→ باب ما يحرم به الدم من الإسلام | كتاب الأم – كتاب الحدود وصفة النفي تفريع المرتد الشافعي |
الشهادة على المرتد ← |
[قال الشافعي]: رحمه الله: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الإيمان في أي حال كان لا يمتنع فيها بقهر من لقيه فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الإيمان دمه وأوجب له حكم الإيمان ولم يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الإيمان في الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الإيمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالإيمان أو شهد شهادة الحق بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الإيمان فمتى أظهر الإيمان لم يحلف على ما تقدم منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الإيمان.
[قال الشافعي]: رحمه الله: وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر إلا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الإسلام ثم ارتد بعد عن الإسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الإسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان وإلى أي هذه الأديان صار حقن دمه وحكم له حكم الإسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الإسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر قتل مكانه ساعة يأبى إظهار الإيمان.
ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر الإيمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الإسلام. ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الإسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل وإذا أفاق عرض عليه الإيمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مغلوبا على عقله بغير السكر لم يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل أن يتوب كان ماله فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الإسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل.
[قال الشافعي]: ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا على عقله ولم يتب كان ماله فيئا [قال]: وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل بالغ ممن أقر بالإيمان ولد على الإيمان أو الكفر ثم أقر بالإيمان.
[قال الشافعي]: والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل. [قال]: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله ﷺ فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد ﷺ أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد ﷺ إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا [قال]: وإنما يقتل من أقر بالإيمان إذا أقر بالإيمان بعد البلوغ والعقل [قال]: فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالإيمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو كان مغلوبا على عقله بسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالإيمان ثم ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالإيمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الإسلام أو بلاد الشرك ثم ولد لهما ولد قبل الإقرار بالإيمان أو بعد الردة أو بعدما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على إقرارهما بالإيمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالإيمان وجبروا عليه ولا يقتلون إن امتنعوا منه فإذا بلغوا أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الإيمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالإسلام والمقر بالإسلام منهما على الإقرار به أو مرتد فحكمه حكم الإسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما [قال]: ويقتل المريض المرتد عن الإسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان الرجوع إلى الإيمان قتل مكانه لأن النبي ﷺ لما قال: (من بدل دينه فاقتلوه) وقال فيما يحل الدم: (كفر بعد إيمان) كانت الغاية التي دل رسول الله ﷺ على أن يقتل فيها المرتد أن يمتنع من الإيمان ولم يكن إذا تؤني به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من الإيمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الإسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤني به ساعة ويوما كان أحب إلي أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.