باب تبيين الكتاب بالسنة وما جاء في ذلك |
قال الله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وقال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وقال تعالى : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وفرض طاعته في غير آية من كتابه وقرنها بطاعته عز وجل وقال تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} . ذكر ابن عبد البر في كتاب العلم له عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرما عليه ثيابه فنهى المحرم فقال ايتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي قال فقرأ عليه {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وعن هشام بن حجير قال : كان طاوس يصلي ركعتين بعد العصر فقال ابن عباس : اتركهما ؛ فقال إنما نهي عنهما أن تتخذا سنة فقال ابن عباس : قد نهى رسول الله ﷺ عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليهما أم تؤجر لأن الله تعالى قال : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وروى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله ﷺ أنه قال : " ألا وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه".
قال الخطابي : قوله أوتيت الكتاب ومثله معه يحتمل وجهين من التأويل :
أحدهما- أن معناه أنه أوتي من الوحي غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
والثاني- أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي من البيان مثله أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ويزيد عليه ويشرع ما في الكتاب فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن وقوله يوشك رجل شبعان الحديث يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد تضمنت بيان الكتاب قال فتحيروا وضلوا قال والأريكة السرير ويقال : إنه لا يسمى أريكة حتى يكون في حجلة قال : وإنما أراد بالأريكة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت لم يطلبوا العلم من مظانه وقوله إلا أن يستغنى عنها صاحبها معناه أن يتركها صاحبها لمن أخذها استغناء عنها كقوله : {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} معناه تركهم الله استغناء عنهم. وقوله : فله أن يعقبهم بمثل قراه هذا هو حال المضطر الذي لا يجد طعاما ويخاف التلف على نفسه فله أن يأخذ من ما لهم بقدر قراه عوض ما حرموه من قراه ويعقبهم يروى مشددا ومخففا من المعاقبة ومنه قوله تعالى : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} أي فكانت الغلبة لكم فغنمتم منهم وكذلك لهذا أن يغنم من أموالهم بقدر قراه. قال : وفي الحديث دلالة على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب فإنه مهما ثبت عن رسول الله ﷺ كان حجة بنفسه قال فأما ما رواه بعضهم أنه قال إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن لم يوافقه فردوه فإنه حديث باطل لا أصل له.
ثم البيان منه ﷺ على ضربين : بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها وكبيانه لمقدار الزكاة ووقتها وما الذي تؤخذ منه من الأموال وبيانه لمناسك الحج قال ﷺ إذ حج بالناس : " خذوا عني مناسككم" . وقال : " صلوا كما رأيتموني أصلي" . أخرجه البخاري وروى ابن المبارك عن عمران بن حصين أنه قال لرجل : إنك رجل أحمق أتجد الظهر في كتاب الله أربعا لا يجهر فيها بالقراءة! ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله مفسرا! إن كتاب الله تعالى أبهم هذا وإن السنة تفسر هذا.
وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال : كان الوحي ينزل على رسول الله ﷺ ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك. وروى سعيد بن منصور حدثنا عيسى ابن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال : القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن. وبه عن الأوزاعي قال قال يحيى بن أبي كثير : السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاض على السنة قال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث الذي روي أن السنة قاضية على الكتاب فقال ما أجسر على هذا أن أقوله ولكني أقول إن السنة تفسر الكتاب وتبينه.
وبيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب والقضاء باليمين مع الشاهد وغير ذلك على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.