→ الرهن الفاسد | كتاب الأم - كتاب الرهن الكبير المؤلف: الشافعي |
ضمان الرهن ← |
زيادة الرهن |
[قال الشافعي]: رحمه الله وإذا رهن الرجل الرجل الجارية حبلى فولدت أو غير حبلى فحبلت وولدت فالولد خارج من الرهن؛ لأن الرهن في رقبة الجارية دون ما يحدث منها، وهكذا إذا رهنه الماشية مخاضا فنتجت أو غير مخاض فمخضت ونتجت فالنتاج خارج من الرهن، وكذلك لو رهنه شاة فيها لبن فاللبن خارج من الرهن؛ لأن اللبن غير الشاة [قال الربيع]: وقد قيل اللبن إذا كان فيها حين رهنها فهو رهن معها كما يكون إذا باعها كان اللبن لمشتريها، وكذلك نتاج الماشية إذا كانت مخاضا وولد الجارية إذا كانت حبلى يوم يرهنها فما حدث بعد ذلك من اللبن فليس برهن.
[قال الشافعي]: ولو رهنه جارية عليها حلي كان الحلي خارجا من الرهن. وهكذا لو رهنه نخلا أو شجرا فأثمرت كانت الثمرة خارجة من الرهن؛ لأنها غير الشجرة. قال: وأصل معرفة هذا أن للمرتهن حقا في رقبة الرهن دون غيره، وما يحدث منه مما قد يتميز منه غيره. وهكذا لو رهنه عبدا فاكتسب العبد كان الكسب خارجا من الرهن؛ لأنه غير العبد، والولاد والنتاج واللبن، وكسب الرهن كله للراهن ليس للمرتهن أن يحبس شيئا عنه. وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فدفعه إليه فهو على يديه رهن، ولا يمنع سيده من أن يؤجره ممن شاء فإن شاء المرتهن أن يحضر إجارته حضرها، وإن أراد سيده أن يخدمه خلى بينه وبينه فإذا كان الليل أوى إلى الذي هو على يديه، وإن أراد سيده إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه إلا بإذن المرتهن، وهكذا إن أراد المرتهن إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه منه، وإذا مرض العبد أخذ الراهن بنفقته، وإذا مات أخذ بكفنه؛ لأنه مالكه دون المرتهن. وأكره رهن الأمة إلا أن توضع على يدي امرأة ثقة لئلا يغب عليها رجل غير مالكها، ولا أفسخ رهنها إن رهنها فإن كان للرجل الموضوعة على يديه أهل أقررتها عندهم، وإن لم يكن عنده نساء وسأل الراهن أن لا يخلو الذي هي على يديه بها أقررتها رهنا، ومنعت الرجل غير سيدها المغب عليها؛ لأن رسول الله ﷺ (نهى أن يخلو الرجل بامرأة) وقلت إن تراضيا بامرأة تغيب عليها. وإن أراد سيدها أخذها لتخدمه لم يكن ذلك لئلا يخلو بها خوف أن يحبلها فإن لم يرد ذلك الراهن فيتواضعانها على يدي امرأة بحال، وإن لم يفعلا جبرا على ذلك، ولو شرط السيد للمرتهن أن تكون على يديه أو يد رجل غيره، ولا أهل لواحد منهما ثم سأل إخراجها أخرجتها إلى امرأة ثقة، ولم أجز أبدا أن يخلو بها رجل غير مالكها وعلى سيد الأمة نفقتها حية، وكفنها ميتة. وهكذا إن رهنه دابة تعلف فعليه علفها وتأوي إلى المرتهن أو إلى الذي وضعت على يديه، ولا يمنع مالك الدابة من كرائها وركوبها، وإذا كان في الرهن در، ومركب فللراهن حلب الرهن وركوبه. [أخبرنا] سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: (الرهن مركوب، ومحلوب).
[قال الشافعي]: يشبه قول أبي هريرة - والله تعالى أعلم - أن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها؛ لأن له رقبتها، وهي محلوبة، ومركوبة كما كانت قبل الرهن، ولا يمنع الراهن برهنه إياها من الدر والظهر الذي ليس هو الرهن بالرهن الذي هو غير الدر والظهر. وهكذا إذا رهنه ماشية راعية فعلى ربها رعيها، وله حلبها ونتاجها وتأوي إلى المرتهن أو الموضوعة على يديه، وإذا رهنه ماشية، وهو في بادية فأجدب موضعها وأراد المرتهن حبسها فليس ذلك له ويقال له إن رضيت أن ينتجع بها ربها، وإلا جبرت أن تضعها على يدي عدل ينتجع بها إذا طلب ذلك ربها، وإذا أراد رب الماشية النجعة من غير جدب والمرتهن المقام قيل لرب الماشية ليس لك إخراجها من البلد الذي رهنتها به إلا من ضرر عليها، ولا ضرر عليه فوكل برسلها من شئت. وإن أراد المرتهن النجعة من غير جدب قيل له ليس لك تحويلها من البلد الذي ارتهنتها به وبحضرة مالكها إلا من ضرورة فتراضيا من شئتما ممن يقيم في الدار ما كانت غير مجدبة فإن لم يفعلا جبرا على رجل تأوي إليه، وإن كانت الأرض التي رهنها بها غير مجدبة وغيرها أخصب منها لم يجبر واحد منهما على نقلها منها فإن أجدبت فاختلفت نجعتهما إلى بلدين مشتبهين في الخصب فسأل رب الماشية أن تكون معه وسأل المرتهن أن تكون معه قيل إن اجتمعتما معا ببلد فهي مع المرتهن أو الموضوعة على يديه، وإن اختلفت داركما فاختلفتما جبرتما على عدل تكون على يديه في البلد الذي ينتجع إليه رب الماشية؛ لينتفع برسلها وأيهما دعا إلى بلد فيه عليها ضرر لم يجب عليه الحق الراهن في رقابها ورسلها وحق المرتهن في رقابها. وإذا رهنه ماشية عليها صوف أو شعر أو وبر فإن أراد الراهن أن يجزه فذلك له؛ لأن صوفها وشعرها ووبرها غيرها كاللبن والنتاج وسواء كان الدين حالا أو لم يكن أو قام المرتهن ببيعه أو لم يقم كما يكون ذلك سواء في اللبن. [قال الربيع]: وقد قيل إن صوفها إذا كان عليها يوم رهنها فهو رهن معها ويجز ويكون معها مرهونا لئلا يختلط به ما يحدث من الصوف؛ لأن ما يحدث للراهن.
[قال الشافعي]: وإذا رهنه دابة أو ماشية فأراد أن ينزي عليها وأبى ذلك المرتهن فليس ذلك للمرتهن فإن كان رهنه منها ذكرانا فأراد أن ينزيها فله أن ينزيها؛ لأن إنزاءها من منفعتها، ولا نقص فيه عليها، وهو يملك منافعها وإذا كان فيها ما يركب ويكرى لم يمنع أن يكريه ويعلفه. وإذا رهنه عبدا فأراد الراهن أن يزوجه أو أمة فأراد أن يزوجها فليس ذلك له؛ لأن ثمن العبد أو الأمة ينتقص بالتزويج ويكون مفسدة لها بينة وعهدة فيها، وكذلك العبد، ولو رهنه عبدا أو أمة صغيرين لم يمنع أن يعذرهما؛ لأن ذلك سنة فيهما، وهو صلاحهما وزيادة في أثمانهما، وكذلك لو عرض لهما ما يحتاجان فيه إلى فتح العروق وشرب الدواء أو عرض للدواب ما تحتاج به إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ وتعريب، وما أشبهه لم يمنعه، وإن امتنع الراهن أن يعالجها بدواء أو غيره لم يجبر عليه فإن قال المرتهن: أنا أعالجها وأحسبه على الراهن فليس ذلك له، وهكذا إن كانت ماشية فجربت لم يكن للمرتهن أن يمنع الراهن من علاجها، ولم يجبر الراهن على علاجها، وما كان من علاجها ينفع، ولا يضر مثل أن يملحها أو يدهنها في غير الحر بالزيت أو يمسحها بالقطران مسحا خفيفا أو يسعط الجارية أو الغلام أو يمرخ قدميه أو يطعمه سويقا قفارا أو ما أشبه هذا فتطوع المرتهن بعلاجها به لم يمنع منه، ولم يرجع على الراهن به. وما كان من علاجها ينفع أو يضر مثل فتح العروق وشرب الأدوية الكبار التي قد تقتل فليس للمرتهن علاج العبد، ولا الدابة، وإن فعل وعطبت ضمن إلا أن يأذن السيد له به، وإذا كان الرهن أرضا لم يمنع الراهن من أن يزرعها الزرع الذي يقلع قبل محل الحق أو معه وفيما لا ينبت من الزرع قبل محل الحق قولان. أحدهما: أن يمنع الراهن في قول من لا يجيز بيع الأرض منزوعة دون الزرع من زرعها ما ينبت فيها بعد محل الحق، وإذا تعدى فزرعها بغير إذن المرتهن ما ينبت فيها بعد محل الحق لم يقلع زرعه حتى يأتي محل الحق فإن قضاه ترك زرعه، وإن بيعت الأرض مزروعة فبلغت وفاء حقه لم يكن له قلع زرعه، وإن لم تبلغ وفاء حقه إلا بأن يقلع الزرع أمر بقلعه إلا أن يجد من يشتريها منه بحقه على أن يقلع الزرع ثم يدعه إن شاء متطوعا. وهذا في قول من أجاز بيع الأرض مزروعة. والقول الثاني: لا يمنع من زرعها بحال ويمنع من غراسها وبنائها إلا أن يقول: أنا أقلع ما أحدثت إذا جاء الأجل فلا يمنعه. وإذا رهنه الأرض فأراد أن يحدث فيها عينا أو بئرا فإن كانت العين أو البئر تزيد فيها أو لا تنقص ثمنها لم يمنع ذلك، وإن كانت تنقص ثمنها، ولا يكون فيما يبقى منها عوض من نقص موضع البئر أو العين بأن يصير إذا كانا فيه أقل ثمنا منه قبل يكونان فيه منعه، وإن تعدى بعمله فهو كما قلت في الزرع لا يدفن عليه حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه القول في الزرع والغراس، وهكذا كلما أراد أن يحدث في الأرض المرهونة إن كان لا ينقصها لم يمنعه، وإن كان ينقصها منعه ما يبقى، ولا يكون ما أحدث فيها داخلا في الرهن إلا أن يدخله الراهن فكان إذا أدخله لم ينقص الرهن لم يمنعه، وإن كان ينقصه منعه، وإذا رهنه نخلا لم يمنعه أن يأبرها ويصرمها يعني يقطع جريدها، وكرانيفها وكل شيء انتفع به منها لا يقتل النخل، ولا ينقص ثمنه نقصا بينا ويمنع ما قتل النخل وأضر به من ذلك. وإن رهنه نخلا في الشربة منه نخلات فأراد تحويلهن إلى موضع غيره وامتنع المرتهن سئل أهل العلم بالنخل فإن زعموا أن الأكثر لثمن الأرض والنخل أن يتركن لم يكن له تحويلهن، وإن زعموا أن الأكثر بثمن الأرض والنخل أن يحول بعضهن، ولو ترك مات؛ لأنهن إذا كان بعضهن مع بعض قتله أو منع منفعته حول من الشربة حتى يبقى فيها ما لا يضر بعضه بعضا، وإن زعموا أن لو حول كله كان خيرا للأرض في العاقبة وأنه قد لا يثبت لم يكن لرب الأرض أن يحوله كله؛ لأنه قد لا يثبت، وإنما له أن يحول منه ما لا نقص في تحويله على الأرض لو هلك كله. وهكذا لو أراد أن يحول مساقيه فإن لم يكن في ذلك نقص النخل أو الأرض ترك، وإن كان فيه نقص الأرض أو النخل أو هما لم يترك فإن كانت في الشربة نخلات فقيل الأكثر لثمن الأرض أن يقطع بعضهن ترك الراهن وقطعه، وكان جميع النخلة المقطوعة جذعها وجمارها رهنا بحاله، وكذلك قلوبها، وما كان من جريدها لو كانت قائمة لم يكن لرب النخلة قطعها، وكان ما سوى ذلك من ثمرها وجريدها الذي لو كانت قائمة كان لرب النخلة نزعه من كرانيف وليف لرب النخلة خارجا من الرهن، وإذا قلع منها شيئا فثبته في الأرض التي هي رهن فهو رهن فيها؛ لأن الرهن، وقع عليه. وإذا أخرجه إلى أرض غيرها لم يكن ذلك له إن كان له ثمن، وكان عليه أن يبيعه فيجعل ثمنه رهنا أو يدعه بحاله، ولو قال: المرتهن في هذا كله للراهن أقلع الضرر من نخلك لم يكن ذلك عليه؛ لأن حق الراهن بالملك أكثر من حق المرتهن بالرهن.
[قال الشافعي]: وإذا رهنه أرضا لا نخل فيها فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن، وكذلك ما نبت فيها، ولو قال: المرتهن له اقلع النخل، وما خرج قيل إن أدخله في الرهن متطوعا لم يكن عليه قلعها بكل حال؛ لأنها تزيد الأرض خيرا فإن قال: لا أدخلها في الرهن لم يكن عليه قلعها حتى يحل الحق فإن بلغت الأرض دون النخل حق المرتهن لم يقلع النخل، وإن لم تبلغه قيل لرب النخل إما أن توفيه حقه بما شئت من أن تدخل معي الأرض النخل أو بعضه، وإما إن تقلع عنه النخل. وإن فلس بديون الناس، والمسألة بحالها بيعت الأرض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت قيمة الأرض والنخل فأعطى مرتهن الأرض ما أصاب الأرض وللغرماء ما أصاب النخل، وهكذا لو كان هو غرس النخل أو أحدث بناء في الأرض، وهكذا جميع الغراس والبناء والزرع، ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن قد نبت في هذه الأرض نخل لم أكن رهنتكه، وقال: المرتهن ما نبت فيه إلا ما كان في الرهن أريه أهل العلم به فإن قالوا قد ينبت مثل هذا النخل بعد الرهن كان القول قول الراهن مع يمينه، وما نبت خارج من الرهن، ولا ينزع حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه كما وصفت فإن قالوا لا ينبت مثل هذا في هذا الوقت لم يصدق، وكان داخلا في الرهن لا يصدق إلا على ما يكون مثله. وإذا ادعى أنه غراس لا بواسطة منبت سئلوا أيضا فإن كان يمكن أن يكون من الغراس ما قال: فهو خارج من الرهن، وإن لم يكن يمكن فهو داخل في الرهن، ولو كان ما اختلفا فيه بنيانا فإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون يبنى في مثلها بحال فالقول قول الراهن، وإن كانت لم تأت عليه مدة يمكن أن يكون يبني في مثلها بحال، فالبناء داخل في الرهن، وإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون بعض البناء فيها، وبعض لا يمكن أن يكون فيها كان البناء الذي لا يمكن أن يكون فيها داخلا في الرهن والبناء الذي يمكن أن يكون فيها خارجا من الرهن مثل أن يكون جدار طوله عشرة أذرع يمكن أن يكون أساسه، وقدر ذراع منه، كان قبل الرهن، وما فوق ذلك يمكن أن يكون بعد الرهن. وإذا رهنه شجرا صغارا فكبر فهو رهن بحاله؛ لأنه رهنه بعينه، وكذلك لو رهنه ثمرا صغارا فبلغ كان رهنا بحاله، وإذا رهنه أرضا ونخلا فانقطعت عينها أو انهدمت ودثر مشربها لم يجبر الراهن أن يصلح من ذلك شيئا، ولم يكن للمرتهن أن يصلحه على أن يرجع به على الراهن، كان الراهن غائبا أو حاضرا، وإن أصلحه فهو متطوع بإصلاحه، وإن أراد إصلاحه بشيء يكون صلاحا مرة وفسادا أخرى فليس له أن يصلح به وعليه الضمان إن فسد به؛ لأنه متعد بما صنع منه. وإذا رهنه عبدا أو أمة فغاب الراهن أو مرض فأنفق عليهما فهو متطوع، ولا تكون له النفقة حتى يقضي بها الحاكم على الغائب ويجعلها دينا عليه؛ لأنه لا يحل أن تمات ذوات الأرواح بغير حق، ولا حرج في إماتة ما لا روح فيه من أرض ونبات، والدواب ذوات الأرواح كلها كالعبيد إذا كانت مما تعلف فإن كانت سوائم رعيت، ولم يؤمر بعلفها؛ لأن السوائم هكذا تتخذ. ولو تساوكت هزلا، وكان الحق حالا فللمرتهن أخذ الراهن ببيعها، وإن كان الحق إلى أجل فقال المرتهن مروا الراهن بذبحها فيبيع لحومها وجلودها لم يكن ذلك على الراهن؛ لأن الله - عز وجل - قد يحدث لها الغيث فيحسن حالها به، ولو أصابها مرض جرب أو غيره لم يكلف علاجها؛ لأن ذلك قد يذهب بغير العلاج، ولو أجدب مكانها حتى تبين ضرره عليها كلف ربها النجعة بها إذا كانت النجعة موجودة لأنها إنما تتخذ على النجعة، ولو كان بمكانها عصم من عضاه تماسك بها، وإن كانت النجعة خيرا لها لم يكلف صاحبها النجعة بها؛ لأنها لا تهلك على العصم، ولو كانت الماشية أوارك أو خميصة أو غوادي فاستؤنيت مكانها فسأل المرتهن الراهن أن ينتجع بها إلى موضع غيره لم يكن ذلك له على الراهن؛ لأن المرض قد يكون من غير المرعى فإذا كان الرعي موجودا لم يكن عليه إبدالها غيره، وكذلك الماء، وإن كان غير موجود كلف النجعة إذا قدر عليها إلا أن يتطوع بأن يعلفها. فإذا ارتهن الرجل العبد وشرط ماله رهنا كان العبد رهنا، وما قبض من ماله رهن، وما لم يقبض خارج من الرهن.