الرئيسيةبحث

المنتقى من منهاج الاعتدال/الفصل الرابع

في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال
  ► الفصل الثالث الفصل الرابع الفصل الخامس ☰  


الفصل الرابع
(في إمامة باقي الاثني عشر)


قال: "لنا في ذلك طرق. أحدها النص وقد توارثته الشيعة في البلاد خلفا عن سلف عن النبي ﷺ أنه قال للحسين: هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة قائمهم اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما".

والجواب هذا أولا كذب على الشيعة فإن هذا لم تقله إلا شرذمة من الشيعة وأكثرهم يكذّب به مثلنا، [والزيدية بأسرها تكذب هذا وهم أعقل الشيعة وأعلمهم وخيارهم،] والإسماعيلية يكذبون به. والشيعة نحو من سبعين فرقة. وإنما هذا من اختلاق المتأخرين، وضع لما مات الحسن بن علي العسكري، وتُكلم بغيبة ابنه محمد بعد موت الرسول ﷺ بمائتين وخمسين سنة. وعلماء السنة ونقلة الآثار الذين هم أضعاف أضعاف الشيعة يعلمون أن هذا كذب على الرسول قطعا ويباهلون على ذلك.

ثم [من شرط التواتر حصول من يقع به العلم من الطرفين والوسط. و]قبل موت الحسن العسكري لم يكن أحد يقول بإمامة المنتظر، وإنما كان المدعون يدعون النص على علي أو على ناس بعده. أما دعوى النص على الاثني عشر وهذا الخلف في الحجة المعدوم آخرهم فهذا لا نعرف أحدا قاله متقدما ولا نقله ناقل. فأين دعواك التواتر؟ بل المتواتر ما جاء في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وقيل: إن أول ما ظهرت الشيعة الإمامية المدعية النص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين، افترى ذلك عبد الله بن سبأ وطائفته. والذي علمناه من حال أهل البيت علما لا ريب فيه أنهم لم يكونوا يدعون أنهم منصوص عليهم كجعفر الصادق وأبيه وجده زين العابدين على بن الحسين وأبيه.

وأخرجا في الصحيحين عن جابر بن سمرة: سمع النبي ﷺ يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيا عزيزا ما وليهم اثنا عشر رجلا» ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي عنها فقال: «كلهم من قريش» فلا يجوز أن يراد اثنا عشر الرافضة، فإن عند الرافضة أنه لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء بل ما زال أمر الأمة فاسدا يتغلب عليه الظالمون بل الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. وأيضا فعندهم أن ولاية المنتظر دائمة إلى آخر الدهر.

قال: "وعن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي كنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جوارا. فذلك هو المهدي".

فنقول: الأحاديث التي تحتج بها على خروج المهدي صحيحة رواها أحمد وأبو داود والترمذي. منها حديث ابن مسعود مرفوعا: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة وفيه: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد وفيه: «يملك الأرض سبع سنين» وعن علي أنه نظر إلى الحسن فقال: "سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض قسطا" فاما حديث: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" فضعيف، فلا يعارض هذه الأحاديث.

وفيها كما ترى أن اسمه محمد بن عبد الله؛ فهو رد على من يزعم أنه المنتظر محمد بن الحسن؛ ثم هو من ولد الحسن لا من ولد الحسين.

وادعت الباطنية أنه هو الذي بنى المهدية، وإنما هو دَعيّ، وهو من ولد ميمون القداح فادعوا أن ميمونا هذا هو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الذي تنتمي إليه الإسماعيلية، وهم كفار ركبوا مذهبهم من مجوسية وفلسفة وصابئة. صنف جماعة في مخازيهم كابن الباقلاني والقاضي عبد الجبار والغزالي. وهذا محمد بن عبد الله بن تومرت البربري عمل له نسبا إلى الحسن بن علي وتلقب بالمهدي وادعى العصمة. وابن المنصور محمد بن عبد الله لقب بالمهدي للحديث.

قال: "قد بينا أنه يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء إجماعا".

الجواب منع المقدمة الأولى كما مر. ثم لا إجماع في غيرهم. ثم نقول بالموجب: فهذا المعصوم الذي تدعونه في وقتنا هذا وله من أربعمائة وستين سنة وما ظهر له أثر، بل آحاد الولاة وقضاة البر أكثر تأثيرا منه، فأي منفعة للوجود بمثل هذا لو كان موجودا؟ كيف وهو معدوم؟ فأي لطف حصل لكم به وأي مصلحة نالت الأمم قديما وحديثا به؟ فما زال مفقودا عندكم ومعدوما عندنا ولا حصل به نفع أصلا.