الرئيسيةبحث

الفقيه والمتفقه/الجزءالحادي عشر


كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الحادي عشر

وإذا أجابه الفقيه عن مسألة جاز أن يستفهمه عن جوابه أقاله عن أثر أو عن رأي .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، نا علي بن إسحاق المادرايي نا أبو الاصبغ الترقساني ، نا عون بن سلام الكوفي ، نا أبو بكر النهشلي عن الأعمش عن شقيق ، قال : لبي عبيد الله على الصفا وقال : يا لسان قل خيراً تغنم ، أو أصمت تسلم من قبل أن تندم . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أو شيء سمعته ؟ قال : لا ، بل شيء سمعته ، سمعت رسول الله يقول : ﷺ : « ان أكثر خطايا ابن آدم في لسانه » .

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، انا الربيع بن سليمان ، قال : انا الشافعي ، انا مسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي ؟ فقال : نعم . فقلت : أتؤكل ؟ فقال : نعم . فقلت : سمعته من رسول الله ؟ قال : نعم .

أخبرنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، نا محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا أبو إسماعيل الترمذي ، نا ابن بكير ، نا الليث ، قال : قال ربيعة لابن شهاب يا أبا بكر إذا حدثت الناس برأيك فأخبرهم انه رأيك ، وإذا حدثت الناس بشىء من السنة فأخبرهم انه سنة قلا يظنون انه رأيك .

أخبرنا محمد بن الحسن بن الفضل القطان ، انا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا محمد بن أبي زكريا ، انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك ، قال : قال ربيعة لابن شهاب : إذا أخبرت الناس بشيء من رأيك فأخبرهم انه من رأيك .

ويحق على الفقيه إذا فعل فعلاً من علة أن يخبر بها الاتباع .

أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار السابوري ، انا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا موسى بن إسماعيل ، نا حماد عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : بينما رسول الله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه ، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله صلاته ﷺ قال : « ما حملكم على القائكم نعالكم » ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله : ﷺ : « ان جبريل أتاني فأخبرني ان فيهما قذرا أو قال : أذى فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قدرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما » .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي ، حدثكم أبو مسلم الكجي ، نا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري ، نا سليمان التيمي ، نا أنس بن مالك ، قال : عطس عند النبي رجلان فشمت أو فسمت أحدهما ولم يشمت الآخر أو لم يسمت الآخر ، وقال : ان هذا حمد الله فشمته ، وهذا لم يحمد الله فلم أشمته .

أخبرنا عبد الله بن أبي الفتح الفارسي وعلي بن أبي علي البصري ، قالا : نا علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق ، انا هيثم بن خلف الدوري ، نا إسحاق بن موسى الأنصاري ، نا معن بن عيسى ، نا مالك عن عبد الله بن دينار ، انه سمع ابن عمر وصلى رجل إلى جنبه ، فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه ، فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه ، فقال الرجل انك تفعل ذلك ؟ فقال ابن عمر : إني أشتكي .

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، انا علي بن محمد بن سعيد الرزاز ، انا جعفر بن محمد الفريابي ، نا صفوان بن صالح ، نا الوليد بن مسلم ، نا ابن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، قال : أخبرني عباد قال : صلينا على جنازة فكبر عليها عبد الله بن عباس ثم قرأ بأم القرآن يجهر ، ثم قال : إني لم أجهر إلا لتعلموا .

وإذا استفهم المتعلم الفقيه فأفهمه ثم عاد فاستفهمه جاز للفقيه أن يزيده .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا أبو مصعب ، نا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، أن رسول الله رأى رجلاً يسوق بدنة فقال له : ﷺ : « اركبها » ، قال : يا رسول الله انها بدنة . ﷺ قال : « اركبها ويلك » في الثانية أو الثالثة .

فإن راجعه بعد ذلك فله أن يأخذه بلسانه .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح ، قال أبو معاوية : أراه عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأبي الدرداء : ﷺ : « إذهب فناد من شهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله فقد وجبت له الجنة » . فقال أبو الدرداء : وان زنى وان سرق ؟ ﷺ قال : « وإن زنى وإن سرق » ، قال : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قال وإن زنى وإن سرق ؟ ﷺ قال : « وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي الدرداء » .

قلت وكثرة المراجعة تغير الطباع ولهذا قال رسول الله لأبي الدرداء ما قال .

والمحفوظ من أخلاقه ما أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي قالا : أنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق العسكري ، نا أحمد بن مسروق الطوسي نا محمد بن الحسين البرجلاني ، قال : حدثني سليمان بن حرب عن حماد عن سلم العلوي عن أنس بن مالك ، قال : كان النبي لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكرهه .

فيستحب للفقيه الرفق ، والمداراة ، والاحتمال .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الديباجي ، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق ، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، وأبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار ، قالوا : انا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، نا الحسن بن عرفة ، نا عبد الله بن المبارك عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية ، قال : ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجاً ، أو قال مخرجاً .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، انا دعلج بن أحمد ، نا أبو الحسن محمد بن إسحاق ابن راهويه ، قال : سمعت أبي غير مرة إذا رد عليه أصحابه يقول : سمعت النضر بن شميل يقول : قال الخليل ابن أحمد :

تسألني أم الخيار جملا ......... يمشي رويداً ويكون أولا

قال وكان كثيراً ما يتمثل :

يشكو إلي جملي طول السرى ......... صبرا جميلاً فكلانا مبتلى

ويجب على المتفقه ترك المراجعة ، وإسقاط المجاراة ، والصبر على ما يرد من الفقيه .

فقد أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا العباس ابن محمد الدوري ، ثنا عبد الصمد بن النعمان البزاز ، نا حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن ابن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم ، قال : كان رسول الله إذا دعا لأحد بدأ بنفسه ، فذكر ذات يوم موسى عليه السلام فﷺ قال : « رحمة الله على موسى لو أنه صبر لصاحبه لرأى العجب العاجب ولكنه قال ( { ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا } ) [1] .

أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، ) ﷺ : ( قال : حدثني أبي ، نا نصر بن القاسم ، نا أبو بكر ابن أبي شيبة ، نا ابن أبي عدي عن يونس عن ميمون بن مهران ، قال : لاتمار عالما ولا جاهلاً ، فإنك ان ماريت عالماً خزن عنك ، وإن ماريت جاهلاً حشر بصدرك .

أخبرنا أخبرنا أبو القاسم رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري ، قال : سمعت أبا عبد الله الحسين ابن جعفر بن محمد بن العنزي بالري يقول : سمعت أحمد بن الحسين الشروطي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : الح على الشافعي قوم من أصحاب الحديث فآذوه ، فقال : لا تكلفوني أن أقول لكم ما قال محمد بن سيرين لرجل الح عليه .

انك ان كلفتني ما لم أطق ......... ساءك ما سرك مني من خُلُق

باب القول فيمن تصدى لفتاوي العامة وما ينبغي أن يكون عليه من الأوصاف ويستعمله من الأخلاق

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، انا إسماعيل بن محمد الصفار ، قال : نا أحمد بن منصور هو الرمادي نا عبد الرزاق ، انا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : إن الله تعالى لا ينزع العلم من صدرو الناس بعد أن يعلمهم إياه ، ولكن ذهابه قبض العلماء ، فيتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيسألون فيقولون بغير علم فيضلون ويضلون » .

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال ، ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز املاءًا ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا يعلى بن عبيد ، نا يحيى بن عبيد الله ( وأخبرني ) أبو الحسين علي بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد السكري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، انا جعفر بن أحمد المؤذن ، نا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن يحيى بن حماد بالكوفة ، نا ابن فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « يخرج في آخر الزمان رجال وقال ابن برهان : قوم ، ثم اتفقا رؤوس جهال يفتون الناس فيضلون ويضلون .

حدثنا عبد العزيز بن علي الأزجي لفظاً ، نا محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا أحمد بن الحسن ، نا زكريا بن يحيى المدائني ، نا سليمان بن سفيان ، نا ورقاء بن عمر عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي قال : « يكون في آخر الزمان رؤوس جهال يفتون الناس برأيهم فيضلون ويضلون » .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ومحمد بن الحسين بن الفضل ، قالا : نا دعلج بن أحمد ، نا وفي حديث ابن الفضل ، أنا أحمد بن علي الآبار ، نا محمد بن خالد الواسطي ، نا أبي عن طاوس عن عبد الله ابن عمرو ، قال : قال رسول الله : « أوشك أن يظهر فيكم شياطين كان سليمان أوثقها في البحر ، يصلون في مساجدكم ويقرأون معكم القرآن ، وإنهم لشياطين في صور الأنس » .

أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، انا قبيصة ، نا سفيان عن ليث عن طاوس عن عبد الله بن عمرو ، قال : يوشك أن تظهر الشياطين مما أوثق سليمان يفقهون الناس .

أخبرنا ابن رزق وابن الفضل قالا انا دعلج قال نا وفي حديث ابن الفضل انا أحمد بن علي الأبار ، ) ﷺ : ( أنا أبو شهاب الباجدائي ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، نا عبد الله قالون شيخ من أهل مكة عن حفص الطيب ، قال : رأيت شيطاناً أعرفه بمسجد الخيف بمنى يفتي الناس .

( وقال ) الأبار ، نا مؤمل بن اهاب ، قال : رأيت في المسجد الحرام جماعة فيهم رجل يفتيهم عليه عبا وهو مشتمل بعبا ، إذ قال له رجل : قلمت ظفري ؟ قال : عليك كبش ، قال له آخر نتفت شعرة ؟ قال : عليك كبش . وأشياء مثل هذا فزاحمت حتى دخلت إليه فقلت : ويحك كيف وقعت على كبش ؟ كل من سألك قلت : عليك كبش ، قال : فليس يدعوني حتى أخرج . قال : فأخذت بيده فأخرجته .

أخبرنا ابن الفضل ، انا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثني محمد بن أبي بكير ، انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك : قال : أخبرني رجل انه دخل على ربيعة فقال ما يبكيك ؟ وارتاع لبكائه ، فقال له : أدخلت عليك مصيبة ؟ فقال : لا ، ولكن أستُفتِيَ من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله قلت : ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين ، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها ومن لم يكن من أهلها منعه منها وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها . وقد كان الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم قوماً يعينونهم ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن أبي نصر النرسي ، انا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن أبي يزيد الصنعاني ، عن أبيه قال : كان يصيح الصائح في الحاج لا يفتي الناس ألا عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح .

والطريق للإمام إلى معرفة حال من يريد نصبه للفتوى أن يسأل عنه أهل العلم في وقته والمشهورين من فقهاء عصره ويعول على ما يخبرونه من أمره .

أخبرنا أبو الفتح علي بن محمد بن عبد الصمد الدليلي بأصبهان ، انا أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن علي بن عاصم بن المقري ، نا أبو سعيد مفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي في المسجد الحرام قال : سمعت أبا مصعب أحمد بن أبي بكر يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون إني أهل لذلك .

حدثنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدويي املاءًا ، نا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي قال : سمعت محمد بن إسحاق الثقفي يقول : سمعت الحسن بن عبد العزيز الجروي يقول : نا عبد الله بن يوسف التنيسي عن خلف بن عمر صديق كان لمالك قال : ) ﷺ : ( سمعت مالك بن أنس يقول : ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعاً لذلك ، سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك ، فقلت له يا أبا عبد الله لو نهوك ، قال : كنت أنتهي لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشىء حتى يسلم من هو أعلم منه .

ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى

أخبرنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن الحسين العلوي المحمدي ، نا علي بن محمد بن موسى التمار بالبصرة ، نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، نا أبي ، قال حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال : حدثني أبي موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين قال حدثني الحسين بن علي قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من أفتى بغير علم لعنته الملائكة » .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، نا الحسن بن سلام ، نا أبو عبد الرحمن المقريء ، نا سعيد بن أبي أيوب ، قال : حدثني بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن بسار عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « من تقوَّل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ومن أفتى بفتيا بغير ثبت فإنما اثمه على من أفتاه » .

أخبرني علي بن عبد الوهاب السكري ، نا محمد بن العباس الخزاز ، نا جعفر بن أحمد المؤذن ، انا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ، نا ابن فضيل عن أبي سنان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، أنه قال : من أفتى الناس بفتيا يعمى عنها فإنما اثمها عليه .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، انا أبو العباس عبد الله بن موسى بن إسحاق بن حمزة الهاشمي نا عبد الله بن العباس بن عبد الله الطيالسي ، نا إسحاق بن منصور الكوسج ، انا النضر بن شميل ، انا عمرو عن خالد الربعي ، قال : كان شاب في بني إسرائيل قد قرأ القرآن وعلم علماً ، وكان مغموراً فيهم يعني لا يعرف وانه ابتدع بدعا أدرك بها الشرف والمال ، قال فبينما هو نائم على فراشه إذ فكر فقال : هب هؤلاء لا يعلمون ما ابتدعت ، أليس الله قد علم ؟ فلو إني تبت إلى الله ، قال فخرق ترقوته ، فجعل فيها سلسلة ثم أوثقها إلى آسية من أواسي المسجد ثم قال : والله لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي أو أموت ، قال : وكان الوحي لا يستنكر في بني إسرائيل ، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائهم : انك لو أذنبت ذنباً فيما بيني وبينك لتبت عليك بالغاً ما بلغ ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم ؟ فلا أتوب عليك .

باب ذكر شروط من يصلح للفتوى

أول أوصاف المفتي الذي يلزم قبول فتواه أن يكون بالغاً ، لأن الصبي لا حكم لقوله . ثم يكون عاقلاً ، لأن القلم مرفوع عن المجنون لعدم عقله . ثم يكون عدلاً ثقة لأن علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين وإن كان بصيراً بها . وسواء كان حراً أو عبداً لأن الحرية ليست شرطاً في صحة الفتوى . ثم يكون عالماً بالأحكام الشرعية وعلمه بها يشتمل على معرفته بأصولها وارتياض بفروعها .

وأصول الأحكام في الشرع أربعة : أحدها : العمل بكتاب الله على الوجه الذي تتضح به معرفة ما تضمنه من الأحكام محكماً ، ومتشابهاً ، وعموماً ، وخصوصاً ، ومجملاً ، ومفسراً ، وناسخاً ، ومنسوخاً . والثاني : العلم بسنة رسول الله الثابتة من أقواله ، وأفعاله ، وطرق مجيئها في التواتر والآحاد ، والصحة والفساد ، وما كان منها على سبب أو اطلاق . والثالث : العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ليتبع الأحكام ويجتهد في الرأي مع الاختلاف ، والرابع : العلم بالقياس الموجب ليرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها ، حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل ، وتمييز الحق من الباطل فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ولا يجوز له الاخلال بشيء منه .

أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الوهاب الكاتب ، انا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحضرمي ، نا حاتم بن الحسن الشاشي ، نا علي بن خشرم ، انا عيسى يعني ابن يونس عن ابن عون عن ابن سيرين ، قال : قال حذيفة رضي الله عنه : لا يفتي الناس إلا ثلاثة : رجل قد عرف ناسخ القرآن ومنسوخه ، أو أمير لا يجد بدا أو أحمق متكلف .

أخبرني أبو الموفق محمد بن محمد بن محمد النيسابوري ، انا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الأزهر الشمناوي ، نا أحمد بن مروان المالكي ، نا عبد الله بن مسلم القتيبي ، نا سهيل ، قال : قال الشافعي : لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلاّ رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخه ، وبمحكمه ومتشابهه ، وتأويله وتنزيله ، ومكيّة ومدنية وما أريد به وفيما أنزل ، ثم يكون بعد ذاك بصيراً بحديث رسول الله بالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن ، ويكون بصيراً باللغة ، بصيراً بالشعر وبما يحتاج إليه للعلم والقرآن ، ويستعمل مع هذا الانصاف ، وقلة الكلام ، ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار ، وتكون له قريحة بعد هذا ، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي .

قرأت على إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي ، قال : نا أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن علي ، قال : نا صالح يعني ابن أحمد بن حنبل أنه قال لأبيه : ما تقول في الرجل يسأل عن الشيء فيجيب بما في الحديث وليس بعالم بالفتيا ؟ قال : ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عارفاً بالسنن ، عالماً بوجوه القرآن ، عالماً بالأسانيد الصحيحة ، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي في السنن ، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها .

قرأت على محمد بن أحمد بن يعقوب عن محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري ، قال : نا علي بن حمشاذ العدل ، نا محمد بن أيوب ، نا أبو جعفر محمد بن مهران الحمال ، انا علي بن شقيق عن ابن المبارك ، قال : قيل له : متى يفتي الرجل ؟ قال : إذا كان عالماً بالأثر ، بصيراً بالرأي .

( وقال ) أبو نعيم أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاتم الزاهد ، نا الفضل بن محمد الشعراني ، قال : سمعت يحيى بن اكتم وسئل متى تحب للرجل أن يفتي ؟ قال : إذا كان بصيراً بالرأي ، بصيراً بالأثر .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وينبغي أن يكون قوي الاستنباط ، جيد الملاحظة ، رصين الفكر ، صحيح الاعتبار ، صاحب أناة وتؤدة ، وأخا استثبات وترك عجلة ، بصيراً بما فيه المصلحة ، مستوقفاً بالمشاورة ، حافظاً لدينه مشفقاً على أهل ملته ، مواظباً على مروءته ، حريصاً على استطابة مأكله فإن ذلك أول أسباب التوفيق ، متورعاً عن الشبهات ، صادفاً عن فاسد التأويلات صليباً في الحق دائم الاشتغال بمعادن الفتوى وطرق الاجتهاد ، ولا يكون ممن غلبت عليه الغفلة واعتوره دوام السهر ، ولا موصوفاً بقلة الضبط منعوتاً بنقص الفهم ، معروفاً بالاختلال يجيب عما يسنح له ، وبفتي بما يخفى عليه ، وتجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لم تخرجه بدعته إلى فسق ، فأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف الصالح فإن فتاويهم مرذولة ، وأقاويلهم غير مقبولة ، وفي معرفة من يصلح أن يفتي تنبيه على من لا تجوز فتواه .

واعلم أن العلوم كلها أبازير للفقه ، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة وإلى معرفة الجد والهزل ، والخلاف والضد والنفع الضر ، وأمور الناس الجارية بينهم . والعادات المعروفة منهم ، فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذكرناه ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال ، والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهم ، وجمع الكتب ودرسها ودوام مطالعتها .

والدليل على ما ذكرناه ان الله تعالى لما أراد اعلام الخلق أن ما أتى به نبينا من القصص ، والأخبار الماضية ، والسير المتقدمة معجز أعلمهم انه لا يعرف بلقاء الرجال ، ودراسة الكتب وخطها بيمينه فصدق قوله انه اعلام من الله فدل على أن محصول ذلك في العادة بالملاقاة والبحث والدرس ، ووجوده بخلاف ذلك خرق عادة صار به معجزة ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يكن لنفيها عنه معنى .

قيل لبعضهم : أي كتبك أحب إليك ؟ قال : ما أتبصره علما وأتصوره فهماً . وقيل لآخر فقال : ما أفيد منه وأستفيد . وقيل لآخر فقال : ما أعلم وبه أعمل .

وقيل لبعض الحكماء : إن فلاناً جمع كتباً كثيرة ، فقال : هل فهمه على قدر كتبه ؟ قيل : لا . قال : فما صنع شيئاً ، ما تصنع البهيمة بالعلم .

وقال رجل لرجل كتب ولا يعلم شيئاً مما كتب : ما لك من كتبك إلا فضل تعبك ، وطول أرقك ، وتسويد ورقك .

قلت : وهذه حال من اقتصر على النقل إلى كتابة من غير أنعام النظر فيه ، والتفكر في معانيه .

أخبرني الحسن بن محمد بن الحسن الخلال ، قال : نا عبيد الله بن أحمد بن الهذيل أبو أحمد نا محمد بن عمرو بن البختري ، نا إسحاق بن سنين ، قال : حدثني أحمد بن الفرج ، قال : حدثني أبو عبد الله شيخ بالكوفة ، قال : حدثني سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة عن سعيد بن المسيب ، قال : ان في العزلة السلامة فأنبل أن ترى في مجالس السفهاء ، فإذا اغتممت وحدك فادرس كتاباً من فعل الفقهاء .

حدثني أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الدقاق ، نا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، نا الحسن ابن عبد الرحمن بن خلاد ، قال : حدثني أبو الحسن المازني ، نا هارون الفروي ، نا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن إبراهيم بن سعد ، قال : قلت لأبي سعد بن إبراهيم : بم راقكم الزهري ؟ قال : كان يأتي المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها ، ولا يبقى في المجلس شاب إلا سأله ، ولاكهل إلا ساءله ،

ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقى فيها شاب إلا ساءله ، ولا كهل إلا ساءله ولا فتى إلا ساءله ولا عجوز إلا ساءلها ، ولا كهلة إلا ساءلها حتى يحاول ربات الحجال .

أخبرنا ابنا بشران علي وعبد الملك ، قالا : انا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الكندي بمكة ، نا محمد ابن جعفر الخرائطي ، قال : قيل : لبعض الحكماء وهو انو شروان ما بالكم لا تأنفون من التعلم من أحد ؟ قال : ذلك لعلمنا بأن العلم نافع من حيث أخذ .

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، انا محمد بن أحمد بن موسى البابسيري بواسط ، انا أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي ، قال : حدثني أبي عن سفيان بن عيينة ، قال : يوماً لأصحابه : من أحوج الناس إلى طلب العلم ؟ قالوا : قل يا أبا محمد . قال : ليس أحد أحوج إلى طلب العلم من العالم لأنه ليس الجهل بأحد أقبح به من العالم .

أخبرني الجوهري ، انا محمد بن العباس الخزاز ، نا عبد الرحمن بن محمد الزهري ، قال : قال أبو العباس أحمد بن يحيى : لا يكون الرجل عالماً حتى يتعلم ولا يكون عالماً ان لم يعلم إلا ما تعلم .

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي ، انا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، انا النعمان الواسطي ، نا محمد بن حرب النسائي ، قال : حدثني أبو حنيفة محمد بن ماهان عن طلحة بن زيد عن يونس بن أبي شبيب ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم ، فإذا ترك العلم وظن انه قد استغنى واكتفى بما عنده كان أجهل ما يكون .

ما جاء في ورع المفتي وتحفظه

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الصيرفي المعدل بالكرج ، نا عمر بن إبراهيم ابن مردويه الكرجي ، نا أبو جعفر بن أبي جعفر النجيرمي ، نا أحمد بن سعيد بن عمر الثقفي المطوعي ، نا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك ، قال : قال النبي : ﷺ : « من فقه الرجل قلة الكلام فيما لا يعنيه » .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، نا محمد بن الحسين بن حفص ، نا محمد بن يحيى الحجري ، نا عمر بن صخر السلمي عن الصباح بن يحيى المزني عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، قال : ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه ؟ من لم يؤيس الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ألا لا خير في علم لا فقه فيه ولا خير في فقه لا ورع فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها .

روى هذا الحديث زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي كذلك .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، انا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو جعفر أحمد ابن يحيى الحلواني ، نا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا أبو بدر ، نا زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم مكر الله ، ولم يترك القرآن إلى غيره ، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه ولا خير في فقه ليس فيه تفهم ، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر .

أخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ، نا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، نا أبو إسماعيل الترمذي ، نا عبد العزيز الأويسي ، نا مالك ، قال : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول : لا يكون الرجل فقيها حتى ينقي أشياء لا يراها على الناس ولا يفتيهم بها .

أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، قال : وجدت في كتاب جدي ، ثنا حرمي ابن أبي العلاء ، نا الزبير بن بكار ، حدثني مطرف بن عبد الله ، قال : كان مالك بن أنس يعمل في نفسه بما لا يلزمه الناس ولا يفتيهم به ، ويقول : لا يكون العالم عالماً حتى يعمل في خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس ولا يفتيهم به مما لو تركه لم يكن عليه فيه اثم .

أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي ، انا محمد بن الطيب البلوطي بالأهواز انا علي بن الفضل بن طاهر البلخي ، نا الحسن بن محمد بن أبي حمزة ، نا محمد بن الفضل بن نباتة ، نا يحيى بن آدم ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ما من الناس أعز من فقيه ورع .

أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، انا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، نا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، نا محمد بن القاسم بن خلاد ، قال : كان يقال : لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في المنظر إلا مع المخبر ولا في الفقه إلا مع الورع .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، انا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ، نا محمد بن يونس ، نا الضحاك بن مخلد عن ابن عون ، قال : سأل الحسن عن رجل فقال رجل يا أبا سعيد : الرجل الفقيه . قال : وهل رأيت بعينيك فقيهاً قط ؟ إنما الفقيه الذي يخشى الله عز وجل .

أخبرنا علي بن أحمد المقري ، انا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، نا هارون الحمال ، نا سيار ، نا جعفر بن سليمان ، نا مطر الوراق ، قال : سألت الحسن عن مسألة فقال فيها ، فقلت : يا أبا سعيد يأبى عليك الفقهاء ويخالفونك فقال : ثكلتك أمك مطر ، وهل رأيت فقيهاً قط ؟ وهل تدري ما الفقيه ؟ الفقيه الورع الزاهد الذي لا يسخر ممن أسفل منه ، ولا يهمز من فوقه ولا يأخذ على علم علمه الله حطاما .

أخبرنا أبو محمد الجوهري ، نا عبد العزيز بن الحسن بن علي الصيرفي ، نا العباس بن أحمد بن محمد البرتي ، نا أبو سلمة المخزومي يحيى بن المغيرة ، حدثني محمد بن المغيرة عن أبيه عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عائذ الله بن عبد الله عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله : ﷺ : « أنزل الله في بعض كتبه أو أوحى إلى بعض أنبيائه : قل للذين يتفقهون لغير الدين . ويتعلمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون للناس مسوك الكباش قلوبهم كقلوب الذئاب ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخدعون أو بي يستهزءون ؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم حيران » .

أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، انا أحمد بن محمد بن جعفر البحيري بنيسابور ، نا أبو نعيم الجرجاني ، نا العباس بن الوليد ، أخبرني أبي عن الأوزاعي ، نا يحيى بن أبي كثير ، قال : مثل العالم مثل الملح لا يصلح شيئاً إلاّ به ، فإذا فسد الملح لم يصلح إلا ان يوطأ بالأقدام .

اعتماد المفتي على الكتاب والسنة

أخبرنا محمد بن أبي القاسم الأزرق ، انا أحمد بن عثمان يحيى الأدمي ، نا جعفر بن محمد الرازي نا محمد بن عبد العزيز الخراساني ، ناالفضل بن موسى ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب أخو أبي محمد الخلال ، انا جبريل بن محمد بن إسماعيل العدل بهمذان ، نا محمد بن حيوية النحاس ، نا محمود بن غيلان ، نا الفضل بن موسى وزيد بن حباب ، قالا : نا يزيد بن عتبة عن الضحاك ، قال : لقي ابن عمر جابر بن زيد وهو يطوف بالكعبة ، فقال : يا جابر انك من فقهاء البصرة وانك تستفتى ، فلا تفتين إلا بقرآن ناطق ، أو سنة ماضية ، فإنك ان فعلت ذلك وإلا فقد هلكت وأهلكت . واللفظ لحديث محمود بن غيلان .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، انا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : نا أحمد بن الخليل ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبد الأعلى ، نا الجريري عن أبي نضرة ، قال : قدم أبو سلمة وهو ابن عبد الرحمن فنزل دار أبي بشير ، فأتيت الحسن فقلت : ان أبا سلمة قدم وهو قاضي المدينة وفقيههم انطلق بنا إليه . فأتيناه فلما رأى الحسن قال : من أنت ؟ قال : انا الحسن بن أبي الحسن . قال : ما كان بهذا المصر أحد أحب إلي أن ألقاه منك ، وذلك انه بلغني انك تفتي الناس ، فاتق الله يا حسن وأفت الناس بما أقول لك ، افتهم بشيء من القرآن قد علمته ، أو سنة ماضية قد سنها الصالحون والخلفاء ، وأنظر رأيك الذي هو رأيك فألقه .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : ولن يقدر المفتي على هذا إلا أن يكون قد أكثر من كتابة الأثر وسماع الحديث .

حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي لفظاً ، نا محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد ، نا الحسن بن إسماعيل ، قال : قيل لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وأنا أسمع : يا أبا عبد الله كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي ؟ يكفيه مائة ألف حديث ؟ قال : لا . قيل : مائتا ألف ؟ قال : لا . قيل : ثلاثمائة ألف ؟ قال : لا . قيل أربعمائة ألف ؟ قال لا . قيل : خمسمائة ألف ؟ قال : أرجو .

أخبرني أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري ، نا عبيد الله بن أحمد بن علي المقري ( وأخبرنا ) أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي ، انا محمد بن الخضر بن زكريا الدقاق ( وأخبرني ) أبو القاسم عبد الله بن أبي الفتح الفارسي ، نا محمد بن علي بن النضر الديباجي ، قالوا : نا محمد بن حمدويه زاد الطبري أبو نصرالمروزي ثم أتفقوا ، أنا أبو الموجه ، نا عبدان ، وقال البرمكي : انا عبدان قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول ليكن الذي تعتمد عليه الأثر ، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث .

ذكر ما يلزم الإمام أن يفرض للفقهاء ومن نصب نفسه للفتوى من الرزق والعطاء

لا يسوغ للمفتي أن يأخذ الأجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم الذي لا يجوز له أن يأخذ الرزق من أعيان من يحكم له وعليه . وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الاحتراف والتكسب ، ويجعل ذلك في بيت مال المسلمين ، فإن لم يكن هناك بيت مال أو لم يفرض الإمام للمفتي شيئاً واجتمع أهله على أن يجعلوا له من أموالهم رزقاً ليتفرغ لفتاويهم وكتابات نوازلهم ساغ ذلك .

أخبرنا ابن الفضل ، انا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، قال : قلت ليزيد بن عبد ربه : حدثكم بقية عن ابن أبي مريم ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى والي حمص : أنظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم الفقه وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا فأعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين حين يأتيك كتابي هذا فإن خير الخير أعجله والسلام عليك ،

قال : فكان عمرو بن قيس وأسد بن وداعة فيمن أخذها ؟ فقال يزيد نعم .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، انا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، انا علي بن عبد العزيز ، نا أبو عبيد ، نا نعيم بن حماد عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الحكيم بن سليمان عن ابن أبي غيلان قال : بعث عمر بن عبد العزيز يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البدو وأجرى عليهما رزقاً ، فأما يزيد فقبل ، واما الحارث فأبى أن يقبل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك ، فكتب عمر : إنا لا نعلم بما صنع يزيد بأساً ، وأكثر الله فينا مثل الحارث بن يمجد .

باب الزجر عن التسرع في الفتوى مخافة الزلل

قال الله تبارك وتعالى : ( { ستكتب شهادتهم ويسألون } ) [2] وقال تعالى : ( { ليسأل الصادقين عن صدقهم } ) [3] وقال تعالى : ( { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ) وكانت الصحابة رضوان الله عليهم لا تكاد تفتي إلا فيما نزل ثقة منهم بأن الله تعالى يوفق عند نزول الحادثة للجواب عنها ، وكان كل واحد منهم يود أن صاحبه كفاه الفتوى .

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، نا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ، قال : نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا أبو معمر ، نا حكام الرازي ، نا جراح الكندي عن أبي إسحاق عن البراء ، قال : لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، انا إبراهيم بن أحمد بن بشران الصيرفي ، أنا سعيد بن محمد أخو زبير الحافظ ، نا يوسف بن موسى ، نا حكام بن سلم الرازي ، نا الجراح ابن الضحاك عن أبي إسحاق الهمذاني عن البراء بن عازب ، قال : رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما فيهم رجل إلا وهو يحب الكفاية في الفتوى .

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرىء على عبد الله بن محمد بن زياد السمري وأنا أسمع : حدثكم محمد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحداً جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت عن الفتيا منه .

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، أنا أبو العباس محمد ابن إسحاق الثقفي السراج ، قال : سمعت أبا عبد الله المروزي ، قال : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : قال ابن عيينة : أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها ، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وقل من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها الاقل توفيقه ، واضطرب في أمره ، وإذ كان كارهاً لذلك غير مختار له ما وجد مندوحة عنه وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره ، كانت المعونة له من الله أكثر ، والصلاح في فتواه وجوابه أغلب .

وقد قال النبي لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه فيما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى العلوي الزيدي الكوفي ، انا أبو المثنى محمد بن أحمد بن موسى الدهقان بالكوفة ، نا الحسين بن علي بن عفان البزاز ، نا أبو أسامة عن عوف بن أبي جميلة وإسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله : ﷺ : « يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ، فإنك ان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها » .

فإن قال قائل : فقد قال علي بن أبي طالب : إسألوني قبل أن تفقدوني ؟ قيل له الخبر عنه بذلك معروف .

أخبرناه أبو الحسين أحمد بن عمر بن روح وأبو علي الحسن بن فهد النهروانيان بها ، قالا : أنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن مسلمة الدبيلي بالكوفة ، أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، نا عبد الرزاق ، نا معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي عن أبي الطفيل قال : شهدت علياً وهو يخطب وهو يقول :

سلوني والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به . وبإسناده قال : قال علي : سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلاَّ إني أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل .

( وأخبرنا ) ابن روح وابن فهد قالا انا محمد بن إبراهيم الدبيلي ، انا محمد بن عبد الله الحضرمي نا عثمان بن أبي شيبة ، نا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد ، قال آراه عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي يقول سلوني ، إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : وإنما كان يقول هذا القول وقد انتهى الأمر إليه ، وتعينت الفتوى عليه ، وانقرضت الفقهاء من الصحابة سواه وحصل في جمع أكثرهم عامة ، ولولا ذاك بلي بما بلي به ، ألا ترى انه لم يقل هذا في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر لأنه قد كان في ذلك الوقت جماعة يكفون أمر الفتوى ثم من أين بعد علي مثله حتى يقول هذا القول .

أخبرنا علي بن أحمد بن عسر المقري ، انا محمد بن الحسين الآجري ، انا جعفر بن محمد الصندلي ، انا محمد بن المثنى ، قال : سمعت بشراً يعني ابن الحارث يقول : من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، قال : نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو بكر الحميدي ، نا سفيان عن عطاء بن السائب ، قال : أدركت أقواماً ان كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وانه ليرعد .

( وأخبرنا ) ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا الفضل بن زياد ، نا أحمد ، نا محمد بن عبد الله الأنصاري ، نا الأشعث عن محمد ، ) : ( قال : كان إذا سئل عن شيء من الفقه ، الحلال والحرام ، تغير لونه وتبدل حتى كأنه لبس بالذي كان .

أخبرنا أبو حازم العبدوي ، قال : انا محمد بن عبد الله بن إبراهيم السليطي ، نا إبراهيم بن علي الذهلي ، نا أبو الصلت ، حدثني شيخ بقرب المدينة ، قال : والله ان كان مالك إذا سئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار .

قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله : قلت : ويحق للمفتي أن يكون كذلك وقد جعله السائل الحجة له عند الله ، وقلده فيما قال ، وصار إلى فتواه من غير مطالبة ببرهان ولا مباحثة عن دليل ، بل سلم له وانقاد إليه ، ان هذا لمقام خطر ، وطريق وعر .

وقد أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، الأصم ، نا أبو محمد عبد الله بن هلال بن الفرات ببيروت ، نا أحمد يعني ابن أبي الحواري نا إسماعيل بن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر ، قال : ان العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل عليهم .

( وأخبرنا ) أبو الحسن محمد بن أحمد بن ززقويه ، نا محمد بن علي بن الهيثم المقري ، نا محمد بن يونس ، نا إبراهيم بن بشار الرمادي ، نا سفيان بن عيينة ، قال : قال محمد بن المنكدر : الفقيه الذي يحدث الناس إنما يدخل بين الله وبين عباده ، فلينظر بما يدخل .

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، ثنا محمد بن علي بن النضر الديباجي ( وأنا ) إبراهيم بن عمر البرمكي ، انا محمد بن الخضر بن زكريا الدقاق ، قالا : نا محمد بن حمدويه ، نا أبو الموجه ، انا عمران ، نا عبد الله بن المبارك ، قال : قال مالك بن دينار لقتادة : أتدري أي علم رفعت ؟ وقال الأزهري أتدري في أي علم وقعت ؟ ثم اتفقا قمت بين الله وبين عباده فقلت هذا يصلح وهذا لا يصلح .

أخبرنا الجوهري ، نا محمد بن العباس ، نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن الروزي ، انا عبد الله بن المبارك ، انا المعتمر بن سليمان عن أبي محروم النهشلي عن سيار أبي الحكم قال : قال ابن عمر : إنكم تستفتونا استفتاء قوم كأنا لا نسأل عما نفتيكم به .

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري ، انا أبو القاسم عبد الله بن محمد الشاهد ، نا مكرم بن أحمد نا أحمد بن عطية ، نا محمد بن سماعة ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : من تكلم في شيء من العلم وتقلده وهو يظن ان الله لا يسأله عنه كيف افتيت في دين الله ؟ فقد سهلت عليه نفسه ودينه .

وقال ابن عطية : حدثنا ابن سماعة عن أبي يوسف ، قال : سمعت أبا حنيفة يقول : لولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحداً ، يكون له المهنأ وعلي الوزر .

أخبرنا أبو نعيم ، نا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقريء ، نا أحمد بن محمد بن سعدان الواسطي ، نا عمار بن خالد ، نا عبد الحكيم بن منصور عن حماد الأبح عن محمد بن واسع ، قال : أول من يدعى إلى الحساب يوم القيامة الفقهاء .

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد الواعظ ، قال : نا عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي نا محمد بن عبد الله بن غيلان السوسي ، نا سوار بن عبد الله ، قال : قال سفيان بن عيينة يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد .

أخبرنا القاضي أبو زرعة روح بن محمد بن أحمد الرازي ، أنا أبو يعقوب إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان الفسوي ، نا جدي الحسن بن سفيان ، نا محمود يعني ابن خالد قال : نا مروان هو ابن محمد الطاطري نا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : قال لي ابن خلدة : إني أرى الناس قد أحاطوا بك ، فإذا سألك الرجل عن مسألة فلا تكن همتك أن تخلصه ، ولكن لتكن همتك أن تخلص نفسك .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا هشام بن خالد السلامي ، نا أبو مسهر ، نا مالك ابن أنس ، قال : فحدثني ربيعة ، قال : قال لي ابن حلزة وكان نعم القاضي : يا ربيعة أراك تفتي الناس فإذا جاءك رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه ولتكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه .

( وقال ) يعقوب ، حدثني محمد بن أبي ركين ، قال : انا ابن وهب ، قال : حدثني مالك عن ابن هرمز ، أنه كان يأتيه الرجل فيسأله عن الشيء فيخبره ثم يبعث في أثره من يرده إليه فيقول له إني قد عجلت فلا تقبل شيئاً مما قلت لك حتى ترجع إلي ، قال : وكان قليلاً من يفتي من أهل المدينة ، قال مالك : وليس من يخشى الله كمن لا يخشاه .

قرأت على محمد بن الحسين ن محمد الأزدي عن دعلج بن أحمد ، قال : انا أحمد بن علي الأبار نا الحسن بن الصباح ، نا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : قال مالك : كنت أسأل الله وانا حدث السن فمررت بمجلس الأنصار فيه عمر بن خلدة الأنصاري ، فقال : تعال يا مالك ، إذا سئلت عن شيء فتفكر فيه ، فإن وجدت لنفسك مخرجاً فتكلم . وإلا فاسكت .

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، انا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار ، نا أحمد بن منصور هو الرمادي ، ثنا حرملة بن يحيى عن ابن وهب ، قال : قال مالك وهو ينكر كثرة الجواب للسائل : ) : ( يا عبد الله ما علمت فقله ودل عليه ، وما لم تعلم فاسكت عنه وإياك أن تتقلد الناس قلادة سوء .

باب ما جاء في الاحجام عن الجواب إذا خفي عن المسؤول وجه الصواب

قال الله تعالى : ( { وفوق كل ذي علم عليم } ) [4] فإذا سئل المفتي عن حكم نازلة فأشكل عليه وهناك من هو عارف به لزمه أن يرشد السائل إليه ويدله عليه .

أخبرنا علي بن القاسم بن الحسن البصري ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق المادرايي ، نا عباس بن محمد الدوري وعلي بن إبراهيم يعني الواسطي واللفظ لعلي بن إبراهيم ، قال : نا يزيد هو ابن هارون عن الحجاج عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانيء ، قال : سألت عائشة عن المسح على الخفين ؟ فقالت : سل عليّاً فإنه أعلم مني بهذا وقد كان يسافر مع رسول الله ، فسألت عليّاً فقال : قال رسول الله : ﷺ : « ثلاثة أيام ولياليهن يعني للمسافر وللمقيم يوماً وليلة » .

فإن لم يكن هناك من يستفتي غيره لزمه الامساك عنه ، وترك الجواب فيه ما لم يتضح له فإن الله تعالى يقول : ( { ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } ) [5]

أخبرنا علي بن أحمد بن إبراهيم البزار البصري ، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، قال : نا زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن جبير عن أبيه ، أن رجلاً أتي النبي فقال : يا رسول الله أي البلدان شر ؟ ﷺ قال : « لا أدري » . فلما أتاه جبريل قال : أي البلدان شر ؟ قال : لا أدري حتى أسأل ربي تبارك وتعالى . فانطلق جبريل ، فمكث ما شاء الله ثم جاء فقال : يا محمد انك سألتني : أي البلدان شر ؟ وإني قلت : لا أدري ، وإني سألت ربي تعالى ، فقلت أي البلدان شر ؟ فقال : أسواقها .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه ، قال : أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أحمد بن يحيى الحلواني ، نا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي البختري ، قال : قال علي : يا بردها على الكبد إذا سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول : الله أعلم .

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا سعدان بن نصر ، نا معتمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر ، أن علي بن أبي طالب سئل عن مسألة فقال : لا علم لي . ثم قال : وأبردها على الكبد ، سئلت عما لا أعلم فقلت لا أعلم .

أخبرنا علي بن أحمد المقرىء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، أنا أبو أحمد يعني هارون بن يوسف التاجر نا ابن أبي عمر ، نا سفيان عن الأعمش عن مسروق ، قال : قال عبد الله : أيها الناس من علم منكم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فيقول : لا أعلم ، والله أعلم . فإن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم . وقد قال الله تعالى : ( { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } ) [6] .

أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا علي بن إسحاق بن محمد البختري المادرايي ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا يعلى هو ابن عبيد الطنافسي نا الأعمش عن شفيق قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن رجل يؤذي حريص على الجهاد يعزم علينا أمراؤنا في أشياء لا نحصيها ؟ فقال : ما أدري ما أقول لك إلاَّ أنا قد كنا مع رسول الله فلقنا أن لا نؤمر بشىء إلاَّ فعلناه وما أشبه ما مضى من الدنيا وما بقي إلا بالثغب شرب صفوه وبقي كدره ، ان العبد لن يزال بخير ما أتقى الله ، فإذا حاك في نفسه شيء أتى رجلاً فشفاه وأيم الله ليوشكن أن لا تجدوه .

أخبرنا ابن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا عبد الله بن مسلمة ، نا عبد الله العمري عن نافع ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر يسأله عن شيء فقال : لا علم لي به ، ثم التفت بعد أن قفى الرجل فقال : نِعْمَ ما قال ابن عمر سئل عما لا يعلم فقال : لا أعلم .

( وقال ) يعقوب ، نا عبد الله بن عثمان ، نا عبد الله بن المبارك ، نا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر ، انه سئل عن أمر فقال : لا أعلم ثم قال : نِعْمَ ما قال ابن عمر سئل عن أمر لا يعلمه فقال : لا أعلم .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا ابن عثمان ، نا عبد الله ( وأخبرنا ) الجوهري ، نا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق وأبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز ، قالا : نا يحيى بن محمد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا ابن المبارك ، نا حيوة بن شريح ، قال : أخبرني عقبة بن مسلم أن ابن عمر سئل عن شيء فقال : لا أدري ، ثم اتبعها فقال : أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً في جهنم أن تقولوا أفتانا ابن عمر بهذا .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني ، نا عبد الرحمن بن مهدي ، نا أبو هلال عن مروان الأصفر ، قال : كنت عند ابن عمر فسئل عن شيء فقال : لا أدري ، فلما ذهب الرجل أقبل على نفسه وقال ؛ سئل ابن عمر عما لا يعلم فقال : لا أدري ، ونِعْمَ ما قال ابن عمر لما لا يدري لا أدري .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن بكران الفوي بالبصرة ، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، نا يعقوب بن سفيان ، نا إبراهيم بن المنذر ، نا عمر بن عصام ، نا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر ، قال : العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري .

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا محمد بن الحسين الآجري ، نا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، قال : كان مالك يذكر قال : كان ابن عباس يقول : إذا أخطأ العالم أن يقول لا أدري فقد أصيبت مقاتله .

سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد بن عمر الصابوني يقول : ثنا محمد بن عبد الله الشافعي قال : نا إبراهيم الحربي ، نا أحمد بن حنبل ، نا محمد بن إدريس الشافعي ، نا مالك بن أنس ، قال : سمعت ابن عجلان يقول : إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ، نا زيد بن بشر ، أخبرني ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس أنه سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون ذلك أصلاً في أيديهم يفزعون إليه ، إذا سئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري .

أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، انا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا حنبل بن إسحاق ، نا أبو نعيم ، نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم ، قال : لأن يعيش الرجل جاهلاً خير له من أن يفتي بما لا يعلم .

أخبرنا ابن الفضل ، أنا ابن درستويه ، نا يعقوب ابن سفيان ، نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد ، قال : سئل القاسم يوماً فقال : لا أعلم ، ثم قال : والله لإن يعيش الرجل جاهلاً بعد أن يعلم حق الله تبارك وتعالى عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم

( وقال ) يعقوب ، حدثنا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد عن أيوب ، قال : سئل القاسم يوماً عن مسألة فقال : لا أدري ، ثم قال : ما كل ما تسألون عنه نعلم ، ولو علمنا ما كتمناكم ، ولا حل لنا أن نكتمكم .

أخبرني أبو الخطاب محمد بن علي بن محمد الجبلي الشاعر ، انا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بدمشق ، انا محمد بن خريم العقيلي ، نا هشام بن عمار ، نا مالك ، قال : أتى القاسم أمير من أمراء المدينة فسأله عن شيء ، فقال القاسم : ان من اكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه .

أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا هارون بن سليمان الأصبهاني نا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة ( وأخبرنا ) أبو إسحاق البرمكي ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ابن خلف بن بخيت الدقاق ، نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري ، قال : نا أبو بكر الأثرم ، ثنا عفان ، ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي ، قال : لا أدري نصف العلم .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحنائي الشيخ الصالح ، وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، قالا : نا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد املاءًا ، نا أبو يحيى الناقد قال : نا خالد بن خداش ، قال : سمعت مالك بن أنس قال : كنا جلوساً عند أيوب فسأل عمر بن نافع عن شيء فلم يجب أيوب ، فقال له عمر : لا أراك فهمت ، قال : بلى ، قال : فما لك لا تجيبني ؟ قال : لا أعلم . قال مالك ونحن نتكلم .

أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال نا أحمد بن سلمان ، قال : نا أبو يحيى الناقد ، قال : نا خالد بن خداش ، قال : سمعت الفضل بن عياض ، قال : سئل أيوب في هذا المسجد عن شيء فقال : لا أدري ، فقال له الرجل : دلني على من يدري . فقال أيوب : لا أدري ولا أدري من يدري .

أخبرنا محمد بن عبيد الله الحنائي ، قال : ثنا أحمد بن سليمان النجاد ، نا عبد الله ، ان أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : قال عبد الرحمن بن مهدي : سأل رجل من أهل المغرب مالك بن أنس عن مسألة فقال : لا أدري ، فقال يا أبا عبد الله : تقول : لا أدري ؟ قال : نعم فبلغ من وراءك إني لا أدري .

أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباسي ، قال : انا علي بن الحسين الرازي ، قال : انا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال : نا أحمد بن عبيد ، قال : انا الهيثم بن عدي عن مجالد ، قال : سئل الشعبي عن شيء فقال : لا أدري ، فقيل له : أما تستحى من قولك لا أدري وأنت ففيه أهل العراقَيْن ؟ قال : لكن الملائكة لم تستح حين قالت : ( { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } ) [7] .

أخبرنا أبو القاسم الأزهري وأبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، قالا : أنا محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، قال : أنا ابن الأنباري ، قال : حدثني محمد بن المرزباني ، قال : نا أحمد بن الصقر الكتاني قال ابن المقفع : من أنف من قول لا أدري تكلف الكذب ، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن علي بن عبيد الله الرقي ، قال : نا عبيد الله بن محمد بن أحمد البزاز ، قال : نا محمد بن يحيى النديم ، قال : نا المبرد ، قال : قال : بعض الأوائل : لقد حسنت عندي لا أدري حتى أردت قولها فيما أدري .

أخبرنا البرمكي ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن بخيت ، قال : نا عمر بن محمد الجوهري ، قال : نا أبو بكر الأثرم ، قال : وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يستفتى فيكثر أن يقول لا أدري ، وذلك فيما قد عرف الأقاويل فيه ، وذلك انه يسأل عن اختياره فيذكر الاختلاف ، ومعنى قوله ﷺ : « لا أدري » أي لا أدري ما اختار من ذلك وربما سمعته يقول في المسألة لا أدري ثم يذكر فيها أقاويل .

أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني ، قال : ثنا أبو الفرج محمد بن الطيب البلوطي ، قال : نا عبد الوهاب بن عيسى المروزي ، قال : سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل ، يقول : سمعت حماد بن زيد ، يقول : كان لنا قاص يقول في قصصه : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام على الهلكة .

هامش

  1. [ الكهف : 67 ]
  2. [ الزخرف : 91 ]
  3. [ الأحزاب : 8 ]
  4. [ يوسف : 67 ]
  5. [ الاسراء : 63 ]
  6. [ ص: 68 ]
  7. [ البقرة : 23 ]