→ شهر محرم سنة تسع وسبعين | رحلة ابن جبير ذكر ما استدرك خبره المؤلف: محمد بن جبير |
رجع الذكر ← |
ذكر ما استدرك خبره
وذلك أنا لما حللنا الإسكندرية في الشهر المؤرخ أولاً عاينا مجتمعاً من الناس عظيماً بروزاً لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ووجوههم اذنابها وحولهم الطبول والأبواق. فسألنا عن قصتهم، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزعاً. وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من بحر القلزم ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بكراء اتفقوا معهم عليه، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم وأكملوا إنشاءها وتأليفا ودفعوها في البحر وركبوها قاطعين بالحجاج، وانتهوا بحر النعم فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركباً وانتهوا عيذاب فأخذوا فيها مركباً كان يأتي بالحجاج من جدة، واخذوا أيضاً في البر قافلة كبيرة تأتي من قوص عيذاب، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحداً. وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام ولا انتهى رومي ذلك الموضع قط.
ومن أعظمها حادثة ستد المسامع شناعة وبشاعة، وذلك انهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول، ﷺ الله عليه وسلم، وإخراجه من الضريح المقدس.
أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم. فآخذهم الله باجتراثهم عليه وتعاطيهم ما تحول عناية القدر بينهم وبينه. ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم. فدفع الله عاديتهم بمراكب مرت من مصر والإسكندرية دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد المغربة البحريين. فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه فأخذوا عن آخرهم. وكانت آية من آيات العنايات الجبارية، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهر ونصف أو حوله.وقتلوا واسروا، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها، ووجه منهم مكة والمدينة. وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمراً عظيماً، والحمد لله رب العالمين.