→ سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | مجموع فتاوى ابن تيمية سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار ابن تيمية |
سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن ← |
سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار
وسئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار، لا يرين الجنة، ولا يشممن رائحتها. وقد روى في الحديث عن رسول الله ﷺ: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة».
فأجاب:
قد ثبت في صحيح مسلم وغيره، عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها عباد الله»، ومن زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح بما فيه من الوعيد الشديد، فإنه جاهل ضال عن الشرع يستحق العقوبة التي تردعه، وأمثاله من الجهال الذين يعترضون على الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ. والأحاديث الصحيحة في الوعيد كثيرة، مثل قوله: «من قتل نفسًا معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة أربعين خريفًا»، ومثل قوله الذي في الصحيح: «لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر»، قيل: يارسول الله، الرجل يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، أفمن الكبر ذاك؟ فقال: «لا، الكبر بطر الحق، وغمط الناس»، و«بطر الحق» جحده، و«غمط الناس» احتقارهم، وازدراؤهم. ومثل قوله في الحديث الصحيح: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وفقير مختال».
وفي القرآن من آيات الوعيد ما شاء الله، كقوله: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [1]، وكما في قوله: { لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } [2]، وقوله في الفرائض: { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [3].
وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين، أن الوعيد في الكتاب والسنة لأهل الكبائر موجود. ولكن الوعيد الموجود في الكتاب والسنة، قد بين الله في كتابه وسنة رسوله ﷺ أنه لا يلحق التائب بقوله: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [4] أي لمن تاب. وقال في الآية الأخرى: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [5] فهذا في حق من لم يتب، فالشرك لا يغفر، وما دون الشرك إن شاء الله غفره. وإن شاء عاقب عليه.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «ما يصيب المؤمن من نَصَب ولا وَصَب، ولا هَمّ ولا غمّ، ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» ولهذا لما نزل قوله: { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [6] قال أبو بكر: يا رسول الله، قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءًا؟ فقال: «يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به» فالمصائب في الدنيا يكفر الله بها من خطايا المؤمن ما به يكفر، وكذلك الحسنات التي يفعلها. قال الله تعالى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [7]، وقال النبي ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»، فالله تعالى لا يظلم عبده شيئًا. كما قال: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [8].
فالوعيد: ينتفي عنه: إما بتوبة، وإما بحسنات يفعلها تكافئ سيئاته، وإما بمصائب يكفر الله بها خطاياه، وإما بغير ذلك، وكما أن أحاديث الوعيد تُقٍدَّمُ وكذلك أحاديث الوعد. فقد يقول: لا إله إلا الله. ويجحد وجوب الصلاة، والزكاة، فهذا كافر يجب قتله، وقد يكون من أهل الكبائر المستوجبين للنار.
وهذه مسألة الوعد والوعيد من أكبر مسائل العلم. وقد بسطناها في مواضع، ولكن كتبنا هنا ما تسع الورقة.
هامش
- ↑ [النساء: 10]
- ↑ [النساء: 29، 30]
- ↑ [النساء: 13، 14]
- ↑ [الزمر: 53]
- ↑ [النساء: 116]
- ↑ [النساء: 123]
- ↑ [هود: 114]
- ↑ [الزلزلة: 7، 8]