اعلموا أنّ ربكم سبحانه قد علّمكم في كتابه طريق العلم بوجوده وصفاته، فأمركم بالتدبّر فيما أودع في آفاق السماوات والأرض وفي أنفسكم من غرائب الصنع وبدائع الحكمة، فإذا تأمّلتم وتفكّرتم بصريح عقلكم؛ أيقنتم أنّ لكم رباً حكيماً عليماً قادراً لا يجوز عليه الظلم والقبيح.
ثمّ إن ربكم بعث إليكم نبيَّاً مؤيَّداً بالآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة، ويشهد بديهة العقل بأنه لا يجوز على الله أن يجري على يد كاذب أمثال هذه الآيات والمعجزات.
فإذا أيقنت بصدق هذا النبي ﷺ واعتقدته؛ يلزمك أن تتبعه وتعتقد أنّه صادق في كلّ ما يخبرك به في أصول الدين وفروع. فمما ثبت في الدين بالآيات والأخبار المتواترة، هو:
أنّه تعالى واحد لا شريك له في ملكه، ولا يجوز عبادة غيره، ولم يستعن في خلق العالم بأحد غيره، وأنه أحدي الذات، ليس له أجزاء خارجية ولا وهمية ولا عقلية، وأنه أحدي المعنى، ليس له صفات زائدة، بل صفاته عين ذاته، وأنه أزلي لا انتهاء لوجوده في جانب الأزل، أبدي يمتنع الفناء عليه أزلاً وأبداً، وأنه ليس بجسم ولا جسماني، ولا زماني، ولا مكاني، وأنه حي لا حياة زائدة ولا كيفية، ومريد بلا خطور بال ولا تفكر ولا روية، وأنه يفعل بالاختيار، وهو غير مجبور في أفعاله، وأنه على كل شيء قدير، وأنه لو أراد خلق آلاف أمثال هذا العالم، لخلقها بلا مادّة ولا مدّة لا على ما يزعمه الحكيم أنّه لا يكون خلق الأجسام إلّا بمادة قديمة واستداد. وأنّه تعالى عالم بجميع الأشياء جزئياتها وكلياته، وأن علمه بما كان وبما يكون على نهج واحد، ولا يتغير علمه بالشيء بعد إيجاده، وأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، لا على ما يزعمه الحكيم أنه لا يعلم الجزئيات، والقول به كفر.
ولا يلزم بل لا يجوز التفكير في كيفية علمه أنه حضوري أو حصولي ولا في سائر صفاته أكثر مما قرّروا وبيّنوا لنا، فإنه يرجع إلى التفكّر في ذاته تعالى، وقد نُهينا عن التفكّر فيه في أخبار كثيرة.
وأنّه تعالى لا يفعل شيئاً إلّا لحكمة ومصلحة، وأنّه لا يظلم أحداً، ولا يكلّف أحداً ما لا يطيقه، وأنّه كلّف العباد لمصالحهم ومنافعهم، ولهم الاختيار في الفعل والترك، وأنه لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين.
فالقول بأنّ العباد مجبورون في أفعالهم يستلزم الظلم، وهو على الله تعالى محال، والقول به كفر.
والقول بأن لا مدخل لله تعالى مطلقاً في أفعال العباد كفر، بل الله تعالى مدخل بالهداية والتوفيقات وتركها، وهو المعبّر عنه في عرف الشرع بالإضلال، ولكن بتلك الهدايات لا يصير العبد مجبوراً بالفعل، ولا بتركها في الترك. كما إذا كلّف السيّد عبده بتكليف وأوعد على تركه عقوبه وفهّمه ذلك؛ فإذا اكتفى بهذا ولم يفعل العبد، لا يعدّ العقلاء عقابه قبيحاً. ولو أكّد السيّد هذا التكليف بتأكيدات وتهديدات وملاطفات، ووكّل عليه مؤكّداً ومحصّلاً، لا يجبره عليه ففعل، يعلم العقلاء أنّه لم يصر مجبوراً بذلك على الفعل، وهذا القدر من الواسطة ممّا دلّت عليه الأخبار، وليس لك التفكّر في شبه القضاء والقدر والخوض فيها، فإنّ الأئمة (صلوات الله عليهم) قد نهونا عن التفكّر فيها، فإنّ فيها شبهاً قويّة تعجز عقول أكثر الناس عن حلّها، وقد ضلّ فيها كثير من العلماء، فإيّاك والتفكّر والتعمّق فيها، فإنّه لا يفيدك إلّا ضلالاً، ولا يزيدك إلّا جهلاً.
ثم يجب أن تؤمن بحقيّة جميع الأنبياء والمرسلين مجملاً وعصمتهم وطهارتهم، وإنكار نبوتهم أو سبّهم أو الاستهزاء بهم أو قول ما يوجب الإزراء بشأنهم كفر. وأمّا المشهورون منهم، كآدم ونوح وموسى وعيسى وداوود وسليمان وسائر من ذكره الله في القرآن، فيجب أن تؤمن بهم على الخصوص وبكتبهم، ومن أنكر واحداً منهم، فقد أنكر الجميع وكفر بما أنزل الله.
ويجب أن تؤمن بحقيّة القرآن وما فيه مجملاً، وكونه منزلاً من عند الله تعالى، وكونه معجزاً، وإنكاره والاستخاف به كفر، وكذا فعل ما يستلزم الاستخفاف به، كحرقه من غير ضرورة، وإلقائه في القاذروات، وأما ما لا يستلزم ذلك، كمد الرجل نحوه، فإن قصد الاستخفاف، كفر، وإلّا؛ فلا.
وكذا يجب تعظيم الكعبة، والاستخفاف بها، وفعل ما يوجب الاستخفاف بها كفر، كالحدث فيها اختياراً، وقول ما يوجب الإهانة بها، وكذا كتب أحاديث النبي ﷺ والأئمة عليهم السلام، وبعضها يخرج عن دين الأئمة.
وكذا يجب الاعتقاد بوجود الملائكة، وكونهم أجساماً لطيفة، وأنّ لبعضهم أجنحة، ولهم صعوداً ونزولاً، وإنكار المشاهير منهم كجبرئيل وعزرائيل وميكائيل وإسرافيل وإنكار جسميّتهم كفر.
ويجب القول بعصمتهم وطهارتهم، ويجب تعظيمهم، والاستخفاف بهم وسبهم وقول ما يوجب الإزراء بهم كفر.
وكذا عبادة الصنم والسجود لغير الله تعالى مطلقاً بقصد العبادة كفر.
والقول بحلوله تعالى في غيره كما قاله بعض الصوفية والغلاة أو اتحاده مع غيره كما قاله بعضهم، أو أنّ له تعالى صاحبة أو ولداً أو شريكاً كما قاله النصارى، أو أنّه تعالى جسم أو أنّ له مكاناً كالعرش وغيره، أو أنّ له صورةً أو جزءاً أو عضواً، فكلّ ذلك كفر.
واعلم أنّه لا يمكن رؤيته تعالى بالبصر لا في الدنيا ولا في الآخرة، وما ورد في ذلك مؤول، وأن لا يمكن الوصول إلى كنه حقيقة ذاته أو صفاته.
وأن التعطيل ونفي جميع صفاته تعالى عنه باطل، كما يلزم على القائلين بالاشتراك اللفظي، بل يجب إثبات صفاته تعالى على وجه لا يتضمّن نقصاً.
كما نقول: إنّه عالم، لكن لا كعلم المخلوقين، بأن يكون حادثاً أو يمكن زواله، أو يكون بحدوث صورة، أو بآلة، أو معلولاً بعلّة، فأثبت له تعالى الصفة ونفيت عنها ما يقارنها فينا من صفات، ولا تعلمها بكنه حقيقتها.
وتقول: إنّه تعالى قادر على كلّ ممكن، والقدرة فينا بصفة زائدة حادثة وآلات وأدوات، فتنفي عنه تلك الأمور، فتقول بذاته بلا صفة زائدة ولا كيفية حادثة، وبلا آلة، فذاته البسيطة كافية في إيجاد كل شيء.
وتقول: إنّه تعالى مريد، والإرادة فينا تتضمّن أموراً تصوراً لذلك الفعل، وتصوّر منفعة، وتصديقاً بحصولها وترتّبها عليه، مع تردّد وتروٍ غالباً، حتى ينتهي إلى العزم فينبعث في النفس شوق يوجب تحريك العضلات والأدوات، حتى يصدر منّا ذلك الفعل. وإرادته تعالى ليست إلّا علمه القديمي الذاتيّ بالشيء بما فيه من المصلحة، ثم إيجاده في زمان تكون المصلحة في إيجاده، فالإرادة إمّا إيجاده للشيء كما ورد في الأخبار، أو علمه بكونه أصلح كما قاله المتكلّمون.
وكذا تقول: إنّه سميع بصير، وما هو كمال فينا من السمع والبصر، هو العلم بالمسموعات والمبصرات، وأمّا كونهما بآلتي السمع والبصر مع سائر شرائطهما، فإنّما هو لعجزنا واحتياجنا إلى الآلات.
وأمّا فيه تعالى فليس إلّا علمه بالمسموعات والمبصرات أزلاً وأبداً بذاته البسيطة من غير حدوث صورة وآلة واشتراط وجود ذلك الشيء فإنّها صفات النقص.
وكذا تقول أنه حي والحياة فينا إنمّا هو صفة زائدة تقتضي الحسّ والحركة، وفيه تعالى ثابت على وجه لا يتضمّن النقص، فإنه حي بذاته لأنّه يصدر منه الأفعال، ويعلم جميع الأمور، فذاته البسيطة تقوم مقام الصفات والآلات فينا، فما هو كمال في الحياة من كونه مدركاً فعالاً، ثابت له تعالى، وما هو نقص من الاحتياج إلى الكيفيات والآلات منفي عنه تعالى.
وكذا تقول: إنه متكلّم، والكلام فينا إنّما يكون بآلات وأدوات، وكلامه تعالى إيجاد الأصوات في أيّ شيء أراد، أو إيجاده النقوش في أي شيء أراد، أو إلقاء الكلام في نفس ملك أو نبي، أو غير ذلك. فلا يقوم به ولا يحتاج في ذلك إلى آلة، وهو حادث، وهو من صفات فعله تعالى، وأمّا ما هو كمال ذاتيّ من ذلك، فهو قدرته تعالى على إيجاد الكلام، أو علمه بمدلولاته، وهما قديمان من صفاته الذاتية غير زائدين على ذاته تعالى.
وهكذا في جميع صفاته تعالى، فلا تنف عنه تعالى الصفة، ولا تثبت له ما يوجب نقصاً وعجزاً، ثم اعلم أنّه تعالى صادق لا يجوز عليه الكذب.
ثمّ لا بد أن تعتقد أن العالم حادث، أي جميع ما سوى الله بمعنى أنه تنتهي أزمنة وجودها في الأزل إلى حد وتنقطع، لا على ما أوّله الملاحدة من الحدوث الذاتي، فإنّ على المعنى الذي ذكرنا إجماع الملّيين والأخبار به متظافرة متواترة، فالقول بقدم العالم، وبالعقول القديمة والهيولى القديمة كما يقوله الحكماء كفر.
ثم اعلم أن إنكار ما عُلم ثبوته من الدين ضرورة، بحيث لا يخفى على أحد من المسلمين إلّا ما شذّ ، كفر يستحق منكره القتل. وهي كثيرة: كوجوب الصلوات الخمس وأعداد ركعاتها وأوقاتها في الجملة، واشتمالها على الركوع والسجود، بل على تكبيرة الإحرام والقيام والقراءة على الأظهر، واشتراطها بالطهارة مجملاً. ووجوب الغسل من الجنابة والحيض بل النفاس على الأظهر، بل كون البول والغائط والريح ناقضاً للوضوء على احتمال، وكوجوب غسل الأموات والصلاة عليهم ودفنهم. ووجوب الزكاة، وصوم شهر رمضان، وكون الأكل والشرب المعتادين، والجماع في قبل المرأة ناقضاً له، ووجوب الحج واشتماله على الطواف بل السعي بن الصفا والمروة والإحرام والوقوف بعرفات ومشعر، بل الذبح والحلق والرمي في الجملة أعمّ من الوجوب والاستحباب على احتمال. ووجوب الجهاد في الجملة على الأظهر، ورجحان الجماعة في الصلاة، والصدقة على المساكين، وفضل العلم وأهله، وفضل الصدق النافع، ومرجوحيّة الكذب الغير النافع. وحرمة الزنا واللواط، وشرب الخمر دون النبيذ، لأنه مما لم يجمع عليه المسلمون، وأكل لحم الكلب والخنزير والدم والميتة. وحرمة نكاح الأمهات والأخوات والبنات وبنات الأخ وبنات الأخت والعمات والخالات بل أم الزوجة وأختها معها على الأظهر. وحرمة الربا في الجملة على احتمال، وحرمة الظلم، وأكل مال الغير بلا جهة تحلله، وحرمة القتل بغير حق، بل مرجوحية السبّ والقذف. ورجحان السلام وردّه على الأظهر، ورجحان برّ الوالدين ومرجوحية عقوقهما، بل رجحان صلة الأرحام على احتمال، وغير ذلك مما اشتهر بينهم، بحيث لا يشكّ فيه إلا من شذّ منهم.
وأما إنكار ما عُلم ضرورة من مذهب الإمامية، فهو يلحق فاعله بالمخالفين، ويخرجه عن التديّن بدين الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين كإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وفضلهم وعلمهم، ووجوب طاعتهم، وفضل زيارتهم، وأمّا مودتهم وتعظيمهم في الجملة، فمن ضروريات دين الإسلام، ومنكره كافر كالنواصب والخوارج.
وممَّا عد من ضروريات دين الإمامية؛ استحلال المتعة وحج التمتع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد بن معاوية وكل من حارب أمير المؤمنين صلوات الله عليه أو غيره من الأئمة، ومن جميع قتلة الحسين صلوات الله عليه وقول «حي على خير العمل» في الأذان.
ثم لا بد أن تعتقد في النبي ﷺ والأئمة (صلوات الله عليهم) أنهم معصومون من أول العمر إلى آخره، من صغائر الذنوب وكبائرها، وكذا في جميع الأنبياء والملائكة، وأنهم أشرف المخلوقات جميعاً، وأنهم أفضل من جميع الأنبياء والملائكة، وأنهم يعلمون علوم جميع الأنبياء، وأنهم يعلمون علم ما كان وعلم ما يكون إلى يوم القيامة.
وأن عندهم آثار الأنبياء وكتبهم كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف آدم وإبراهيم وشيث، وعصا موسى، وخاتم سليمان، وقميص إبراهيم، والتابوت، والألواح، وغير ذلك.
وأنه كان جهاد من جاهد منهم، وقعود من قعد عن الجهاد، وسكوت من سكت، ونطق من نطق، وجميع أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم بأمر الله تعالى. وأن كل ما علمه رسول الله ﷺ؛ علمه علياً "عليه السلام"، وكذا كل لاحق يعلم جميع علم السابق عند إمامته، وأنهم لا يقولون برأي ولا اجتهاد، بل يعلمون جميع الأحكام من الله تعالى، ولا يجهلون شيئاً يسألون عنه، ويعلمون جميع اللغات، وجميع أصناف الناس بالإيمان والكفر، ويعرض عليهم أعمال هذه الأمة كل يوم أبرارها وفجارها.
ولا تعتقد أنهم خلقوا العالم بأمر الله تعالى، فإنا قد نهينا في صحاح الأخبار عن القول به، ولا عبرة بما رواه البرسي وغيره من الأخبار الضعيفة، ولا يجوز عليهم السهو والنسيان، وما ورد به من الأخبار محمولة على التقية.
ويجب عليك أن تقر بالمعراج الجسماني وأنه عرج ببدنه وتجاوز عن السماوات، ولا تصغ إلى شبه الحكماء في نفي الخرق والالتئام على الأفلاك، فإنها واهية ضعيفة، والمعراج من ضروريات الدين، وإنكاره كفر.
وأن تكون في مقام التسليم في كل ما وصل إليك من أخبارهم، فإن أدركه فهمك ووصل إليه عقلك، تؤمن به تفصيلاً، وإلا، فتؤمن به إجمالاً وترد علمه إليهم.
وإيّاك أن ترد شيئاً من أخبارهم لضعف عقلك، لعله يكون منهم ورددته لسوء فهمك، فكذّبت الله فوق عرشه، كما قال الصادق "عليه السلام".
واعلم أن علومهم عجيبة، وأطوارهم غريبة، لا تصل إليها عقولنا، فلا يجوز لنا رد ما وصل إلينا من ذلك. ثم اعلم أنه يجب الإقرار بحضور النبي ﷺ والأئمة الإثني عشر عليهم السلام عند موت الأبرار والفجار والمؤمنين والكفار، فينفعون المؤمنين بشفاعتهم في تسهيل غمرات الموت وسكراته عليهم، ويشددون على المنافقين ومبغضي أهل البيت عليهم السلام.
وورد في الأخبار أن الماء الذي يسيل من أعين المؤمنين عند الموت هو من شدة فرحهم وسرورهم برؤيتهم النبي ﷺ والأئمة عليهم السلام ويجب الإقرار بذلك مجملاً. ولا يلزم التفكر في كيفية ذلك، وأنهم يحضرون في الأجساد الأصلية أو المثالية أو بغير ذلك، ولا يجوز التأويل بالعلم أو انتقاش الصور في القوى الخيالية، فإنه تحريف لما ثبت في الدين، وتضييع لعقائد المؤمنين.
ويجب الإيمان بأن الروح باقٍ بعد مفارقة الجسد، ويتعلق بجسد مثل هذا الجسد، وهو مع جنازته ويطلع على مشيعيه، فإذا كان مؤمناً يناشدهم في التعجيل، ليصل إلى ما أعد الله له من الدرجات الرفيعة والنعم العظيمة، وإن كان منافقاً، يناشدهم في عدم التعجيل، حذراً مما أعد له من العقوبات.
وهو مع غاسله ومقلبه ومشيعه حتى إذا دفن في قبره ورجع مشيعوه، ينتقل الروح إلى جسده الأصلي.
فيجيئه الملكان منكر ونكير في صورة مهيبة إن كان مذباً، ومبشر وبشير في صورة حسنة إن كان من الأبرار، فيسألانه عن عقائده ومن يعتقده من الأئمة واحداً بعد واحد، فإن لم يجب عن واحد منهم، يضربانه بعمود من نار يتملئ قبره ناراً إلى يوم القيامة، وإن أجاب يبشرانه بكرامة من الله تعالى، ويقولان له: نم نومة عروس قرير العين.
وإياك إياك، أن تؤول هذين الملكين وسؤالهما، فإنه من ضروريات الدين، وإياك أن تصغي إلى تأويلات الملاحدة في جميع الملائكة بالعقول والنفوس الفلكية، فإنه قد تظافرت الآيات وتواترت الأخبار بكونهم أجساماً لطيفة يقدرون على التشكل بأشكال مختلفة، ويراهم رسول الله والأئمة عليهم السلام، وأنهم أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وأنهم أكثر خلق الله وأعظمها.
وقد وردت في الأخبار الكثيرة عن كل واحد من الأئمة عليهم السلام في كيفياتهم وعظمتهم وغرائب خلقهم وشؤونهم وأشغالهم وأطوارهم.
ويجب أن تعتقد أن السماوات غير متطابقة، بل من كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة، وما بينهما مملوة من الملائكة، وقد ورد في الأحاديث أنه ما من موضع قدم في السماوات إلا وفيها ملك يسبح الله ويقدسه.
ويجب أن تعتقد عصمة الملائكة، ولا تصغ إلى ما اشتهر بين عوام الناس وفي التواريخ والتفاسير المأخوذة من كتب العامة، وهم أخذوا من تواريخ اليهود من قصة هاروت وماروت وتخطئة الأنبياء، فإنه قد ورد في أخبارنا الرد عليها وتفسير الآيات الواردة فيها على وجه لا يتضمن فسقهم وخطأهم، ولا يسع هذه الرسالة ذكر تفاصيلها.
ثم اعلم أنه يلزمك الإيمان والإذعان بضغطة القبر في الجملة، وأما إنها عامة لجميع الناس، أو مخصوصة بغير كمل المؤمنين؛ يظهر من كثير من الأخبار الثاني.
ولا بد من الإذعان بكون الضغطة في الجسد الأصلي لا المثالي، وبأن بعد السؤال والضغطة ينتقلون إلى أجسادهم المثالية، فقد يكونون على قبورهم ويطلعون على زوارهم ويأنسون بهم، وينتفعون بزيارتهم إن كانوا مؤمنين.
وقد ينتقلون إلى وادي السلام، وهي النجف على مشرفها ألف تحية، وقد ينتقلون إلى جنة الدنيا، فيتنعمون بنعيمها، ويأكلون من فواكهها ويشربون من أنهارها، كما قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
وإن كانوا كافرين معاندين، يُذهب بهم إلى نار الدنيا، فيعذبون إلى يوم القيامة، وإن كانوا مستضعفين فظاهر بعض الأخبار أنهم يُمهلون إلى يوم القيامة، لا يُنعمون ولا يُعذبون.
ويجب أن تعتقد أن الله تعالى في الدنيا جنة وناراً سوى جنة الخلد ونار الخلد، بل ورد الخبر عن الرضا "عليه السلام" أن جنة آدم أيضاً كانت جنة الدنيا لا جنة الخلد.
ويجب الإذعان بالجنة والنار على حسب ما ورد عن صاحب الشرع معلوماً، وتأويلهما بالمعلومات الحقة والباطلة والأخلاق الحسنة والردية كفر وإلحاد، بل يجب الإذعان بكونهما مخلوقتين بالفعل، لا أنهم سيخلقان بعد ذلك، وقد ورد عن الرضا "عليه السلام" أن من أنكر ذلك، فهو منكر للآيات ولمعراج النبي ﷺ، وهو كافر.
ويجب أن تؤمن بالرجعة، فإنها من خصائص الشيعة، واشتهر ثبوتها عن الأئمة عليهم السلام بين الخاصة والعامة، وقد روي عنهم عليهم السلام: «ليس منا من لم يؤمن بكرتنا».
والذي يظهر من الأخبار هو أنه يحشر الله تعالى في زمن القائم "عليه السلام" أو قبله جماعة من المؤمنين، لتقر أعينهم برؤية أئمتهم ودولتهم، وجماعة من الكافرين والمخالفين للانتقام عاجلاً في الدنيا. وأما المستضعفون من الفريقين فلا يرجعون إلا يوم القيامة الكبرى.
وأما رجوع الأئمة عليهم السلام فقد دلت الأخبار الكثيرة على رجعة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكثير منها على رجعة الحسين (صلوات الله عليه)، ودل بعض الأخيار على رجوع النبي ﷺ وسائر الأئمة عليهم السلام. وأما كون رجوعهم في زمان القائم "عليه السلام" أو قبله أو بعده، فالأخبار فيه مختلفة.
فيجب أن تقرّ برجعة بعض الناس والأئمة عليهم السلام مجملاً، وترد علم ما ورد من تفاصيل ذلك إليهم عليهم السلام، وقد أوردت الأخبار الواردة فيها في كتاب بحار الأنوار، وكتبت رسالة مفردة أيضاً في ذلك.
ويجب أن تعتقد أن الله تعالى يحشر الناس يوم القيامة، ويرد أرواحهم إلى الأجساد الأصلية، وإنكار ذلك وتأويله بما يوجب إنكار ظاهره - كما يُسمع في زماننا عن نبعض الملاحدة - كفر وإلحاد إجماعاً. وأكثر القرآن وارد في إثبات ذلك وكفر من أنكره. ولا تلتفت إلى شُبه الحكماء في ذلك من نفي إعادة المعدوم وتأويل الآيات والأخبار بالمعاد الروحاني.
ويجب أن تذعن بحقية الحساب وتطاير الكتب يميناً وشمالاً، وأن الله تعالى وكل بكل إنسان ملكين، أحدهما عن يمين الإنسان، والآخر عن شماله، ويكتب صاحب اليمين الحسنات، وصاحب الشمال السيئات، ففي اليوم ملكان يكتبان عمل اليوم، فإذا انتهى اليوم يصعدان بعمله، ويجيء ملكان يكتبان عمل الليلة، وإياك أن تؤولهما بما يُسمع في زماننا، فإنه كفر.
ويجب أن تؤمن بشفاعة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم)، وأن الله تعالى لا يخلف وعده بالثواب لمن أطاعه، ويمكن أن يخلف الوعيد بأن يغفر لمن عصاه من المؤمنين من غير توبة، وأنه تعالى يقبل التوبة بمقتضى وعده، وبأن الكفار والمعاندين من أهل الخلاف مخلدون في النار.
وأن المستضعفين من أهل الخلاف مرجون لأمر الله، يُحتمل نجاتهم من النار بفضل الله، والمستضعفون هم ضعفاء العقول، ومنهم على مثل عقول الصبيان والنساء، والذين لم يتمّ عليهم الحجة كما هي.
وأن المؤمنين يدخلون الجنة ويخلدون فيها، إما بلا عذاب، أو بعد عذاب في عالم البرزخ أو في النار.
واعلم أن الشفاعة مختصة بالمؤمنين لا تتعداهم إلى غيرهم.
واعلم أن الحبط والتكفير هما ثابتان عندي ببعض معانيها، والآيات الدالة عليهما لا تُحصى، والأخبار لا تتناهى، والدلائل الموردة على نفيهما ضعيفة، كما لا يخفى على المتدبر فيها.
ثم لا بد أن تؤمن بكل ما ورد على لسان الشرع من الصراط والميزان وجميع أحوال القيامة وأهوالها، ولا تؤولها بشيء إلا ما ورد تأويله عن صاحب الشرع. فإن أول الكفر والإلحاد التصرف في النواميس الشرعية بالعقول الضعيفة والأهواء الردية، أعاذنا الله وسائر المؤمنين منها ومن أمثالها، والسلام على من اتبع الهدى.