الرئيسيةبحث

المنتقى من منهاج الاعتدال/المقدمة

في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله المنقذ من الضلال المرشد إلى الحق الهادي من يشاء إلى صراطه المستقيم.

أما بعد، فهذه فوائد ونفائس اخترتها من كتاب منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال تأليف شيخنا الإمام العالم أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى. فذكر أنه أُحضر إليه كتاب لبعض الرافضة في عصرنا، يعني ابن المطهر، منفقا لهذه البضاعة يدعو بها إلى مذهب الإمامية أهل الجاهلية ممن قلّت معرفتهم بالعلم والدين، فصنفه للملك المعروف الذي سماه فيه "خُدا بنده".

فالأدلة إما نقلية وإما عقلية. والقوم من أكذب الناس في النقليات وأجهل الناس في العقليات، ولهذا كانوا عند العلماء أجهل الطوائف. وقد دخل منهم على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. والنصيرية والإسماعيلية والباطنية من بابهم دخلوا، والكفار والمرتدة بطريقهم وصلوا، فاستولوا على بلاد الإسلام وسبوا الحريم وسفكوا الدم الحرام.

وهذا المصنف سمى كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة. والرافضة فقد شابهوا اليهود في الخبث والهوى، وشابهوا النصارى في الغلو والجهل. وهذا المصنف سلك مسلك سلفه كابن النعمان المفيد والكراجكي وأبي القاسم الموسوي والطوسي. فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل خبرة بطريق المناظرة ومعرفة الأدلة وما يدخل فيها من المنع والمعارضة، كما أنهم جهلة بالمنقولات، وإنما عمدتهم على تواريخ منقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب؛ فيعتمدون على نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن الكلبي.

قال يونس بن عبد الأعلى: قال أشهب: سُئل مالك رضي الله عنه عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون.

وقال حرملة: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة.

وقال مؤمل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يُكتب عن كل مبتدع إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون.

وقال محمد بن سعيد الأصفهاني: سمعت شريكا يقول: احمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا.

وقال أبو معاوية: سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين، يعني أصحاب المغيرة بن سعيد.

ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليه.

ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف. والخوارج مع مروقهم من الدين فهم من أصدق الناس، حتى قيل إن حديثهم من أصح الحديث. والرافضة يقرون بالكذب حيث يقولون ديننا التقية - وهذا هو النفاق؛ ثم يزعمون أنهم هم المؤمنون، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق، فهم كما قيل: رمتني بدائها وانسلت.

ثم عمدتهم في العقليات اليوم على كتب المعتزلة، فوافقوهم في القدر وسلب الصفات؛ وما في المعتزلة من يطعن في خلافة الشيخين، بل جمهورهم يعظمونهما ويفضلونهما.

وكان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم وهشام الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي يبالغون في إثبات الصفات ويجسمون.

قال المصنف ابن المطهر: "أما بعد فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة اشتملت على أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان، فقد قال رسول الله ﷺ: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. خدمت به خزانة السلطان الأعظم ملك ملوك طوائف العرب والعجم شاهنشاه غياث الملة والدين خدا بنده، ورتبتها على فصول: الأول في نقل المذاهب في هذه المسألة. الثاني أن مذهب الإمامية واجب الاتباع. الثالث في الأدلة على إمامة علي. الرابع في الاثني عشر. الخامس في إبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان" رضي الله عنهم.

فيقال: الكلام على هذا من وجوه:

فقوله إن مسألة الإمامة أهم المطالب كذب بالإجماع، إذ الإيمان أهم. فمن المعلوم بالضرورة أن الكفار على عهد النبي ﷺ كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم تذكر لهم الإمامة بحال. فكيف تكون أهم المطالب، أم كيف يكون الإيمان بإمامة محمد بن الحسن المنتظر من أربعمائة ونيف وستين سنة ليخرج من سرداب سامراء أهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه؟

ويقال للرافضة: إن كان ما بأيديكم كافيا في الدين فلا حاجة إلى المنتظر وإن لم يكن كافيا فقد أقررتم بالنقص والشقاء حيث كانت سعادتكم موقوفة على أمر آمر لا تعلمون بماذا أمر.

وكان ابن العود الحلي يقول: إذا اختلفت الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله فالقول الذي لا يعرف قائله هو الحق لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة.

فانظر إلى هذا الجهل، فإنه بتقدير وجود المنتظر لا يعلم أنه قال ذلك القول ولم ينقله عنه أحد، فمن أين نجزم بأنه قوله؟ فأصل دين هؤلاء مبني على مجهول ومعدوم. فالمقصود من الإمام طاعة أمره، ولا سبيل إلى معرفة أمره، فلا فائدة فيه أصلا لا بعقل ولا بنقل. فأوجبوا وجود المنتظر وعصمته، قالوا: لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به. وهم فما حصلت لهم بالمنتظر مصلحة قط، والذين أنكروه لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا ولله الحمد.

فإن قلتم: إيماننا به كإيمان كثير من الصالحين والزهاد بإلياس والخضر والغوث والقطب ممن لا يعرف وجودهم ولا أمرهم ولا نهيهم؛ قلنا: ليس الإيمان بوجودهم واجبا عند أحد من العلماء، فمن أوجب الإيمان بوجودهم كان قوله مردودا كقولكم، وغاية ما يقوله الزهاد في أولئك إن المصدق بوجودهم أكمل وأفضل ممن ينكر وجودهم، ومعلوم بالاضطرار من الدين أن نبي الله ﷺ لم يشرع لأمته التصديق بوجود هؤلاء. فأما من زعم أن القطب أو الغوث هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم ونصرهم ورزقهم وأن هذه الأمور لا تصل إلى أحد من أهل الأرض إلا بواسطته فهذا ضال يشبه قوله قول النصارى في الباب. وهذا كما قال بعض الجهلة في النبي ﷺ وفي شيوخهم إن علم أحدهم ينطبق على علم الله وقدرته فيعلم ما يعلمه الله ويقدر ما يقدره الله.

ثم الذي عليه المحققون أن الخضر وإلياس ماتا.

ولقد خلا بي بعض الإمامية وطلب أن أتكلم معه فقررت له قولهم من أن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فيجب أن يفعل بهم اللطف، والإمام لطف لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور فيجب أن يكون لهم إمام ولا بد أن يكون معصوما ليحصل المقصود به، ولم تدع العصمة لأحد بعد الرسول ﷺ إلا لعلي فتعين أن يكون إياه للإجماع على أن غيره ليس بمعصوم وعلي قد نص على الحسن و [الحسن على] الحسين رضي الله عنهم، إلى أن انتهت النوبة إلى محمد بن الحسن المنتظر. فاعترف بأن هذا تقرير جيد.

قلت: فانا وأنت طالبان للعلم والحق والهدى وهم يقولون من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر فهل رأيته أو رأيت من رآه أو سمعت له بخبر أو تعرف شيئا من كلامه؟ قال: لا. قلت: فأي فائدة في إيماننا بهذا وأي لطف حصل لنا به وكيف يكلفنا الله تعالى بطاعة شخص لا نعلم ما يأمر به ولا ما ينهى عنه ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك أصلا -وهم من أشد الناس إنكارا لتكليف ما لا يطاق- فهل في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا؟

فقال: إثبات هذا مبني على تلك المقدمات. قلت: لكن المقصود منها لنا ما يتعلق بنا نحن وإلا فما علينا مما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهي؟ وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا علم أن الإيمان بالمنتظر من باب الجهل لا من باب اللطف والمصلحة. والذي عند الإمامية من النقل عن آبائه إن كان حقا محصلا للسعادة فلا حاجة إلى المنتظر، وإن لم يكن محصلا للنجاة والسعادة فما نفعهم المنتظر.

ثم مجرد معرفة الإنسان إمام وقته أو رؤيته لا يستحق به الكرامة إن لم يوافق أمره ونهيه، فما هو بأبلغ من الرسول ﷺ، فكيف بمن عرف الإمام وهو مضيع للفرائض معتد متعد للحدود. وهو يقولون: "حب علي رضي الله عنه حسنة لا يضر معها سيئة". فإن كانت السيئات لا تضر مع حب علي فلا حاجة إلى الإمام المعصوم.

وقولك: إن الإمامة أحد أركان الإيمان جهل وبهتان. فإن النبي ﷺ فسر الإيمان وشُعبه ولم يذكر الإمامة في أركانه ولا جاء ذلك في القرآن، بل قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقا} وقال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} وقال تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى قوله وأولئك هم المتقون} إلى غير ذلك من الآيات. ولم يذكر الإمامة ولا أنها من أركان الإسلام.

وأما قولك في الحديث: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. فنقول من روى هذا وأين إسناده؟ بل والله ما قاله الرسول ﷺ هكذا. وإنما المعروف ما روى مسلم أن ابن عمر جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

وهذا حديث [حدث] به ابن عمر لما خلعوا أمير وقتهم يزيد مع ما كان عليه من الظلم، فدل الحديث على أن من لم يكن مطيعا لولاة الأمر أو خرج عليهم بالسيف مات ميتة جاهلية. وهذا ضد حال الرافضة فإنهم أبعد الناس عن طاعة الأمراء إلا كرها. [وهذا الحديث يتناول من قاتل في العصبية، والرافضة رءوس هؤلاء. ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية فإن خرج عن الطاعة] ثم مات ميتة جاهلية لم يكن كافرا. وفي صحيح مسلم عن جندب البجلي مرفوعا: «من قتل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية». وفي مسلم عن أبي هريرة: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية». فطالما خرجت الرافضة عن الطاعة وفارقت الجماعة. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإن من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية».

ثم لو صح الحديث الذي أوردته لكان عليكم، فمن منكم يعرف إمام الزمان أو رآه أو رأى من رآه أو حفظ عنه مسألة؟ بل تدعون إلى صبي ابن ثلاث أو خمس سنين دخل سردابا من أربعمائة وستين عاما ولم ير له عين ولا أثر ولا سمع له حس ولا خبر. وإنما أُمرنا بطاعة أئمة موجودين معلومين لهم سلطان وأن نطيعهم في المعروف دون المنكر. ولمسلم عن عوف بن مالك عن النبي ﷺ قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة». وفي الباب أحاديث عدة تدل على أن الأئمة ليسوا بمعصومين. ثم الإمامية يسلمون أن مقصود الإمامة إنما هو في الفروع، أما الأصول فلا يحتاج فيها إلى الإمام وهي أهم وأشرف. وإمام الزمان اعترفوا بأنه ما حصلت به بعدُ مصلحة أصلا. فأي سعي أضل من سعي من يتعب التعب الطويل ويكثر القال والقيل ويفارق جماعة المسلمين ويلعن السابقين ويعين الكفار والمنافقين ويحتال بأنواع الحيل ويسلك أوعر السبل ويعتضد بشهود الزور ويدلي أتباعه بحبل الغرور، ومقصوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أحكام الله تعالى، وما حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة إلا ذهاب نفسه حسرات وارتكب الأخطاء وطول الأسفار وأدمن الانتظار وعادى أمة محمد ﷺ لداخل في سرداب لا عمل له ولا خطاب. ولو كان متيقن الوجود لما حصل لهم به منفعة. فكيف وعقلاء الأمة يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس وأن الحسن بن علي العسكري رضي الله عنه لم يعقب كما ذكره محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من النسابين. [1]

ثم يقولون دخل السرداب وله [إما] سنتان وإما ثلاث وإما خمس؛ وهذا يتيم بنص القرآن تجب حضانته وحفظ ماله، فإذا صار له سبع سنين أُمر بالصلاة. فمن لا توضأ ولا صلى وهو تحت الحجر لو كان موجودا فكيف يكون إمام أهل الأرض وكيف تضيع مصلحة الإمامة مع طول الدهور.

هامش

  1. قال الذهبي في سير الأعلام: "وممن قال إن الحسن العسكري لم يعقب محمد بن جرير الطبري ويحيى بن صاعد، وناهيك بهما معرفة وثقة".