أمنهم قبل أن يصيروا أسرى فهم آمنون أحرار وإذا أبطلنا شهادة الذي أمنهم فحقه منهم باطل لا يكون له أن يملكه وقد زعم أن لا ملك له عليه، والله تعالى أعلم.

كتاب الأم - كتاب سير الأوزاعي
كتاب سير الأوزاعي | أخذ السلاح | سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل | سهمان الخيل | في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها | حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم | ما جاء في أمان العبد مع مولاه | وطء السبايا بالملك | بيع السبي في دار الحرب | الرجل يغنم وحده | في الرجلين يخرجان من العسكر فيصيبان جارية فيتبايعانها | إقامة الحدود في دار الحرب | ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم | قطع أشجار العدو | باب ما جاء في صلاة الحرس | خراج الأرض | شراء أرض الجزية | المستأمن في دار الإسلام | بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب | في أم ولد الحربي تسلم وتخرج إلى دار الإسلام | المرأة تسلم في أرض الحرب | الحربية تسلم فتزوج وهي حامل | في الحربي يسلم وعنده خمس نسوة | في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيشتري دارا أو غيرها | اكتساب المرتد المال في ردته | ذبيحة المرتد | العبد يسرق من الغنيمة | الرجل يسرق من الغنيمة لأبيه فيها سهم | الصبي يسبى ثم يموت | المدبرة وأم الولد تسبيان هل يطؤهما سيدهما إذا دخل بأمان | الرجل يشتري أمته بعدما يحرزها العدو | الحربي يسلم في دار الحرب وله بها مال | الحربي المستأمن يسلم في دار الإسلام | المستأمن يسلم ويخرج إلى دار الإسلام وقد استودع ماله