الرئيسيةبحث

الصارم المنكي في الرد على السبكي/مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العلامة الحافظ المحقق أبو عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بنت عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامه المقدسي الحنبلي رحمه الله ورضي عنه، وأثابه الجنة بفضل رحمته وإيانا وسائر المسلمين أمين إنه على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الحمد لله الذي يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب السموات ورب الأرضين ورب العرش العظيم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالآيات والذكر الحكيم، الذي حكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه من الزمان القديم، الذي يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط المستقيم، صلى الله عليه وآله وسلم أفضل صلاة وأفضل تسليم.

أما بعد: فإني وقفت على الكتاب الذي ألفه بعض قضاة الشافعية في الرد على شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية في مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور، وذكر أنه كان قد سماه شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة ثم زعم أنه اختار أن يسميه شفاء السقام في زيارة خير الأنام فوجدت كتابه مشتملا على تصحيح الأحاديث المضعفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة، وتحريفها عن مواضعها وصرفها عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة. ورأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلا مماريا معجبا برأيه متبعا لهواه ذاهبا في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة، صائرا في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة والحجج الداحضة، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها. وهو من الجملة لون عجيب وبناء غريب تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئا في ذلك الاجتهاد ومرة يزعم فيما يقول ويدعيه أنه من جملة المقلدين، فيكون من قلده مخطئا في ذلك الاعتقاد، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد.

هذا مع أنه إن ذكر حديثا مرفوعا أو أثرا موقوفا وهو غير ثابت قبله إذا كان موافقا لهواه، وإن كان ثابتا رده إما بتأويل أو غيره إذا كان مخالفا لهواه، وإن نقل عن بعض الأئمة الأعلام كمالك وغيره وما يوافق رأيه قبله، وإن كان مطعونا فيه غير صحيح عنه، وإن كان مما يخالف رأيه رده ولم يقبله وإن كان صحيحا ثابتا عنه، وإن حكى شيئا مما يتعلق بالكلام على الحديث وأحوال الرواة عن أحد من أئمة الجرح والتعديل كالإمام أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وأبي حاتم بن حبان البستي وأبي جعفر العقيلي وأبي أحمد بن عدي وأبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك وأبي بكر البيهقي، وغيرهم من الحفاظ، وكان مخالفا لما ذهب إليه، لم يقبل قوله ورده عليه وناقشه فيه وإن كان ذلك الإمام قد أصاب في ذلك القول ووافقه غيره من الأئمة عليه، وإن كان موافقا لما صار إليه تلقاه بالقبول واحتج به واعتمد عليه وإن كان ذلك الإمام قد خولف في ذلك القول ولم يتابعه غيره من الأئمة عليه، وهذا هو عين الجور والظلم وعدم القيام بالقسط، نسأل الله التوفيق ونعوذ به من الخذلان واتباع الهوى.

هذا مع أن حمله إعجابه برأيه وغلبة اتباع هواه على أن نسب سوء الفهم والغلط في النقل إلى جماعة من العلماء الأعلام المعتمد عليهم في حكاية مذاهب الفقهاء وأخلاقهم وتحقيق معرفة الأحكام حتى زعم أن ما نقله الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم عن الشيخ أبي محمد الجويني من النهي عن شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الأنبياء والصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك هو مما غلط فيه الشيخ أبي محمد وأن ذلك وقع منه على سبيل الهوى والغفلة! قال: ولو قاله هو - يعني الشيخ أبا محمد أو غيره - ممن يقبل كلامه الغلط لحكمنا بغلطه وأنه لم يفهم مقصود الحديث.

فالنظر إلى كلام هذا المعترض المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد، واجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الإسلام من الافتراء العظيم والإفك المبني والكذب الصراح، وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبل النبي ﷺ وقبور سائر الأنبياء عليهم السلام معصية بالإجماع مقطوعا بها، هكذا ذكر هذا المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول الذي لا يشك عاقل من أصحابه وغير أصحابه أنه كذب مفترى لم يقله قط، ولا يوجد شيء من كتبه ولا دل كلامه عليه، بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله تشهد ببطلان هذا النقل عنه، ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلق على الشيخ وأنه لم يقله قط، وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.

وهذا المعترض يعلم أن ما نقله هذا القاضي المشهور بما لا أحب حكايته عنه في هذا المقام عن شيخ الإسلام من هذا الكلام كذب مفترى، لا يرتاب في ذلك ولكنه يطفف ويداهن ويقول بلسانه ما ليس في قلبه.

ولقد أخبرني الثقة أنه ألف هذا الكتاب لما كان بمصر قبل أن يلي القضاء بالشام بمدة كبيرة ليتقرب به إلى القاضي الذي حكى عنه هذا الكذب ويحظى لديه فخاب أمله ولم ينفق عنده، وقد كان هذا القاضي الذي جمع المعترض كتابه هذا لأجله من أعداء الشيخ المشهورين.

وقد زعم هذا المعترض أيضا مع هذا الأمر الفظيع الذي ارتكبه من التكذيب بالتصديق والتصديق بالكذب أن الفتاوى المشهورة التي أجاب بها علماء أهل بغداد موافقة للشيخ مختلفة موضوعة وضعها بعض الشياطين، هكذا زعم مع علم الخاص والعام بأن هذه الفتاوى مما شاع خبره وذاع واشتهر أمرها وانتشر، وهي صحيحة ثابتة متواترة عمن أفتى بها من العلماء، وقد رأيت أنا وغيري خطوطهم بها، فانظر إلى تكذيب هذا المعترض بما لم يحط به علما، وجراءته على إنكار ما اشتهر وتواتر وكيف يحل لمن ينتسب إلى شيء من الدين أن ينسب أمرا مقطوعا بكذبه إلى من لم يقله ويقدح في أمر مشاهد مقطوع بصحته ويزعم أنه مختلق من بعض الشياطين؛ هذه عثرة لا تقال، وله مثلها كثيرا، { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}

فلما وقفت على هذا الكتاب المذكور أحببت أن أنبه على بعض ما وقع فيه من الأمور المنكرة والأشياء المردودة وخلط الحق بالباطل لئلا يغتر بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين، مع أن كثيرا مما فيه من الوهم والخطأ يعرفه خلق من المبتدئين في العلم بأدنى تأمل ولله الحمد، ولو نوقش مؤلف هذا الكتاب على جميع ما اشتمل عليه من الظلم والعدوان والخطأ والخبط والتخليط والغلو والتشنيع والتلبيس لطال الخطاب ولبلغ الجواب مجلدات، ولكن التنبيه على القليل مرشد إلى معرفة الكثير لمن له أدنى فهم والله المستعان.

وقد أطال مؤلف هذا الكتاب فيه بذكر الأسانيد وتكرارها منه إلى مؤلفي الكتب كالطبراني والدارقطني وغيرهما، وحشد فيه بتعداد الطرق إليهم والرواية بالإجازات المركب بعضها على بعض والرفع في أنساب خلق من المتأخرين وذكر طباق السماع وأسماء السامعين ونحو ذلك مما يكبر به حجم الكتاب، وليس إلى ذكره كبير حاجة مع اختصاره ذكر الأسانيد وحذفها في أماكن لا يليق حذفها فيها، هذا مع سرده كلام الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ونقل عنهم من مناسكهم وغير مناسكهم استحباب زيارة قبل النبي ﷺ وزعمه أن الشيخ يخالفهم فيما قالوه، مع العلم بأنه موافق لهم فيما نقل عنهم لا مخالف لهم، وإنما مقصود هذا المعترض تكثير الكلام وجمع ما أمكن ليعظم حجم الكتاب.

ثم إنه عقد بابا للكلام في التوسل والاستغاثة وزعم أن الشيخ قال في ذلك قولا لم يقله عالم قبله، وصار بين أهل الإسلام مثله، ثم أخذ يخبر عنه بما لا أستحسن ذكره في هذا الموضع.

والحاصل: أنه وقع في كلامه من التناقض وسوء الأدب والاحتجاج بما لا يصلح أن يكون حجة ما سننبه على بعضه إن شاء الله تعالى.

ثم عقد لحياة الأنبياء في قبورهم بابا وسرد الأحاديث المروية في ذلك من الجزء الذي جمعه البيهقي ومن غيره، ووقع في كلامه من التأويلات البعيدة والاحتمالات المرجوحة ما يحتاج إلى نظر كثير.

ثم ذكر الأحاديث الواردة في سماع الموتى وكلامهم وإدراكهم وعود الروح إلى البدن وما يتبع ذلك ثم أشار إلى اختلاف المتكلمين وغيرهم في ماهية الروح وحقيقتها وتكلم في ذلك بكلام لا تحقيق فيه ولا حاجة إليه.

ثم ذكر أحاديث الشافعية وأنواعها وما ورد في بعض أحوال يوم القيامة وذكر جملة من كلام القاضي عياض فيما يتعلق بشرح ذلك.

ثم ختم الكتاب بجمع الألفاظ الواردة في كيفية الصلاة على النبي ﷺ، وكان قد ذكر قبل ذلك بعدة أوراق كلاما يشير فيه إلى التشنيع على شيخ الإسلام وهو قوله: "لا شك أن من قال: لا يزار أو لا يسافر لزيارته أولا يستغاث به بعيد عن الأدب معه نسأل الله العافية ".

وليعلم قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه ولم ينه عنها ولم يكرها، بل استحبها وحض عليها. ومناسكه ومصنفاته طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي ﷺ وسائر القبور.

قال [ شيخ الإسلام ] رحمه الله تعالى في بعض مناسكه:

باب زيارة قبل النبي ﷺ

إذا أشرف على مدينة النبي ﷺ قبل الحج أو بعده فليقل ما تقدم، فإذا دخل استحب له أن يغتسل، نص عليه الإمام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى، وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبل النبي ﷺ فيستقبل جدار القبر ولا يمسه ولا يقبله، ويجعل القنديل الذي في القبة عند القبر على رأسه فيكون قائما وجاه النبي ﷺ، ويقف متباعدا كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منكس الرأس، غائض الطرف مستحضرا بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته، اللهم أته الوسيلة والفضيلة وابعثه الله مقاما محمودا الذي وعدته بغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا رويا لا نظمأ بعده أبدا.

ثم يأتي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فيقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله ﷺ وضجيعيه ورحمة الله وبركاته، جزاكما الله عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيرا، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

قال ويزور قبور أهل البقيع وقبور الشهداء إن أمكن.

هذا كلام الشيخ رحمه الله بحروفه، وكذلك سائر كتبه ذكر فيها استحباب زيارة قبر النبي ﷺ وسائر القبور، ولم ينكر زيارتها في موضع من المواضع، ولا ذكر في ذلك خلافا إلا نقلا عن غريبا ذكره في بعض كتبه عن بعض التابعين.

وإنما تكلم عن مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبور، وذكر في ذلك قولين للعلماء المتقدمين والمتأخرين.

أحدهما: القول بإباحة ذلك كما يقول بعض أصحاب الشافعي وأحمد.

والثاني: إنه منهي عنه كما نقص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم ينقل عن أحد من الأئمة الثلاثة خلاف، وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي وأحمد.

وهكذا ذكر الشيخ الخلاف في شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور، ولم يذكره في الزيارة الخالية عن شد رحل وإعمال مطي، والسفر إلى زيارة القبور مسألة، وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى، ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة جعلها مسألة واحدة وحكم عليهما بحكم واحد وأخذ في التشنيع على من فرق بينهما وبالغ في التغيير عنه فقد حرم التوفيق، وحاد عن سواء الطريق.

واحتج الشيخ لمن قال بمنع شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور بالحديث المشهور المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى » [1]، هكذا خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما بصيغة الخبر لا تشد الرحال، ومعنى الخبر في هذا معنى النهي، يبين ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: « لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى » [2]، هكذا رواه مسلم بصيغة النهي، ورواه الإمام إسحاق بن راهويه في مسنده [3] بصيغة الحصر: « إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد إبراهيم ومسجد محمد ومسجد بيت المقدس ».

وقد روي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا الحديث أيضا عن النبي ﷺ بصيغة النهي: « لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ».

هذا هو الذي فعل الشيخ: حكى الخلاف في مسألة بين العلماء واحتج لأحد القولين بحديث متفق على صحته، فأي عتب عليه في ذلك؟ ولكن نعوذ بالله من الحسد والبغي واتباع الهوى، والله سبحانه المسئول أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه من العمل الصالح والقول الجميل؛ فإنه يقول الحق وهو يهدي السبيل، وينفعنا وسائر المسلمين بما يستعملنا به من الأقوال والأفعال، ويجعله موافقا لشرعته خالصا لوجهه موصلا إلى أفضل حال، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

وهذا حين الشروع في مناقشة هذا المعترض على شيخ الإسلام وبالله التوفيق

قال في أول كتابه الذي جمعه

الحمد لله من علينا برسوله، وهدانا إلى سواء سبيله، وأمرنا بتعظيمه وتكريمه وتبجيله، وفرض على كل مؤمن أن يكون أحب إليه من نفسه وأبويه وخليله، وجعل اتباعه سببا لمحبة الله وتفضيله، ونصب طاعته عاصمة من كيد الشيطان وتضليله، ويغني عن جملة القول وتفصيله، رفع ذكره وأثنى عليه في محكم الكتاب وتنزيله ﷺ صلاة دائمة بدوام طلوع النجم وأفوله.

أما بعد: فهذا كتاب سميته: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ورتبته على عشرة أبواب:

الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة.

الثاني: في الأحاديث الدالة على ذلك وإن لم يكن فيها لفظ الزيارة.

الثالث: فيما ورد في السفر إليها.

الرابع: في نصوص العلماء على استحبابها.

الخامس: في تقرير كونها قربة.

السادس: في كون السفر إليها قربة.

السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته.

الثامن: في التوسل والاستغاثة.

التاسع: في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

العاشر: في الشفاعة لتعلقها بقوله من زار قبري وجبت له شفاعتي، وضمنت هذا الكتاب الرد على من زعم أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة، وأن السفر إليها بدعة غير مشروعة؛ وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها، ولكن جعلت هذا الكتاب مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها مشتملا من ذلك على جملة يعز جمعها على طالبها؛ وكنت سميت هذا الكتاب شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة ثم اخترت التسمية المتقدمة واستعنت بالله تعالى وتوكلت عليه.

ثم قال:

الباب الأول

هامش

  1. حديث أبي هريرة: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) البخاري 3/63 الفتح، ومسلم متن 2/975-976، من حديث أبي سعيد و2/1014 من حديث أبي هريرة
  2. حديث أبي سعيد الخدري ( لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) مسلم 2/976 متن.
  3. مسند إسحاق بن راهويه يوجد منه جزء وبقيته مفقود من زمن الحافظ ابن حجر.