الرئيسيةبحث

رحلة ابن جبير/مشاهد الأئمة العلماء الزهاد

رحلة ابن جبير مشاهد الأئمة العلماء الزهاد
المؤلف: محمد بن جبير


مشاهد الأئمة العلماء الزهاد

مشهد الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو من المشاهد العظيمة احتفالاً واتساعاً. وبني بإزائه مدرسة لم يعمر بهذه البلاد مثلها، لا أوسع مساحة ولا أحف بناء، يخيل لمن يطوف عليها أنها بلد مستقل بذاته، بإزائها الحمام، غير ذلك من مرافقها، والبناء فيها حتى الساعة، والنفقة عليها لا تحصى. وتولى ذلك بنفسه الشيخ الإمام الزاهد العالم المعروف بنجم الدين الخبوشاني وسلطان هذه الجهات صلاح الدين يسمح له بذلك كله، ويقول: زد احتفالاً وتأنقاً وعلينا القيام بمؤونة ذلك كله، فسبحان الذي جعله صلاح دينه كاسمه.

ولقينا هذا الرجل الخبوشاني المذكور تبركاً بدعائه لأنه قد كان ذكر لنا أمره بالأندلس. فألفيناه في مسجده بالقاهرة وفي البيت الذي يسكنه داخل المسجد المذكور، وهو بيت ضيق الفناء، فدعا لنا، وانصرفنا ولم نلق من رجال مصر سواه. مشهد المزني صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه، مشهد أشهب صاحب مالك رضي الله عنه، مشهد عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك رضي الله عنهما، مشهد أصبغ صاحب مالك رضي الله عنهما، مشهد القاضي عبد الوهاب رضي الله عنه، مشهد عبد الله بن عبد الحكم ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم رضي الله عنهما، مشهد الفقيه الواعظ الزاهد أبي الحسن الدينوري رضي الله عنه، مشهد بنان العابد رضي الله عنه، مشهد الرجل الصالح العابد الزاهد المعروف بصاحب الإبريق، وقصته عجيبة في الكرامة، مشهد أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه، مشهد المرأة الصالحة المعروفة بالعيناء رضي الله عنها، مشهد الروذباري رضي الله عنه، مشهد محمد بن مسعود بن محمد بن هارون الرشيد المعروف بالسبتي رضي الله عنه، مشهد الرجل الصالح مقبل الحبشي رضي الله عنه، مشهد ذي النون بن إبراهيم المصري رضي الله عنه، مشهد القاضي الأنباري، قبر الناطبق الذي سمع عند وضعه في لحده يقول: اللهم أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، رضي الله عنه، مشهد العروس ولها أثر من الكرامة في حال جلوتها على زوجها لم يسمع أعجب منه، مشهد الصامت الذي يحكى عنه انه لم يتكلم أربعين سنة، مشهد العصافيري، مشهد عبد العزيز بن أحمد بن الحسن الخوارزمي، مشهد الفقيه الواعظ الأفضل الجوهري ومشاهد أصحابه بازائه رضي الله عنهم أجمعين، مشهد شقران شيخ ذي النون المصري، مشهد الرجل الصالح المعروف بالأقطع المغربي، مشهد المقرىء ورش، مشهد الطبري، مشهد شيبان الراعي.

والمشاهد الكريمة بها أكثر من أن تضبط بالتقييد أو تتحصل بالإحصاء وإنما ذكرنا منها ما أمكنتنا مشاهدته.

وبقبلة القرافة المذكورة بسيط متسع يعرف بموضع قبور الشهداء، وهم الذين استشهدوا مع سارية رضي الله عن جميعهم. والبسيط المذكور مسنم كله للعيان على مثال أسنمة القبور دون بناء. ومن العجب أن القرافة المذكورة كلها مساجد مبنية ومشاهد معمورة يأوي إليها الغرباء والعلماء والصلحاء والفقراء، والإجراء على كل موضع منها متصل من قبل السلطان في كل شهر، والمدارس التي بمصر والقاهرة كذلك، وحقق عندنا أن الإجراء على ذلك كله نيف على آلفي دينار مصرية في الشهر، وامع الخطبة اليوم، يأخذ الخطيب فيها مأخذ سني يجمع فيها الدعاء للصحابة، رضي الله عنهم، وللتابعين ومن سواهم ولأمهات المؤمنين زوجات النبي ﷺ الله عليه وسلم، ولعميه الكريمين حمزة والعباس، رضي الله عنهما، ويلطف الوعظ ويرقق التذكير حتى تخشع القلوب القاسية وتتفجر العيون الجامدة. ويأتي للخطبة لابساً السواد على رسم العباسية. وصفة لباسه بردة سوداء عليها طيلسان شرب أسود، وهو الذي يسمى بالغرب الإحرام، وعمامة سوداء، متقلداً سيفاً. وعند صعوده المنبر يضرب بنعل سيفه المنبر في أول ارتقائه ضربة يسمع بها الحاضرين كأنها إيذان بالإنصات، وفي توسطه أخرى، وفي انتهاء صعوده ثالثة. ثم يسلم على الحاضرين يميناً وشمالاً ويقف بين رايتين سواد وين فيهما تجزيع بياض قد ركزنا في أعلى المنبر.

ودعاؤه في هذا التاريخ للإمام العباسي أبي العباس أحمد الناصر لدين الله ابن الإمام أبي محمد الحسن المستضيء بالله ابن الإمام أبي المظفر يوسف المستنجد بالله، ثم لمحيي دولته أبي المظفر يوسف بن أيوب صلاح الدين، ثم لأخيه ولي عهده أبي بكر سيف الدين.