→ صفة إبراهيم عليه السلام | البداية والنهاية - الجزء الأول المؤلف: ابن كثير |
ذكر أولاد إبراهيم الخليل ← |
وفاة إبراهيم وما قيل في عمره |
ذكر ابن جرير في تاريخه، أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان، وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور، الذي يقال: إنه ملك ألف سنة، وكان في غاية الغشم والظلم.
وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذين بعث إليهم نوح عليه السلام، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا.
وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر، فهال ذلك أهل ذلك الزمان، وفزغ النمرود. فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك، فقالوا: يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه، فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين.
فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين، فحماه الله عز وجل، وصانه من كيد الفجار، وشب شبابًا باهرًا، وأنبته الله نباتًا حسنًا، حتى كان من أمره ما تقدم، وكان مولده بالسوس، وقيل: ببابل. وقيل: بالسواد من ناحية كوثى.
وتقدم عن ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقي دمشق، فلما أهلك الله نمرود على يديه، وهاجر إلى حران، ثم إلى أرض الشام، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا، وولد له إسماعيل وإسحاق.
وماتت سارة قبله بقرية حبرون التي في أرض كنعان، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة، فيما ذكر أهل الكتاب، فحزن عليها إبراهيم عليه السلام، ورثاها رحمها الله، واشترى من رجل من بني حيث، يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربع مائة مثقال، ودفن فيها سارة هنالك.
قالوا: ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق، فزوجه رفقا بنت بتوئيل بن ناحور بن تارح، وبعث مولاه فحملها من بلادها، ومعها مرضعتها وجوارها على الإبل.
قالوا: ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا، فولدت له: زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح. وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا.
وقد روى ابن عساكر عن غير واحد من السلف، عن أخبار أهل الكتاب في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخبارًا كثيرة، الله أعلم بصحتها.
وقد قيل: إنه مات فجأة، وكذا داود، وسليمان، والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك.
قالوا: ثم مرض إبراهيم عليه السلام، ومات عن مائة وخمس وسبعين، وقيل: وتسعين سنة، ودفن في المغارة المذكورة التي كانت بحبرون الحيثي عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد ورد ما يدل أنه عاش مائتي سنة، كما قاله ابن الكلبي.
وقال أبو حاتم بن حبان في (صحيحه): أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة، حدثنا علي بن زياد اللخمي، حدثنا أبو قرة عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال:
« اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ».
وقد رواه الحافظ بن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم، وجعفر بن عون العمري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد عن أبي هريرة موقوفًا.
ثم قال ابن حبان ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد نيست، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
« اختتن إبراهيم حين بلغ مائة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، واختتن بقدوم ».
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ « وقد أتت عليه ثمانون سنة ».
ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق أنه قال: القدوم اسم القرية، قلت الذي في الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة. وفي رواية: وهو ابن ثمانين سنة، وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك، والله أعلم.
وقال محمد بن اسماعيل الحساني الواسطي زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات: حدثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: كان إبراهيم أول من تسرول، وأول من فرق، وأول من استحد، وأول من اختتن بالقدوم، وهو ابن عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، وأول من قرى الضيف، وأول من شاب.
هكذا رواه موقوفًا، وهو أشبه بالمرفوع خلافًا لابن حبان، والله أعلم.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: كان إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب.
فقال يا رب: ما هذا؟
فقال الله تبارك و تعالى: « وقار يا إبراهيم ».
فقال يا رب: زدني وقارًا.
وزاد غيرهما: وأول من قص شاربه، وأول من استحد، وأول من لبس السراويل. فقبره، وقبر ولده إسحاق، وقبر ولد ولده يعقوب، في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم، وهذا تلقي بالتواتر أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل، من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا، أن قبره بالمربعة تحقيقًا.
فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم، فينبغي أن تراعي تلك المحلة، وأن تحترم احترام مثلها، وأن تبجل، وأن تجل أن يداس في أرجائها، خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد من أولاده الأنبياء عليهم السلام تحتها.
وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه، قال: وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقة:
إلهي جهولًا أمله * يموت من جا أجله
ومن دنا من حتفه * لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخر * من مات عنه أوله
والمرء لا يصحبه * في القبر إلا عمله