→ الشهادة في الأقضية | كتاب الأم – كتاب جراح العمد ما تقبل عليه الشهادة في الجناية الشافعي |
تشاح الأولياء على القصاص ← |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا أقبل في الشهادة على الجناية إلا ما أقبل في الشهادة على الحقوق إلا في القسامة فلو أن رجلا جاء بشاهدين يشهدان أن رجلا ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا: أنهر دمه ومات مكانه من ضربه قبلت شهادتهما وإن قالا ما ندري أنهر دمه أو لم ينهر. لم أجعله بها جارحا ولو قالا: ضربه في رأسه فرأينا دما سائلا لم أجعله جارحا إلا بأن يقولا سال من ضربته، ثم لم أجعلها دامية حتى يقولا وأوضحها وهذه هي نفسها أو هي في موضع كذا وكذا فإن برأ منها فأراد القصاص لم أقضه إلا بأن يقولا هي هذه بعينها أو يصفاها طولها وعرضها فإن قالا أوضحه ولا ندري كم طول الموضحة لم أقضه منه وإن قالا أوضحه في رأسه ولا نثبت أين موضع الموضحة لم أقضه؛ لأني لا أدري أين آخذ منه القصاص من رأسه وجعلت عليه الدية؛ لأنهما قد أثبتا على أنه أوضحه في رأسه ولو قالا ضربه فقطع إحدى يديه، والمقطوع إحدى يديه مقطوع اليد الأخرى، قصاص إذا لم يثبتا اليد التي قطع وعلى الجاني الأرش في ماله؛ لأنهما أثبتا قطع يده ولو قالا قطع إحدى يديه ولم يثبتا أي اليدين هي أيده المقطوعة هي أم يده الأخرى قيل أنتم ضعفاء ليست له إلا يدان بينوا فإن فعلوا قبلت وإن لم يفعلوا قبلت وقضي عليه وكان هؤلاء ضعفاء.
[قال الشافعي]: وهكذا في رجليه وأذنيه وكل ما ليس فيه منه إلا اثنان فقطع أحدهما ولو شهدا أن هذا قطع يد هذا وقال هذا يوم الخميس وقال هذا يوم الجمعة لم تقبل شهادتهما إن كان عمدا لاختلافهما فإن كل واحد منهما يبرئ الجاني أن يكون فعل في اليوم الذي زعم الآخر أنه فعل فيه، وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه قتل بمكة يوم كذا وشهد آخران أنه قتل بمصر ذلك اليوم أو أنه قتل إنسانا بمصر في ذلك اليوم أو جرحه أو أصاب حدا سقط كل هذا عنه؛ لأن كل واحدة من البينتين تبرئه مما شهدت به عليه الأخرى وهذا في العمد والخطأ سواء إذا لم يكن إلا أن يكون أحدهما قد كان والآخر لم يكن وبطلتا معا عنه؛ لأن الحكم عليه بإحداهما ليس بأوجب عليه من الحكم عليه بالأخرى وأحلف كما يحلف المدعى عليه بلا بينة وليس كالذي يظاهر عليه من الأخبار التي تقر في نفس الحاكم أنه كما قالوا لا يبرأ من تلك الشهادة وإن لم تكن قاطعة بمعنى غيرهم فيكون في هذا القسامة ولا يكون ذلك في المسألة الأولى ولا يكون ذلك إلا بدلالة ولو شهد شاهد أنه قتله يوم الخميس وآخر أنه قتله يوم الجمعة كان باطلا؛ لأن كل واحد يكذب الآخر ولا يكون قاتلا له يوم الخميس ويوم الجمعة وهكذا لو شهد رجل أنه قتله بكرة والآخر أنه عشية والآخر أنه خنقه حتى مات والآخر أنه ضربه بسيف حتى مات كانت هذه شهادة متضادة لا تلزمه.
ولو أن رجلين شهدا على رجلين أنهما قتلا رجلا وشهد الشهود عليهما أن الشاهدين قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما أولياء الدم معا فالشهادة باطلة وكذلك إن كذبوهما وإن ادعوا شهادتهما فشهدا قبل أن يشهد الآخر إن قبلت شهادتهما وجعلت المشهود عليهما اللذين شهدا بعد ما شهد عليهما بالقتل دافعين عن أنفسهما بشهادتهما وأبطلت شهادتهما وإن ادعوا شهادة اللذين شهدا آخرا أبطلت الشهادة؛ لأن الأولين قد شهدا عليهما فدفعا عن أنفسهما ما شهد به عليهما قبل أن يشهدا وإن لم يدعوا شيئا تركتهم حتى يدعوا كما وصفت لك.
[قال الشافعي]: رحمه الله فإن جاءوا جميعا معا لم أقبل شهادتهم؛ لأنه ليس في شهادة أحد منهم شيء إلا في شهادة الآخر مثلها فليس واحد منهم أولى بالرد ولا القبول من الآخر.
ولو شهد شاهد على رجل أنه أقر أنه قتل رجلا خطأ في يوم غير اليوم الذي شهد به صاحبه كان قول العامة إن هذا جائز؛ لأنه شهادة على قول وهكذا إقرار الناس في يوم بعد يوم ومجلس بعد مجلس وهو مخالف للفعل ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر أنه قتله ولم يقل عمدا ولا خطأ جعلته قاتلا وجعلت القول قول القاتل فإن قال عمدا ففيه القصاص وإن قال خطأ حلف ما قتله عمدا وكانت الدية في ماله في مضي ثلاث سنين ولو شهد أحدهما: أنه أقر أنه قتله عمدا والآخر أنه أقر أنه قتله خطأ سألته وجعلت القول قوله فإن قال خطأ أحلفته على العمد وجعلته عليه في ثلاث سنين؛ لأن كليهما يشهد بالإقرار بالقتل أحدهما عمدا والآخر خطأ وقد يكونان صادقين؛ لأنهما يشهدان على قول بلا فعل.
[قال الشافعي]: ولو كانا شهدا على قتل فقال أحدهما قتله بحديدة وقال الآخر بعصا كانت شهادتهما باطلة؛ لأنهما متضادان ولا يكون قاتله بحديدة حتى يأتي على نفسه وبعصا حتى يأتي عليها ولو شهد أحدهما على أنه قتله وشهد الآخر على أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما ولم تكن هذه شهادة متضادة يكذب بعضها بعضا ولكني لم أجزها؛ لأنها ليست بمجتمعة على شيء وإن كان القتل المشهود عليه أو المقر به خطأ أحلف أولياء الدم مع شاهدهم واستحقوا الدية بما تستحق به الحقوق وإن كان عمدا أحلفوا أيضا قسامة؛ لأن مثل هذا يوجب القسامة في الدم واستحقوا الدية بالقسامة.
ولو شهد شاهدان أن هذا قتل فلانا أو هذا قد أثبتا أحدهما بغير عينه لم تكن هذه شهادة قاطعة وكانت في هذا قسامة على أحدهما كما تكون على أهل القرية قتله بعضهم ولو شهدا أن هذا الرجل بعينه قتل عبد الله بن محمد أو سالم بن عبد الله لا يدري أيهما قتل لم تكن هذه شهادة ولا في هذا قسامة؛ لأن أولياء كل واحد منهما إذا طلبوا لم يكونوا بأحق من غيرهم.
[قال الشافعي]: ولا أقبل الشهادة حتى يثبتوها فإن قالوا نشهد أنه ضربه في رأسه ضربة بسيف أو حديدة أو عصا فرأيناه مشجوجا هذه الشجة لم أقص منه حتى يقولوا فشجه بها هذه الشجة.
[قال الشافعي]: وهكذا لو قالوا نشهد أنه ضربه وهو ملفف فقطعه باثنين أو جرحه هذا الجرح ولم يبينوا أنه كان حيا حين ضربه لم أجعله قاتلا ولا جارحا حتى يقولوا ضربه وهو حي أو تثبت بينة أنه حين ضربه كان حيا أو كانت فيه الحياة بعد ضربه إياه فيعلم أن الضربة كانت وهو حي وأقبل قول الجاني مع يمينه إذا لم تقم بينة بأن هذه الشجة لم تكن من فعله وأنه ضربه ميتا وهكذا لو شهدوا أن قوما دخلوا بيتا فغابوا، ثم هدمه هذا عليهم فقال هدمته بعد ما ماتوا جعلت القول قوله حتى تثبت البينة أن الحياة كانت فيهم حين هدم هذا البيت. [قال الربيع]: وللشافعي فيه قول ثان يشبه هذا أن الملفوف بالثوب والقوم الذين كانوا في البيت فهدمه عليهم على الحياة حتى يعلم أو تقوم بينة أنهم ماتوا قبل أن يهدم البيت عليهم.
[قال الشافعي]: وهكذا لو أقر فقال ضربته فقطعته وهدمت البيت على هؤلاء وهم موتى أو ضربت فم هذا الرجل وأسنانه ساقطة كان القول قوله مع يمينه حتى تقوم بينة بخلاف ما قال وإذا شهد شاهدان أن هذا الرجل ضرب هذا الرجل ضربة أثبتناها فلم يبرأ جرحها حتى مات المضروب فلا قصاص عليه إلا بأن يقر بأنه مات أو يثبت الشهود أنه مات منها أو من غيرهم ممن رأى الضربة وإن لم يره حين ضربه أو يثبت الشهود الذين رأوا الضربة أو الذين شهدوا على أصل الضربة أنه لم يزل لازما للفراش منها حتى مات فإذا كان هكذا فالظاهر أنه مات منها وعليه القود وإذا لم يكن من هذا واحد حلف الجاني ما مات منها وضمن أرش الجرح فإن نكل حلفوا وكان لهم الدية أو القصاص فيه إن كان ممن يقتص منه.