→ الجزء الأول | الفقيه والمتفقه الجزءالثاني الخطيب البغدادي |
الجزءالثالث ← |
كتاب الفقيه والمتفقه الجزء الثاني
ذكر ما روي أن من إدبار الدين ذهاب الفقهاء
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل ، نا عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم ، أنا الحارث بن محمد التميمي ، نا يزيد بن هارون ، أنا محمد بن عبيد الله الفزاري ، نا عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي إمامة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «أن لكل شيء إقبالاً وإدباراً ، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله له حتى أن القبيلة لتتفقه من عند أسرها أو آخرها حتى ما يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان فهما مقهوران مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا ثم ذكر إن من ادبار هذا الدين أن تحفو القبيلة من عند أسرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان فهما مقهوران مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا . وقيل أتطغيان علينا أتطغيان علينا حتى تشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم » . وذكر بقية الحديث .
أنا أبو عبد الله شعيب بن إبراهيم بن محمد الأديب بالدينور ، نا جبريل بن محمد بن إسماعيل العدل بهمذان ، نا محمد بن عبد الله بن عامر السمرقندي ، نا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، نا عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي عن حبان بن جبلة كذا قال شعيب إنما هو حبان بن أبي جبلة ، قال : قال رسول الله ﷺ : «إذا أراد الله بقوم خيراً أكثر فقهاءهم وقلل جهالهم حتى إذا تكلم العالم وجد أعواناً وإذا تكلم الجاهل قهر ، وإذا أراد الله بقوم شراً أكثر جهالهم وقلل فقهاءهم حتى إذا تكلم الجاهل وجد أعواناً وإذا تكلم الفقيه قهر » .
أنا عبد الغفار بن محمد المؤدب ، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن عمر بن سعيد الطالقاني ، نا عمار بن عبد المجيد ، نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون عن سمعان بن المهدي عن أنس ، قال : قال رسول الله : «ارحموا ثلاثة : غني قوم قد افتقر ، وعزيز قوم قد ذل ، وفقيهاً يتلاعب به الجهال » .
أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، نا محمد بن حمير عن إسماعيل يعني ابن عياش قال ( وحدثني ) طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ) [1] قال ذهاب فقهائها وخيار أهلها .
أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد الدمشقي ، بها أخبرني جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي ،أنا محمد بن يوسف بن بشر الهروي ، أنا محمد بن حماد الطهراني ، أنا عبد الرزاق ، أنا الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { ننقصها من أطرافها } ) قال : موت علمائها وفقهائها .
أنا محمد بن أبي نصر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبد الوهاب الثقفي ، نا أيوب عن أبي قلابة عن ابن مسعود ، قال : عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب بأصحابه ، عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه أو يفتقر إلى ما عنده ، وإنكم ستجدون أقواماً يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والتبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالعتيق .
وجوب التفقه في الدين على كافة المسلمين
أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد الجنابي ، أنا عبد الله بن أحمد بن الصديق المروزي ، نا أبو رجاء محمد بن حمدويه ، نا محمد بن عبيدة يعني النافقاني نا الصباح بن موسى عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مؤمن أن يعرف الصوم والصلاة والحرام والحدود والأحكام » .
أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، قالا : نا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، نا محمد بن الحسن بن حفص ، نا عباد بن يعقوب ، أنا عيسى بن عبد الله العلوي زاد التنوخي أبو الطاهر ثم اتفقا قال أخبرني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ، عن النبي قال ﷺ : «طلب الفقه فريضة على كل مسلم » .
حدثني أبو رجاء هبة الله بن محمد بن علي الشيرازي ، أنا الفضل بن عبيد الله الأردستاني ، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا محمد بن عمر بن يزيد الزهري أخورسته ، أنا محمد بن أبان ، نا معلى يعني ابن هلال عن حميد عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي قال ﷺ : «التفقه في الدين حق على كل مسلم » .
أخبرني محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف ، نا أبو القاسم الغازي الحسن بن جعفر الصوفي ، نا أبو بكر محمد بن حمدون الضرير الجرجاني بجرجان ، نا محمد بن عمر بن العلاء ، نا بشر بن الوليد الكندي ، نا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن حميد عن أنس ، قال : قال رسول الله ﷺ : «طلب الفقه فريضة على كل مسلم » .
وقال بعض أهل العلم إنما عنى رسول الله بهذا القول ، علم التوحيد وما يكون العامل به مؤمناً وأن العلم بذلك فريضة على كل مسلم ولا يسع أحداً جهله إذ كان وجوبه على العموم دون الخصوص .
وقيل : معناه أن طلب العلم فريضة على كل مسلم إذا لم يقم بطلبه من كل سقع وناحية من فيه الكفاية . وهذاالقول يروى عن سفيان بن عيينة .
أنا أبو مسلم جعفر بن باي الفقيه الجيلي ، نا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف الأسدي الأصبهاني ، نا القاضي عمرو بن عثمان أبو سهل ، قال : سمعت أبا الفضل جعفر بن عامر البزار ، قال : سمعت مجاهد بن موسى في حديث النبي ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » قال : كنا عند ابن عيينة فجرى ذكر هذا الحديث فقال ابن عيينة ليس على كل المسلمين فريضة إذا طلب بعضهم أجزأ عن بعض ، مثل الجنازة إذا قام بها بعضهم أجزأ عن بعض ، ونحو ذلك .
قلت : والذي أراد ابن عيينة معرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بفروع الدين ، فأما الأصول التي هي معرفة الله سبحانه وتوحيده وصفاته وصدق رسله فمما يجب على كل أحد معرفته ولا يصح أن ينوب فيه بعض المسلمين عن بعض .
وقيل : معنى قوله عليه السلام : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » أن على كل أحد فرضاً أن يتعلم ما لا يسعه جهله من علم حاله .
وقد بين ذلك عبد الله بن المبارك فقال فيما أنبأنا محمد بن أبي نصر النرسي ، أنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا ابن منيع ، نا إسحاق ابن إبراهيم المروزي ، نا حسن بن الربيع ، قال : سألت ابن المبارك فقلت ﷺ : «طلب العلم فريضة على كل مسلم » أي شيء تفسيره ؟ قال : ليس هو الذي تطلبون ، إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه يسأل عنه حتى يعلمه .
أنا أبو بكر محمد بن عمر بن بكير المقرىء النجار ، نا يحيى بن شبل بن العباس الحنيني ، نا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ، نا أبو همام ، نا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سألت عبد الله بن المبارك : ماالذي يجب على الناس من تعلم العلم ؟ قال : أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم يسأل ويتعلم فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم وفسره ، قال : لو أن رجلاً ليس له مال لم يكن عليه واجباً أن يتعلم الزكاة فإذا كان له مائتا درهم وجب عليه أن يتعلم كم يخرج ومتى يخرج وأين يضع وسائر الأشياء على هذا انتهى .
قلت : وهكذا روي عن علي بن أبي طالب انه أمر تاجراً بالتفقه قبل التجارة .
أخبرني بذلك الحسن بن أبي طالب ، نا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ، نا علي بن محمد بن كاس ، نا الحسن بن علي العلوي ، نا نصر بن مزاحم المنقري ، نا أبو خالد الواسطي عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ، انه جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أريد أن أتجر ، فقال له : الفقه قبل التجارة انه من تجر قبل أن يفقه ارتطم في الرباء ثم ارتطم .
أنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي ، نا عبد الله بن محمد بن زياد ، نا يونس بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب عن مالك وذكر العلم ، فقال : ان العلم لحسن ، ولكن أنظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي ، ومن حين تمسي إلى حين تصبح ، فالزمه ولا تؤثر عليه شيئاً .
أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا أبو محمد إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن الرجل يجب عليه طلب العلم ؟ فقال : إماماً يقيم به الصلاة وأمر دينه من الصوم والزكاة وذكر شرائع الإسلام قال : ينبغي له أن يعلم ذلك .
قلت فواجب على كل أحد طلب ما تلزمه معرفته مما فرض الله عليه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه ، وكل مسلم بالغ عاقل من ذكر وأنثى حر وعبد تلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضاً فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك .
وهكذا يجب على كل مسلم أن يعرف ما يحل له وما يحرم عليه من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأموال فجميع هذا لا يسع أحداً جهله وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك حتى يبلغوا الحلم وهم مسلمون أو حين يسلمون بعد بلوغ الحلم ، ويجبر الإمام أزواج النساء وسادات الإماء على تعليمهن ما ذكرنا ، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك ويرتب أقواماً لتعليم الجهال ويفرض لهم الرزق في بيت المال ، ويجب على العلماء تعليم الجاهل ليتميز له الحق من الباطل .
أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو حمزة المروزي محمد بن إبراهيم نا علي بن الحسن ، نا خارجة بن مصعب ، نا محمد بن عمر العبدي ، عن رجل سماه عن علي بن أبي طالب قال : ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب العلم حتى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل .
ما جاء في تعليم الرجال أولادهم ونساءهم والسادات عبيدهم وإماءهم
أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني ، أنا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا داود بن محمد بن صالح أبو الفوارس المروذي النحوي بمصر ، نا زكريا بن يحيى الخزاز ، نا إسماعيل بن عباد أبو محمد الزماني ، نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » ، فالأمير راع على الناس ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهله ومسؤول عن زوجته وما ملكت يمينه .
أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن هشام بن ملاس النميري ، نا حرملة بن عبد العزيز الجهني بالمروة الصغرى بالحجاز ، حدثني عمي عبد الملك بن ربيع عن أبيه عن جده ، عن رسول الله قال ﷺ : «مروا الصبي بالصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر » .
أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا دعلج بن أحمد ، نا موسى بن هارون ، نا أبي ، نا يعلى بن عبيد ، نا الحاطبي عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول لرجل : أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ما علمته ، وهو مسؤول عن برك وطاعته لك .
أنا أبو الحسن محمد بن عمر بن عيسى بن يحيى البلدي ، أنا محمد بن العباس بن الفضل الحناط بالموصل ، نا محمد بن أحمد بن أبي المثنى ، نا قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن منصور عن رجل ، عن علي : ( { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } ) [2] : علموهم أدبوهم .
أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان ، نا أبو النعمان ويحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يجعل الكبل في رجلي على تعليم القرآن والفقه ، قال أبو النعمان على تعليم القرآن والسنة .
أنا أبو سعيد الصيرفي ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن علي الوراق ، نا عبيد الله بن موسى نا أبو سعد البقال عن أنس ، ان امرأة أتت النبي فقالت : يا رسول الله المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ؟ قال ﷺ : «إذا كان منها ما يكون من الرجال فلتغتسل » ، فقالت عائشة : فضحت النساء قال رسول الله ﷺ : «مهلاً يا عائشة لا تمنعي نساء الأنصار يتعلمن الفقه » .
أنا أبو محمد الجوهري وأبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قالا أنا محمد بن زيد بن علي ابن مروان الكوفي نا عبد الله بن ناجية نا أبو همام نا عبد الرحيم بن سليمان نا أبو سعد البقال عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «حم الله نساء الأنصار يتفقهن في الدين » .
ذكر ضرب النبي المثل في مراتب من تفقه في الدين
أنا أنا أبو بكر البرقاني نا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي لفظاً أنا الحسن بن سفيان نا عبد الله بن براد الأشعري قال الإسماعيلي وأخبرني أبو يعلى يعني الموصلي نا أبو كريب قال وأنا القاسم بن زكريا نا أبو كريب وإبراهيم الجوهري ويوسف المسروفي وقاسم بن دينار قالوا نا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال ﷺ : «إن مثل ما آتاني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً كان منها طائفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها الحسن رضي الله عنه : «أجادب » ولم يضبط أبو يعلى وأبو القاسم هذا الحرف أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وطائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعمل كذا قال أبو يعلى وحده ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .
وقال أبو يعلى رضي الله عنه : «وأحادب » وقال الحسن والقاسم : «فعلم وعلم » ، قد جمع رسول الله في هذا الحديث مراتب الفقهاء والمتفقهين من غير أن يشذ منها شيء .
فالأرض الطيبة هي مثل الفقيه الضابط لما روي الفاهم للمعاني المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة . والأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس هي مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت فقط وضبطته وأمسكته حتى دته إلى غيرها محفوظاً غير مغير دون أن يكون لها فقه تنصرف فيه ولا فهم بالرد المذكور وكيفيته لكن نفع الله بها في التبليغ فبلغت إلى من لعله أوعى منها كما قال رسول الله ﷺ : «رب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ، ومن لم يحفظ ما سمع ولا ضبط فليس مثل الأرض الطيبة ولا مثل الأجادب بل هو محروم ومثله مثل القيعان التي لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء » . وقد قال الله سبحانه : : ( { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ) [3] وقال : ( { أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } ) [4] وشبه التارك للعلم رغبة عنه واستهانة به وتكذيباً له بالكلب فقال تعالى : : ( { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } ) [5] إلى أن قال : : ( { فمثله كمثل الكلب } ) [6] إلى آخر الآية .
ذكر تقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحوال الناس في طلب العلم وتركه
أنا محمد بن الحسين بن الأزرق المتوثى أنا أبو سهل أحمد بن محمد ابن عبد الله بن زياد القطان نا أبو بكر موسى بن إسحاق الأنصاري . ( وأنا ) أبو القاسم عبد الرحمان بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن الحسين الحربي وأبو نعيم الحافظ قالا : نا حبيب بن الحسين بن داود القزاز نا موسى بن إسحاق نا أبو نعيم ضرار بن صرد نا عاصم بن حميد الحناط عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري عن كميل بن زياد النخعي قال : أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبانة فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال : يا كميل بن زياد إحفظ ما أقول لك ، القلوب أوعية خيرها أوعاها الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق . العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم حاكم والمال محكوم عليه . وصنيفة المال تزول بزواله ، ومحبة العالم دين يدان بها يكسبه الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد موته مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة . ها أن هاهنا واومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حمله بنى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه ، أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه يتقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لاذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذات سلس القياد للشهوات ، أو مغرى بجمع الأموال والادخار ليس من دعاة الدين أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن نخلو الأرض من قائم لله بحججه لكي لا تبطل حجج الله وبيناته . أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً ، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصاحب الدنيا بأيدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى هاه شوقاً إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم .
هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظاً وتقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الناس في أوله تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقام الثلاثة التي ذكرها مع كمال العقل وإزاحة العلل ، أما إن يكون عالماً أو متعلماً أو مغفلاً للعلم وطلبه ليس بعالم ولا بطالب له .
فالعالم الرباني هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل ، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد ، وقد دخل في الوصف له بانه رباني وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله ويمنع وصفه بما خالفها . ومعنى الرباني في اللغة : الرفيع الدرجة في العلم ، العالي المنزلة فيه ، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى : ( { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } ) [7] وقوله تعالى : ( { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ) [8] .
أنا أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن هشام الفارسي نا أبي نا محمد بن علي بن الحسين نا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن عيينة .
( وأنا ) أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن أحمد المصري بمكة نا أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي نا محمد بن إبراهيم الدبيلي نا أبو عبد الله سعيد بن عبد الرحمان المخزومي نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الربانيون : الفقهاء ، وهم فوق الأحبار .
أنا القاضي أبو بكر الحيري أنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوس نا عبد الرحيم بن منيب نا الفضيل يعني ابن عياض عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( { كونوا ربانيين } ) قال : حكماء فقهاء .
أنا ابن الفضل القطان أنا دعلج بن أحمد أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ . أن سعيد بن منصور حدثهم قال نا جرير عن منصور عن أبي رزين في قوله : ( { كونوا ربانيين } ) قال : فقهاء علماء .
قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أبي عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد قال : سألت ثعلباً عن هذا الحرف : «رباني » فقال : سألت ابن الاعرابي فقال : إذا كان الرجل عالماً عاملاً معلماً قيل له هذا رباني ، فإن حرم عن خصلة منها لم يقل له رباني
وبلغني عن أبي بكربن الأنباري عن النحويين أن ( الربانييي ) منسوبون إلى الرب تعالى وأن الألف والنون زيدتا للمبالغة في النسب كما تقول لحياني جبهاني إذا كان عظيم اللحية والجبهة .
وأما المتعلم على سبيل ألنجاة فهو الطالب بتعلمه ، والقاصد به نجاته من التفريط في تضييع الفروض الواجبة عليه والرغبة بنفسه عن اهمالها واطراحها والأنفة من مجالسة البهائم ، وقد نفي بعض المتقدمين عن الناس من لم يكن من أهل العلم .
وأما القسم الثالث فهم المهملون لانفسهم الراضون بالمنزلة الدنية والحال الخسيسة التي هي في الحضيض الأوهد والهبوط الأسفل التي لا بعدها في هول ولا دونها في السقوط ، نعرذ بالله من الخذلان وعدم التوفيق والحرمان وما أحسن ما شبههم الإمام علي بالهمج الرعاع ، والهمج الرعاع به يشبه دناة الناس وأراذلهم والرعاع المتبدد المتفرق . والناعق الصائح وهو في هذا الموضع الراعي يقال : نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها ، ومنه قوله تعالى : ( { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } ) [9] .
أنا القاضي أبو القاسم التنوخي نا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون الهاشمي نا أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري قال قرأنا على أبي العباس أحمد بن يحيى لابي الأسود الدؤلي :
العلم زين وتشريف لصاحبه ......... فاطلب هديت فنون العلم والأدباء
لا خير فيمن له أصل بلا أدب ......... حتى يكون على مازانه حدبا
كم من كريم أخي عي وطمطمة ......... فدم لدى القوم معروف إذا انتسبا
في بيت مكرمة اباؤه نجب ......... كانوا الرؤس فامسى بعدهم ذنبا
وخامل مقرف الأباء ذي أدب ......... نال المعالي بالآداب والرتبا
امسى عزيزاً عظيم الشأن مشتهراً ......... في حده صعر قد ظل محتجبا
العلم كنز وذخر لانفادله ......... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع المرء مالا ثم يحرمه ......... عما قليل فيلقى الذل والحربا
وجامع العلم مغبوط به ابدا ......... ولا يحاذر منه الفوت والسلبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ......... لا تعدلن به درا ولا ذهبا
حدثني العلاء بن حزم الأندلسي قال أنا محمد بن الحسين بن بقاء البصري أنا جدي عبد الغني بن سعيد قال سمعت أبا العباس عبد الله بن عثمان الحكيمي الفقيه يقول : سمعت أبا جعفر أحمد بن محمد بن سلامة يقول كنت عند أحمد بن أبي عمران فمر بنا رجل من بني الدنيا فنظرت إليه وشغلت به عما كنت فيه معه من المذاكرة فقال لي كأني بك قد فكرت فيما أعطي هذا الرجل من الدنيا فقلت له : نعم ، فقال : هل أدلك على خلة ؟ هل لك أن يحول الله إليك ما عنده من المال ويحول إليه ما عندك من العلم فتعيش أنت غنيا جاهلاً ويعيش هو عالماً فقيراً ؟ فقلت ما أختار أن يحول الله ما عندك من العلم إلى ما عنده على هذا .
باب بيان الفقه
أنا أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد النخاس بحلب نا الحسين بن علي ابن عبيد الله الأسامي نا موسى بن القاسم بن موسى بن الأشيب القاضي قال قال ثعلب أحمد بن يحيى النحوي : يقال فَقِهَ الرجلُ : إذا كَمَلَ ، وفَقِهَ : إذا شَدَا شيئاً من الفِقْهِ .
أناأبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر نا أبو عمر محمد بن عباس الخزاز أنا عبيد الله بن عبد الرحمان السكري عن أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قال : الفقه في اللغة الفهم ، يقال فلان لا يفقه قولي . قال الله تعالى : ( { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ) [10] أي لا تفهمونه ثم يقال للعلم الفقه لأنه عن الفهم يكون وللعالم فقيه لأنه إنما يعلم بفهمه على مذهب العرب في تسمية الشيء بماكان له سبباً . .
أخبرني علي بن أحمد الرزاز نا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقريء قال سمعت أبا العباس ثعلباً وقد سئل عن قول الله تعالى : ( { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيراً } ) [11] قال : الفهم .
أنا علي بن أبي علي البصري أنا إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن سويد المعدل قال : قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري : قولهم رجل فقيه معناه عالم ، وكل عالم بشيء فهو فقيه فيه من ذلك قولهم ما يفقه ولا ينقه معناه ما يعلم ولا يفهم ، يقال : نقهت الحديث أنقهه إذا فهمته ، ونقهت من المرض أنقه . ومن الفقه قولهم قال فقيه العرب : معناه عالم العرب فمن ذلك قوله تعالى : : ( { ليتفقهوا في الدين } ) [12] معناه ليكونوا علماء .
أنا الحسن بن أبي بكر أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقري النقاش نا محمد بن علي الصائغ نا محمد بن معاوية نا ابن لهيعة نا عطاء هو ابن دينار عن سعيد بن جبير ، وسئل عن الفقه في الدين قال : العلم بأمر الله وما نهى الله عنه وما أمر من العلم بسنّة نبي الله والمحافظة على ما علمت فذلك الفقه في الدين .
وسمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه الفيروزابادي يقول : الفقه معرفة الاحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد والأحكام الشرعية هي : الواجب ، والندب ، والمباح ، والمحظور ، والمكروه ، والصحيح ، والباطل .
فالواجب : ما تعلق العقاب بتركه : كالصلوات الخمس والزكوات ورد الودائع والغصوب وغير ذلك .
والندب : ما تعلق الثواب بفعله ولا يتعلق العقاب بتركه : كصلوات النفل وصدقات التطوع وغير ذلك من القرب المستحبة .
والمباح : ما لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه : كأكل الطيبولبس الناعم والنوم والمشي وغير ذلك من المباحات .
والمحظور : ما تعلق العقاب بفعله . كالزنا واللواط والغصب والسرقة وغير ذلك من المعاصي .
والمكروه : ما تركه أفضل من فعله : كالصلاة مع مدافعة الأخبثين والصلاة في اعطان الإبل واشتمال الصماء ، وغير ذلك ، مما نهي عنه على وجه التنزيه .
والصحيح : ما تعلق به النفوذ وحصل به المقصود : كالصلوات الجائزة والبيوع الماضية .
والباطل : ما لا يتعلق به النفوذ ولا يحصل به المقصود : كالصلاة بغير طهارة وبيع ما لا يملك وغير ذلك مما لا يعتد به من الأمور الفاسدة .
باب بيان أصول الفقه
أصول الفقه الأدلة التي ينبني عليها الفقه ، وهي كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ، بما حفظ عنه خطاباً وفعلاً وإقراراً وإجماع الأمة من أهل الاجتهاد فهي ثلاثة أصول ، ونحن نذكر كل أصل منها على التفصيل وكيف يترتب بعضها على بعض ، ثم نذكر القياس وما يجوز منه وما لا يجوز . وبالله نستعين ، وإياه نسأل أن يعصمنا من الزلل ، ويوفقنا لصالح القول والعمل بمنه ولطفه .
القول في الأصل الأول وهو الكتاب
قال تعالى : ( { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ) [13] وقال تعالى : ( { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ) [14] وقال تعالى : ( { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ) [15] وقال تعالى : ( { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ) [16] وقال تعالى : ( { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولك جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وأنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ) [17] .
أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنا أبو الحسين أحمد بن عمثان بن جعفر بن محمد بن بويان المقري نا أبو جعفر محمد بن علي الوراق نا إسماعيل بن أبي كريمة الحراني نا محمد بن سلمة عن أبي سنان عن عمرو بن مره عن أبي البَخْتري الطائي يعني عن الحارث عن علي قال قيل لرسول الله : أن أمتك ستفتتن بعدك ، فَسَأَلَ رسولُ الله أو سُئِلَ ما المخرجُ مِنْهَا ؟ قال : «بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد من ابتغى العلم في غيره أضله الله ومن ولي هذا الأمر من جبار فحكم بغيره قصمه الله ، هو الذكر الحكيم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل وهو الذي سمعته الجن فلم تنته إن قالوا أنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد لا يَخْلَقُ على طول الرد ، ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه » . ثم قال علي للحارث : خذها يا أعور .
أنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي عثمان الدقاق وعلي بن المحسن ابن علي التنوخي قالا أنا علي بن محمد بن سعيد الرزاز قال نا وفي حديث التنوخي أنا جعفر بن محمد الفريابي نا محمد بن حميد نا الحكم بن بشير ابن سلمان نا عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن الحارث . وقال التنوخي عن ابن أخي الحارث عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله ﷺ : «قال جبريل ستكون في أمتك فتنة قلت ما المخرج منها يا جبريل ؟ قال كتاب الله تعال فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من يلي هذا الأمر من جبار فقضى فيه بغيره فصمه الله ، ومن يبتغي الهدى في غيره أضله الله ، هو النور المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي سمعته الجن فلم تنته أن قالوا أنا سمعنا قرآناً عجباً ، هو الذي لا يخلق على طول الرد ولا تنقضي عجائبه » . ثم قال للحارث : خذها يا أعور .
أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه أنا عثمان بن أحمد الدقاق نا أحمد بن يحيى ابن إسحاق الحلواني نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبو خلف الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح قال : خرج علينا النبي فقال ﷺ : «ابشروا اليس تشهدون أن لا إله إلا الله » ؟
قالوا : نعم ، قال ﷺ : «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بايديكم فتمسكوا به فانكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً » .
أنا أبو محمد الجوهري أنا محمد بن زيد بن علي بن مروان الكوفي أنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي نا عباد بن يعقوب أنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك بان الله تعالى يقول : ( { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } ) [18] .
أنا أبو بكر البرقاني أنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي نا إدريس بن عبد الكريم المقريء نا خلف بن هشام البزاز نا عبد الوهاب عن شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال : من أراد العلم فليثور القرآن ، فءن فيه علم الأولين والآخرين . إلا أن إسرائيل قال خبر .
أنا عبد الملك ابن محمد بن عبد الله الواعظ أنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد الجمحي بمكة نا علي بن عبد العزيز نا أبو نعيم نا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال : ما تسائل أصحاب رسول الله عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه .
أنا أبو الحسن بن رزقويه أنا عثمان بن أحمد نا أحمد بن يحيى الحلواني نا يحيى بن عبد الحميد نا وكيع عن إسماعيل بن رافع عن أبي رافع عن رجل عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحي إليه .
قلت : وفي القرآن : المحكم والمتشابه ، والحقيقة والمجاز ، والأمر والنهي ، والعموم والخصوص ، والمبين والمجمل ، والناسخ والمنسوخ ، ولهذا قال أبوا الدرداء ما : أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي الدرداء ، قال : ' لا تَفقه كل الفقه ، حتى ترى للقران وجوه كثيرة ' فيحتاج الناظر في علمه إلى حفظ الآثار ودرس النحو وعلم العربية واللغة إذ كان الله تعالى إنما انزله بلسان العرب فقال : ( { أنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون } ) [19] .
أنا البرقاني أنا أحمد بن جعفر بن حمدان نا إدريس ب عبد الكريم نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عني حيى بن عتيق قال سألت الحسن قلت : أرأيت الرجل يتعلم العربية يتطلب بها حسن المنطق
ويلتمس أن يقيم قراءته قال : حسن فتعلمها يا أخي ، فإن الرجل ليقرأ الآية فيعي بوجهها فيهلك فيها .
أنا ابن زرقويه أنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الجراحي نا حامد بن محمد بن شعيب البلخي نا شريح بن يونس نا محمد بن حميد يعني أبا سفيان المعري عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار » .
أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الزهري الفقيه نا محمد بن العباس الخزاز نا أبو بكر بن الأنباري نا إبراهيم بن موسى نا يوسف بن موسى نا المعلي ابن أسيد نا سهيل بن أبي حزم أخو حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ » .
قال ابن الأنباري حمل بعض أهل العلم هذا الحديث على أن الرأي معنى به الهوى من قال في القرآن قولا يوافق هواه لم يأخذه عن أئمة السلف فأصاب فقد أخطأ بحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه .
باب القول في المحكم والمتشابه
أنا أبو الحسن بن رزقويه وأبو علي بن شاذان قال أنا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا هناد عن وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { آيات محكمات } ) [20] قال : هي التي في الأنعام : ( { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً } ) [21] ثلاث آيات .
أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا عبد الخالق بن الحسن بن محمد المعدل ، نا عبد الله بن ثابت المقري حدثني أبي ، نا الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل بن سليمان : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } ) يعمل بهن وهن الآيات التي في الأنعام قوله تعالى : ( { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } ) إلى ثلاث آيات آخرهن : ( { لعلكم تتقون } ) يقول : هن أم الكتاب يعني أصل الكتاب لأنهن في اللوح المحفوظ مكتوبات وهن محرمات على الأمم كلها في كتابهم وإنما سمين أم الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء وليس من أهل الدين إلا وهو يوصي بهن ثم قال : ( { وأخر متشابهات } ) يعني بالمتشابهات ألم ، المص ، المر ، الر شبه على اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين فالمتشابهات هؤلاء الكلمات الأربع : ( { فأما الذين في قلوبهم زيغ } ) يعني ميلاً عن الهدى وهو الشك وهم اليهود : ( { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } ) يعني ابتغاء الكفر : ( { وابتغاء تأويله } ) يعني منتهى ما يكون وكم يكون يريد بذلك الملك يقول الله تعالى : ( { وما يعلم تأويله إلا الله } ) كم يملكون من السنين أمة محمد يملكون إلى يوم القيامة إلا أياماً يسلبهم الله بالدجال . وقيل أن المحكم ما تعلق بالأحكام وعلم الحلال والحرام .
أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا القاضي أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن محمد الهمذاني ، نا إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي ، نا آدم بن أبي إياس ، نا ورقاء عن ابن
أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( { آيات محكمات } ) يقول أحكم ما فيها من الحلال والحرام وما سوى ذلك . وقيل إن الآيات المحكمات هي الناسخة والثابتة الحكم والمتشابهات هي المنسوخة الحكم والأمثال والأقسام وما لا يتعلق بحلال ولا حرام .
أنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر الكتاني ، نا جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي ، أنا جعفر ابن محمد المؤدب ، نا أبو عبيد القاسم بن سلام ، نا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ) قال : المحكمات : ناسخه وحلاله وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به .
أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا أحمد بن سلمان ، نا أبو داود ، نا أحمد بن محمد يعني ابن ثابت المروزي نا موسى بن مسعود ( وأنا ) الحسين بن أبي بكر ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن الحربي ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، نا سفيان عن سلمة بن نبيط وجويبر ( وقال ) ابن رزق أو جويبر ، وعن الضحاك في قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } ) قال : الناسخ : ( { وأخر متشابهات } ) قال : المنسوخ .
وقيل أن الآيات المتشابهات آيات متعارضة في الظاهر وبها ضل أهل الزيغ ، إذ رأوا أن القرآن ينقض بعضه بعضاً .
أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم الختلي ، نا أحمد بن علي الأبار ، نا علي بن الجعد ، نا يزيد بن إبراهيم التستري ، نا ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله هذه الآية : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } ) ألآيه كلها قالت ، قال رسول الله ﷺ : (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم » .
أنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء ، أنا محمد بن عبد الله الشافعي ، نا محمد بن يونس ، نا مومل ابن إسماعيل ، نا حماد بن زيد ، قال : سمعت أيوب ، يقول : لا تلقى أحداً من أهل البدع إلا وهو يحادلك بالمتشابه من القرآن ، وقد سأل رجل عبد الله بن عباس عن عدة من الآيات في هذا النوع فأخبره عبد الله بوجوهها .
أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان ، حدثكم محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، نا أبو يعقوب يوسف بن عدي ، نا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد ابن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال سعيد : جاء رجل فقال : يا ابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قد وقع ذلك في صدري ؟ فقال ابن عباس : أتكذيب ؟ فقال الرجل : ما هو بتكذيب ولكن اختلاف ، قال : فهلم ما وقع في نفسك فقال له الرجل : اسمع الله تعالى يقول : ( { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ) [22] وقال في آية أخرى : ( { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ) [23] وقال في آية أخرى : ( { ولا يكتمون الله حديثاً } ) [24] وقال في آية أخرى : ( { والله ربنا ما كنا مشركين } ) فقد كتموا في هذه الآية ، وفي قوله : ( { أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها } ) [25] فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض وقال في الآية الأخرى : ( { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له انداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } ) [26] فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء ، وقوله تعالى : ( { وكان غفوراً رحيماً } ) : ( { وكان الله عزيزاً حكيماً } { وكان الله سميعاً بصيراً } ) فإنه كان ثم انقضى ؟ فقال ابن عباس : هات ما في نفسك من هذا ، فقال السائل : إذا أنبأتني بهذا فحسبي ، قال ابن عباس : قوله تعالى : ( { فلا أنساب بينهم يومئذ ولايتساءلون } ) ، فهذا في النفخه الأولى ، ينفخ في الصور ، فيصعق من في السموات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم إذا كانت النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .
وأما قول الله تعالى : ( { والله ربنا ما كنا مشركين } ) وقوله : ( { ولا يكتمون الله حديثاً } ) فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الاخلاص ذنوبهم لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ولا يغفر شركاً فلما رأى المشركون ذلك قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك تعالوا نقول انا كنا أهل الذنوب ولم نكن مشركين ، فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك عرف المشركون ان الله لا يكتم حديثاً فذلك قوله تعالى : ( { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً } ) [27] .
وأما قوله : ( { أم السماء بناها رفع سمكها فسواها واغطش ليلها واخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها } ) فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم نزل إلى الأرض فدحاها ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل فيها السبل وخلق الجبال والرمال والأكوام وما فيها في يومين آخرين فذلك قوله تعالى : ( { والأرض بعد ذلك دحاها } ) وقوله : ( { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءاً للسائلين } ) فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وجعلت السموات في يومين .
وأما قوله تعالى : ( { وكان الله غفوراً رحيماً } ) : ( { وكان الله عزيزاً حكيماً } ) } ) وكان الله سميعاً بصيراً } ) فإن الله تعالى جعل نفسه ذلك وسمى نفسه بذلك ولم ينحله أحداً غيره وكان الله أي لم يزل كذلك .
ثم قال ابن عباس : إحفظ عني ما حدثتك واعلم ان ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك فإن الله لم يترك شيئاً إلا قد أصاب به الذي أراد ولكن الناس لا يعلمون فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلا من عند الله عز وجل .
أنا عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن هارون المقري ، أنا عبيد الله ابن أحمد بن بكير التميمي ، قال : سمعت عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، يقول : أصل التشابه أن يشبه اللفظ اللفظ في الظاهر والمعنيان مختلفان ، قال الله تعالى في وصف ثمر الجنة : ( { وأتوا به متشابهاً } ) أي متفق المناظر مختلف الطعوم وقال : ( { تشابهت قلوبهم } ) أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة ومنه يقال : أشتبه علي الأمر ، إذا أشبه غيره فلم تكد تفرق بينهما وشبهت علي إذا لبست الحق بالباطل ، ومنه قيل لأصحاب المخاريق أصحاب الشبه لأنهم يشبهون الباطل بالحق . ثم قد يقال لكل ما غمض ودق متشابه وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره . ألا ترى انه قد قيل للحروف المقطعة في أوائل السور متشابه وليس الشك فيها والوقوف عندها لمشاكلتها غيرها والتباسها بها . ومثل المتشابه : «المشكل » سمي بذلك لأنه أشكل أي دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله ، ثم قد يقال لما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكلاً .
سمعت أبا إسحاق الفيروزا بادي يقول : وأما المتشابه فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال : هو والمجمل واحد ، ومنهم من قال : المتشابه : ما استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه ، ومن الناس من قال : المتشابه هو القصص والأمثال ، والمحكم : الحلال والحرام ، ومنهم من قال : المتشابه : الحروف المجموعة في أوائل السور كالمص والمر وغير ذلك ، قال أبو إسحاق والأول أصح وأما ما ذكروه فلا يوصف بذلك .
وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك : الصحيح عندنا إن المحكم : ما أحكم معانيه وبلغ منه الغاية التي يفهم بها المراد من غير أشكال وإلتباس ، والمتشابه به : هو الذي يحتمل معنيين أو معاني مختلفة يشبه بعضها بعضاً عند السامع في أول وهلة حتى يميز ويلتبس وينظر في تعلم الحق من الباطل فيه كسائر الألفاظ المحتملة التي تعلق بها المخالفون للحق وذهبوا عن وجه الصواب فيه انتهى .
قلت حكى القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري إن أبا بكر محمد بن عبد الله المعروف بالصيرفي قال : المتشابه على ضربين : ضرب : استأثر الله بعلمه وانفرد بمعرفة تأويله ، وضرب : يعلمه العلماء . والدليل على الضرب الأول قوله تعالى : ( { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ) إلى قوله : ( { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) فنفى أن يكون يعلم تأويل المتشابه إلا الله وابتدأ بعد ذلك الكلام بقوله : ( { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) .
والدليل على الضرب الثاني حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ، عن النبي ، أخبرناه أبو بكر البرقاني ، أنا محمد بن جعفر بن الهيثم البندار ، نا بن أبي العوام ، نا يزيد بن هارون ، أنا زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «الحلال بَيِّن والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس » .
فدل على أن القليل من الناس يعلم المشتبهات .
قلت : والصحيح والله أعلم ، ان المتشابه يعلمه الراسخون في العلم ، ولم ينزل الله في كتابه شيئاً إلا وقد جعل للعلماء طريقاً إلى معرفته ، يدل على ذلك ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي ، نا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز املاء ، نا أبو عوف عبد الرحمن بن مروان البروري ، أنا علي بن إبراهيم ، نا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن معقل رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : «اعملوا بالقرآن فحللوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم فردوه إلى الله وإلى أولي العلم كي يخبروكم » .
وقد روي في الحروف المقطعة من ( كهيعص ) انها خبر عن صفات الله عز وجل فقيل : الكاف من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، فكأنه قال هذا الكتاب من كاف هاد حكيم عليم صادق ، يروى ذلك عن ابن عباس .
وكذلك ألم والمر والر والمص ليس منها شيء إلا وقد تكلم الناس في تأويله .
وأما قوله تعالى : ( { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ) [28] فقد روي عن مجاهد انه قال : يعلمون تأويله ويقولون آمنا به .
أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، نا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب ، نا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، نا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به .
قلت : لو لم يكن الأمر هكذا لم يكن للراسخين على العامة فضيلة لأن الجميع يقولون آمنا به فإن قيل لو كان الأمر كذلك لقال ويقولون آمنا ؟ قلنا قد يجوز حذف واو النسق وقيل انه في معنى الحال فكأنه والراسخون في العلم قائلين آمنا به كأنهم يعلمونه في حال إيمانهم به والله أعلم .
باب القول في الحقيقة والمجاز
كل كلام مفيد فإنه ينقسم إلى حقيقة ومجاز فأما الحقيقة : فهو الأصل في اللغة وحدها كل لفظ استعمل فيما وضع له من غير نقل ، فقد يكون للحقيقة مجاز كالبحر فإنه حقيقة في الماء المجتمع الكثير ومجاز في الرجل العالم والفرس الجواد .
أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي بالبصرة ، نا أبو الحسن علي بن إسحاق المادارايي ، نا ابن أبي زكريا محمد بن عبيد العنزي ، نا أبو أسامة عن الأعمش عن مجاهد ، قال : كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه .
أنا أبو القاسم عبيد الله عمر بن علي الفقيه ، نا أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ، نا جعفر الصائغ ، نا فضيل بن عبد الوهاب ، نا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ، قال : ركب النبي فرساً لأبي طلحة فلما نزل عنه قال ﷺ : «وجدته بحراً » .
قال لنا أبو القاسم : هذا يدل على انه يجوز أن يتكلم النبي بالمجاز لأنه شبه سرعة الفرس في جريه بالبحر وجريانه وهوله وعظمه .
فإذا ورد لفظ حمل على الحقيقة باطلاقه ولا يحمل على المجاز إلا بدليل وقد لا يكون له مجاز فيحمل على ما وضع له .
وأما المجاز فحده : كل لفظ نقل عما وضع له . وقد أنكر بعض الناس المجاز في اللغة وحكي عن أبي بكر محمد بن داود بن علي الأصبهاني انه قال : ليس في القرآن مجاز ، واحتج بان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما يكون للضرورة والله تعالى لا يوصف بالحاجة والضرورة ، فلا ينبغي أن يكون في كلامه مجاز . وهذا غلط لأن المجاز لغة العرب وعادتها ، فإنها تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب ، وتحذف جزءاً من الكلام طلباً للإختصار إذا كان فيما أبقى دليل على ما ألقي ، وتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتعربه باعرابه ، وغير ذلك من أنواع المجاز . وإنما نزل القرآن بألفاظها ومذاهبها ولغاتها وقد قال الله تعالى : ( { جداراً يريد أن ينقض } ) [29] ونحن نعلم ضرورة أن الجدار لا إرادة له .
أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي ، أنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، نا علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، في قوله تعالى : ( { يريد أن ينقض فأقامه } ) قال أبو عبيدة ليس للحائط إرادة ولا للموات ولكنه إذا كان في هذه الحال فهو إرادته وهذا قول العرب في غيره .
يريد الرمح صدر أبي براء ............ويرغب عن دماء بني عقيل
أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن الجهم السمري ، نا الفراء في قوله تعالى : ( { يريد أن ينقض فأقامه } ) يقال كيف يريد الجدار أن ينقض ؟ قال الفراء : وذلك من كلام العرب أن يقولوا : الجدار يريد أن يسقط ومثل قول الله تعالى : ( { ولما سكت عن موسى الغضب } ) [30] والغضب لا يسكت إنما يسكت صاحبه ومعناه سكن . وقوله : ( { فإذا عزم الأمر } ) [31] إنما يعزم الأمر أهله . وقال الشاعر :
ان دهرا يلف شملي بجمل ......... لزمان يهم بالاحسان
وقال الآخر : شكا إلي جملي طول السرى ......... صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
والجمل لم يشك إنما تكلم به على انه لو نطق لقال ذلك وكذلك قول عنترة :
وأزور من وقع القنا فرقى بلبانه ......... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
قلت ونحو ما ذكرنا قول الله عز وجل : ( { واسأل القرية التي كنا فيها } ) [32] ونحن نعلم بالضرورة أن القرية لا تخاطب ، ونحوه قوله تعالى : ( { فما بكت عليهم السماء والأرض } ) [33] .
أنا عبيد الله بن أبي الفتح ، أنا عمر بن أحمد بن هارون المقري ، أنا عبيد الله بن أحمد بن بكر قال : سمعت عبد الله بن مسلم بن قتيبة يقول : قد اختلف الناس في قول الله تعالى : ( { فما بكت عليهم السماء والأرض } ) فذهب به قوم مذهب العرب في قولهم : بكت الريح والبرق ، كأنه يريد أن الله حين أهلك فرعون وقومه وأغرقهم وأورث منازلهم وجناتهم غيرهم لم يبك عليهم باك ولم يجزع جازع ولم يوجد لهم فقد ؛ وقال آخرون : أراد فما بكا عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض ، فأقام السماء والأرض مقام أهلهما كما قال : ( { واسئل القرية } ) أي أهل القرية وقال : ( { حتى تضع الحرب أوزارها } ) [34] أي يضع أهل الحرب السلاح .
قلت : والمجاز في كلام العرب يشتمل على فنون فمنها : الاستعارة ، والتمثيل ، والقلب ، والتقديم والتأخير ، والحذف ، والتكرار ، والإخفاء ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبة الواحد وخطاب الواحد والجميع خطاب الاثنين ، والقصد بلفظ الخصوص معنى العموم ، وبلفظ العموم معنى الخصوص ، وبجميع ذلك نزل كتاب الله سبحانه . وقد صنف أبو عبيدة معمر بن المثنى كتاب المجاز في القرآن ، فرسم العلماء من بعده في ذلك كتبا عرفت واشتهرت لا يتعذر وجودها على من أرادها ان شاء الله .
باب القول في الأمر والنهي
الأمر : هو قول يستدعي به القائل الفعل ممن هو دونه ، فأما الأفعال التي ليست بقول فإنها تسمى أمراً على سبيل المجاز ، وكذلك ما ليس فيه استدعاء كالتهديد : مثل قوله تعالى : ( { اعملوا ما شئتم } ) [35] ، وكالتعجيز : مثل قوله : ( { قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } ) [36] وكالإباحة : مثل قوله : ( { وإذا حللتم فاصطادوا } ) [37] وكذلك ما كان من النظير للنظير وما كان من الأدنى للأعلى فليس بأمر كقولنا : اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وإنما هو مسألة ورغبة واستدعاء على وجه الندب ليس بأمر حقيقة .
يدل على ذلك ما أخبرنا أبوالقاسم عبد العزيز بن علي الأزجي ، أنا محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، نا الحسين بن علي المعمر ، نا خلف بن سالم ، نا يعقوب بن إبراهيم ، نا أبي عن ابن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم عن عروة ، عن عائشة عن النبي قال ﷺ : «فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا » .
وأنا القاضي أبو عمر الهاشمي ، نا محمد بن أحمد اللؤلؤي ، نا أبو داود سليمان بن الأشعث ، نا إبراهيم بن موسى ، نا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق عن محمد ابن إبراهيم التميمي عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول ﷺ : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » .
فقد ندب رسول الله إلى السواك عند كل صلاة في الحديث الأول ، وأخبر في الحديث الثاني انه لم يأمر به فدل على المندوب إليه غير مأمور به في الحقيقة .
وللأمر صيغة في اللغة تقتضي الفعل ، وقال بعض المتكلمين : ليس للأمر صيغة والدليل على ما قلناه إن أهل اللسان قسموا الكلام فقالوا في جملة أقسامه : أمر ونهي ، فالأمر : قولك إفعل ، والنهي : قولك لا تفعل ، فجعلوا افعل بمجرده أمراً فدل على انه صيغة ، فإذا تجردت صيغة الأمر اقتضت الوجوب
والدليل عليه قول الله سبحانه : ( { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ) [38] وقول النبي : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » فدل على انه لو أمر لوجب وشق .
وأيضاً ما أنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا إبراهيم بن عبد الله الكجي ، نا علي بن المديني ، نا يحيى بن سعيد ، نا شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه ، قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله فلم أجبه ، قال : قلت : يا رسول الله إني كنت أصلي قال ألم يقل الله تعالى : ( { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } ) [39] ولأن السيد لو قال لعبده اسقني ماء فلم يسقه استحق الذم ولو لم يقتض أمر السيد الوجوب لما استحق العبد الذم عليه . وإذا ورد أمر مطلق بفعل شيء من الأشياء ، فقد ذكر بعض أهل العلم انه يجب تكرار فعله على حسب الطاقة والامكان وقال بعضهم : لا يجب فعله أكثر من مرة إلا بدليل يدل على التكرار .
أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز ، نا محمد ابن عبيد الله بن المنادي ، نا يونس بن محمد ، نا حماد عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت أبا القاسم يقول ﷺ : «ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » .
ويدل على أن الأمر المطلق يقتضي ما وقع عليه الاسم انه لو حلف ليدخلن الدار ، لبر بالدخول مرة واحدة فدل على أن الاطلاق لا يقتضي أكثر من ذلك .
وإذا أمر الله تعالى بأشياء على جهة التخيير مثل كفارة اليمين فإنه خير فيها بين العتق والاطعام والكسوة ، فالواجب منها واحد غير معين ، وأيها فعل فقد فعل الواجب ، وإن فعل الجميع يسقط الفرض عن الفاعل بواحد منها والباقي تطوع ، لأنه لو ترك الجميع لم يعاقب إلا على واحد منها ، فدل على انه هو الواجب ولو كان الجميع واجباً لعوقب على الجميع .
أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا سعيد هو ابن سالم القداح عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ، في قول الله تعالى : ( { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ) [40] أيتهن شاء .
وعن عمرو بن دينار قال : كل شيء في القرآن أو ، فله أيُّهُ شاء قال ابن جريج إلا قول الله تعالى : ( { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ) [41] فليس بمخير فيها قال الشافعي كما قال ابن جريج وغيره في المحاربة في هذه المسألة أقول : والنهي حقيقة القول الذي يستدعي به القائل ترك الفعل ممن هو دونه ، وله صيغة تدل عليه في اللغة وهي قوله : لا تفعل ، فإذا تجردت صيغته اقتضت التحريم ، ويجب الترك على الفور وعلى الدوام بخلاف الأمر ، وذلك أن الأمر يقتضي إيجاد الفعل فإذا فعل في أي زمان فعل كان ممتثلاً وفي النهي لا يسمى منتهياً إلا إذا سارع إلى الترك على الدوام .
وإذا نهى عن أحد شيئين من غير تعيين له كان ذلك نهياً عن الجمع بينهما ، ويجوز فعل أحدهما لأن النهي أمر بالترك كما أن الأمر أمر بالفعل ، ثم الأمر بفعل أحدهما لا يقتضي وجوب فعلهما فكذلك النهي عن فعل أحدهما لا يقتضي وجوب تركهما .
أنا الحسن بن علي الجوهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني ، نا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : أصل النهي من رسول الله ، ان كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عليه دلالة تدل على انه عنى به غير معنى التحريم ، اما أنه أراد به نهياً عن بعض الأمور دون بعض ، وأما أراد به النهي للتنزيه للمنهي عنه والأدب والاختيار ولا يفرق بين نهي رسول الله إلا بدلالة عن رسول الله أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنته وقد يمكن أن يجهلها بعضهم .
باب القول في العموم والخصوص
العموم : كل لفظ عم شيئين فصاعداً ، وقد يكون متناولاً لشيئين ، كقولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء ، وقد يتناول جميع الجنس ، كقولك عممت الناس بالعطاء . وأقله ما يتناول شيئين وأكثره ما يستغرق الجنس . وله صيغة إذا تجردت اقتضت العموم واستغراق الجنس ، كدخول الألف واللام اللتين للتعريف في الجمع والجنس نحو قوله تعالى : ( { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ) [42] وكالألفاظ المبهمة مثل : من في العقلاء وما في غيرهم ، وغير ذلك مما قد ذكره أهل العربية وذهب بعض المتكلمين إلى أن العموم لا صيغة له في لغة العرب وان الألفاظ يجب الوقف فيها إلى أن يدل الدليل على عمومها أو خصوصها فتحمل عليه وهذا غلط .
ودليلنا ما أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو أمية الطرسوسي ، نا محمد بن الصلت ، نا أبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية : ( { انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } ) [43] الآية قال المشركون فإن عيسى يعبد وعزيراً والشمس والقمر فأنزل الله : ( { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } ) [44] الآية عيسى وعزير . فحمل القوم لفظة : ( { ما تعبدون } ) على العموم ولهم حجة في اللغة إلى أن بين الله تعالى لهم مراده بالآية ، ويحتمل أن يكون البيان سابقاً بان عيسى وعزيراً لا يعذبان ، وإن المشركين الذين عارضوا بهما هم الذين أغفلوا النظر في البيان والله أعلم .
ويدل عليه أيضاً ما أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس بن حمدان ، حدثكم جعفر بن محمد بن سوار ، أنا قتيبة ، نا الليث عن عقيل عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ن مسعود عن أبي هريرة ، قال : لما توفي رسول الله واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله » فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت انه الحق .
فاحتج عمر على أبي بكر بعموم قول رسول الله فلم ينكر عليه أبو بكر ذلك وإنما عدل إلى الإستثناء فقال : الزكاة من حقها . ولأن العموم مما تدعو الحاجة إلى العبارة عنه في مخاطباتهم فلا بد من أن يكونوا قد وضعوا له لفظاً يدل عليه كما وضعوا لكل ما يحتاجون إليه من الأعيان وإذا نزلت آية على سبب خاص كان حكمها عاماً .
كما أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا محمد بن علي بن زيد ، أن سعيد بن منصور حدثهم ، نا أبوعوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل ، قال : كنا جلوساً في المسجد فجلس إلينا كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال : في نزلت هذه الآية : ( { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه } ) [45] قال : قلت . كيف كان شأنك ؟ قال : خرجنا مع رسول الله محرمين فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي فذكرت ذلك للنبي فقال : ما كنت أرى بلغ منك هذا ادعوا الحالق فجاء الحالق فحلق رأسي ، فقال : هل تجد من نسيكة ؟ قلت : لا وهي شاة قال : فصم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع بين ستة مساكين قال : فأنزلت في خاصة وهي للناس عامة .
وأما التخصيص : فهو تمييز بعض الجملة بالحكم ولهذا نقول خص رسول الله بكذا وكذا . وتخصيص العموم هو بيان ما لم يرد باللفظ العام .
أنا الجوهري ، أنا محمد بن العباس ، أنا أحمد بن أحمد بن سيف ، نا الربيع بن سليمان ، قال الشافعي : أبان الله تعالى لخلقه انه أنزل كتابه بلسان نبيه وهو لسان قومه العرب فخاطبهم عز وجل بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وكانوا يعرفون من معاني كلامهم إنهم يلفظون بالشيء عاماً يريدون به العام ، وعامًّا يريدون به الخاص ، ثم دلهم على ما أراد من ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه ، وأبان لهم ان ما قبلوا عن نبيه فعنه عز وجل قبلوا بما فرض الله من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه منها : ( { من يطع الرسول فقد أطاع الله } ) [46] وقوله : ( { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ) [47] الآية .
قال الشافعي : مما نزل عام الظاهر مما دل الكتاب على أن الله أراد به الخاص قول الله تعالى : ( { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } ) [48] إلى : ( { فخلوا سبيلهم } ) وقال تعالى : ( { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ) [49] الآية فكان ظاهر مخرج هذا عاماً على كل مشرك فأنزل الله تعال : ( { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } ) [50] إلى : ( { صاغرون } ) فدل أمر الله تعالى بقتال المشركين من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية على انه إنما أراد بالآيتين اللتين ذكر فيهما قتال المشركين حيث وجدوا حتى يقيموا الصلاة وأن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله من خالف أهل الكتاب من المشركين . وكذلك دلت سنة رسول الله في قتال أهل الأوثان حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، قال فهذا من العام الذي دل الله على انه أراد به الخاص لا أن واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى بأن لا عمل لهما معاً وجهاً بان كان أهل الشرك صنفين : صنف أهل كتاب ، وصنف غير أهل كتاب ، ولهذا في القرآن نظائر وفي السنن مثل هذا .
أنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أبو العباس أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال الشافعي : قال الله تعالى : ( { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ) [51] قال الشافعي : فخرج اللفظ عاماً على الناس كلهم وبين أهل العلم بلسان العرب منهم انه إنما يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض لأنه لا يخاطب بهذا إلا من يدعون من دون الله إلهاً ، تعالى الله عما يشركون علواً كبيراً لأن فيهم من المؤمنين والمغلوبين على عقولهم وغير البالغين من لا يدعو معه إلهاً .
أنا علي بن أحمد بن عمر المقري ، أنا إسماعيل بن علي الخطبي ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن الآية إذا جاءت تحتمل أن تكون عامة وتحتمل أن تكون خاصة ما السبيل فيها ؟ قال : إذا كان للآية ظاهر ينظر ما عملت به السنّة فهو دليل على ظاهرها ومنه قول الله تعالى : ( { يوصيكم الله في أولادكم } ) [52] فلو كانت على ظاهرها لزم كل من قال بالظاهر أن يورث كل من وقع عليه اسم ولد وإن كان قاتلاً أو يهودياً أو نصرانياً أو عبداً ، فلما قال رسول الله : ( { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } ) كان ذلك معنى الآية . قلت لأبي : إذا لم يكن عن النبي في ذلك شيء مشروح يخبر فيه عن خصوص أو عموم ؟ قال أبي ينظر ما عمل به أصحابه فيكون ذلك معنى الآية ، فإن اختلفوا ينظر أي القولين أشبه بقول رسول الله يكون العمل عليه ، وقال عبد الله سألت أبي قلت : أتقول في السنّة تقضي على الكتاب ؟ قال : قد قال ذلك قوم منهم مكحول والزهري
أرى قلت لأبي : فما تقول أنت ؟ قال : أقول أن السنّة تدل على معنى الكتاب .
حدثني أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري ، أنا الخصيب بن عبد الله القاضي ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي ، نا عبد الله بن علي البزار ، يقول : سمعت جعفر بن محمد بن عيسى بن نوح ، يقول : سمعت أبا إسحاق محمد بن عيسى الطباع ، يقول : سمعت حماد بن زيد ، يقول : إنما هو الكتاب والسنّة والكتاب أحوج إلى السنّة من السنة إلى الكتاب . سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول : ويجوز التخصيص في جميع ألفاظ العموم من الأمر والنهي والخبر ، وقال بعض الناس : لا يجوز التخصيص في الخبر ، كما لا يجوز النسخ فيه وهذا خطأ لأنا قد ذكرنا أن التخصيص بيان ما لم يرد باللفظ العام ، وهذا يصح في الخبر كما يصح في الأمر والنهي .
باب القول في المبين والمجمل
أما المبين : فهو ما استقل بنفسه في الكشف عن المراد ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره ، وذلك على ضربين : ضرب يفيد بنطقه ، وضرب يفيد بمفهومه . فالذي يفيد بنطقه هو : النص والظاهر والعموم .
فالنص : كل لفظ دل على الحكم بصريحه على وجه لا احتمال فيه مثل قوله تعالى : ( { ولا تقربوا الزنا } ) [53] : ( { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } ) [54] ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام .
والظاهر كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها .
والعموم : ما عم شيئين فصاعداً ، والفرق بين العموم والظاهر ، أن العموم ليس بعض ما يتناوله اللفظ بأظهر فيه من بعض وتناوله للجميع على لفظ واحد فيجب حمله على عمومه إلا أن يختصه دليل أقوى منه . وإما الظاهر فإنه يحتمل معنيين إلا أن أحدهما أظهر وأحق باللفظ من الآخر فيجب حمله على أظهرهما ولا يجوز صرفه عنه إلا بما هو أقوى منه فكل عموم ظاهر وليس كل ظاهر عموماً .
فأما الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو : فحوى الخطاب لحن الخطاب ، ودليل الخطاب .
ففحوى الخطاب : ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه كقوله تعالى : ( { فلا تقل لهما أف} ) [55] فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبهما لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف وكذلك قوله تعالى : ( { ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك } ) [56] فيه تنبيه على أن يؤدي ما كان دون القنطار ففي هذه الآية نبه بالأعلى على الأدنى ، وفي الآية الأولى نبه بالأدنى على الأعلى .
وزعم بعض أهل اللغة أن فحوى الخطاب اشتق من تسميتهم الابزار فحا ، يقال : فح قدرك يا هذا فسمي فحوى لأنه يظهر اللفظ كما يظهر الابزار طعم الطبيخ ورائحته .
وأما لحن الخطاب : فهو ما دل عليه اللفظ لاضمار الذي لا يتم الكلام إلا به مثل قوله تعالى : ( { أن أضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } ) [57] ومعناه فضرب فانفجرت ومن ذلك أيضاً حذف المضاف إقامة المضاف إليه مقامه كقوله تعالى : ( { واسأل القرية } ) [58] ومعناه اسأل أهل القرية ، ولا خلاف أن هذا كالمنطوق به في الإفادة والبيان .
وأما دليل الخطاب : فهو أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء فيدل على أن ما عداها بخلافه كقوله تعالى : ( { ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة } ) [59] فيه دلالة على أن العدل ان جاء بنبأ لم يتبين وكذلك قوله تعالى : ( { وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ) [60] فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق .
وأما المجمل : فهو ما لا يعقل معناه من لفظته ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره مثال ذلك ان الله تعالى قال : ( { وآتوا حقه يوم حصاده } ) [61] وقال رسول الله ﷺ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها » . قالحق المذكور في الآية والمذكور في الحديث كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر فيحتاج إلى البيان .
أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، أنا علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبيد القاسم بن سلام : السنّة هي المفسرة للتنزيل ، والموضحة لحدوده وشرائعه ألا ترى أن الله تعالى أنزل في كتابه حين ذكر الحدود فقال : ( { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ) [62] فجعله حكماً عاماً في الظاهر على كل من زنا ، ثم حكم رسول الله في الثيبين بالرجم فليس هذا بخلاف الكتاب ، ولكنه لما فعل ذلك علم ان الله تعالى إنما عنى بالآية البكرين دون غيرهما ، وكذلك لما ذكر الفرائض فقال : ( { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين } ) [63] فكانت الآية شاملة لكل أحد ، فلما قال رسول الله : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم » لم يكن هذا بخلاف التنزيل ، ولكن علم ان الله تعالى إنما عنى بالموارثة أهل الدين الواحد دون أهل الدينين المختلفين . وكذلك لما ذكر الوضوء فقال : ( { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } ) [64] ثم مسح رسول الله على الخفين وأمر به تبين لنا ان الله إنما عنى بغسل الأرجل إذا كانت الأقدام بادية لا خفاف عليها .
وكذلك شرائع القرآن كلها إنما نزلت جملاً حتى فسرتها السنّة .
أنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، نا أبو عبد الله الحسين بن يحيى ابن عياش المتوثي ، نا علي بن مسلم ، نا أبو داود ، نا شعبة وهمام عن قتادة ، أن عكرمة أنكر مسح الخفين فقلت له أن ابن عباس بلغني انه كان يمسح ؟ قال : ابن عباس إذا خالف القرآن لم يؤخذ عنه ، قال همام في هذا الحديث عن قتادة قال قلت لعكرمة : لولا ابن عباس ما سألك أحد عن شيء .
قلت : كان ابن عباس أعلم بكتاب الله من عكرمة ، وإنما مسح على الخفين لثبوت ذلك عنده أن رسول الله فعله وحمل الآية التي أشار إليها عكرمة على ما ذكر أبو عبيد ، ان المراد بغسل الأرجل إذا لم تكن مستورة بالخفاف وإن سنة رسول الله فسرت ذلك .
أنا الحسن ابن أبي بكر وعثمان بن محمد العلاف ، قالا : نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي نا محمد بن الفرج الأزرق ، نا الواقدي ، نا معمر عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين انهم تذاكروا عنده الأحاديث عن رسول الله ، فقال رجل عند عمران بن حصين رضي الله عنه دعونا من الحديث وهاتوا كتاب الله تعالى فقال عمران بن حصين : إنك لأحمق أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة ؟ أتجد في كتاب الله الصيام مفسراً ؟ الكتاب أحكمه والسنة فسرته .
أنا أحمد بن محمد العتيقي وعبد الوهاب بن الحسين الغزال ، قالا : أخبرنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، نا جدي ، نا حبان بن موسى ، أنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن عمران بن حصين : أن رجلاً أتاه فسأله عن شيء فحدثه ، فقال الرجل : حدثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره فقال : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله ان صلاة الظهر أربع لا يجهر فيها ؟ وعد الصلوات وعد الزكاة ونحوها ثم قال : أتجد هذا مفسراً في كتاب الله ؟ ان كتاب الله قد أحكم ذلك والسنة تفسر ذلك .
أنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي بدمشق ، أنا يوسف بن القاسم الميانجي أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا عمار بن خالد ، نا عبد الوهاب الثقفي عن عنبسة الغنوي عن الحسن ، ان رجلاً قال لعمران بن حصين : يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث الله تعالى أعلم بها حدثونا بالقرآن ، قال : القرآن والله نعم ، أرأيت لو رفعنا إليه وقد وجدت في القرآن : ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) [65] ثم لم تر رسول الله كيف بين لنا كيف كنا نركع ، كيف كنا نسجد كيف كنا نعطي زكاة أموالنا ، قال : فأفحم الرجل .
أنا الحسين بن أبي بكر ، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني ، نا الفضل بن الحباب نا مسلم بن إبراهيم ، نا عقبة بن خالد عن الحسن ، قال : بينما نحن عند عمران بن حصين قال له رجل : يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن قال : أليس تقرأ : ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) أكنتم تعرفون ما فيها وما ركوعها وسجودها وحدودها وما فيها ؟ أكنت تدري كم الزكاة في الورق والذهب والإبل والبقر وأصناف المال ؟ شهدت ووعيت فرض رسول الله في الزكاة كذا وكذا ، قال الرجل : أحييتني يا أبا نجيد أحياك الله كما أحييتني ، قال : فما مات ذلك الرجل حتى كان من فقهاء المسلمين .
انتهى الجزء الثاني يتلوه ان شاء الله باب القول في الناسخ والمنسوح والحمد لله حق حمده وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل .
هامش
- ↑ [ الرعد : 14 ]
- ↑ [ التحريم : 6 ]
- ↑ [ الزمر : 9 ]
- ↑ [الرعد : 91]
- ↑ [ الأعراف : 157 ]
- ↑ [ الأعراف : 167 ]
- ↑ [ المائدة : 36 ]
- ↑ [ آل عمران : 97 ]
- ↑ [ البقرة : 171 ]
- ↑ [ الإسراء : 44 ]
- ↑ [ البقرة : 269 ]
- ↑ [ التوبة : 122 ]
- ↑ [ فصلت : 24 ]
- ↑ [ إبراهيم : 1 ]
- ↑ [ النحل : 44 ]
- ↑ [ النحل : 98 ]
- ↑ [ الشورى : 25 ]
- ↑ [ الكهف : 123 ]
- ↑ [ يوسف : 2 ]
- ↑ [ آل عمران : 7 ]
- ↑ [ الأنعام : 151 ]
- ↑ [ المؤمنون : 101 ]
- ↑ [ الصافات : 72 ]
- ↑ [ النساء : 24 ]
- ↑ [ النازعات : 82 ]
- ↑ [ فصلت : 9 ]
- ↑ [ النساء : 24 ]
- ↑ [ آل عمران : 7 ]
- ↑ [ الكهف : 77 ]
- ↑ [ الأعراف : 154 ]
- ↑ [ محمد : 12 ]
- ↑ [ يوسف : 28 ]
- ↑ [ الدخان : 92 ]
- ↑ [ محمد : 4 ]
- ↑ [ فصلت : 4 ]
- ↑ [ هود : 31 ]
- ↑ [ المائدة : 2 ]
- ↑ [ النور : 36 ]
- ↑ [ الأنفال : 42 ]
- ↑ [ البقرة : 196 ]
- ↑ [ المائدة : 33 ]
- ↑ [ التوبة : 5 ]
- ↑ [ الأنبياء : 89 ]
- ↑ [ الأنبياء : 101 ]
- ↑ [ البقرة : 196 ]
- ↑ [ النساء : 08 ]
- ↑ [ النساء : 56 ]
- ↑ [ التوبة : 15 ]
- ↑ [ البقرة : 193 ]
- ↑ [ التوبة : 92 ]
- ↑ [ الحج : 37 ]
- ↑ [ النساء : 11 ]
- ↑ [ الاسراء : 23 ]
- ↑ [ الأنعام : 151 ]
- ↑ [الاسراء : 32 ]
- ↑ [ آل عمران : 57 ]
- ↑ [ الأعراف : 061 ]
- ↑ [ يوسف :28 ]
- ↑ [ الحجرات : 6 ]
- ↑ [ الطلاق : 6 ]
- ↑ [ الأنعام : 141 ]
- ↑ [ النور : 2 ]
- ↑ [ النساء : 11 ]
- ↑ [ المائدة : 6 ]
- ↑ [ البقرة : 34 ]