→ باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه؟ وليس في التراجم | كتاب الأم - كتاب الجنائز المؤلف: الشافعي |
كتاب الزكاة ← |
باب الخلاف فيه |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس، وآخر في هذا فكلمت بعض الناس، وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة، وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أني لا أدري لعلي أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذي كان مني حين كلمته فلم أحب أن أحكي إلا ما قلت على وجهه، وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له، وأن آتي على ما قال، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكي إن شاء الله تعالى ما قالوا، وقلت: فقال لي: قد علمت أن فقهاء المكيين، وغير واحد من فقهاء المدنيين يقولون ما قلت لا يخالفونك فيه، وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شيء منه فقلت: لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق قولك قول من لا يرى قوله حجة بحال: قال: أفعل، ثم قال: أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب (أن عائشة، وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شيء فذكرتا ذلك للنبي ﷺ فقال صوما يوما مكانه) فقلت: هل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا؟ قال: ما يحضرني الآن شيء غيره، وهذا الذي كنا نبني عليه من الأخبار في هذا
قال: فقلت له: هل تقبل مني أن أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب، وابن المنكدر، ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء، وابن المسيب، وعروة؟ قال: لا. قلت: فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شيء ولا تقبله عنه، ولا عن مثله، ولا أكبر منه في شيء غيره؟ قال فقال: فلعله لم يحمله إلا عن ثقة. قلت: وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا، ومرسل من هو أكبر فيقول كلما غاب عني مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم علي به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله، قلت: ولم؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة الشهادات، ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا، ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال: أجل، وهكذا نقول في الحديث كله قال: فقلت له: وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من كأنه لم يعلم فيه، ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب، وفيه شيء يخالفه، ولم نعرف ثقة ثبتا يخالفه، وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال: فكان ذاهبا عند ابن شهاب؟ قلت: نعم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال: الحديث الذي رويت عن حفصة، وعائشة عن النبي ﷺ قال ابن جريج: فقلت له أسمعته من عروة بن الزبير؟ قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان.
[قال الشافعي]: فقلت له: أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله؟ قال: لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن رجل لا يسميه ولو عرفه لسماه أو وثقه.
[قال الشافعي]: فقال: أفليس يقبح أن يدخل رجل في صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلي ركعتين، وفي صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا؟ فقلت له: وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى أن تكلم كلام أهل الهالة قال: الذي قلت أحسن. قلت: أتقول أن يكمل الرجل ما دخل فيه؟ قال: نعم. قلت: وأحسن منه أن يزيد على أضعافه؟ قال: أجل. قلت أفتوجبه عليه؟ قال: لا قلت له: أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا أو لا يصلي ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك في صوم أو صلاة؟ قال الذي امتنع من أن يدخل من ذلك سيئ، قلت: أفتأمره إذا كان فعله أقبح أن يصلي، ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه؟ قال: لا. قلت: فليس قولك أحسن، وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال: نعم فلم يدخل الاختيار في موضع الحجة، وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا: ما نحب أن يطيق رجل صوما فيأتي عليه شهر لا يصوم بعضه، ولا صلاة فيأتي عليه ليل، ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منهما بعدد كثير من الصلاة، وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له، ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في ترك النقص، ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل: هذا معيب، وهذا مستخف، والاستخفاف، والعيب بالنية، والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف؟ قلت: نعم. قال: فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا: أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن (عائشة أم المؤمنين قالت: دخل علي رسول الله ﷺ فقلت إنا خبأنا لك حيسا: فقال أما إني كنت أريد الصوم، ولكن قربيه).
[قال الشافعي]: فقال قد قيل: إنه يصوم يوما مكانه.
[قال الشافعي]: فقلت له: ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث، وأنا أسألك. قال. فسل: قلت أرأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له أن يفطر ويقضي يوما مكانه؟ قال: لا. قلت: أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن تقول من غير ضرورة ثم يقضي؟ قال: لا. قلت: ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما ذهبت إليه كنت قد خالفته؟ قال: فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن يقضيه؟ قلت: نعم. يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال: وأياما أفتجد في شيء روي عن النبي ﷺ ما يدل على ما وصفت؟ قلت: نعم أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله ﷺ بعد العصر، قال أبو سلمة: فذهبت معه إلى عائشة، وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له: اذهب فسل أم سلمة، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها (فقالت أم سلمة: دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما قالت أم سلمة فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال: إني كنت أصلي ركعتين قبل الظهر، وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان).
[قال الشافعي]: وثابت عن رسول الله ﷺ أنه قال (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل)، وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما شغل عنه عمله في أقرب الأوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان، ولا بعدها، وإنما هما نافلة، وقال عمر بن الخطاب " من فاته شيء من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل " ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه، ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل، أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر (أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي ﷺ فأمره أن يعتكف في الإسلام)، وهو على هذا المعنى، والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق باعتكاف اعتكف، ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردي، وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما عن جابر (أن النبي ﷺ صام في سفره إلى مكة عام الفتح في شهر رمضان، وأمر الناس أن يفطروا فقيل له: إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده، وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا، ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب وفي حديثهما أو حديث أحدهما، وذلك بعد العصر) أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال (خرج النبي ﷺ من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم، وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده، وهو على الرحل فحبس من بين يديه، وأدركه من وراءه ثم شرب، والناس ينظرون).
[قال الشافعي]: فقال هذا في شهر رمضان قلت: فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولي من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله ﷺ فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره قال: فتقول بهذا؟ قلت: نعم، أقوله اتباعا لأمر النبي ﷺ {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} قال لي: فقد ذكر لي أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ فقلت له: الذي جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الأثر قال فاذكر الأثر قلت: فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن واحد من أصحاب رسول الله ﷺ ولم تأت بشيء يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم أن فيما قلنا الحجة، وفي خلافه الخطأ؟ قال: فاذكره. قلت: أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع، ويضرب لذلك أمثالا، رجل قد طاف سبعا، ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة، ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب، أخبرنا مسلم، وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم، وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده فيقول: لاصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرا، وبلغ ذلك الحين، وهو مفطر. قال ابن جريج: أخبرنا عطاء، وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده، ولعله أن يكون وجد غداء أو لم يجده.
[قال الشافعي]: في قوله يصبح مفطرا يعني يصبح لم ينو صوما، ولم يطعم شيئا.
[قال الشافعي]: وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوي صومه قبل الفجر، أخبرنا الثقات من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسئل عن ذلك فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مثل معنى ما روي عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال حدثني من رأى أبا ذر يكثر الركوع، والسجود فقيل له: أيها الشيخ تدري على شفع تنصرف أم على وتر؟ قال: لكن الله يدري أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي تميم المنذري عن مطرف قال: أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع، والسجود فلما انصرف قلت: إنك شيخ وإنك لا تدري على شفع انصرفت أم على وتر فقال: إنك قد كفيت حفظه وإني لارجو أني لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لي بها حسنة أو جمع لي كلتيهما، قال عبد الوهاب الشيخ الذي صلى، وقال المقالة أبو ذر.
[قال الشافعي]: قول أبي ذر " لكن الله يدري "، وقوله " قد كفيت حفظه " يعني علم الله به، ويتوسع، وإن لم يعلم هو، والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه، ولا ينقص منه شيئا، وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع.
[قال الشافعي]: وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد في أصحاب رسول الله ﷺ إذا لم يخالفه غيره من روايتك، ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن علي وعمر وأبي ذر من الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن جابر بن عبد الله ويروي عن أبي ذر عدد من أصحاب رسول الله ﷺ ما يوافق ما قلنا فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار، وأيا كان لم يك على أصل مذهبك أن نقول قولنا فيه وأنت تروي عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر، ونقول ولو تصادقا أنه لم يمسها، وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول حجة لقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}، ولقوله {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} قالوا إنما أوجب الله المهر، والعدة في الطلاق بالمسيس فقلت: لا تنازع عمر، ولا تتأول معه بل تتبعه، ونتبع ابن عباس في قوله: (من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما)، وفي قوله " ما الذي نهى عنه رسول الله ﷺ في الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه، ولا أحسب كل شيء إلا مثله فقلت: لا يجوز أن يباع شيء اشتري متى يقبض اتباعا لابن عباس، وتروي ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول ابن عباس وتروي عن علي رضي الله عنه في امرأة المفقود خلاف عمر، وتحتج به عليه، وترى لك فيه حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر، وعددا من أصحاب رسول الله ﷺ متفقة أقاويلهم، وأفعالهم، وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس أرأيت لا يمكن أحدا في قول، واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا، ومعهم دلائل السنة التي ليس لأحد خلافها؟
قال: أفتكون صلاة ركعة واحدة؟ [قلت]: مسألتك مع ما وصفت من الأخبار جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا، ولك أن نكون متكلمين سنة أو أثرا عن بعض أصحاب النبي ﷺ فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز، وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع.
قال: أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام، والطواف، وكلمتك في الصلاة وزعمت أني لا أقيس شريعة بشريعة، ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد في الصوم حديثا يثبت يخالف ما ذهبت إليه، ولا في الطواف، وكنعت عن الكلام فيهما قلت، ورجعت إلى إجازة أن يخرج من صوم التطوع، والطواف؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك الوقوف عند الحجة؟ قال: لعلي سأجد حجة فيما قلت: قلت: فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له، وفائدة وقوفك، والخبر الذي يلزم مثله عندك ثابت بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة إن النبي ﷺ قال (صلاة الليل، والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين) قلت: فأنت تخالف هذا فتقول: صلاة النهار أربع، وصلاة الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت؟ قال فاقتصر على صلاة الليل، وأنت تعرف الحديث ليلا، وتثبته؟ قلت: نعم. وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال، وكيف قلت: إنما سن رسول الله ﷺ أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلي أقل من مثنى، ولا أكثر قال، وأين أجاز أن يصلي أقل من مثنى؟ قلت في قوله (فإذا خشي الصبح صلى واحدة يوتر بها ما قد صلى) فقد صلى ركعة واحدة منفردة، وجعلها صلاة، وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن النبي ﷺ كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم، ولا يجلس إلا في أخراهن)، وروى ابن عباس (أن النبي ﷺ سلم من الركعة والركعتين)، وأخبر أن وجه الصلاة في التطوع أن تكون مثنى، ولم يحرم أن تجاوز مثنى، ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا يصلي إلا مثنى، قلت: فأنت إذن تخالف إن زعمت أن الوتر واحدة، وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى، قال: فقال بعض من حضره من أصحابه ليس الذي ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى، ولا يحرمون دون مثنى فإذا جاز أن يصلي غير مثنى قلت: فلم أحتج به.
[قال الشافعي]: قلت له: نحن وأنت مجمعون على إنما يجب للرجل إذا قرأ السجدة طاهرا أن يسجد، وأنت توجبها عليه أفسجدة لا قراءة فيها أقل أم ركعة؟ قال: هذا سنة وأثر قلت له، ولا يدخل على السنة ولا الأثر؟ قال: لا. قلت: فلم أدخلته علينا في السنة والأثر؟ وإذا كانت سجدة تكون صلاة، ولم تبطلها بقول النبي ﷺ صلاة الليل " مثنى لأنه لم يبلغ بها أن يجاوز بها مثنى فيقصر بها على مثنى فكيف عبث أن نقول أقل من مثنى، وأكثر من سجدة صلاة؟ قال: فإن قلت: السجود واجب قلنا فذلك أوكد للحجة عليك أن يحب من الصلاة سجدة بلا قراءة، ولا ركوع ثم تعيب أن يجوز أكثر منها قلت له سجد رسول الله ﷺ سجدة شكر لله عز وجل.
[قال الشافعي]: أخبرنا بذلك الدراوردي وسجد أبو بكر شكرا لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل مسيلمة، وسجد عمر حين جاءه فتح مصر شكرا لله جل اسمه فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت أن يتطوع بأكثر منها؟ وقلت له ولو أن رجلا ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خفف قيام الليل ونصفه قال {فاقرءوا ما تيسر منه} يعني صلوا ما تيسر أن يكون جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، والله تعالى أعلم منك، وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما بركعة في الليل لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث أن كريبا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس فقال: أصاب أي بنى ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن زيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة قال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال قلت لاغلبن الليلة على المقام فقمت فإذا برجل يزحمني متقنعا فنظرت فإذا عثمان قال فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر فأوتر بركعة لم يصل غيرها.
[قال الشافعي]: فقال فما حجتك على صاحبك الذي خالف مذهبك؟ قلت له: حجتي عليك حجتي عليه، ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال: وأين؟ قلت: هل تعدو النافلة من الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها، وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟ قال: ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من هذين؟ قال: وكيف؟ قلت: يزعم أن من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه أن يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه، وهو يزعم في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال: ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناظراته، وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شيء، ويخالفنا في شيء لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا، قلنا: فيوهم أن عنده أثرا ولا يذكره، وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة، ولا أثرا.
[قال الشافعي]: فقال فبقيت لنا عليك حجة، وهي أنك تركت فيهما بعض الأصل الذي ذهبت إليه.
[قال الشافعي]: فقلت، وما هي؟ قال: أنت تقول من تطوع بحج أو عمرة فدخل فيهما لم يكن له الخروج منهما، وهما نافلة فما فرق بين الحج، والعمرة، وغيرهما من صلاة، وطواف، وصوم؟ قلت: الفرق الذي لا أعلمك ولا أحدا يخالف فيه قال فما هو؟ قلت أفرأيت من أفسد صلاته أو صومه أو طوافه أيمضي في واحد منها أو يستأنفها قال: بل يستأنفها قلت، ولو مضى في صلاة فاسدة أو صوم أو طواف لم يجزه، وكان عاصيا، ولو فسدت طهارته، ومضى مصليا أو طائفا لم يجز؟ قال: نعم. قلت: يؤمر بالخروج منها؟ قال: نعم قلت: أفرأيت إذا فسد حجه وعمرته أيقال له: اخرج منهما فإنه لا يجوز له أن يمضي في واحد منهما وهو فاسد؟ قال: لا، وقلت: ويقال له اعمل للحج والعمرة، وقد فسدا كما تعمله صحيحا لا تدع من عمله شيئا للفساد، واحجج قابلا، واعتمر وافتد، قال: نعم، قلت: أفتراهما يشبهان شيئا مما وصفت؟ والله أعلم.