→ مقدمة المؤلف | الصارم المنكي في الرد على السبكي الباب الأول ابن عبد الهادي |
الباب الثاني ← |
الباب الأول
في الأحاديث الواردة في الزيارة نصا
الحديث الأول: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » رواه الدار قطني، والبيهقي وغيرهما [1]، ثم ذكر من طريق موسى بن هلال العبدي، عن عبيد الله بن عمر.
وفي رواية عن عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » ثم زعم أن أقل درجات هذا الحديث أن يكون حسنا إن توزع في دعوى صحته؛ وذكر أن الراجح كونه من رواية عبيد الله المصفر الثقة لا من رواية عبد الله المكبر المضعف، وقال في أثناء كلامه: يحتمل أن يكون الحديث عن عبيد الله وعبد الله جميعا ويكون موسى سمعه منهما فتارة حدث به عن هذا وتارة حدث به عن هذا. قال في آخر كلامه: وبهذا بل بأقل منه يتبين افتراء من ادعى أن جميع الأحاديث الواردة في الزيارة موضوعة؛ فسبحان الله أما استحى من الله ومن رسوله ﷺ في هذه المقالة التي لم يسبقه إليها عالم ولا جاهل، لا من أهل الحديث ولا من غيرهم، ولا ذكر أحد موسى بن هلال ولا غيره من رواة حديث هذا بالوضع ولا اتهمه به فيما علمنا فكيف يستجير مسلم أن يطلق على كل الأحاديث التي هو واحد منها أنها موضوعة ولم ينقل إليه ذلك عن عالم قبله ولا ظهر على هذا الحديث شيء من الأسباب المقتضية للمحدثين للحكم بالوضع، ولا حكم متنه مما يخالف الشريعة، فمن أي وجه يحكم بالوضع عليه لو كان ضعيفا فكيف وهو حسن أو صحيح.
هذا كله كلام المعترض، وهو متضمن للتحامل والهوى وسوء الأدب والكلام بلا علم.
والجواب أن يقال
هذا الحديث الذي ابتدأ المعترض بذكره وزعم أنه حديث حسن أو صحيح هو أمثل حديث ذكره في هذا الباب، وهو مع هذا حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث منكر عند أئمة هذا الشأن ضعيف الإسناد عندهم لا يقوم بمثله حجة ولا يعتمد على مثله عند الاحتجاج إلا الضعفاء في هذا العلم، وقد بين أئمة هذا العلم والراسخون فيه والمعتمد على كلامهم والمرجوع إلى أقوالهم ضعف هذا الخبر ونكارته كما سنذكر بعض ما بلغنا عنهم في ذل إن شاء الله تعالى.
وجميع الأحاديث التي ذكرها المعترض في هذا الباب وزعم أنها بضعة عشر حديثا ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة واهية، وقد بلغ الضعف ببعضها إلى أن حكم عليه الأئمة الحفاظ بالوضع، كما أشار إليه شيخ الإسلام.
ولو فرض أن هذا الحديث المذكور صحيح ثابت لم يكن فيه دليل على مقصود هذا المعترض ولا حجة على مراده كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، فكيف وهو حديث منكر ضعيف الإسناد واهي الطريق لا يصلح الاحتجاج بمثله ولم يصححه أحد من الحفاظ المشهورين ولا اعتمد عليه أحد من الأئمة المحققين، بل إنما رواه مثل الدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن ويكثر فيه من رواية الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، وبين علة الحديث وسبب ضعفه وإنكاره في بعض المواضع، أو رواه مثل أبي جعفر العقيلي وأبي أحمد بن عدي في كتابهما في الضعفاء مع بينهما لضعفه ونكارته، أو مثل البيهقي مع بيانه أيضا لإنكاره.
قال البيهقي في كتاب شعب الإيمان: أخبرنا أبو سعيد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا محمد بن موسى الحلواني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا موسى بن هلال عن عبدالله العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ « من زار قبري وجبت له شفاعتي » قال البيهقي: وقيل عن موسى بن هلال العبدي عن عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن زنجويه القشيري، حدثنا عبيد بن محمد بن القاسم بن أبي مريم الوراق وكان نيسابوري الأصل سكن بغداد، حدثنا موسى بن هلال العبدي - فذكره، قال البيهقي: وسواء قال عبيد الله أو عبد الله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر، لم يأت به غيره.
وهكذا ذكر الإمام الحافظ البيهقي أن هذا الحديث منكر عن نافع عن ابن عمر سواء قال فيه موسى بن هلال عن عبيد الله أو عن عبد الله، والصحيح أنه عن عبدالله المكبر، كما ذكره أبو أحمد بن عدي وغيره.
وهذا الذي قاله البيهقي في هذا الحديث به عليه قول صحيح بين وحكم جلي واضح، ولا يشك فيه من له أدنى اشتغال بهذا الفن، ولا يرده إلا رجل جاهل بهذا العلم. وذلك أن تفرد مثل هذا العبدي المجهول الحال الذي لم يشتهر من أمره ما يوجب قبول أحاديثه وخبره عن عبد الله بن عمر العمري المشهور بسوء الحفظ وشدة الغفلة عن نافع عن ابن عمر بهذا الخبر من بين سائر أصحاب نافع الحفاظ الثقات الأثبات مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وعبد الله بن عون وصالح بن كيسان وإسماعيل بن أمية القرشي وابن جريح والأوزاعي وموسى بن عقبة وابن أبي ذئب ومالك بن أنس والليث بن سعد وغيرهم من العالمين بحديثه الضابطين لرواياته المعتنين بأخباره الملازمين له: من أقوى الحجج وأبين الأدلة وأوضح البراهين على ضعف ما تفرد به وإنكاره ورده وعدم قبوله. وهل يشك في هذا من شم رائحة الحديث أو كان عنده أدنى بصر به.
هذا مع أن أعرف الناس بهذا الشأن في زمنه وأثبتهم في نافع وأعملهم بأخباره وأضبطهم لحديثه وأشدهم اعتناء بما رواه - مالك بن أنس إمام دار الهجرة - قد نص على كراهية قول القائل زرت قبر النبي ﷺ، ولو كان هذا اللفظ معروفا عنده أو مشروعا أو مأثورا عن النبي ﷺ لم يكرهه، ولو كان هذا الحديث المذكور من أحاديث نافع التي رواها عن ابن عمر لم يخف على مالك الذي هو أعرف الناس بحديث نافع ولرواه عن مالك بعض أصحابه الثقات، فلما لم يروه عنه ثقة يحتج به ويعتمد عليه علم أنه ليس من حديثه وأنه لا أصل له، بل هو مما أدخل بعض الضعفاء المغفلين في طريقه فرواه وحدث به.
وقد قال الحافظ أبو جعفر محمد بن عمر العقيلي في كتاب الضعفاء: موسى بن هلال البصري سكن الكوفة عن عبيد الله بن عمر. لا يصح حديثه ولا يتابع عليه،
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا جعفر بن محمد البزوري حدثنا موسى بن هلال البصري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » قال أبو جعفر العقيلي: والرواية في هذا الباب فيها لين [2].
هذا جميع ما ذكره العقيلي في كتابه، وقد حكم على الحديث المذكور بعدم الصحة، وأن راويه لم يتابع عليه، ولكن قال في روايته عن عبيد الله بالتصغير والصحيح عن عبد الله بالتكبير.
قال الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي في كتاب الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الأحاديث: موسى بن هلال - ثم ذكر هذا الحديث كما رواه البيهقي من طريقه فقال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا موسى بن هلال بن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبلي وجبت له شفاعتي » قال ابن عدي: وقد روي غير ابن سمرة هذا الحديث عن موسى بن هلال فقال: عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال ابن عدي: وعبد الله أصح [3].
قلت: وهذا الذي صححه ابن عدي هو الصحيح، وهو أنه من رواية عبد الله بن عمر العمري الصغير المكبر المضعف ليس من رواية أخيه عبيد الله العمري الكبير المصغر الثقة الثبت، فإن موسى بن هلال لم يلق عبيد الله فإنه مات قديما سنة بضع وأربعين ومائة، بخلاف عبد الله فإنه تأخر دهرا بعد أخيه وبقي إلى سنة بضع وسبعين ومائة.
ولو فرض أن الحديث من رواية عبيد الله لم يلزم أن يكون صحيحا، فإن تفرد موسى بن هلال به عنه دون سائر أصحابه المشهورين بملازمته وحفظ حديثه وضبطه من أدل الأشياء على أنه منكر غير محفوظ، وأصحاب عبيد الله بن عمر المعروفين بالرواية عنه مثل يحيى بن سعيد القطان وعبد الله بن نمير، وأبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن المبارك ومعتمر بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعلي بن مسهر وخالد بن الحارث وأبي ضمرة أنس بن عياض وبشر بن المفضل، وأشباههم وأمثالهم من الثقات المشهورين.
فإذا كان هذا الحديث لم يروه عن عبد الله أحمد من هؤلاء الأثبات ولا رواه ثقة غيرهم علمنا أنه منكر غير مقبول وجزمنا بخطأ من حسنه أو صححه بغير علم.
وقد ذكر الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي في كتاب " الجرح والتعديل " أن موسى بن هلال روى عن عبد الله العمري، ولم يذكر أنه يروي عن عبيد الله ثم قال: سألت أبي عنه فقال: مجهول [4].
وذكر الحافظ أبو الحسن بن القطان في كتاب " بيان الوهم والإبهام " الواقعين في كتاب " الأحكام " لعبد الحق الأشبيلي: أن هذا الحديث الذي رواه موسى بن هلال حديث لا يصح، وأنكر على عبد الحق سكوته عن تضعيفه وقال: أراه تسامح فيه لأنه من الحث والترغيب على عمل. ثم ذكر كلام أبي حاتم الرازي والعقيلي في موسى ومال إلى قولهما وقال: فأما أبو أحمد بن عدي فإنه ذكر هذا الرجل بهذا الحديث ثم قال: ولموسى غير هذا، وأرجو أنه لا بأس به وقال: وهذا من أبي أحمد قول صدر عن تصفح روايات هذا الرجل لا عن مباشرة لأحواله، فالحق فيه أنه لم تثبت عدالته، وإلى هذا فإن العمري قد عهد أبو محمد - يعني عبد الحق - يرد الأحاديث من أجله كما تقدم ذكره في هذا الباب.
قال ابن القطان: وقد ضعف أبو محمد حديث: « إنما النساء شقائق الرجال » [5] في احتلام المرأة من أجل عبد الله بن عمر العمري، وذكر اختلاف المحدثين فيه، وكذلك فعل أيضا في حديث: « أول الوقت رضوان الله » [6] فإنه رده من أجله، وترك في الإسناد متروكا لا خلاف فيه لم يتعرض له؛ فكان ذلك عجبا من فعله.
وكذلك فعل أيضا في حديث نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: « إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل » [7] فإنه اتبعه أن قال: فيه العمري وهو ضعيف. وهذا الذي عمل به في هذا الأحاديث من تضعيفها من أجل العمري هو الأقرب إلى الصواب.
ثم ذكر أنه سكت عن أحاديث من رواية العمري منها هذا الحديث المروي عنه في الزيارة، وذكر أن سكوته عنها غير صواب.
وقد تكلم في عبد الله العمري جماعة من أئمة الجرح والتعديل ونسبوه إلى سوء الحفظ والمخالطة للثقات في الروايات.
قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي في كتاب المجروحين من المحدثين: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، أخو عبيد الله بن عمر من أهل المدينة يروي عن نافع، روى عنه العراقيون وأهل المدينة، كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فوقع المناكير في رواته، فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة ثلاث وسبعين ومائة، حدثنا الهمداني حدثنا عمرو بن علي قال: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن عبد الله بن عمر، قال أبو حاتم وهو الذي روى عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ كان إذا توضأ خلل لحيته، وروى عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: « من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما » [8] وروى عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ أسهم للفارس سهمين وللراجل سهما فيما يشبه هذا من المقلوبات والملزوقات التي ينكرها من أمعن في العلم وطلبه من مظانه [9].
وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه [10]، وقال البخاري في تاريخه: عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني قرشي كان يحيى بن سعيد يضعفه [11].
وقال النسائي في كتاب الكنى: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ضعيف، وقال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت يحيى بن معين عن عبد الله بن عمر العمري، فقال: ضعيف، حدثنا عبد الله قال: سألت أبي عن عبد الله بن عمر فقال: كذا وكذا.
وقال أبو زرعة الدمشقي: قيل لأحمد بن حنبل كيف حديث عبد الله بن عمر، فقال: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا، وقد ذكر العقيلي هذا القول عن الإمام أحمد بن حنبل من رواية أبي بكر الأثرم عنه؛ وروى إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: عبد الله بن عمر صويلح، وقال: عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه ضعيف.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق في حديثه اضطراب، وقال صالح بن محمد البغدادي: لين مختلط الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم.
فإذا كانت هذه الحال عبد الله بن عمر العمري عند أهل هذا الشأن، والراوي عنه مثل موسى بن هلال المنكر الحديث، فهل يشك من له أدى علم في ضعف ما تفرد به ورده؟ وهل يجوز أن يقال فيما روياه من حديث منفردين به أنه حسن أو صحيح؟ وهل يقول هذا إلا رجل لا يدري ما يقول.
وقد ذكر هذا الحديث بعض الحفاظ المتأخرين في كتاب كبير له رأيت قطعة منه فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني بالكوفة، أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد الكوفي ببغداد قالا: حدثنا أبو عمر أحمد بن حازم عن أبي عذرة الغفاري، أنبأنا موسى بن هلال البصري، حدثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ). لفظ الحديث وسياقه للشيباني.
قال: وهذا الخبر قد رواه عن موسى بن هلال محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، ومحمد بن جابر المحاربي ويوسف بن موسى القطان، وهارون بن سفيان المذكورين، قال في حديثه: عن عبد الله بن عمر قد ذكرناه بأسانيده في الكتاب الكبير، ولا نعلم رواه عن نافع إلا العمري، ولا عنه إلا موسى بن هلال العبدي، تفرد به والله أعلم، انتهى كلام هذا الحافظ، وهو في طبقة أبي عبد الله بن مندة وأبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك.
والكتاب الذي روي في هذا الحديث، ووقفت على بعضه يدل على سعة حفظه ورحلته، ولا يجوز أن يكون هو ابن مندة، لأن ابن مندة له شيوخ كثيرة وهو معروف بكثرة الرواية عنهم كالأصم وابن الأعرابي وغيرهما، ولم يرو مؤلف هذا الكتاب فيه عن واحد منهم فيما وقفت عليه، ولأن صاحب هذا الكتاب له شيوخ لا يعرف ابن مندة بالرواية عنهم، وروى في بلاد لم يدخلها ابن مندة كالبصرة وأنطاكية ونصيبين، ولا يجوز أن يكون الحاكم أبا عبد الله، لأن رحلة هذا المؤلف أوسع من رحلة الحاكم، ولأنه دخل إلى بلدان كثيرة لم يدخلها الحاكم كالشام وغيرها، ولا يجوز أن يكون الحافظ أبا نعيم لتأخره عن هذا.
وفي الجملة مؤلف هذا الكتاب حافظ كبير من بحور الأحاديث، وقد ذكر في هذا الكتاب من الأحاديث الغريبة والمنكرة والموضوعة شيئا كثيرا، وذكر في هذا الباب الذي روي فيه هذا الحديث هو الباب الثلاثون بعد المائتين عدة أحاديث موضوعة لا أصل لها، وقد ذكر أن هذا الحديث تفرد به موسى بن هلال العمري وذكر أن بعض الرواة قال في حديثه: عن عبيد الله، وقد ذكرنا أن الأصح رواية من قال عن عبد الله، وكأن موسى بن هلال حدث به مرة عن عبيد الله فأخطأ، لأنه ليس من أهل الحديث ولا من المشهورين بنقله، وهو لم يدرك عبيد الله ولا لحقه فإن بعض الرواة عنه لا يروي عن رجل عن عبيد الله، وإنما يروي عن رجل عن آخر عن عبيد الله فإن عبيد الله متقدم الوفاة كما ذكرنا ذلك فيما تقدم بخلاف عبد الله فإنه عاش دهرا بعد أخيه عبيد الله، وكأن موسى بن هلال لم يكن يميز بين عبد الله وعبيد الله ولا يعرف أنهما رجلان، فإنه لم يكن من أهل العلم ولا ممن يعتمد عليه في ضبط باب من أبوابه.
فقد تبين أن هذا الحديث الذي تفرد به موسى بن هلال لم يصححه أحد من الأئمة المعتمد على قولهم في هذا الشأن ولا حسنه أحد منهم، بل تكلموا فيه وأنكروه حتى أن النووي ذكر في شرح المهذب أن إسناده ضعيف جدا [12].
وقد تفرد هذا المعترض على شيخ الإسلام بتحسينه أو تصحيحه وأخذ في التشنيع والكلام بما لا يليق، الذي يقدر آحاد الناس على مقابلته بمثله وبما هو أبلغ منه، وجميع ما تفرد به هذا المعترض من الكلام على الحديث وغيره خطأ، فاعلم ذلك والله الموفق.
فإن قيل: قد روى الإمام أحمد بن حنبل عن موسى بن هلال، وهو لا يروي إلا عن ثقة، فالجواب أن يقال: رواية الإمام أحمد عن الثقات هو الغالب من فعله والأكثر من عمله، كما هو المعروف من طريقة شعبة ومالك وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، وقد يروي الإمام أحمد قليلا في بعض الأحيان عن جماعة نسبوا إلى الضعف وقلة الضبط على وجه الاعتبار والاستشهاد لا على طريق الاجتهاد والاعتماد، مثل روايته عن عامر بن صالح الزبيري [13] ومحمد بن القاسم الأسدي [14] وعمر بن هارون البلخي [15] وعلي بن عاصم الواسطي [16] وإبراهيم بن الليث صاحب الأشجعي [17] ويحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي [18] ونصر بن باب [19] وتليد بن سليمان الكوفي [20] وحسن بن حسن الأشقر [21] وأبي سعيد الصاغاني [22] ومحمد بن مسير، ونحوهم ممن اشتهر الكلام فيه، وهكذا روايته عن موسى بن هلال إن صحت روايته عنه.
ولو فرض أن موسى بن هلال العبدي وعبدالله بن عمر العمري من الرواة الثقات الإثبات المشهورين والعدول الحفاظ المتقنين الضابطين، وقدر أن هذا الحديث المروي من طريقهما من الأحاديث الصحيحة المشهورة المتلقاة بالقبول، لم يكن فيه دليل إلا على الزيارة الشرعية؛ وتلك لا ينكرها شيخ الإسلام ولا يكرهها بل يندب إليها ويحض عليها ويستحبها وقد قال في الجواب الباهر لمن سأل من ولاة الأمر عما أفتى به في زيادة المقابر:
قد ذكرت فيما كتبته من المناسبات أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج عمل صالح مستحب، وقد ذكرت في عدة مناسك الحج السنة في ذلك وكيف يسلم عليه وهل يستقبل الحجرة أو القبلة على قولين فالأكثرون يقولون يستقبل الحجرة كمالك والشافعي وأحمد، وأبو حنيفة يقول: يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره في قول وخلفه في قول لأن الحجرة لما كانت خارجة المسجد كان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحد أن يستقبل وجهه ويستدبر القبلة كما صار ذلك ممكنا بعد دخولها في المسجد - إلى أن قال: والصلاة تقصر في هذا السفر المستحب بإجماع المسلمين، لم يقل أحد من أئمة المسلمين إن هذا السفر لا تقصر فيه الصلاة ولا نهى أحد عن السفر إلى مسجده وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره ﷺ، بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة. ولا في شيء من كلامي وكلام غيري نهي عن ذلك ولا نهي عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور، بل قد ذكرت في غير موضع استحباب زيارة القبور كما كان النبي ﷺ يزور أهل البقيع وشهداء أحد ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون [23]. ويرحم الله المتقدمين منا ومنكم والمستأخرين، ونسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم.
وإذا كانت زيارة قبور عموم المؤمنين مشروعة فزيارة قبور الأنبياء والصالحين أولى لكن رسول الله ﷺ له خاصة ليست لغيره من الأنبياء والصالحين وهو أنا أمرنا أن نصلي ونسلم عليه في كل صلاة [24]، وشرع ذلك في الصلاة وعند الأذان [25] وسائل الأدعية، وأن نصلي ونسلم عليه عند دخول المسجد ومسجده وغير مسجده، وعند الخروج منه وكل من دخل مسجده فلا بد أن يصلي فيه ويسلم عليه في الصلاة، والسفر إلى مسجده مشروع لكن العلماء فرقوا بينه وبين غيره حتى كره مالك أن يقال: زرت قبر النبي ﷺ لأن المقصود الشرعي بزيارة القبور السلام عليهم والدعاء لهم، وذلك السلام والدعاء فقد حصل على أكمل الوجوه في الصلاة في مسجده وغير مسجده وعند سماع الأذان وعند كل دعاء فشرع الصلاة عليه عند كل دعاء [26] فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
ولهذا يسلم المصلي عليه في الصلاة قبل أن يسلم على نفسه وعلى سائر عباد الله الصالحين فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين [27]، ويصلي عليه فيدعو له قبل أن يدعو لنفسه، وأما غيره فليس عنده مسجد فيستحب السفر إليه كما يستحب السفر إلى مسجده، وإنما يشرع أن يزار قبره كما شرعت زيارة القبور، وأما هو فيشرع السفر إلى مسجده، وينهى عما يوهم أنه سفر إلى غير المساجد الثلاثة.
ويجب الفرق بين الزيارة الشرعية التي سنها رسول الله ﷺ وبين البدعية التي لم يشرعها، بل نهى عنها، مثل اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد والصلاة إلى القبر واتخاذه وثنا [28]، وقد ثبت في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » حتى أن أبا هريرة سافر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام فقال له بصرة بن أبي بصرة الغفاري: لو أدركتك قبل أن تخرج لما خرجت، سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس » [29].
فهذه المساجد شرع السفر إليها لعبادة الله فيها بالصلاة والقراءة والذكر والدعاء والاعتكاف والمسجد الحرام يختص بالطواف لا يطاف بغيره، وما سواه من المساجد إذا أتاها الإنسان وصلى فيها من غير سفر كان ذلك من أفضل الأعمال كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: « من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة، والعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، اللهم اغفر له اللهم أرحمه ما لم يحدث » [30].
ولو سافر من بلد إلى بلد مثل أن يسافر إلى دمشق من مصر لأجل مسجدها، أو بالعكس، أو يسافر إلى مسجد قباء من بلد بعيد لم يكن هذا مشروعا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، ولو نذر ذلك لم يف بنذره باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم إلا خلاف شاذ عن الليث بن سعد في المساجد.
وقاله ابن مسلمة من أصحاب مالك: في مسجد قباء فقط، ولكن إذا أتى المدينة استحب له أن يأتي مسجد قباء ويصلي فيه، لأن ذلك ليس بسفر ولا بشد رحل فإن النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا كل سبت ويصلي فيه ركعتين [31] وقال: « من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء كان له كعمرة » [32] رواه الترمذي وابن أبي شيبة، وقال سعد بن أبي وقاس وابن عمر: صلاة فيه كعمرة، ولو نذر [33] المشي إلى مكة للحج والعمرة لزمه باتفاق المسلمين، ولو نذر أن يذهب إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس ففيه قولان: أحدهما ليس عليه الوفاء، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، لأنه ليس من جنسة ما يجب بالشرع، والثاني عليه الوفاء بنذره، وهو مذهب مالك وأحمد بن حنبل والشافعي في قوله الآخر، لأن هذا طاعة لله، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة عن البني ﷺ أنه قال: « من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه » [34].
ولو نذر السفر إلى غير المساجد أو السفر إلى مجرد قبر نبي أو صالح لم يلزمه الوفاء بنذر باتفاقهم، فإن هذا السفر لم يأمر به النبي ﷺ، بل قد قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد » وإنما يجب بالنذر ما كان طاعة، وقد صرح مالك وغيره بأن من نذر السفر إلى المدينة النبوية إن كان مقصوده الصلاة في مسجد النبي ﷺ وفى بنذره، وإن كان مقصوده مجرد زيارة القبر من غير صلاة في المسجد لم يف بنذره، قال: لأن النبي ﷺ قال: « لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ».
والمسألة ذكرها إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، ومعناها في المدونة والجلاب وغيرهما من كتب أصحاب مالك يقول: إن من نذر إتيان مسجد النبي ﷺ لزمه الوفاء بنذره؛ لأن المسجد لا يؤتي إلا للصلاة، ومن نذر إتيان المدينة النبوية فإن كان قصده الصلاة في المسجد وفى بنذره، وإن قصد شيئا آخر مثل زيارة من بالبقيع أو شهداء أحد لم يف بنذره؛ لأن السفر إنما يشر إلى المساجد الثلاثة.
وهذا الذي قاله مالك وغيره ما علمت أحد من أئمة المسلمين قال بخلافه، بل كلامهم يدل على موافقته.
وقد ذكر أصحاب الشافعي وأحمد في السفر لزيارة القبور قولين: التحريم والإباحة. وقدماؤهم وأئمتهم قالوا: إنه محرم وكذلك أصحاب مالك وغيرهم، وإنما وقع النزاع بين المتأخرين لأن قوله ﷺ: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد » صيغة خبر ومعناه النهي فيكون حراما. وقال بعضهم: ليس بنهي، وإنما معناه أنه لا يشرع وليس بواجب ولا مستحب، بل مباح كالسفر في التجارة وغيرها، فيقال: تلك الأسفار لا يقصد بها العبادة، بل يقصد بها مصلحة دنيوية، والسفر إلى القبور إنما يقصد به العبادة، والعبادة إنما تكون بواجب أو مستحب. فإذا حصل الاتفاق على أن السفر إلى القبور ليس بواجب ولا مستحب كان من فعله على وجه التعبد مبتدعا مخالفا للاجتماع، والتعبد بالبدعة ليس بمباح، لكن من لم يعلم أن ذلك بدعة، فإنه قد يعذر، فإذا تبينت له السنة لم يجز له مخالفة النبي ﷺ ولا التعبد بما نهى عنه، كما لا يجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند غروبها [35]، وكما لا يجوز صوم يومي العيدين [36]، وإن كانت الصلاة والصيام من أفضل العبادات، ولو فعل ذلك إنسان قبل العلم بالسنة لم يكن عليه إثم.
فالطوائف متفقة على أنه ليس مستحبا، وما علمت أحد أحدا من أئمة المسلمين قال إن السفر إليها مستحب، وإن كان قاله بعض الأتباع فهو ممكن، وأما الأئمة المجتهدون فما منهم من قال هذا، وإذا قيل هذا كان قولا ثالثا في المسألة، وحيئنذ فبين لصاحبه أن هذا القول خطأ مخالف للسنة ولإجماع الصحابة، فإن الصحابة في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبعدهم إلى انقراض عصرهم لم يسافر أحد منهم إلى قبر نبي ولا رجل صالح، وقبر الخليل عليه السلام بالشام لم يسافر إليه أحد منهم من الصحابة وكانوا يأتون بيت المقدس ويصلون فيه ولا يذهبون إلى قبل الخليل ولم يكن ظاهرا، بل كان في البناء الذي بناه سليمان عليه السلام؛ ولا كان قبر يوسف يعرف، ولكن أظهر ذلك بعد أكثر من ثلاثمائة سنة من الهجرة، ولهذا وقع فيه نزاع فكثير من أهل العلم ينكره، ونقل ذلك عن مالك وغيره، لأن الصحابة لم يكونوا يزورنه فيعرف، ولما استولى النصارى على الشام نقبوا البناء الذي كان على الخليل واتخذوا المكان كنيسة، ثم لما فتح المسلمون البلد بقي مفتوحا.
وأما على عهد الصحابة فكان قبر الخليل عليه السلام مثل قبر نبينا ﷺ، ولم يكن أحد من الصحابة يسافر إلى المدينة لأجل قبر النبي ﷺ، بل كانوا يأتون فيصلون في مسجده ويسلمون عليه في الصلاة ويسلم من يسلم عند دخول المسجد والخروج منه وهو مدفون في حجرة عائشة فلا يدخلون الحجرة ولا يقفون خارجا عنها في المسجد عند السور، وكان يقدم في خلافة أبي بكر وعمر امتداد اليمن الذين فتحوا الشام والعراق، وهم الذين قال الله فيهم: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ويصلون في مسجده كما ذكرنا [37]، ولم يكن أحد يذهب إلى القبر ولا يدخل الحجرة ولا يقوم خارجها في المسجد، بل السلام عليه من خارج الحجرة؛ وعمدة مالك وغيره فيه على فعل ابن عمر.
وبكل حال فهذا القول لو قاله نصف المسلمين لكان له حكم أمثاله من الأقوال في مسائل النزاع، أما أن يجعل هو الدين الحق ويستحل عقوبة من خالفه أو يقال بكفره فهذا خلاف إجماع المسلمين وخلاف ما جاء به الكتاب والسنة، فإن كان المخالف للرسول في هذه المسألة يكفر؛ فالذي خالف سنته وإجمال الصحابة وعلماء أمته فهو الكافر ونحن نكفر أحدا من المسلمين بالخطأ لا في هذه المسائل، ولا في غيرها لكن إن قدر تكفير المخطئ فمن خالف الكتاب والسنة واجماع الصحابة والعلماء أولى بالكفر ممن وافق الكتاب والسنة والصحابة وسلف الأمة وأئمتها.
فأئمة المسلمين فرقوا بين ما أمر به النبي ﷺ وبين ما نهى عنه في هذا وغيره؛ فما أمر به هو عبادة وطاعة وقربة، وما نهى عنه بخلاف ذلك، بل قد يكون شركا كما يفعله أهل الضلال من المشركين وأهل الكتاب من ضاهاهم حيث يتخذون المساجد على قبور الأنبياء والصالحين ويصلون إليها وينذرون لها ويحجون إليها، بل قد يجعلون الحج إلى بيت المخلوق أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام، ويسمونه ذلك الحج الأكبر، وصنف لهم شيوخهم في ذلك مصنفات كما صنف المفيد بن النعمان كتابا في مناسك المشاهد سماه مناسك حج المشاهد، وشبه بيت المخلوق ببيت الخالق.
وأصل دين الإسلام أن نعبد الله وحده ولا نجعل له من خلقه ندا ولا كفوا ولا سميا قال تعالى { بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } وقال: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } وقال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وقال: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: « أن تجعل لله ندا، وهو خلقك » قلت: ثم أي؟ قال: « أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك » قلت: ثم أي؟ قال: « أن تزني بحليلة جارك » [38].
وقال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } فمن سوى بين الخالق والمخلوق في الحب له والخوف منه والرجاء له فهو مشرك.
والنبي ﷺ نهى أمته عن دقيق الشرك وجليله حتى قال ﷺ: « من حلف بغير الله فقد أشرك » [39] رواه أبو داود وغيره، وقال له رجل ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده [40]، وقال: « لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد » [41].
وجاء معاذ بن جبل مرة فسجد له فقال له: « ما هذا يا معاذ؟ » فقال: يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم فقال: « يا معاذ إنه لا يصلح السجود إلا لله ولو كان آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها » [42].
فلهذا فرق النبي ﷺ بين زيارة أهل التوحيد وبين زيارة أهل الشرك: فزيارة أهل التوحيد لقبور المسلمين تتضمن السلام عليهم والدعاء لهم وهو مثل الصلاة على جنائزهم، وزيارة أهل الشرك تتضمن أنهم يشبهون المخلوق بالخالق: ينذرون له ويسجدون له ويدعونه ويحبونه مثل ما يحبون الخالق فيكونون قد جعلوه لله ندا وسووه برب العالمين.
وقد نهى الله أن يشرك به الملائكة والأنبياء وغيرهم فقال تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الأنبياء كالمسيح وعزيز ويدعون الملائكة فأخبرهم الله تعالى أن هؤلاء عبيدة يرجون رحمة ويخافون عذابه ويتقربون إليه بالأعمال ونهى سبحانه أن يضرب له مثل بالمخلوق فلا يشبه بالمخلوق الذي يحتاج إلى الأعوان والحجاب ونحو ذلك، قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }
وسيدنا محمد ﷺ سيد الشفعاء لديه، وشفاته أعظم الشفاعات [43] وجاهه عند الله أعظم الجاهات، ويوم القيامة إذا طلب الخلق الشفاعة من آدم، ثم من نوح، ثم من إبراهيم، ثم من موسى، ثم من عيسى كل واحد حيلهم على الآخر، فإذا جاءوا إلى المسيح يقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال: « فأذهب فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا، وأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال: أي محمد ارفع رأسك، قل يسمع سل تعطه، واشفع تشفع قال: فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة » [44].
فمن أنكر شفاعة نبينا ﷺ في أهل الكبائر فهو مبتدع ضال كما ينكرها الخوارج والمعتزلة، ومن قال: إن مخلوقا يشفع عند الله بغير إذنه فقد خالف إجماع المسلمين ونصوص القرآن، قال تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } وقال تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } وقال تعالى: { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } وقال تعالى: { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } وقال تعالى: { مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ } وقال تعالى { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ } ومثل هذا في القرآن كثير.
فالدين هو متابعة النبي ﷺ بأن يؤمر بما أمر به وينهي عما نهى عنه، ويحب ما أحبه الله ورسوله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله من الأعمال والأشخاص، والله سبحانه وتعالى قد بعث رسوله محمدا ﷺ بالفرقان ففرق بين هذا وهذا فليس لأحد أن يجمع بين ما فرق الله بينه، فمن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول ﷺ فصلى في مسجده، وصلى في مسجد قباء وزار القبور كما مضت به سنة رسول الله ﷺ، فهذا هو الذي عمل العمل الصالح، ومن أنكر هذا السفر هو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وأما من قصد السفر لمجرد زيارة القبر، ولم يقصد الصلاة في مسجده وسافر إلى مدينته فلم يصل في مسجده ﷺ ولا سلم عليه في الصلاة، بل أتى القبر، ثم رجع فهذا مبتدع ضال مخالف لسنة رسول الله ﷺ ولإجماع أصحابه ولعلماء أمته، وهو الذي ذكر فيه القولان: أحدهما: أنه محرم، والثاني أنه لا شيء عليه ولا أجر له، والذي يفعله علماء المسلمين، وفي الصلاة، وهذا مشروع باتفاق المسلمين، قد ذكرت هذا في المناسك وفي الفتيا وذكرت أنه يسلم على النبي ﷺ وعلى صاحبيه، وهذا الذي لم أذكر فيه نزاعا في الفتيا مطلقا كما نقل ذلك عن إبراهيم النخعي والشعبي، ومحمد بن سرين، وهؤلاء من أجله التابعين، ونقل ذلك عن مالك [45]، وعنه أنها مباحة ليست مستحبة، وأما إذا قدر من أتى المسجد فلم يصل فيه، ولكن أتى القبر، ثم رجع، فهذا هو الذي أنكر الأئمة كمالك وغيره، وليس هذا مستحبا عند أحد من العلماء، وهو محل النزاع هل هو حرام أو مباح، وما علمنا أحد من علماء المسلمين استحب مثل هذا والله أعلم.
قال المعترض
الحديث الثاني: « من زرار قبلي حلت له شفاعتي » رواه الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده قال: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: « من زار قبري حلت له شفاعتي ». قال وهذا هو الحديث الأول بعينه وكذلك عزاه عبد الحق إلى الدارقطني [46] والبزاز [47] جميعا، إلا أن في الحديث الأول ( وجبت ) وفي هذا ( حلت )، فلذلك أفردته بالذكر، هكذا قال المعترض.
ثم ذكر كلاما كثيرا لا حاجة إلى ذكره ليعظم حجم الكتاب فقال: وقد نقلته من نسخة معتمدة سمعها الحافظ القاضي أبو علي الحسين بن محمد الصدفي على الشيخ الفقيه صاحب الإحكام أبي محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن فورتش في سنة ثمانين وأربعمائة بسرقسطة، وعليها خط أبي محمد عبد الله بن فورتش بسماع الصدفي عليه، وأنه حدث بها عن الشيخ أبي عمر أحمد بن عمر بن أحمد بن محمد المقري الطلمنكي إجازة، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج، حدثنا أبو الحسن محمد بن أيوب بن حبيب بن يحيى الرقي الصموت، حدثنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، وعلى هذه النسخة إنها قوبلت بأصل القاضي أبي عبد الله بن مفرج الذي فيه سماعه على الرقي محمد بن أيوب، وأكثر أصل ابن مفرج بخط الرقي، وقد حدث القاضي أبو علي الصدفي بهذه النسخة مرات، وعليها الطباق عليه، وممن قرأها على الصدفي محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون في سنة ثلاث وخمسمائة، وقد حدث بهذه النسخة أيضا الفقيه العالم المتقن أبو محمد بن حوط الله قرأها عليه محمد بن محمد بن سماعة في سنة ست وستمائة بمرسية، وفورتش بضم الفاء بعدها وأو ساكنة، ثم راء ساكنة، ثم تاء مثناة من فوق ثم شين معجمة.
وهكذا أطال المعترض عقب الحديث المذكور بمثل هذا الحشو الذي لا يحتاج إلى ذكره في هذا الموضع وله مثل هذا الفعل في هذا الكتاب الذي جمعه كثير ولو ذكر بدل هذا الحشو ما يتعلق بعلة الحديث وتحرير القول في إسناده لكان أحسن وأولى، وإنما ذكرت مثل هذا عن هذا المعترض وإن كان فيه تطويل للتنبيه على أنه يطول بمثله الكلام على الأحاديث في كثير من المواضع.
واعلم أن هذا الحديث الذي ذكره من رواية البزار حديث ضعيف منكر ساقط الإسناد لا يجوز الاحتجاج بمثله عند أحد من أئمة الحديث وحفاظ الأثر كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى، وقتيبة شيخ البزار هو ابن المرزبان، روى عنه غير هذا الحديث، وأما عبد الله بن إبراهيم فهو ابن أبي عمرو الغفاري أبو محمد المدني يقال إنه من ولد أبي ذر الغفاري، وهو شيخ ضعيف الحديث جدا منكر الحديث وقد نسبه بعض الأئمة إلى الكذب ووضع الحديث [48] نعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو داود: هو شيخ منكر الحديث، وقال الدارقطني: حديثه منكر، وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة لا يرويها عنهم غيره، وقال البزار عقب روايته حديثه هذا: وعبد الله بن إبراهيم حدي بأحاديث لا يتابع عليها [49]، وقال أبو حاتم بن حبان البستي: عبد الله بن أبي عمر الغفاري شيخ يروي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأهل المدينة واسم أبيه إبراهيم، روى عنه سلمة بن شبيب والناس كان ممن يأتي عن الثقات بالمقلوبات وعن الضعفاء بالملزوقات، روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: ما جزت ليلة أسري بي من سماء إلى سماء إلا رأيت اسمي مكتوبا محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، وهذا خبر باطل فليس أدري البلية فيه منه أو من عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، على أن عبد الرحمن بن زيد ليس هذا من حديثه بمشهور، فكأن القلب إلى أنه من عمل عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو أميل [50].
وقد ذكر ابن عدي في كتاب الكامل هذا الحديث الذي ذكره ابن حبان أنه باطل وجعله من مسند أبي هريرة فقال: حدثنا موسى بن هارون النوزي، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي » قال ابن عدي: هذا الحديث عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يرويه عنه غير عبد الله بن إبراهيم. وذكر ابن عدي لعبد الله بن إبراهيم أحاديث كثيرة منكرة، بل موضوعة، ثم قال: وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.
وقال العقيلي: عبد الله إبراهيم الغفاري كان يغلب على حديثه الوهم.
وأما عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فهو ضعيف غير محتج به عند أهل الحديث، قال الفلاس: لم أسمع عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: ضعيف، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم الرازي: ضعفه علي بن المديني جدا؛ وقال أبو داود وأبو زرعة والنسائي والدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك [51].
وقال الحاكم أبو عبد الله: روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، وقال ابن خزيمة: عبد الرحمن بن زيد ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه؛ وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدث عن أبيه لا شيء، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول: ذكر رجل لمالك حديثا فقال: من حدثك فذكر إسنادا منقطعا فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح.
وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: سأل رجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، حدثك أبوك عن أبيه عن جده أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت ركعتين؟ قال: نعم، فقد تكلم في عبد الرحمن بن زيد جماعة آخرون غير من ذكرنا وسيأتي الكلام عليه مستوفي في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وما ذكرناه في هذا المكان من كلام أئمة هذا الشأن في بيان حاله وحال عبد الله بن إبراهيم الغفاري فيه كفاية لمن له أدنى معرفة، فيكف يسوغ لأحد الاحتجاج بحديث في إسناده مثل هذين الضعيفين المشهورين بالضعف ومخالفة الثقات الذين لو كان أحدهم وجده في طريق الحديث لكان محكوما عليه بالضعف وعدم الصحة، فكيف إذا كان مجتمعين في الإسناد.
وقد علم أن المستدل بالحديث عليه أن يبين صحته، ويبين دلالته على مطلوبه، وهذا المعترض لم يجمع في حديث واحد بين هذا وهذا، بل إن ذكر صحيحا لم يكن دالا على محل النزاع، وإن أشار إلى ما يدل لم يكن ثابتا عند أهل العلم بالحديث، وقد صرح غير واحد من المتقدمين والمتأخرين من الشافعية وغيرهم بتضعيف الحديث المروي عن ابن عمر في هذا الباب، حتى أن الشيخ أبا ذكريا النووي في شرح المهذب لما ذكر قول أبي إسحاق: ويستحب زيارة قبر النبي ﷺ لما روي عن ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » قال النووي: أما حديث ابن عمر فرواه أبو بكر البزار والدارقطني [52] والبيهقي بإسنادين ضعيفين جدا، يعني الإسناد الذي فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري والإسناد المتقدم الذي فيه موسى بن هلال العبدي.
ولقد صدق الشيخ أبو زكريا فيما قاله في هذا الحديث، وأما هذا المعترض فإنه خالف من قبله من أهل العلم وأخذ يقوي حديث موسى بن هلال ويرد على من وضعه، ثم أخذ يشير إلى تقوية حديث الغفاري وجملة شاهدا لحديث العبدي فقال: وعبد الله بن إبراهيم الغفاري يقال إنه من ولد أبي ذر، روى له أبو داود والترمذي، ثم ذكر قول أبي داود وابن عدي والبزار فيه. ثم قال: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى له الترمذي وابن ماجة وضعفه جماعة، وقال ابن عدي إن له أحاديث حسانا وإنه ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم وإنه ممن يكتب حديثه وصحح الحاكم حديثا من جهته، سنذكره في التوسل بالنبي ﷺ. قال: وإذا كان المقصود من هذا الحديث تقوية الأول به وشهادته له لم يضر ما قيل في هذا الرجلين، إذ ليس راجعا إلى تهمة كذب ولا فسق، ومثل هذا يحتمل فيه المتابعات والشواهد.
هذا كله كلام المعترض ولا يخفى ما فيه من الضعف والسقوط على أقل من له بصيرة؛ وإني لأتعجب منه كيف قلد الحاكم فيما صححه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الذي رواه في التوسل، وفيه قول الله لآدم: لولا محمد ما خلفتك، مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث ضعيف الإسناد جدا، وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع، وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بن زيد بصحيح، بل هو مفتعل على عبد الرحمن كما سنبينه، ولو كان صحيحا إلى عبد الرحمن لكان ضعيفا غير محتج به، لأن عبد الرحمن في طريقه.
وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه وتناقض تناقضا فاحشا كما عرف له ذلك في مواضع فإنه قال في كتاب الضعفاء بعد أن ذكر عبد الرحمن منهم، وقال: ما حكيته عنه فيما تقدم أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، قال في آخر هذا الكتاب: فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح لا أستحله تقليدا، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله ﷺ: « من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين » [53].
هذا كله كلام أبي عبد الله صاحب المستدرك، وهو متضمن أن عبد الرحمن بن زيد قد ظهر له جرحه بالدليل، وأن الراوي لحديثه داخل في قوله ﷺ: « من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ».
ثم أنه رحمه الله لما جمع المستدرك على الشيخين ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره فذلك وقع منه ما وقع، وليس ذلك ببعيد، ومن جملة ما خرجه في المستدرك حديث لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في التوسل، قال بعد روايته: هذا حديث صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب [54]، فانظر إلى ما وقع للحاكم في هذا الموضوع من الخطأ العظيم والتناقض الفاحش.
ثم أن هذا المعترض المخذول عمد إلى هذا الذي أخطأ فيه الحاكم وتناقض فقلده فيه واعتمد عليه وأخذ في التشنيع على من خالفه فقال: والحديث المذكور لم يقف ابن تيمية عليه بهذا الإسناد، ولا بلغه أن الحاكم صححه، ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، يعني أنه كذب، ولتعرض للجواب عنه قال: وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رواي الحديث، ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وذكر قبل ذلك بقليل أنه مما تبين له صحته.
فانظر رحمك الله إلى هذا الخذلان البين والخطأ الفاحش، كيف جاء هذا المعترض إلى حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع، فصححه واعتمد عليه وقلد في ذلك الحاكم مع ظهور خطئه وتناقضه ومع معرفة هذا المعترض بضعف روايه وجرحه واطلاعه على الكلام المشهور فيه، وأخذ مع هذا يشنع على من رد هذا الحديث المنكر ولم يقبله ويبالغ في تخطئته وتضليله.
وليس المقصود هنا الكلام على هذا الحديث ومناقشة المعترض على ما وقع منه من الكلام عليه بغير علم؛ وإنما أشرنا إلى ذلك إشارة لما أخذ المعترض يقوي أمر عبد الرحمن بن زيد عند ذكر الحديث المروي عنه في الزيادة ويذكر أن الحاكم صحح له حديثا في التوسل.
ولو فرض أن هذا الحديث المروي عن عبد الرحمن بن زيد في الزيارة من الأحاديث الصحيحة المشهورة لم يكن فيه دليل على غير الزيارة على الوجه المشروع، وقد علم أن الزيارة نوعان: شرعية وغير شرعية، فالشرعية لم يمنع منها شيخ الإسلام ولم ينه عنها في شيء من فتاويه ومؤلفاته ومناسكه، بل كتبه مشحونة بذكرها، ومن نسب إليه أنه منع منها أو نهى عنها أو قال هي معصية بالإجماع مقطوع بها فقد كذب عليه وافترى وقال عنه ما لم يقله قط.
وقد قال الشيخ رحمه الله تعالى في منسك له صنفه في أواخر عمره:
فصل
وإذ دخل المدينة قبل الحج أو بعده فإنه يأتي مسجد النبي ﷺ ويصلي فيه الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ولا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد [55]، وهو مروي من طرق أخرى، ومسجده كان أصغر مما هو اليوم؛ وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام، ثم يسلم على النبي ﷺ وصاحبه فإنه قد قال: « ما من رجل يسلم علي إلا رد الله عليه روحي حتى أرد عليه السلام » [56] رواه أبو داود وغيره، وكان عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف [57].
وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه. وإذا قال في سلامه السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا أكرم الخلق على ربه، السلام عليك يا إمام المتقين، فهذا كله من صفاته، بأبي هو وأمي، وإذا صلى عليه مع السلام عليه، فهذا مما أمر الله به، ويسلم عليه مستقبل الحجرة مستدبر القبلة، فمن أصحابه من قال يستدبر الحجرة، ومنهم من قال يجعلها عن يساره. واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي إليها ولا يدعو هناك مستقبلا للحجرة؛ فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل القبر وقت الدعاء كذب على مالك، بل ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه، ولكن كان يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده فإنه قال ﷺ: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد » وقال: « لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » [58].
وقال: « أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي » قالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت قال: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء » [59] فأخبر أنه يسمع الصلاة من القريب وأنه يبلغ ذلك من البعيد.
وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما فعلوا قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا؛ أخرجاه في الصحيحين [60]، فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة وكانت هي وسائر الحجر خارج المسجد من قبليه وشرقيه لكن لما كان في زمن الوليد بن عبد الملك عمر هذا المسجد وغيره وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز فأمر أن تشترى الحجرة وتزاد في المسجد، فدخل الحجرة في المسجد من ذلك الزمان وبنيت منحرفة عن القبلة مسنمة لئلا يصلي أحد إليها فإنه قال ﷺ: « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها » رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي [61].
وزيارة القبور على وجهين زيارة شرعية، وزيارة بدعية.
فالشرعية: المقصود بها السلام على الميت والدعاء له كما يقصد بالصلاة على جنازته، فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، فالسنة فيها أن يسلم على الميت ويدعي له سواء كان نبيا أو غير نبي، كما كان النبي ﷺ يأمر أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ». وهكذا يقول إذا زار أهل البقيع ومن به من الصحابة وغيرهم أو زار شهداء أحد وغيرهم.
وليس الصلاة عند قبورهم مستحبة عند أحمد من أئمة المسلمين، بل الصلاة في المساجد التي ليس فيها قبر أحد من الأنبياء والصالحين وغيرهم أفضل من الصلاة في المساجد التي فيها ذلك باتفاق أئمة المسلمين، بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما محرمة [62] وإما مكروهة.
وأما الزيارة البدعية: فهي أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت أو يقصد الدعاء عند قبره أو يقصد الدعاء به، فهذا ليس من سنة النبي ﷺ ولا استحبه أحد من سلف الأمة، بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق سلف الأمة وأئمتها، وقد كره مالك وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي ﷺ، وهذا اللفظ لم ينقل عن النبي ﷺ بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله: « من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة » وقوله « من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي ومن زارني بعد مماتي حلت عليه شفاعتي » ونحو ذلك كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة ليس في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها ولا نقلها إمام من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا نحوهم، ولكن روى بعضها البزار والدارقطني [63] ونحوها بإسناد ضعيف لأن من عادة الدارقطني وأمثاله أن يذكروا هذا في السنن ليعرف، وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المعترض
الحديث الثالث: « من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة ». ذكر من حديث عبد الله بن محمد العبادي البصري عن مسلمة بن سالم الجهني عن عبيد الله بن عمر عن نافع بن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة » [64] عن عبدان بن أحمد عن عبد الله بن محمد العبادي.
وقال الخلعي: أخبرنا أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد العسقلاني حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني إملاء بمصر، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد العبادي من بني عباد بن ربيعة في بني مرة بالبصرة سنة خمسين ومائتين، حدثنا مسلمة بن سالم الجهني إمام مسجد بني حرام ومؤذنهم، حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: « من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة ».
قلت
هذا الحديث ليس فيه ذكر زيارة القبر ولا ذكر الزيارة بعد الموت، مع أنه حديث ضعيف الإسناد لا يصلح الاحتجاج به، ولا يجوز الاعتماد على مثله، ولم يخرجه أحمد من أصحاب الكتب الستة ولا رواه الإمام أحمد في مسنده، ولا أحد من الأئمة المعتمد على ما أطلقوه في روايتهم، ولا صححه إمام يعتمد على تصحيحه، وقد تفره به هذا الشيخ الذي لم يعرف ينقل العلم ولم يشتهر بحمله ولم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبرة وهو مسلمة بن سالم الجهني [65] الذي لم يشتهر إلا برواية هذا الحديث المنكر وحديث آخر موضوع ذكره الطبراني بالإسناد المتقدم ومتنه « الحجامة في الرأس أمان من الجنون والجذام والبرص والنعاس والضرس » [66] وروي عنه حديث آخر منكر من رواية غير العبادي.
وإذا تفرد مثل هذا الشيخ المجهول الحال القليل الرواية بمثل هذين الحديثين المنكرين عن عبيد الله بن عمر أثبت آل عمر بن الخطاب في زمانه وأحفظهم عن نافع عن سالم عن أبيه عن عبدالله بن عمر من بين سائر أصحاب عبيد الله الثقاب المشهورين والأثبات المتقين، علم أنه شيخ لا يحل الاحتجاج بخبره ولا يجوز الاعتماد على روايته، هذا مع أن الراوي عنه وهو عبد الله بن محمد العبادي [67] أحد الشيوخ الذين لا يحتج بما تفردوا به قد اختلف عليه في إسناد الحديث، فقيل عنه عن نافع عن سالم كما تقدم، وقيل عن نافع وسالم.
وقد خالفه من هو أمثل منه وهو مسلم بن حاتم الأنصاري [68]، وهو شيخ صدوق، فرواه عن مسلمة بن سالم عن عبد الله، يعني العمري، عن نافع عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله: « من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة » هكذا رواه الحافظ أبو نعيم عن أبي محمد بن حيان عن محمد بن أحمد بن سليمان الهروي عن مسلم بن حاتم الأنصاري.
وهذه الرواية رواية مسلم بن حاتم التي قال فيها عن عبد الله وهو العمري الصغير المكبر الضعيف أولى من رواية العبادي التي اضطرب فيها، وقال عن عبيد الله يعني العمري الكبير المصغر الثقة الثبت، وكلا الروايتين لا يجوز الاعتماد عليهما لمدارهما على شيخ واحد غير مقبول الرواية، وهو مسلمة بن سالم وهو شبيه بموسى بن هلال صاحب الحديث المتقدم الذي يرويه عن عبد الله العمري، أو عن أخيه عبيد الله، وقد اختلف عليه في ذلك كما اختلف على مسلمة.
والأقرب أن الحديثين في هذا حديث واحد برواية الصغير المتكلم فيه، وقد اختلف عليه شيخان غير معروفين بالنقل ولا مشهورين بالضبط في إسناد الحديث ومتنه فقال أحدهما في روايته عن نافع عن سالم عن ابن عمر، وقيل عنه عن نافع وسالم عن ابن عمر، وقال الآخر عن نافع عن ابن عمر ولم يذكر سالما. وذكر أحدهما في روايته زيارة قبره، ولم يذكر الأعمال إلى زيارته وذكر الآخر الأعمال إلى زيارته من خير ذكر القبر في روايته، ومثل هذا الحديث إذا تفرد به شيخان مجهولان الحال قليلا الرواية عن شيخ سيئ الحفظ مضطرب الحديث واختلفا عليه واضطربا مثل هذا الاضطراب المشعر بالضعف وعدم الضبط لم يجز الاحتجاج به على حكم من الأحكام الشرعية ولا الاعتماد عليه في شيء من المسائل الدينية، وكم من حديث له طرق كثيرة أمثل من طريق هذا الحديث وقد نص أئمة هذا الشأن على ضعفه وعدم الاحتجاج به واتفقوا على رده وعدم قبوله.
والمحفوظ عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ ما رواه عنه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر وربيعة بن عثمان وغيرهم، وليس فيه ذكر الأعمال ولا ذكر زيارة القبر بل لفظ بعضهم: « من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها منت له شفيعا أو شهيدا » وفي لفظ من زارني إلى المدينة كنت له شفيعا أو شهيدا، وهذا اللفظ غير محفوظ، ولفظ بعضهم « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة » [69].
قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا علي بن عبد الله؛ حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن نبي الله ﷺ قال: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها » [70]. وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: حدثنا بندار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها » [71]. قال: وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية، هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أيوب، حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن مولاة له أتته فقالت: اشتد علي الزمان وإني أريد أن أخرج إلى العراق فقال: فهلا إلى الشام أرض المنشر واصبري لكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من صبر على شداها ولأوائها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة » قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد وسفيان بن أبي زهير وسبيعة الأسلمية هذا حديث حسن صحيح غريب [72].
وقال أبو القاسم البغوي حدثنا صلت بن مسعود الجحدري حدثنا سفيان بن موسى حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإن من مات بالمدينة شفعت له يوم القيامة » وقال الهيثم بن كلب الشاشي حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد ابن عبد الله الرقاشي حدثنا سيفان بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل فإنه من مات بالمدينة شفعت له يوم القيامة ».
وقد سئل الدارقطني في كتاب العلل عن حديث نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها » فقال يرويه أيوب السختياني وأبو بكر بن نافع وربيعة بن عثمان وعبيد الله بن عمر عن نافع، واختلف عن أيوب وعن عبيد الله، فأما أيوب فرواه عنه سفيان بن موسى وهشام الدستوائي والحسن بن أبي جعفر فقالوا عن نافع عن ابن عمر، وخالفهم ابن علية فقال عن أيوب نيئت عن نافع قال: قال رسول الله ﷺ حدثنا جعفر بن محمد الواسطي حدثنا موسى بن هارون حدثنا شجاع من مخلد عنه، وأما عبيد الله بن عمر فإن معتمر بن سليمان وسالم بن نوح والمفضل بن صدقة أبا حماد رووه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وخالفهم أبو ضمرة أنس بن عياض رواه عن عبيد الله عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن مولاة لابن عمر عن ابن عمر، ويشبه أن يكون القولان عن عبيد الله محفوظين: حديث نافع وحديث قطن بن وهب لأن حديث نافع له أصل عنه رواه عنه أيوب وأبو بكر بن نافع وربيعة بن عثمان، وحديث قطن بن وهب محفوظ أيضا حدث به عبيد الله بن عمر وقيل عن أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن قطن، وذلك وهم من قائله. ورواه عبد الله بن عمر أخو عبيد الله ومالك بن أنس والضحاك بن عثمان والوليد بن كثير عن قطن بن وهب عن يحنس أبي موسى عن ابن عمر.
حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا الصلت بن مسعود حدثنا سفيان بن موسى حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها شفعت له يوم القيامة ».
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجمال حدثنا محمد بن إسحاق أبو إسماعيل حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا سفيان بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها كنت له شفيعا أو شهيدا ».
حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل السيوطي حدثني أبو زيد عمر بن ثبة [73] ح. وحدثنا السيوطي أنبأنا أحمد بن زياد بن عبد الله الحداد قال حدثنا عفان بن مسلم حدثنا الحسن بن أبي جعفر حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإني أشفع لمن مات بها » قال ابن ثبة عن أيوب وقال منكم أن يموت وقال لمن يموت بها.
حدثنا جعفر بن محمد الواسطي حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد بن الحسن الختلي حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا عون بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من زارني إلى المدينة كنت له شفيعا وشهيدا » قيل للختلي إنما هو سفيان بن موسى؛ فقال اجعلوه عن ابن موسى قال موسى بن هارون ورواه إبراهيم بن الحجاج عن وهيب عن أيوب عن نافع مرسلا عن النبي فلا أدري سمعته من إبراهيم بن الحجاج أم لا. ووهيب وابن علية أثبت من الدستوائي ومن الجفري ومن سفيان بن موسى.
حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل حدثنا زيد بن أخزم حدثنا سالم بن نوح حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبير على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
حدثنا أبو محمد بن بزداذ بن عبد الرحمن الكاتب حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا سالم بن نوع العطار، حدثنا عبيد الله عن نافع أن مولاة لابن عمر استأذنته أن تأتي العراق وجزعت من شدة عيش المدينة، فقال لها: اصبري يالكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من صبر على شدة المدينة ولأوائها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا أبو ضمرة عن عبيد الله عن قطن بن وهب عن مولاة لعبد الله بن عمر أنها أرادت الجلاء في الفتنة واشتد عليها الزمان فاستأذنت عبد الله بن عمر، فقال أين؟ فقالت: العراق، قال: فهلا إلى الشام إلى المحشر، اصبري لكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
حدثنا ابن صاعد، حدثنا ابن محمد بن منصور بن سلمة الخزاعي، أنبأنا أبي حدثنا عبد الله بن عمر عن قطن بن وهب أن مولاة لابن عمر أتته تسلم عليه لتخرج من المدينة وقالت: أخرج إلى الريف فقد اشتد علينا الزمان، فقال ابن عمر: اجلسي لكاع فإني سمعت رسول الله يقول: « من صبر على لأوئها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد حدثنا أبو مصعب عن مالك، وحدثنا روق حدثنا محمد بن خلاد حدثنا معن حدثنا مالك عن قطن بن وهب أن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلم عليه فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله بن عمر: اقعدي لكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
وقال معن عن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلم عليه وقالت: قد اشتد علينا الزمان وأريد الخروج يا أبا فقال: اقعدي. حدثنا سليمان بن سيف الحراني حدثنا عثمان بن عمر حدثنا مالك بن أنس عن قطن بن وهب عن يحنس عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: « لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
حدثنا أبو محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا: حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري، حدثنا عمي – يعني يعقوب بن إبراهيم – حدثنا أبي عن الوليد بن كثير عن طقن بن وهب بن عويمر بن الأجدع أخي بني سعد بن ليث أنه حدثه يحنس أبو موسى مولى الزبير أنه بينا هو عند عبد الله بن عمر بن الخطاب أتته مولاة له قالت: يا أبا عبد الرحمن إني أردت أن أجلو إلى الريف فقال لها عبد الله بن عمر: اجلسي لكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
وقد روى هذا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه فقال: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرني عيسى بن حفص بن عاصم قال: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ». [74]
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع، عن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر في الفتنة فأنته مولاة له تسلم عليه فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
وحدثنا ابن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي، عن يحنس مولى مصعب عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا [75]. يعني المدينة.
وهذه الألفاظ التي رواها أصحاب الصحيح والسنن والمسانيد من رواية نافع وغيره عن عبد الله بن عمر بن الخطاب هي الصحيحة المشهورة المحفوظة عنه، وفيها البحث على الإقامة بالمدينة وترك الخرج منها والصبر على لأوئها وشدتها وأن من استطاع أن يموت بها فليفعل لتحصل له شفاعة المصطفى ﷺ. وهذا الذي ثبت عن ابن عمر، قد روى نحوه أبو سعيد الخدري أيضا عن النبي ﷺ.
قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا حجاج، حدثنا ليث وثناه الخزاعي أنبأ ليث قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عاليه، وأخبره أنه لا صبر له على جهد المدينة، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله يقول: « لا يصبر أحد على جهد المدينة ولأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذ كان مسلما [76].
هذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه [77] عن قتيبة عن ليث بن سعد، وروى مسلم [78] والترمذي نحوه من حديث أبي هريرة، وقد روي أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص وجابر وأسماء بنت عميس وغيره، وقد كان المهاجرون إلى المدينة يكوهون أن يموتوا بغيرها ويسألون الله تعالى أن توافهم بها.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك [79].
وقد ثبت في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء النبي ﷺ يعودني وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، وفي رواية عن سعد قال: مرضت فعادني النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله ادع الله ألا يردني على عقبي، فقال: « اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته » وفي لفظ فقال « اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم » لكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة [80]. وفي رواية لمسلم أن النبي ﷺ دخل على سعد يعوده بمكة فبكى فقال: ما يبكيك فقال: قد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة فقال رسول الله ﷺ « اللهم اشف سعدا »، ثلاث مرات [81].
وليس في شيء من هذه الروايات الصحيحة التي تقدم ذكرها عن نافع وغيره عن ابن عمر ذكر زيارة القبر ولا قوله من جاءني زائرا لا ينزعه حاجة إلا زيارتي، فعلم أن ما رواه مسلمة بن سالم الجهني وموسى بن هلال العبدي من ذلك شاذ غير محفوظ وكأن هذين الشيخين سمعا شيئا أو بلغهما أمر فلم يحفظاه ولم يضبطاه لكونهما ليسا من أهل الحديث ولا من المشهورين بحمل العلم ونقله، ولو كان ما روياه محفوظا عن نافع لبادر إلى روايته عنه أيوب السختياني ومالك بن أنس وغيرهما من أعيان أصحابه المعتمد على حفظهم وضبطهم وإتقانهم، فلما لم يتابعهما على ما نقلاه مختلفين فيه ثقة يحتج به، بل خالفهما فيما روياه الثقات المشهورين والعدول الحفاظ المتقنون، علم خطؤهما فيما حملاه ولم يجز الرجوع إليهما ولا الاعتماد عليهما فيما روياه والله الموفق.
فإن قيل: وقد ورد معنى الخبر الذي رواه مسلمة بن سالم الجهني من وجه آخر لم يذكره المعترض، قال بعض الحفاظ في زمن ابن مندة والحاكم في كتاب كبير له وقفت على بعضه، حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك السر من رائي بنصيبين، حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن سيار بن محمد النصيبي، حدثنا أسيد بن زيد، حدثنا عيسى بن بشير عن محمد بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان ».
فالجواب أن هذا الخبر ليس فيه ذكر زيارة القبر ولا قوله: من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي، مع أن خبر موضوع وحديث مصنوع، لا يحسن الاحتجاج به ولا يجوز الاعتماد على مثله، وفي إسناده ممن لا يحتج بحديثه ولا يعتمد على روايته غير واحد من الرواة، منهم أسيد بن زيد الجمال الكوفي. [82] قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عنه فقال: كذاب أتيته ببغداد في الحذائين فسمعته يحدث بأحاديث كذب، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: وأسيد كذاب ذهبت إليه إلى الكرة ونزل في دار الحذائين فأردت أن أقول له يا كذاب، ففرقت من شفار الحذائين. وقال أبو حاتم الرازي [83]: ( قدم الكوفة من بعض أسفاره فأتاه أصحاب الحديث ولم آته وكانوا يتكلمون فيه) وقال النسائي [84]: ( متروك الحديث ) وقال ابن حبان [85]: ( يروي عن شريك والليث بن سعد وغيرهما من الثقات المناكير، ويسرق الحديث ويحدث به )، وقال ابن عدي [86]: (يتبين على روايته الضعف، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه )، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، وقال أبو نصر بن ماكولا [87]: ( ضعفوه ) وقال الخطيب [88]: ( قدم بغداد وحدث بها وكان غير مرضي في الرواية ). ولو فرض صحة هذا اللفظ الذي رواه أسيد بن زيد الجمال وقدر ثبوت ما رواه مسلمة بن سالم الجهني، وما رواه موسى بن هلال العبدي لم يكن في شيء من ذلك دلالة على الزيارة على غير الوجه المشروع، وشيخ الإسلام لا ينهى عن الزيارة الشرعية ولا ينكرها. وقد قال في أثناء كلامه في الجواب عما اعترض به عليه بعض قضاة المالكية في مسألة أعمال المطي إلى القبور بعد أن ذكر النزاع في السفر إلى مجرد زيارة القبور [89] قال:
وهذا النزاع لم يتناول المعنى الذي أراده العلماء بقولهم يستحب زيارة قبر النبي ﷺ ولا إطلاق القول بأنه يستحب السفر لزيارة قبره كما هو موجود في كلام كثير منهم، فإنهم يذكرون الحج ويقولون: يستحب للحاج أن يزور قبر النبي ﷺ ومعلوم أن هذا إنما يمكن مع السفر، لم يريدوا بذلك زيارة القريب، بل أرادوا زيارة البعيد فعلم أنهم قالوا يستحب السفر إلى زيارة قبرة، لكن مرادهم بذلك هو السفر إلى مسجده إذا كان المسافرون والزوار لا يصلون إلا إلى مسجده ولا يصل أحد إلى قبره ولا يدخل إلى حجرته، ولكن قد يقال هذا في الحقيقة ليس زيارة لقبره ولهذا كره من كره من العلماء أن يقول زرت قبره، ومنهم من لم يكرهه، والطائفتان متفقون على أنه لا يزار قبره كما تزار القبور، بل إنما يدخل إلى مسجده. وأيضا فالنية في السفر إلى مسجده وزيارة قبره مختلفة، فمن قصد السفر إلى مسجدة للصلاة فيه، فهذا مشروع بالنص والإجماع وإن كان لم يقصد إلا القبر ولم يقصد المسجد فهذا مورد النزاع، وأما من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معا فهذا قد قصد مستحبا مشروعا بالإجماع، ولهذا لم يكن في الجواب تعرض لهذا.
وقال الشيخ أيضا: [90] السفر المسمى زيارة له إنما هو سفر إلى مسجده، وقد ثبت بالنص والإجماع أن المسافر ينبغي له أن يقصد السفر إلى مسجده والصلاة فيه. وعلى هذا فقد يقال نهيه عن شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة لا يتناول شدها إلى قبره، فإن ذلك غير ممكن، لم يبق إلا شدها إلى مسجده وذلك مشروع بخلاف غيره فإنه يمكن زيارته فيمكن شد الرحل إليه، لكن يبقى قصد المسافر ونيته ومسمى الزيارة في لغته هل قصد مجرد القبر أو المسجد أو كلاهما، كما قال مالك لمن سأله عمن نذر أن يأتي إلى قبر النبي ﷺ قال: إن كان أراد مسجد النبي ﷺ فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.
فهذا السائل من عرفه أن زيارة قبر النبي ﷺ تناول من أتى المسجد وكان قصده القبر، ومن أتاه وقصده المسجد؛ وهذا عرف عامة الناس المتأخرين يسمون هذا كله زيارة واحدة، ولم يكن هذا لغة السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، بل تغير الاصطلاح في مسمى اللفظ والمقصود به وهو ﷺ لا يشرع للقريب من زيارته ما ينهي عنه المسافر الذي يشد الرحل بخلاف غيره، فلا يقال إن زيارته بلا شد رحل مشروعة ومع شد الرحل منهي عنها، كما يقال في سائر المشاهد وفي قبور الشهداء وغيرهم من أموات المسلمين، إذ لم يشرع للمقيمين بالمدينة من زيارته ما نهى عنه المسافرون، بل جميع الأمة مشتركون فيما يؤمرون به من حقوق حيث كانوا، بل قد قيل إن الأمر بالعكس وأنه يستحب للمسافر من السلام عليه والوقوف على قبره ما لا يستحب لأهل البلد، وإذا كان لا يمكن إلا العبادة في مسجده، فهذا مشروع لمن شد الرحل ومن لم يشده.
تبقى النية كما ذكره، وهذه النية التي يقصد صاحبها القبر دون المسجد، وقد نص مالك وغيره على أنها مكروهة لأهل المدينة قصدا وفعلا، فيكره لهم كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه أن يأتوا القبر، وقد ذكر مالك أن هذا بدعة لم تبلغه عن أحد من السلف، ونهى عنها وقال: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
فالذي يقصد مجرد القبر ولا يقصد المسجد مخالف للحديث، فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أن السفر إلى مسجد مستحب، وأن الصلاة فيه يألف صلاة [91]، واتفق المسلمون علي ذلك وعلى أن مسجد أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، قال بعضهم: إنه أفضل من المسجد الحرام، ومسجده يستحب السفر إليه، والصلاة فيه مفضلة لخصوص كونه مسجد الرسول ﷺ بناه هو وأصحابه، وكان يصلي فيه هو وأصحابه، فهذه الفضيلة للمسجد في حياة الرسول ﷺ قبل أن يدفن في حجرة عائشة، وكذلك هي ثابتة بعد موته، ليست فضيلة المسجد لأجل مجاورة القبر، كما أن المسجد الحرام مفضل لا لأجل قبر، وكذلك المسجد الأقصى مفضل لا لأجل قبر، فكيف لا يكون مسجد النبي مفضلا لا لأجل قبره، فمن ظن أن فضيلته لأجل القبر وأنه إنما يستحب السفر إليه لأجل القبر فهو جاهل مفرط في الجهل مخالف لإجماع المسلمين ولما علم من سنة سيد المرسلين ﷺ.
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر من الجواب: ومما يوضح هذا أنه لم يعرف عن أحد من الصحابة أنه تكلم باسم زيارة قبره لا ترغيبا في ذلك، ولا غير ترغيب، فعلم مسمى هذا الاسم لم يكن له حقيقة عندهم، ولهذا كره من مره من العلماء إطلاق هذا الاسم، والذين أطلقوا هذا الاسم من العلماء إنما أرادوا به إتيان مسجده والصلاة فيه والسلام عليه فيه، إما قريبا من الحجرة وإما بعيدا عنها، إما مستقبلا للقبلة وإما مستقبلا للحجرة، وليس في أئمة المسلمين لا الأربعة ولا غيرهم من احتج على ذلك بلفظ روي في زيارة قبره، إنما يحتجون بفعل ابن عمر مثلا وهو أنه كان يسلم أو بما روي عنه من قوله ﷺ: « ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » وذلك احتجاج بلفظ السلام، لا بلفظ الزيادة؛ وليس في شيء من مصنفات المسلمين التي يعتمدون عليها في الحديث والفقه أصل عن الرسول ولا عن أصحابه في زيارة قبره.
أما أكثر مصنفات جمهور العلماء فليس فيها استحباب شيء من ذلك، بل يذكرون المدينة وفضائلها، وأنها حرم، ويذكرون مسجده وفضله وفضل الصلاة فيه والسفر إليه وإلى المسجد الحرام ونذر ذلك نحو ذلك من المسائل، ولا يذكرون استحباب زيارة قبره لا بهذا اللفظ ولا بغيره، فليس في الصحيحين وأمثالها شيء من ذلك ولا في عامة السنن مثل النسائي والترمذي وغيرهما ولا في مسند الشافعي وأحمد وإسحاق ونحوهم من الأئمة.
وطائفة أخرى ذكروا ما يتعلق بالقبر لكن بغير لفظ زيارة قبره كما روى مالك في الموطأ عن ابن عمر [92] أنه كان يسلم على النبي ﷺ وعلى أبي بكر وعمر، وكما قال أبو داود في سننه: ( باب ما جاء في زيارة قبره ) وذكر قوله ﷺ: ( ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » [93] ولهذا أكثر كتب الفقه المختصرة التي تحفظ ليس فيها استحباب زيارة قبره مع ما يذكرون من أحكام المدينة، وإنما يذكر ذلك قليل منهم، والذين يذكرون ذلك يفسرون بإتيان المسجد كما تقدم.
ومعلوم أنه لو كان هذا من سنته المعروفة عند أمته المعمول بها من زمن الصحابة والتابعين لكان ذكر ذلك مشهورا عند علماء الإسلام في كل زمان كما اشتهر ذكر الصلاة عليه والسلام عليه، وكما اشتهر عندهم ذكر مسجده وفضل الصلاة فيه، فلا يكاد يعرف مصنف للمسلمين في الحديث والفقه إلا وفيه ذكر الصلاة والسلام عليه، وذكر فضل مدينته والصلاة في مسجده.
ولهذا لما احتاج المنازعون في هذه المسألة إلى ذكر سنة الرسول ﷺ وسنة خلفائه وما كان عليه أصحابه لم يقدر أحد منهم على أن يستدل في ذلك بحديث منقول عنه إلا وهو حديث ضعيف بل موضوع مكذوب، وليس معهم بذلك نقل عن الصحابة ولا عن أئمة المسلمين، فلا يقدر أحد أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين أنه قال يستحب السفر إلى مجرد زيادة القبور ولا السفر إلى مجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا السفر لمجرد زيارة قبره ﷺ بدون الصلاة في مسجده.
بل كثير من المصنفات ليس فيها إلا ذكر المسجد والصلاة فيه، وهي الأمهات كالصحيحين ومساند الأئمة وغيرها، وفيها ذكر السلام عند الحجرة كما جاء عن ابن عمر، وكما فهموه من قوله، وفيها ما يذكر فيه لفظ زيارة قبره والصلاة في مسجده، وفيها ما يطلق فيه زيادة قبره ويفسر ذلك بإتيان مسجده والصلاة فيه والسلام عليه فيه.
وأما التصريح بالسفر لاستحباب زيارة قبره دون مسجده، فهذا لم أره عن أحد من أئمة المسلمين ولا رأيت أحدا من علمائهم صرح به، وإنما غاية الذي يدعي ذلك أنه يأخذه من لفظ مجمل قاله بعض المتأخرين، مع أن صاحب ذلك اللفظ قد يكون صرح بأنه لا يسافر إلا إلى المساجد الثلاثة، أو أن السفر إلى غيرها منهي عنه، فإذا جمع كلامه علم أن الذي استحبه ليس هو السفر لمجرد القبر بل للمسجد.
ولكن قد يقال إن كلام بعضهم ظاهر في استحباب السفر لمجرد الزيارة فيقال، هذا الظهور إنما كان لما فهم المستمع من زيارة قبره ما يفهم من زيارة سائر القبور، فمن قال إنه يستحب زيارة قبره، كما يستحب زيارة سائر القبور، وأطلق هذا كان ذلك متضمنا لاستحباب السفر لمجرد القبر، فإن الحجاج وغيرهم لا يمكنهم زيارة قبره إلا بالسفر إليه لمن قد علم أن الزيارة المعهودة من القبور ممتنعة في قبره، فليست من العمل المقدور ولا المأمور، فامتنع أن يكون أحد من العلماء يقصد بزيارة قبره هذه الزيارة، وإنما أرادوا السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه والثناء عليه هناك، لكن سموا هذا زيارة لقبره كما اعتادوه.
ولو سلكوا مسلك التحقيق الذي سلكه الصحابة ومن اتبعهم لم يسموا هذا زيارة لقبره، وإنما هو زيارة لمسجده وصلاة وسلام عليه ودعاء له وثناء عليه في مسجده، سواء كان القبر هنالك أو لم يكن.
ثم كثير من المتأخرين لما رويت أحاديث في زيارة قبره ظن أنها أو بعضها صحيح فتركب من إجمال اللفظ ورواية هذه الأحاديث الموضوعة غلط من غلط في استحباب السفر لمجرد زيارة القبر، وإلا فليس هذا قولا منقولا عن إمام من أئمة المسلمين، وإن قدر أنه قاله بعض العلماء كان هذا قولا ثالثا في المسألة.
فإن الناس في السفر لمجرد زيارة القبور لهم قولان: النهي والإباحة، فإذا كان قولا من عالم مجتهد ممن يعتد به في الإجماع أن ذلك مستحب صارت الأقوال ثلاثة ثم ترجع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
قال المعترض
الحديث الرابع: « من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي » رواه الدارقطني في سننه وغيرها ورواه غيره أيضا، ثم ذكره من حديث أبي الربيع الزهراني عن حفص بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: « من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي » وفي لفظ « من حج فزارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي »، وفي لفظ: « من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصحبني » هكذا في هذه الرواية بزيادة صحبني.
واعلم أنه هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، فإنه حديث منكر المتن ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ ولا احتج به أحد من الأئمة، بل ضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة، ولا ريب في كذب هذه الزيادة فيه.
وأما الحديث بدونها فهو منكر جدا وراويه حفص بن أبي داود وهو حفص ابن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي البزارز القارئ الغاضري؛ وهو صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة وابن امرأته، وكان مشهورا بمعرفة القراءة ونقلها، وأما الحديث فإنه لم يكن من أهله ولا ممن يعتمد عليه في نقله، ولهذا جرحه الأئمة وضعفوه وتركوه واتهمه بعضهم.
قال عثمان بن سعيد الدارمي وغيره عن يحيى بن معين: ليس بثقة، وذكر العقيلي عن يحيى أنه سئل عنه فقال ليس بشيء، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حفص بن سليمان أبو عمر القارئ متروك الحديث. وقال البخاري [94]: ( تركوه ) وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزياني [95]: قد فرغ منه من دهر، وقال مسلم بن الحجاج: متروك، وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث، وتركته على عمد، وقال النسائي [96]: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال مرة: متروك الحديث، وقال صالح بن محمد البغدادي: لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير، وقال زكريا الساجي: يحدث عن سماك وعلقمة بن مرثد وقيس بن مسلم وعاصم أحاديث بواطيل، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال ابن أبي حاتم [97]: « سألت أبي عنه فقال: لا يكتب حديث هو ضعيف الحديث لا يصدق متروك الحديث، قلت: ما حاله في الحروف؟ قال: أبو بكر بن عياش أثبت منه، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب متروك يضع الحديث. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال الدارقطني [98]: ضعيف، وقال أبو حاتم بن حيان [99]: كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع، وقال ابن عدي [100]: أخبرنا الساجي حدثنا أحمد بن محمد البغدادي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ من أبي بكر، وكان أبو بكر صدوقا، وكان حفص كذابا. وروى ابن عدي لحفص أحاديث منكرة غير محفوظة منها هذا الحديث الذي رواه في الزيارة ثم قال: وهذه الأحاديث يرويها حفص بن سليمان، ولحفص غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه عمن روى عنهم غير محفوظ.
وقال العقيلي [101]: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى القطان قال: ذكر شعبة حفص بن سليمان فقال: كان يأخذ كتب الناس وينسخها، وقال شعبة: أخذ مني حفص بن سليمان كتابا فلم يرده، وقال العقيلي أيضا: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا شبابة قال: قلت لأبي بكر بن عياش: أبو عمر رأيته عند عاصم، قال: قد سألني عن هذا غير واحد ولم يقرأ على عاصم أحد إلا وأنا أعرفه ولم أر هذا عند عاصم قط؛ وقال أبو بشر الدولابي في كتاب الضعفاء والمتروكين: حفص بن سليمان متروك الحديث.
وقد روى البيهقي [102] في كتاب السنن الكبير حديث حفص الذي رواه في الزيارة وقال تفرد به حفص وهو ضعيف، وقال في كتاب ( شعب الإيمان ) وروى حفص بن أبي داود وهو ضعيف عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا « من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن في حياتي » أخبرناه أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا عبد الله بن أحمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بهذا الحديث. وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد حدثني محمد بن إسحاق الصفار، حدثنا ابن بكار، حدثنا حفص بن سليمان - فذكره وقال: قال رسول الله ﷺ، قال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف في رواية الحديث.
هكذا ضعف البيهقي حفصا في كتاب السنن الكبير وفي كتاب شعب الإيمان، وذكر أنه تفرد برواية هذا الحديث، فإذا كانت هذه حال حفص عند أئمة هذا الشأن فيكف يحتج بحديث رواه أو يعتمد على خبر نقله، مع أنه قد اختلف عليه في رواية هذا الحديث، فقيل عنه عن ليث بن أبي سليم، كما تقدم، مع أن ليثا مضطرب عندهم، وقيل عنه عن كثير بن شنظير عن ليث.
قال أبو يعلي أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، حدثنا يحيى بن أيوب المقابري، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا حفص بن سليمان عن كثير بن شنظير عن ليس بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج فزارني بعد وفاتي عند قبري فكأنما زارني في حياتي ».
واعلم أن هذا المعترض على شيخ الإسلام قد ارتكب من الكلام على هذا الحديث الذي رواه حفص أمرا يدل على جهله أو على أنه رجل متبع لهواه، وهو أنه توقف في كون حفص بن أبي داود راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القاري، بل يحتمل أن يكون حفصا آخر عنده ويكون قد تابع حفصا على رواية هذا الحديث، ويكون الحفصان قد اتفقا في اسم الأب وكنيته وجعل ذلك من مواضيع النظر، فقال: قد ذكر ابن حبان في كتاب الثقات ما يقتضي التوقف في ذلك فإنه قال: حفص بن سليمان البصري المنقري يروي عن الحسن مات سنة ثلاثين ومائة، وليس هذا بحفص بن سليمان البزاز أبي عمر القاري ذاك ضعيف وهذا ثبت [103].
ثم قال في الطبقة التي بعدها هذه: حفص بن أبي داود يروي عن الهيثم بن حبيب عن عون بن أبي جحيفة، روى عنه أبو الربيع الزهراني.
هذا كلام ابن حبان ومقتضاه أن حفص بن أبي داود المذكور في الطبقة الأخيرة ثقة وأنه غير القاري الضعيف المذكور في الطبقة التي قبله على سبيل التمييز بينه وبين المنقري البصري، ولعل أبا الربيع الزهراني روى عنهما جميعا، أعني حفص بن سليمان المقري وحفص بن أبي داود، وإن اختلفت طبقتهما، وقد ذكر ابن حبان حفص بن سليمان المقري في كتاب المجروحين وذكر ضعفه، وقال إنه ابن أبي داود، ويبعد القول بأن اشتبه عليه ويجعلهما اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف.
على أن هذا الاستبعاد مقابل بأن ابن عدي ذكر في ترجمة حفص القاري حديثا من رواية أبي الربيع الزهراني عن حفص بن أبي داود عن الهيثم بن حبيب عن عون بن أبي حجيفة عن أبيه قال: مر النبي ﷺ برجل يصلي قد سدل ثوبه فعطفه عليه.
ويبعد أيضا أن يكونا اثنين ويشتبه على ابن عدي فيجعلهما واحدا، والموضع موضع نظر، فإن صح مقتضى كلام ابن حبان زال الضعف فيه، ولا ينافي هذا كونه جاء مسمى في رواية هذا الحديث لجواز أن يكون قد وافق حفصا القاري في اسم أبيه وكنيته، وإن كان هو القارئ كما حكم به ابن عدي وغيره وهو ابن امرأة عاصم فقد أكثر الناس الكلام فيه وبالغوا في تضعيفه حتى قيل عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش إنه كذاب متروك يضع الحديث. وعندي أن هذا القول سرف، فإن هذا الرجل إمام قراءة، وكيف يعتقد أنه يقدم على وضع الحديث والكذب ويتفق الناس على الأخذ بقراءته، وإنما غايته أنه ليس من أهل الحديث، فذلك وقعت المنكرات والغلط الكثير في روايته.
هذا كله كلام المعترض وهذا الذي ذكره هو خلاصة نظره ونهاية تحقيقه وغاية بحثه وتدقيقه، وهو كما ترى مشتمل على الوهم والإبهام والخبط والتخطيط والتلبيس، لإن راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القاري الضعيف وهو حفص بن أبي داود بلا شك ولا ريب [104]، وإن أدنى من يعد من طلبة علم الحديث بعرف ذلك ولا بجهله ولا يشك فيه، ومن ادعى أن هذا الحديث رواه رجلان كل منهما يقال له حفص بن أبي داود وحفص بن سليمان وأحدهما ثقة والآخر ضعيف، فهو جاهل مخطئ بالإجماع أو معاند صاحب هوى متبع لهواه مقصود الترويج والتلبيس، وخلط الحق بالباطل { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }
ومن نظر من آحاد الناس في كتب الحديث واطلع على كلام أئمة الجرح والتعديل وعنى بذلك بعض العناية تبين له أن راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القارئ وأنه حفص بن أبي داود وأنه لم يتابعه على روايته حفص آخر غيره قد وافقه في اسمه واسم أبيه وكنيته، وهو مع هذا من جملة الثقات، وها أنا أسوق هذا الحديث من كتب بعض من ذكره من الأئمة وأشير إلى ما يتبين به من كلامهم من رواية حفص بن سليمان القاري الذي يقول فيه بعض الرواة: حفص بن أبي داود.
قال البيهقي في كتاب السنن الكبير: حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف إملاء، أنبأنا أبو الحسن محمد بن نافع بن إسحاق الخزاعي بمكة، حدثنا المفضل بن محمد الجندي حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا حفص بن سليمان أبو عمر عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج فزار قبري بعد موتي كأن كمن زارني في حياتي ».
قال البيهقي: وأخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، حدثنا حفص بن سليمان، وأنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود - فذكره، قال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف [105].
فهذا البيهقي قد نص على أن حفصا تفرد به وحكم عليه بالضعف، وسماه في رواية حفص بن سليمان، وفي أخرى حفص بن أبي داود، فدل على أن راوي هذا الحديث المسمى بحفص عنده رجل واحد وهو ضعيف.
وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي في كتاب الكامل [106] الذي روى البيهقي هذا الحديث منه ولم يسق متنه: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، وحدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، قال علي: حدثنا حفص بن سليمان، وقال أبو الربيع: حدثنا حفص بن أبي داود وقالا: عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج فزار قبري بعد موتي كأن كمن زارني في حياتي وصحبتي ». واللفظ لابن سفيان، قال ابن عدي: وهذا الحديث عن ليث لا يرويه عنه غير حفص، قال: وحفص بن سليمان هو حفص بن أبي داود، وقال: كذا يسميه أبو الربيع الزهراني لضعفه.
وما نقله هذا المعترض عن كتاب الثقات لابن حبان وأنه ذكر فيه حفص بن أبي داود، يروي عن الهيثم بن حبيب، ويروي عنه أبو الربيع الزهراني لم أره في النسخة التي عندي [107] بكتاب الثقات لابن حبان، ولعل المعترض رآه حاشية في كتاب فظن أنها من الأصل، فإن صح أن ابن حبان ذكر حفص بن أبي داود في كتاب الثقات، وزعم أنه غير القاري الضعيف، بل هو من جملة الثقات فقد أخطأ في ظنه ووهم في زعمه، فإن حفص بن أبي داود الذي يروي عن الهيثم ويروي عنه أبو الربيع هو حفص بن سليمان القاري بلا شك، ولكن كان أبو الربيع يسميه حفص بن أبي داود لما اشتهر من ضعفه وعرف من جرحه.
وقد قال ابن عدي في كتاب الكامل [108]، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سليمان بن نافع، حدثنا أبو معشر الدارمي البصري أنا سألته، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود الأسدي، حدثنا الهيثم بن حبيب الصراف، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري: قال: قال رسول الله ﷺ: « إن أهل الجنة ليتراؤن أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في السماء، وإنا أبا بكر وعمر منهم وأنعما ». قال ابن عدي عقب روايته هذا الحديث، وهذا الحديث عن الهيثم الصراف لا يرويه غير حفص بن سليمان بن أبي داود الأسدي، كذا يسميه أبو الربيع الزهراني لضعفه وهو حفص بن سليمان.
وقال ابن عدي أيضا: [109] حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود عن الهيثم بن حبيب، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: مر النبي برجل يصلي قد سدل ثوبه فعطفه عليه. قال ابن عدي، وهذا الحديث أيضا لا يرويه عن الهيثم بن حبيب غير حفص هذا.
فهذا ابن عدي قد نص على أن حفص بن أبي داود الذي زعم المعترض أن ابن حبان ذكره في الثقات هو حفص بن سليمان القاري وهذا لا شك فيه.
وقد قال ابن حبان في كتاب المجروحين: حفص بن سليمان الأسدي القاري أبو عمر البزاز، وهو الذي يقال له حفص بن أبي داود الكوفي، وكان من أهل الكوفة سكن بغداد، يروي عن علقمة بن مرثد وكثير بن شظير، روى عنه هشام بن عمار ومحمد بن بكار، كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع. سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن حفص بن سليمان الأسدي فقال: ليس بثقة، هكذا ذكر.
وذكر ابن حبان حفص بن سليمان في كتاب الضعفاء وقال إنه هو الذي يقال له حفص بن أبي داود. وهذا الذي قاله صحيح لا شك فيه، وهو الذي قاله غيره من الأئمة الحفاظ، فإن صح عنه مع هذا أنه ذكر حفص بن أبي داود في كتاب الثقات فقد تناقض تناقضا بينا وأخطأ خطا ظاهرا ووهم وهما فاحشا، وقد وقع له مثل هذا التناقض والوهم في مواضع كثيرة.
وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن الصلاح أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه، ولو أخذنا في ذكر ما أخطأ فيه وتناقض من ذكره الرجل الواحد في طبقتين متوهما كونه رجلين وجمعه بين ذكر الرجل في الكتابين، كتاب الثقات وكتاب المجروحين، ونحو ذلك من الوهم والإيهام لطال الخطاب.
وليس ببدع من هذا الرجل المعترض على شيخ الإسلام المتبع لهواه أن يأخذ بقول أخطأ فيه قائله ولم يوافق عليه، ويدع قولا أصاب قائله وتويع عليه والله الموفق.
وقال أبو القاسم الطبراني [110]: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود، عن ليس، عن مجاهد، عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: « من حج فزار قبري بعد وفاتي كمن زارني في حياتي ».
وقال أبو الحسن الدارقطني [111]: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو الربيع، حدثنا حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: قال رسول الله: « من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي » رواه أبو يعلي الموصلي عن أبي الربيع.
وقال بعض الحفاظ في زمن أبي عبد الله بن منده: حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك السر من رائي بنصبيين، حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن سيار بن محمد النصيبي، حدثنا عامر بن سيار بمصر، حدثنا حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ».
هكذا رواه بهذا اللفظ وقال: وقد روى هذا الخبر عن حفص بن سليمان محمد بن بكار وسعيد بن منصور، وقد ذكرناه بأسانيده في الكتاب الكبير، وقد رواه أيضا حفص بن سليمان عن كثير من شظير عن ليس، ثم ذكره كما تقدم من رواية أبي يعلي الموصلي.
وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: أخبرنا أبو الفضل الحافظ عن أبي علي الفقه قال: أنبأنا أبو القاسم الأزهري أنبأنا القاسم بن الحسن، حدثنا الحسن بن الطيب حدثنا علي بن حجر، حدثنا حفص بن سليمان، عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: « من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصبحتي ». هكذا رواه بهذه الزيادة وقد تقدمت من وجه آخر.
والحديث من أصله ليس بصحيح، وهذه الزيادة فيه منكرة جدا وقال البخاري في كتاب الضعفاء له: حفص بنت سليمان الأسدي أبو عمر القاري عن علقمة بن مرشد وعاصم تركوه وهو ابن أبي داود الكوفي، ثم قال ابن أبي القاضي حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا حفص بن سليمان، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج وزارني بعد موتي كان كمن زارني في حياتي » هكذا ذكره البخاري تعليقا في مناكير حفص. وقال في كتاب التاريخ [112]: حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ تركوه وهو حفص بن أبي داود، وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل: حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر المقري، وهو البزاز، وهو ابن أبي داود صاحب عاصم في القراءات سمعت أبي يقول ذلك؛ ثم قال: سئل أبو زرعة عن حفص بن أبي داود فقال: هو حفص بن سليمان وهو ضعيف الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد في كتاب ( الكنى ): أبو عمر حفص بن سليمان الأسدي المقري الكوفي، وسليمان الأسدي المقري الكوفي، وسليمان يكنى أبا داود، ذاهب الحديث.
فقد تبين بما ذكرناه من هذه الروايات وكلام أئمة الجرح والتعديل أن حفص بن سليمان راوي هذا الحديث هو حفص بن أبي داود وهو حفص القاري صاحب عاصم وأنه لا يصلح الاحتجاج به ولا الاعتماد على روايته، وأن من توهم أن هذا الحديث رواه رجلان مشتركان في الاسم واسم الأب وكنيته، أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فقد أخطأ بينا وارتكب أمرا منكرا لم يتابعه أحد عليه ولم يسبقه أحد إلى توهمه.
وإني لأتعجب من هذا الرجل المعترض كيف يرتكب مثل هذا التخليط في الكلام والتلبيس في القول بعد التعب العظيم والكدح الكثير، ثم يزعم مع هذا أن كلام شيخ الإسلام مشتمل على التخليط وعدم البيان وتبعيد المعنى عن الأفهام، فإنه قال في أثناء كلامه في كتابه الذي ألفه في الرد على الشيخ: وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك يعني في التوسل والاستغاثة رأيت في الرأي القويم، أن أميل عنه إلى الصراط المستقيم ولا أتبعه بالنقض والإبطال، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى إلى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك فالوجه الإضرار عنه.
هذا كله قول المعترض على شيخ الإسلام في كلامه المتضمن لتجريد التوحيد وسد ذرائع الشرك دقيقه وجليله، وقد علم الخاص والعام أن كلام شيخ الإسلام في سائر أنواع علوم الإسلام فيه من التحرير والتحقيق وغاية البيان والإيضاح وتقريب المعاني إلى الأفهام وحسن التعليم والإرشاد إلى الطريق القويم ما يضيق هذا الموضع من ذكره.
ويمكن الإنسان أن يقابل هذا المعترض على ما في كلامه من الكذب وسوء الأدب بأضعاف ما قاله ويكون صادقا في قوله مصيبا في عمله، وليس المقصود هنا مقابلته على ما في كلامه هذا من الجور والعدوان والظلم، وإنما المراد تبيين خطئه في الكلام على حديث حفص بن سليمان المذكور وما وقع منه من التخليط والتلبيس، وقد حصل ذلك ولله الحمد.
فإن قيل: قد روي هذا الحديث من وجه آخر عن ليث بن أبي سليم.
قال أبو بكر محمد بن خلف بن زنبور الكاعدي: أخبرنا أبو بكر محمد بن السري بن عثمان التمار، حدثنا نصر بن شعيب مولى العبدين، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن سليمان الضيعي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: « من حج بعد وفاتي وزار قبري كان كمن زارني في حياتي » والجواب أن يقال هكذا وقع في هذه الرواية جعفر بن سليمان الضبعي، وذلك خطأ قبيح ووهم فاحش، والصواب حفص بن سليمان، وهو حفص بن أبي داود القاري، والحديث حديثه وبه يعرف ومن أجله يضعف ولم يتابعه عليه ثقة ويحتج به، وهذا التصحيف الذي وقع في هذا الإسناد هو من بعض هؤلاء الشيوخ الذين لا يعتمد على نقلهم ولا يحتج بروايتهم.
وابن زنبور هو محمد بن عمر بن علي بن خلف بن محمد بن زنبور أبو بكر الوراق وهو شيخ تكلم فيه الحافظ أبو بكر الخطيب وقال: كان ضعيفا جدا [113]. وقال العتيقي: كان فيه تساهل، وشيخ ابن زنبور هو أبو بكر محمد بن السري التمار صاحب الجزء وهو معروف برواية المناكير والموضوعات، ونصر بن شعيب وأبوه ليسا ممن يحتج بخبرهما ولا يعتمد علي حديثهما، ولا يحتج بمثل هذا الإسناد من عقل شيئا من علم الحديث. والله أعلم.
فإذا قيل: قد روي هذا الحديث من غير رواية حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم. قال المعترض: ولو ثبت ضعفه - يعني حفص بن سليمان - فإنه لم ينفرد بهذا الحديث، وقول البيهقي إنه تفرد به بحسب ما أطلع عليه، وقد جاء في معجم الطبراني الكبير والأوسط متابعته، ثم ذكر عن طريق الطبراني [114] قال: حدثنا أحمد بن رشدين، حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري، حدثنا الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم قال: حدثتني جدتي عائشة بنت يونس امرأة الليث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله: « من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ».
فالجواب أن يقال ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه ولا هو مما يرجع إليه، بل هو إسناد مظلم ضعيف جدا، لأنه مشتمل على ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، ومجهول لم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبره، وابن رشدين [115] شيخ الطبراني قد تكلموا فيه، وعلي بن الحسن الأنصاري [116] ليس هو ممن يحتج بحديثه والليث ابن بنت الليث بن أبي سليم [117] وجدته عائشة [118] مجهولان لم يشتهر من حالهما عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتهما ولا يعرف لهما ذكر في غير هذا الحديث، وليث بن أبي سليم [119] مضطرب الحديث، قاله الإمام أحمد بن حنبل.
قال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم، وقال يحيى بن معين والنسائي [120]: ضعيف، وقال السعدي: يضعف حديث وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لا يحدث عن ليث بن أبي سليم.
وقال أحمد بن سليمان الرهاوي، عن مؤمل بن الفضل، قلنا لعيسى بن يونس ألم تسمع من ليث بن أبي سليم؟ قال: قد رأيته وكان قد اختلط وكان يصعد المنارة بارتفاع النهار فيؤذن، وقال ابن أبي حاتم [121] سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث، وقال أيضا: سمعت أبا زرعة يقول: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث.
والحاصل أن هذا المتابع الذي ذكره المعترض من رواية الطبراني لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف والسقوط ولا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار والاستشهاد لظلمة اسناده وجهالة رواته وضعف بعضهم واختلاطه واضطراب حديثه، ولو كان الإسناد صحيحا إلى ليث بن أبي سليم لكان فيه ما فيه، فكيف والطريق إليه ظلمات بعضها فوق بعض والله أعلم.
فإذا قيل قد روي هذا الخبر من وجه آخر غير طريق ليث بن أبي سليم قال بعض الحفاظ المتأخرين، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن بكار بن كرمون بإنطاكية حدثنا أبو عمر وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ البغدادي، حدثنا النعمان بن شبل، حدثنا محمد بن الفضل، عن جابر، عن محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن حج ولم يزر قبري فقط جفاني »
فالجواب أن يقال: هذا خبر منكر جدا ليس له أصل، بل هو حديث مفتعل موضوع وخبر مختلق مصنوع لا يجوز الاحتجاج به، ولا يحسن الاعتماد عليه لوجوه:
أحدها: أنه من رواية النعمان بن شبل وقد اتهمه موسى بن هارون الحمال وقال أبو حاتم بن حبان البستي [122]: يأتي عن الثقات بالطامات وعن الأثبات بالمقلوبات.
والثاني: أن في إسناده محمد بن الفضل بن عطية [123]، وكان كذابا قاله يحيى بن معين، وقال الإمام أحمد بن حنبل: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: [124] كان كذابا سألت ابن حنبل عنه فقال: ذاك عجب يجيئك بالطامات، وقال الفلاس: متروك الحديث كذاب، وقال أبو حاتم [125] الرازي: ذاهب الحديث ترك حديثه. وقال مسلم بن الحجاج وابن خراش والنسائي [126]: متروك الحديث، وقال النسائي في موضع آخر: كذاب، وقال ابن عدي [127]: عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه، وقال صالح بن محمد الحافظ، كان يضع الحديث، وقال ابن حبان [128]: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، كان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه.
الثالث: أن في طريقة جابر وهو الجعفي لم يكن بثقة، قال أبو حاتم الرازي [129] عن أحمد بن حنبل: تركه يحيى وعبد الرحمن، وقال أبو حنيفة [130]: ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي. وقال يحيى بن معين: كان جابر الجعفي كذابا لا يكتب حديثه ولا كرامة ليس بشيء، وقال السعدي: كذاب، سألت عنه أحمد بن حنبل: فقال: تركه ابن مهدي فاستراح، وقال النسائي [131]: متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال ابن حبان [132]: كان سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا، ثم روى عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان جابر الجعفي يؤمن بالرجعية، وقال زائدة: أما جابر الجعفي، فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة.
الرابع: أن محمد بن علي [133] الذي روى عنه جابر هو أبو جعفر الباقر، ولم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي الجملة ليس هذا الخبر مما يصلح الاستشهاد به ولا الاعتبار ولا يحتج به إلا من هو أجهل الناس بالعلم.
وقد قال شيخ الإسلام في أثناء كلامه على حديث حفص بن سليمان بعد أن ذكر ضعف حفص وكلام أئمة الجرح والتعديل فيه قال: ونفس المتن باطل فإن الأعمال التي فرضها الله تعالى ورسوله لا يكون الرجل بها مثل الواحد من الصحابة، بل في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: « لو اتفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » [134] فالجهاد والحج ونحوهما أفضل من زيارة قبره باتفاق المسلمين ولا يكون الرجل بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه.
وكان الشيخ قد بحث قبل هذا مع بعض من اعترض عليه من المالكية واحتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي بعد أن ذكر الشيخ ما استدل به فقال: قال المعترض المناقض: وروى مسلم في صحيحه في الذي سافر لزيارة أخ له في الله، ولفظ الحديث: أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في تلك القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحببته في الله، فقال: إني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه [135]، وفي موطأ مالك عن معاذ بن جبل في حديث ذكر فيه سمعت رسول الله ﷺ يقول، أي عن الله: « وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في » [136].
قال: فقد علمت أيها الأخ بهذا فضيلة زيارة الإخوان وما أعد الله بها للزائرين من الفضل والإحسان، فكيف بزيارة منهو حي الدارين وإمام الثقلين الذي جعل الله حرمته في حال مماته كحرمته في حال حياته، ومن شرفه الحق بما أعطاه من جميع صفاته ومن هدانا ببركته إلى الصراط المستقيم وعصمنا به من الشيطان الرجيم، ومن هو آخذ بحجرنا أن تقتحم في نار الجحيم ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم؟
قال الشيخ: والجواب أما زيارة الأخ الحي في الله كما في الحديث فهذا نظير زيارته في حياته يكون الإنسان بذلك من أصحابه وهم خير القرون، وأما جعل زيارة القبز كزيارته حيا كما قاسه هذا المعترض، فهذا قياس ما علمت أحدا من علماء المسلمين قاسه، ولا علمت أحدا منهم احتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي المحبوب في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك مما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه. وليس رؤية قبره أو رؤية الجدار الذي بني على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه، ومعلوم أن هذا من أباطل الباطل.
وأيضا فالسفر إليه في حياته إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح فيكون المسافر إليه مسافرا للمقام عنده بالمدينة مهاجرا من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة، فقال: « لا هجرة بعد الفتح ولمن جهاد ونية » [137] ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجرا أمره أن يرجع إلى مكة، وكذلك سائر الطلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا. وإما أن يكون المسافر إليه وافدا إليه ليسلم ويتعلم منه ما يبلغه قومه كالوفود الذين كانوا يفيدون عليه، لا سيما سنة تسع وعشر سنة الوفود، وقد أوصى في مرضه بثلاث فقال: « أخرجوا النصارى من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم » [138] ومن الوفود وفد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين [139]، لكن هؤلاء أسلموا قديما قبل فتح مكة وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد.
وكان السفر إليه في حياته لتعلم الإسلام والدين ولمشاهدته، وسماع كلامه، وكان خيرا محضا، ولم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عبد في حياته بحضرته، فإنه كان ينهى من يفعل ما هو دون ذلك من المعاصي، فكيف بالشرك، كما نهى الذين سجدوا [140] له، ونهى الذين صلوا خلفه قياما، وقال: « إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا » [141] رواه مسلم.
وفي المسند بإسناد صحيح عن أنس قال: « لم يكن شخص أحب إليهم من [142] رسول الله ﷺ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك » وفي الصحيح أن جارية قالت عنده « وفينا نبي يعلم ما في غده » فقال ﷺ: « دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين » [143]، ومثل هذا كثير من نهيه عن المنكر بحضرته، فكل من رآه في حياته لم يتمكن أن يفعل بحضرته منكرا يقر عليه.
إلى أن قال: ومعلوم أنه لو كان حيا في المسجد من أفضل العبادات وقصد القبر الذي اتخذ مسجدا مما نهى عنه، ولعن أهل الكتاب على فعله: وأيضا فليس عند قبره مصلحة من مصالح الدين، وقربة إلى رب العالمين إلا وهي مشروعة في جميع البقاع [144]، فلا ينبغي أن يكون صاحبها غير معظم للرسول ﷺ التعظيم التام والمحبة والتامة إلا عند قبره، بل هو مأمور بهذا في كل مكان. وزيارته في حياته مصلحة راجحة لا مفسدة فيها، والسفر إلى القبر بمجردة بالعكس مفسدة راجحة، وهناك بفعل من حقوقه ما يشرع في سائر المساجد، وهذا مما يتبين به كذب الحديث الذي يقال فيه: « من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي » وهذا الحديث هو معروف من رواية حفص بن سليمان الغاضري صاحب عاصم عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله: « من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي » وقد رواه عنه غير واحد وعندهم معروف من طريقة وهو عندهم ضعيف في الحديث إلى الغاية، حجة في القرآن، قال يحيى بن معين: حفص ليس بثقة، وقال البخاري: تركوه.
ثم سرد الشيخ كلام الأئمة فيه، وقال [145]: وقد رواه الطبراني في المعجم من حديث الليث بن بنت ليث بن أبي سليم عن زوجة جده عائشة عن ليث، وهذا الليث وزوجه جده مجهولان، ونفس المتن باطل، فإن الأعمال التي فرضها الله ورسوله لا يكون الرجل بها مثل الواحد من الصحابة، بل في الصحيحين عنه أنه قال: « لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » فالجهاد والحج ونحوهما أفضل من زيارة قبره باتفاق المسلمين، ولا يكون الرجل بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه، كيف وذاك إما أن يكون مهاجرا إليه كما كانت الهجرة قبل الفتح، أو من الوفود الذين كانوا يفدون إليه يتعلمون الإسلام ويبلغونه عنهم إلى قومهم، وهذا عمل لا يمكن أحدا بعدهم أن يفعل مثله. ومن شبه من زار قبر شخص بمن كان يزوره في حياته فهو مصاب في عقله ودينه، والزيارة الشرعية لقبر الميت مقصودها الدعاء له والاستغفار كالصلاة على جنازته والدعاء المشروع المأمور به في حق نبينا كالصلاة عليه والسلام عليه، وطلب الوسيلة له مشروع في جميع الأمكنة لا يختص بقبره عمل صالح تمتاز به تلك البقعة، بل كل عمل صالح يمكن فعله هناك يمكن فعله في سائر البقاع. لكن مسجده أفضل من غيره فالعبادة فيه فضيلة بكونها في مسجده كما قال: « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » والعبادات المشروعة فيه بعد دفنه، مشروعة فيه قبل أن يدفن النبي ﷺ في حجرته، وقبل أن تدخل حجرته في المسجد، ولم يتحدد بعد ذلك فيه عبادة غير العبادات التي كانت على عهد النبي ﷺ وغير ما شرعه هو لأمته ورغبهم فيه ودعاهم إليه، وما يشرع للزائر من صلاة وسلام ودعاء له وثناء عليه، كل ذلك مشروع في مسجده في حياته، وهي مشروعة في سائر المسجد بل وفي سائر البقاع التي تجوز فيها الصلاة، وهو ﷺ قد جعلت له ولأمته الأرض مسجدا وطهورا، فحيث ما أدركت أحدا الصلاة فليصل فإنه مسجد، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه ﷺ [146].
ومن ظن أن زيارة القبر تختص بجنس من العبادة لم تكن مشروعة في المسجد وإنما شرعت لأجل القبر فقد أخطأ، لم يقل هذا أحد من الصحابة والتابعين، وإنما غلط في هذا بعض المتأخرين، وغاية ما نقل عن بعض الصحابة كابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر يقف عن القبر ويسلم، وجنس السلام عليه مشروع في المسجد وغير المسجد قبل السفر وبعده. وأما كونه عند القبر فهذا كان يفعله ابن عمر إذا قدم من سفر، وكذلك الذين استحبوه من العلماء استحبوه للصادر والوارد من المدينة وإليها من أهلها، وللوارد والصادر من المسجد من الغرباء، مع أن أكثر الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك ولا فرق أكثر السلف بني الصادر والوارد، بل كلهم ينهون عما نهى عنه رسول الله ﷺ.
وقد قال أبو الوليد الباجي: إنما فرق بين أهل المدينة وغيرها، لأن الغرباء قصدوا لذلك، وأهل المدينة مقيمون بها، ولم يقصدوها من أجل القبر والتسليم، قال: وقال النبي ﷺ: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وقال: « لا تجعلوا قبري عيدا ».
وهذا الذي ذكره من أدلة سوى في النهي، فإن قوله لا تجعلوا ولا تتخذوا بيتي عيدا، نهي لكل أمة أهل المدينة والقادمين إليها، وكذلك نهيه عن اتخاذ القبور مساجد وخبرة بأن غضب الله اشتد على من فعل ذلك، هو متناول للجميع وكذلك دعاؤه بأن لا يتخذ قبره وثنا، عام.
وما ذكره من أن الغرباء قصدوا لذلك تعليق على العلة ضد مقتضاها فإن القصد لذلك منهي عنه، كما صرح به مالك وجمهور أصحابه، وكما نهى عنه، وإذا كان منهيا عنه أو ليس بقربه لم يشرع الإعانة عليه، وابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يسافر إلى المدينة لأجل القبر، بل المدينة وطنه، فكان يخرج منها لبعض الأمور، ثم يرجع إلى وطنه فيأتي المسجد، فيصلي فيه ويسلم، فأما السفر لأجل القبور فلا يعرف عن أحد من الصحابة، بل ابن عمر كان يقدم إلى بيت المقدس ولا يزور قبر الخليل ﷺ: وكذلك أبوه عمر رضي الله عنه ومن معه من المهاجرين والأنصار قدموا إلى بيت المقدس، ولم يذهبوا إلى قبر الخليل عليه السلام، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وسائر أهل الشام لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر إلى قبر الخليل عليه السلام ولا غيره كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وما كان قربة للغرباء فهو قربة لأهل المدينة كإتيان قبور الشهداء وأهل البقيع، وما لم يكن قربة لأهل المدينة لم يكن قربة لغيرهم كاتخاذ بيته عيدا واتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا، وكالصلاة إلى الحجرة والتمسح بها وإلصاق البطن بها والطواف بها وغير ذلك مما يفعله جهال القادمين، فإن هذا بإجماع المسلمين ينهي عنه الغرباء، كما ينهى عنه أهل المدينة، ينهون عنه صادرين وواردين باتفاق المسلمين.
وبالجملة: فجنس الصلاة والسلام عليه والثناء عليه ﷺ ونحو ذلك مما استحبه بعض العلماء عند القبر للواردين والصادرين هو مشروع في مسجده وسائر المساجد، وأما ما كان سؤالا له فهذا لم يستحبه أحد من السلف لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ثم بعض من يستحب هذا من المتأخرين يدعونه مع البعد فلا يختص هذا عندهم بالقبر، وأما نفس داخل بيته عند قبره فلا يمكن أحد الوصول إلى هناك ولم يشرع هناك عمل يكون هناك أفضل منه في غيره، ولو شرع لفتح باب الحجرة للأمة، بل قد قال: « لا تتخذوا بيتي عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » [147] صلوات الله وسلامه عليه.
وقد تقدم ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عبدالعزيز الداروردي، عن سهيل بن أبي سهيل، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فناداني فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي ﷺ، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم على النبي ﷺ، قم، قال: إن رسول الله ﷺ قال: « لا تتخذوا بيتي عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وغيرها من الشام مثل معاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وغيرهم لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر لقبر من القبور التي بالشام لا قبر الخليل ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وكذلك الصحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد، كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
فإن قيل: الزائر في الحياة إنما أحبه لله لكونه يحبه في الله، والمؤمنون يحبون الرسول أعظم، وكذلك يحبون سائر الأنبياء والصالحين، فإذا زارهم أثيبوا على هذه المحبة، قيل حب الرسول من أعظم واجبات الدين وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: « ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار » [148] وفي الحديث الصحيح عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » [149] رواه البخاري عن أبي هريرة قال: والذي نفسي بيده.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي ﷺ وهو آخذ بيد عمر فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي ﷺ: « لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك » فقال عمر، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر [150]، وتصديق ذلك في القرآن قوله: { قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } وقال: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ }
وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة » اقرأوا إن شئتم { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [151] وذكر الحديث، وفي حديث آخر: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » [152]
لكن حبه وطاعته وتعزيزه وتوقيره وسائر ما أمر الله به من حقوقه مأمور به في كل مكان لا يختص بمكان دون مكان، وليس من مكان في المسجد عند القبر بأولى بهذه الحقوق ووجوبها عليه ممن كان في موضع آخر.
ومعلوم أن مجرد زيارة قبره كالزيارة المعروفة للقبور غير مشروعة ولا ممكنة ولو كان في زيارة قبره عبادة زائدة للأمة لفتح باب الحجرة ومكنوا من فعل تلك العبادة عند قبره، وهم لم يمكنوا إلا من الدخول إلى مسجده والذي يشرع في مسجده يشرع في سائر المساجد، لكن مسجده أفضل من سائرها إلا المسجد الحرام على نزاع في ذلك وما يجده مسلم في قلبه من محبته والشوق إليه والأنس بذكره وذكر أحواله فهو مشروع له في كل مكان، ,ليس في مجرد زيارة ظاهرة الحجرة ما يوجب عبادة لا تفعل بدون ذلك، بل نهى عن أن يتخذ ذلك المكان عيدا وأمر أن يصلي عليه حيث كان العبد ويسلم عليه، فلا يخص بيته وقبره لا بصلاة عليه ولا تسليم عليه، فكيف بما ليس كذلك [153].
وإذا خص قبره بذلك صار ذلك في سائر الأمكنة دون ما هو عند قبره بنقص حبه وتعظيمه وتعزيزه ومولاته والثناء عليه عند غيره قبره عما يفعل عند قبره ما يجده الناس في قلوبهم إذا رأوا من يحبونه ويعظمونه يجدون في قلوبهم عند قبره مودة له ورحمة ومحبة أعظم مما يكون بخلاف ذلك، والرسول ﷺ هو الواسطة بينهم وبين الله في كل مكان وزمان فلا يؤمرون بما يوجب نقص محبتهم وإيمانهم في عامة البقاع والأزمنة، مع أن ذلك لو شرع لهم لاشتغلوا بحقوقهم عن حقه واشتغلوا بطلب الحوائج منه كما هو الواقع فيدخلون في الشرك بالخالق، وفي ترك حق المخلوق فينقص تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
وأما ما شرعه لهم من الصلاة والسلام عليه في كل مكان وأن لا يتخذوا بيته عيدا ولا مسجدا، ومنعهم من أن يدخلوا إليه ويزوروه، كما تزار القبور، فهذا يوجب كمال توحيدهم للرب تبارك وتعالى وكمال إيمانهم بالرسول ﷺ ومحبته وتعظيمه حيث كانوا واهتمامهم بما أمروا به من طاعته، فإن طاعته هي مدار السعادة، وهي الفارقة بين أولياء الله وأعدائه، وأهل الجنة وأهل النار فأهل طاعته هم أولياء الله المتقون وجنده المفلحون وحزبه الغالبون، وأهل مخالفته ومعصيته بخلاف ذلك.
والذين يقصدون الحج إلى قبره وغبر غيره ويدعونهم ويتخذونهم أندادا من أهل معصيته ومخالفته لا من أهل طاعته وموافقته، فهم في هذا الفعل من جنس أعدائه لا من جنس أوليائه، وإن ظنوا أن هذا من مولاته ومحبته، كما يظن النصارى أن ما هم إلا من الغلو في المسيح والتبرك به من جنس محبته وموالاته، وكذلك دعائهم للأنبياء الموتى كإبراهيم وموسى وغيرهم عليهم السلام، ويظنون أن هذا من محبتهم ومولاتهم، وإنما هو من جنس معاداتهم، ولهذا يتبرؤن منهم يوم القيامة.
وكذلك الرسول ﷺ يتبرأ ممن عصاه وإن كان قصده تعظيمه والغلو فيه، قال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } فقد أمر الله المؤمنين أن يتبرؤا من كل معبود غير الله ومن كل من عبده قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }
وكذلك سائر الموتى ليس في مجرد رؤية قبروهم ما يوجب لهم زيادة المحبة إلا لمن عرف أحوالهم بدون ذلك فيتذكر أحوالهم، والرسول ﷺ يذكر المسلمون أحواله ومحاسنه وفضائله، وما من الله به عليه، وما من على أمته، فبذلك يزداد حبهم له وتعظيمهم له، لا بنفس رؤية القبر.
ولهذا تجد العاكفين على قبور الأنبياء والصالحين من أبعد الناس عن سيرتهم ومتابعتهم، وإنما قصد جمهورهم التأكل والترأس بهم، فيذكرون فضائلهم ليحصل لهم بذلك رئاسة أو مأكلة، لا ليزدادوا هم حبا وخيرا.
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ قال: « وإن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد » [154].
وما ذكره هذا من فضائله فبعض ما يستحقه ﷺ، والأمر فوق ما ذكره أضعافا مضاعفة، لكن هذا يوجب إيماننا به وطاعتنا له واتباع سنته والتأسي به والاقتداء به ومحبتنا له وتعظيمنا له، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، فإن هذا هو طريق النجاة والسعادة وهو سبيل الحق ووسيلتهم إلى الله تعالى، ليس في هذا ما يوجب معصيته ومخالفة أمره والشرك بالله واتباع غير سبيل المؤمنين السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان، وهو ﷺ قد قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد »، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما فعلوا، وقال: « لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني »، وقال: « خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة » [155] رواه مسلم، وقال « إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كبيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة » [156] إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن الحجاج إلى القبور هم من المخالفين للرسول ﷺ الخارجين عن شريعته وسنته، لا من الموافقين له المطيعين له، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
قال المعترض
الحديث الخامس: « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » رواه ابن عدي في الكامل وغيره، قم قال: أخبرناه اذنا ومشافهة عبد المؤمن وآخرون عن أبي الحسن بن المقير البغدادي، عن أبي الكرم بن الشهرزوري، أنبأنا إسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي، أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا محمد بن محمد بن النعمان، حدثني جدي، قال: حدثي مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » [157]. وذكر ابن عدي أحاديث للنعمان ثم قال: هذه الأحاديث عن نافع عن ابن عمر يحدث بها النعمان بن شبل عن مالك، ولا أعلم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل، ولم أر في أحاديثه حديثا غريبا قد جاوز الحد فأذكره، وروى في صدر ترجمته عن عمران بن موسى الزجاجي أنه ثقة، وعن موسى بن هارون أنه متهم، وهذه التهمة غير مفسرة فالحكم بالتوثيق مقدم عليها، وذكر أبو الحسن الدارقطني هذا الحديث في أحاديث مالك بن أنس الغرائب التي ليست في الموطأ، وهو كتاب ضخم، قال: حدثنا أبو عبد الله الأيلي وعبد الباقي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن النعمان بن شبل، حدثنا جدي حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » قال الدارقطني: تفرد به هذا الشيخ وهو منكر، هذه عبارة الدارقطني، والظاهر أن هذا الإنكار منه بحسب تفرده وعدم احتماله له بالنسبة إلى الإسناد المذكور؛ ولا يلزم من ذلك أن يكون المتن في نفسه منكرا ولا موضوعا، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات [158]، وهو سرف منه، ويكفي في الرد عليه ما قاله ابن عدي، وقال ابن الجوزي عن الدارقطني، إن الحمل فيه على محمد بن محمد بن النعمان لا على جده، وكلام الدارقطني الذي ذكرناه محتمل لذلك، ولأن يكون المراد تفرد النعمان كما قاله ابن عدي.
وأما قول ابن حبان أن النعمان يأتي عن الثقات بالطامات، فهو مثل كلام الدارقطني إلا أنه بالغ في الإنكار، وقد روى ابن حبان في كتاب ( المجروحين ) عن أحمد بن عبيد عن محمد بن محمد، وقول ابن الجوزي في كتاب ( الضعفاء ) أن الدارقطني طعن في محمد بن محمد بن النعمان، فالذي حكيناه من كلام الدارقطني هو الإنكار لا التضعيف، فيحصل من هذا إبطال الحكم عليه بالوضع، لكنه غريب كما قال الدارقطني، وهو لأجل كلام ابن عدي صالح لأن يعتضد به غيره.
وهذا الحديث كان ينبغي تقديمه على الأول لكونه من طريق نافع، ولكن أخرناه لأجل ما وقع من الكلام.
ومما يجب أن ينتبه له أن حكم المحدثين بالإنكار والاستغراب قد يكون بحسب تلك الظروف فلا يلزم من ذلك رد متن الحديث بخلاف إطلاق الفقيه أن الحديث موضوع، فإن حكم على المتن من حديث الجملة، فلا جرم قبلنا كلام الدارقطني، ورددنا كلام ابن الجوزي والله أعلم.
انتهى كلام المعترض على هذا الحديث وهو كما ترى ملفق مزوق غير محقق ولا مصدق، بل فيه من الوهم والإبهام والتلبيس والخبط والتخليط ودفع الحق وقبول الباطل ما سننبه على بعضه إن شاء الله تعالى.
واعلم أن هذا الحديث المذكور منكر جدا لا أصل له، بل هو من المكذوبات والموضوعات، وهو كذب موضوع على مالك مختلق عليه، لم يحدث به قط ولم يروه إلا من جمع الغرائب والمناكير والموضوعات، ولقد أصاب الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في ذكره في الموضوعات [159]، وأخطأ هذا المعترض في رده وكلامه، والحمل في هذا الحديث على محمد بن محمد بن النعمان لا على جده، كما ذكره الدارقطني في الحواشي على كتاب ( المجروحين ) لأبي حاتم بن حبان البستي.
هذا المعترض لم يقف على كلام الدارقطني الذي نحكيه عنه، قال ابن حبان في كتاب الضعفاء: النعمان بن شبل أبو شبل من أهل البصرة يروي عن أبي عوانة ومالك والبصريين والحجازيين، روى عنه ابن أبنه محمد بن محمد بن النعمان بن شبل، حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر قال، قال رسول الله ﷺ: « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » حدثنا أحمد بن عبيد [160] بهمذان، حدثنا محمد بن محمد [161] بن النعمان بن شبل أبو شبل حدثنا جدي حدثنا مالك [162].
هذا جميع ما ذكره ابن حبان في ترجمة النعمان بن شبل، وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني في الحواشي على كتابه: هذا حديث غير محفوظ عن النعمان بن شبل إلا من رواية ابن ابنه عن ابنه، والطعن فيه عليه لا على النعمان، ولقد صدق الحافظ أبو الحسن في هذا القول، فإن النعمان بن شبل إنما يعرف برواية هذا الحديث عن محمد بن الفضل بن عطية المشهور بالكذب، ووضع الحديث عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب، هكذا رواه الحافظ أبو عمر وعثمان بن خزاذ عن النعمان بن شبل كما تقدم ذكره.
هذا الحديث الموضوع لا يليق أن يكون إسناده إلا مثل هذا الإسناد الساقط ولم يروه عن النعمان بن شبل عن مالك عن نافع عن ابن عمر إلا ابن ابنه محمد بن محمد بن النعمان، وقد هتك محمد في رواية هذا الحديث ستره وأبدى عن عورته وافتضح بروايته حيث جعله عن مالك عن نافع عن ابن عمر [163]، ومن المعلوم أن أدنى من له علم ومعرفة بالحديث أن تفرد مثل محمد بن محمد بن النعمان بن شبل المتهم بالكذب والوضع عن جده النعمان بن شبل الذي لم يعرف بعدالة ولا ضبط ولم يوثقه إمام يعتمد عليه - بل اتهمه موسى بن هارون الحمال أحد الأئمة الحفاظ المرجوع إلى كلامهم في الجرح والتعديل الذي قال فيه عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ هو أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله ﷺ في وقته - عن مالك عن نافع عن ابن عمر بمثل هذا الخبر المنكر الموضوع من أبين الأدلة وأوضح البراهين على فضيحته وكشف عورته وضعف ما تفرد به وكذبه ورده وعدم قبوله.
ونسخة مالك عن نافع عن ابن عمر محفوظة معروفة مضبوطة رواها عن أصحابه رواة الموطأ وغير رواة الموطأ، وليس هذا الحديث منها، بل لم يروه مالك قط ولا طرق سمعه. ولو كان من حديثه لبادر إلى روايته عنه بعض أصحابه الثقات المشهورين، بل لو تفرد بروايته عنه ثقة معروف من بين سائر أصحابه لأنكره الحفاظ عليه، ولعدوه من الأحاديث المنكرة الشاذة، فكيف وهو حديث لم يروه عنه ثقة قط، ولم يخبر عنه عدل.
وما ذكره المعترض عن عمران بن موسى أنه وثق النعمان بن شبل ليس بصحيح عنه، وعمران ليس م أئمة الجرح والتعديل المرجوع إلى أقوالهم، فلو ثبت عنه ما حكاه المعترض لم يرجع إلى قوله فكيف وهو لم يثبت عنه، فإنه ابن عدي قال في كتاب الكامل [164] حدثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل، حدثنا عمران بن موسى، حدثنا النعمان بن شبل وكان ثقة، هذا هو الذي حكاه ابن عدي من توثيق النعمان، ومنه نقل المعترض كما ذكره، وصالح بن أحمد بن أبي مقاتل شيخ ابن عدي يعرف بالقيراطي، وهو متهم بالكذب والوضع وسرقة الأحاديث فإن كان هو الموثق للنعمان بن شبل لم يقبل توثيقه، لأنه ضعيف في نفسه، فكيف يقبل توثيقه لغيره؟
وإن كان الموثق هو عمران بن موسى كما ذكره المعترض لم تقبل رواية صالح بن أحمد بن أبي مقاتل عنه ذلك، لأنه غير ثقة. وقال الدارقطني [165] هو متروك كذاب دجال أدركناه ولم نكتب عنه يحدث بما لم يسمع، وقال ابن عدي [166] يسرق الأحاديث ويرفع الموقوف ويصل المرسل وهو بين الأمر جدا، وقال ابن حبان [167] كتبنا عنه ببغداد يسرق الحديث ويقلبه، ولعله قد قلب أكثر من عشرة آلاف حديث لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال البرقاني [168]: هو ذاهب الحديث، وقال الخطيب [169]: كان يذكر بالحفظ غير أن حديثه كثير المناكير.
فإذا كانت هذه حال صالح بن أحمد بن أبي مقاتل عن أئمة الجرح والتعديل فكيف يقبل توثيقه لرجل غير ثقة أو بصار إلى روايته التوثيق لغير عدل عمن لا يرجع إلى قوله ولا يلتفت إلى كلامه؟ فكيف يقدم مثل هذا التوثيق للنعمان بن شبل على قوم موسى بن هارون الحمال؟ إنه منهم وقد عرف أنه أراد تهمة الكذب، مع العلم بأن موسى بن هارون من كبار أئمة الصنعة وعلماء هذا الشأن العارفين بعلل الأحاديث المرجوع إلى قولهم وجرحهم وتعديلهم ولم يخالفه أحد في قوله هذا، بل وافقه عليه أبو حاتم بن حبان وغيره كما تقدم.
ولو ثبت أن النعمان بن شبل وثقة من يعتمد على توثيقه ويرجع إلى تعديله لم يكن في ذلك ما يتقضي قبول ما روى عنه في الزيادة ولا قوته، فإن الحمل فيه على غيره والطعن فيه على ابن ابنه محمد بن محمد بن النعمان، كما ذكر ذلك شيخ الصنعة إمام عصره وفريد دهره ونسيج وحده الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني، ولم يخالفه أحد يعتمد على قوله [170].
ومن العجب قول هذا المعترض في آخر كلامه على الحديث: فلا جرم قبلنا كلام الدرقطني ورددنا كلام ابن الجوزي مع أن كلام الدارقطني وكلام ابن الجوزي متفق غير مختلف. فإن الدارقطني ذكر أن الحديث منكر وأن الطعن والعمل فيه على محمد بن محمد بن النعمان، وابن الجوزي ذكره في الموضوعات وحكى قول الدارقطني محتجا به ومعتمدا عليه، فقبول المعترض قول أحدهما ورده قول الآخر مع اتفاقهما في المعنى من باب الخبط والتخبيط وليس ذلك ببدع في كلامه وتصرفاته.
والحاصل أن هذا الحديث الذي تفرد به محمد بن محمد بن النعمان عن جده عن مالك لا يحتج به ويعتمد عليه إلا من أعمى الله قبله، وكان من أجهل الناس بعلم المنقولات، ولو فرض أنه خبر صحيح وحديث مقبول لم يكن فيه حجة إلا على الزيادة الشرعية. وقد ذكرنا غير مرة أن شيخ الإسلام لا ينكر الزيارة الشرعية وإنما ذكر في جواب السؤال المشهور في السفر مجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين قولين لأهل العلم [171]، وذكر أن قوله من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء فيه احتراز عن السفر المشروع كالسفر إلى زيارة قبر النبي ﷺ إذا سافر السفر المشروع فسافر إلى مسجده فصلى فيه وصلى عليه وسلم عليه ودعا، وأثنى كما يحبه الله ورسوله، فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين، وليس فيه نزاع فإن هذا لم يسافر لمجرد زيارة القبور، بل للصلاة في المسجد، فإن المسلمين متفقون على أن السفر الذي يسمى زيارة لابد فيه من أن يقصد المسجد ويصلي فيه لقوله ﷺ: « لقوله صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » ولقوله: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا » [172].
والسؤال والجواب لم يكن المقصود فيه خصوص السفر إلى زيارة قبر النبي، فإن هذا السفر على هذا الوجه مشروع مستحب باتفاق المسلمين ولم يقل أحد من المسلمين أن السفر إلى زيارة قبر محرم مطلقا، بل من سافر إلى مسجده وصلى فيه وفعل ما يؤمر به من حقوق الرسول كان هذا مستحبا مشروعا باتفاق المسلمين، لم يكن هذا مكروها عند أحد منهم، لكن السلف لم يكونوا يسمون هذا زيارة لقبره، وقد كره من كره من أئمة العلماء أن يقال: زرت قبر النبي ﷺ، وآخرون يسمون هذا زيارة لقبره لكن هم يعلمون ويقولون: إنه إنما يصلي إلى مسجده، وعلى اصطلاح هؤلاء من سافر إلى مسجده وصلى فيه وزار قبره الزيارة الشرعية لم يكن هذا محرما عند أئمة المسلمين بخلاف السفر إلى زيارة قبر غيره من الأنبياء والصالحين، فإنه ليس عنده مسجد يسافر إليه.
فالسؤال والجواب كان من جنس السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين كما يفعل أهل البدع ويجعلون ذلك حجا أو أفضل من الحج أو قريبا من الحج، حتى روى بعضهم حديثا ذكره بعض المصنفين في زماننا في فضل من زار الخليل قال فيه: وقال وهب بن منبه إذا كان آخر الزمان حيل بين الناس وبين الحج فمن لم يحج ولحق ذلك ولحق بقبر إبراهيم، فإن زيارته تعدل حجة، وهذا كذب على وهب بن منبه كما أن قوله من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة، كذب على رسول الله ﷺ [173].
وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث إنما افتراه الكذابون لما فتح بيت المقدس واستنقذ من أيدي النصارى على يد صلاح الدين سنة بضع وثمانين وخمسمائة، فإن النصارى نقبوا قبر الخليل وصار الناس يتمكنون من الدخول إلى الحضرة، وأما على عهد الصحابة والتابعين وهب بن منبه وغيره فلم يكن هذا ممكنا، ولا عرف عن أحد من الصحابة والتابعين أنه سافر إلى قبر الخليل عليه السلام، ولا إلى قبر غيره من الأنبياء، ولا من أهل البيت، ولا من المشايخ ولا غيرهم، ووهب بن منبه كان باليمن لم يكن بالشام ولكن كان من المحدثين عن بني إسرائيل والأنبياء المتقدمين مثل كعب الأحبار ومحمد بن إسحاق ونحوهما.
وقد ذكر العلماء ما ذكره وهب في قصة الخليل وليس فيه شيء من هذا ولكن أهل الضلال افتروا آثارا مكذوبة على الرسول وعلى الصحابة والتابعين توافق بدعهم، وقد رووا عن أهل البيت وغيرهم من الأكاذيب ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، وغرض أولئك الحج إلى قبر علي، أو الحسين أو إلى قبور الأئمة كموسى والجواد وغيرهما من الأئمة الأحد عشر، فإن الثاني عشر دخل السرداب وهو عندهم حي إلى الآن ينتظر، ليس لهم غرض في الحج إلى قبر الخليل وهؤلاء من جنس المشركين الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا، فالكل قوم هدى يخالف هدي الآخرين قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
وهؤلاء تارة يجعلون الحج إلى قبورهم أفضل من الحج وتارة نظير الحج، وتارة بدلا عن الحج.
فالجواب كان عن مثل هؤلاء، ولكن كان ذكر قبر نبينا لشمول الأدلة الشرعية، فإنه إذا احتج بقوله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كان مقتضى هذا أنه لا يسافر إلا إلى المسجد لا إلى مجرد القبر، كما قال مالك للسائل الذي سأله من نذر أن يأتي قبر النبي ﷺ فقال إن كان أراد مسجد النبي ﷺ فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء « لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد » وهذا كما لو نهى الناس أن يحلفوا بالمخلوقات، وذكر لهم قول النبي: « من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » [174] وقوله: لا تحلفوا إلا بالله ونحوه، وقيل إنه لا يجوز الحلف بالملائكة ولا الكعبة ولا الأنبياء ولا غيرهم، فإذا قيل: ولا بالنبي لزم طرد الدليل، فقيل: ولا يحلف بالنبي ﷺ، كما قاله جمهور العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، ومن الناس من يستثني نبينا كما استثناه طائفة من الخلف فجوز الحلف به وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه كالقاضي أبي يعلي وأتباعه وخصوه بذلك، وبعضهم طرد ذلك من الأنبياء، وهو قول ابن عقيل في كتابه المفردات، لكن قول الجمهور أصح لأن النهي هو عن الحلف بالمخلوقات كائنا من كان كما وقع النهي عن عبادة المخلوق وعن تقواه وخشيته والتوكل عليه وجعله ندا لله، وهذا متناول لكل مخلوق، نبينا وسائر الأنبياء والملائكة وغيرهم، فكذلك الحلف بهم والنذر لهم أعظم من الحلف بهم، والحج إلى قبورهم أعظم من الحلف بهم والنذر لهم وكذلك السفر إلى زيارة القبور وقصر الصلاة فيه.
ولأصحاب أحمد فيه أربعة أقوال قيل تقصر الصلاة مطلقا في كل سفر لزيارة القبور، وقيل: لا تقصر في شيء من ذلك: وقيل: تقصر في السفر لزيارة قبر نبينا خاصة وقيل: بل لزيارة قبره وسائر قبور الأنبياء، فالذين استثنوا نبينا قد يعللون ذلك بأن السفر هو إلى مسجده، وذلك مشروع مستحب بالاتفاق، فتقصر فيه الصلاة بخلاف السفر إلى قبر غيره، فإنه سفر لمجرد القبر، وقد يستنونه من العموم كما استثناه من استثناه منهم في الحلف، ثم ظن بعضهم أن العلة هي النبوة فطرد ذلك في الأنبياء.
والصواب أن السفر إلى قبره إنما يستثنى لأنه سفر إلى مسجده ثم إن الناس أقسام منهم من يقصد السفر الشرعي إلى مسجده، ثم إذا صار إلى مسجده المجاور لبيته الذي فيه قبره فعلى ما هو مشروع، فهذا سفر مجمع على استجابة وقصر الصلاة فيه، ومنهم من لا يقصد إلا مجرد القبر ولا يقصد الصلاة في المسجد أولا يصلي فيه، فهذا لا ريب أنه ليس بمشروع ومنهم من يقصد هذا وهذا، فهذا لم يذكر في الجواب، إنما ذكر في الجواب من لم يسافر إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ومن الناس من لا يقصد إلا القبر، لكن إذا أتى المسجد صلى فيه، فهذا أيضا يثاب على ما فعله من المشروع كالصلاة في المسجد والصلاة على النبي ﷺ والسلام عليه ونحو ذلك من الدعاء والثناء عليه ومحبته وموالاته والشهادة له بالرسالة والبلاغ وسؤال الله الوسيلة له ونحو ذلك مما هو من حقوقه المشروعة في مسجده بأبي هو وأمي ﷺ.
ومن الناس من لا يتصور ما هو الممكن المشروع من الزيارة حتى يرى المسجد والحجرة فلا يسمع لفظ زيارة قبره فيظن ذلك كما هو المعروف المعهود من زيارة القبور أنه يصل إلى القبر ويجلس عنده، ويفعل ما يفعله من زيارة شرعية أو بدعية فإذا رأى المسجد والحجرة تبني له أنه لا سبيل لأحد أن يزور قبره كالزيارة المعهودة عند قبر غيره وإنما يمكن الوصول إلى مسجده والصلاة فيه وفعل ما يشرع للزائر في المسجد لا في الحجرة عند القبر بخلاف قبر غيره والله أعلم.
قال المعترض
وحديث آخر من رواية ابن عمر ذكره الدارقطني في العلل في مسند ابن عمر في حديث: « من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل » قال: حدثنا جعفر بن محمد الواسطي حدثنا موسى بن هارون، حدثنا محمد بن الحسن الختلي، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا عون بن موسى، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من زارني إلى المدينة كنت له شفيعا وشهيدا » قيل للختلي إنما هو سفيان بن موسى، قال: اجعلوه عن ابن موسى، قال موسى بن هارون: ورواه إبراهيم بن الحجاج عن وهيب، عن أيوب، عن نافع مرسلا عن النبي فلا أدري سمعه من إبراهيم بن الحجاج أم لا وإنما لم أفرد الحديث بترجمة، لأن نسخة العلل للدارقطني التي نقلت منها سقيمة. انتهى ما ذكره المعترض على هذا الحديث.
والجواب أن يقال
هذا اللفظ المذكور غلط في هذا الحديث، حديث نافع عن ابن عمر ولفظ الزيارة فيه غير محفوظة [175]، ولو كان محفوظا لم يكن فيه حجة على محل النزاع، والمحفوظ في هذا عن أيوب السختياني ما رواه هشام الدستوائي وسفيان بن موسى عنه عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها كنت له شفيعا أو شهيدا » هذا هو حديث أيوب عن نافع ليس فيه ذكر الزيارة أصلا، وكذلك رواه الحسن بن أبي جعفر الجعفري، وهو ضعيف، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ورواه وهيب عن أيوب عن نافع مرسلا عن النبي ﷺ، ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال: نبئت عن نافع قال: قال رسول الله ﷺ. قال موسى بن هارون: ووهيب وابن علية أثبت من الدستوائي ومن الجعفري ومن سفيان بن موسى. وقد ذكرنا ألفاظ هذا الحديث فيما تقدم، وذكرنا من رواه عن نافع من أصحابه، وحكينا ما ذكره الدارقطني وغيره في ذلك.
وقد وقف هذا المعترض على ما ذكره الدارقطني في كتاب العلل من الاختلاف في إسناد الحديث ومتنه، ولم ينقل منه إلا طريقا واحدة أخطأ فيها الراوي ولفظا واحدا وهم فيه الناقل وأعرض عن ذكر الطرق الواضحة والألفاظ الصحيحة، وهل هذا إلا عين الخذلان أن ينظر الرجل في ألفاظ الحديث وطرقه في موضع واحد، فينقل منها الضعيف السقيم، ويدع القوي الصحيح من غير بيان لذلك، ثم يعتل بأن النسخة التي نقل منها سقيمة، وهذا الحديث الذي نقله المعترض من كتاب العلل للدارقطني أخطأ راويه في إسناده ووهم في متنه.
أما خطؤه في إسناده فقوله عن عون بن موسى: وإنما هو سفيان بن موسى وهو شيخ من أهل البصرة، روى له مسلم في صحيح حديثا واحدا متابعة يرويه عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: إذا أقيمت الصلاة ووضع العشاء فابدوا بالعشاء، وقد ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل عنه أباه فقال: مجهول [176]، وذكره ابن حبان في كتاب [177] الثقات.
وأما وهمه في متنه فقوله: من زارني إلى المدينة، ولفظ الزيارة في حديث أيوب عن نافع ليس بصحيح، والمعروف من حديثه عنه: من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل، وأصح منه اللفظ الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ». وقد سبق هذا الحديث وذكر ألفاظه والكلام على معناه بما فيه كفاية وبالله تعالى التوفيق.
قال المعترض
الحديث السادس: « من زار قبري أومن زارني كنت له شفيعا أو شهيدا » رواه أبو داود الطيالسي في مسنده [178]، قال: وقد سمعت المسند المذكور كله متفرقا على أصحاب ابن حنبل، ثم أطال بذكر إسناده إلى أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي، قال: حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: من زار قبري أو قال: من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عز وجل من الآمنين يوم القيامة.
والجواب أن يقال
هذا الحديث ليس بصحيح لانقطاعه وجهالة إسناده واضطرابه، ولأجل اختلاف الرواة في إسناده واضطرابهم فيه جعله المعترض ثلاثة أحاديث، وهو حديث واحد ساقط الإسناد، لا يجوز الاحتجاج به ولا يصلح الاعتماد على مثله، كما سنبين إن شاء الله تعالى، وقد خرجه البيهقي في كتاب شعب الإيمان وفي كتاب السنن الكبير. وقال في كتاب السنن بعد تخريجه: هذا إسناد مجهول [179]، قلت: وقد خالف أبا داود غيره في إسناده ولفظه، وسوار بن ميمون شيخه يقلبه بعض الرواة، ويقول ميمون بن سوار وهو شيخ مجهول لا يعرف بعدالة ولا ضبط ولا يشتهر بحمل العلم ونقله، وأما شيخ سوار في هذه الرواية، رواية أبي داود، فإنه شيخ مهم، وهو أسوأ حالا من المجهول، وبعض الرواة يقول فيه عن رجل من آل عمر كما في هذه الرواية، وبعضهم يقول عن رجل من ولد حاطب، وبعضهم يقول من آل الخطاب.
وقد قال البخاري في تاريخه ميمون بن سوار العبدي عن هارون أبي قزعة عن رجل من ولد حاطب عن رسول الله ﷺ: « من مات في أحد الحرمين » قاله يوسف بن راشد. حدثنا وكيع حدثنا ميمون، هكذا سماه البخاري ميمون من رواية وكيع عنه ولم يذكر فيه عمر، وزاد فيه ذكر هارون وقال عن رجل من ولد حاطب، وفي هذا مخالفة لرواية أبي داود من وجوه.
وقال في حرف الهاء من التاريخ [180]: هارون أبو قزعة عن رجل من ولد حاطب عن النبي ﷺ: « من مات في أحد الحرمين » روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه.
وقال العقيلي في كتاب الضعفاء [181]: هارون بن قزعة مدني، روى عنه سوار بن ميمون حدثني آدم قال: سمعت البخاري يقول: هارون بن قزعة مدني لا يتابع عليه هكذا ذكر العقيلي هارون بن قزعة والذي في تاريخ البخاري هارون أبو قزعة، وقد يكون اسم أبي هارون قزعة وهارون يكنى بأبي قزعة.
ثم قال العقيلي: حدثنا محمد بن موسى، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي، حدثنا شعبة عن سوار بن ميمون، عن هارن بن قزعة عن رجل من آل الخطاب، عن النبي ﷺ قال: « من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة ».
قال العقيلي بعد ذكر هذا الحديث: والرواية في هذا لينة [182]. قلت: هكذا في هذه الرواية عن رجل من آل الخطاب، وهو يوافق رواية الطيالسي، عن رجل من آل عمر وكأنه تصحيف من حاطب، والذي في تاريخ البخاري عن رجل من ولد حاطب، وليس في هذه الرواية التي ذكرها العقيلي ذكر عمر كما في رواية الطيالسي، وكذلك رواية وكيع التي ذكرها البخاري ليس فيها ذكر عمر أيضا، فالظاهر أن ذكره وهم من الطاليسي وكذلك إسقاطه هارون من روايته وهم أيضا، ومدار الحديث على هارون وهو شيخ مجهول لا يعرف له ذكر إلا في هذا الحديث، وقد ذكره أبو الفتح الأزدي وقال: هو متروك الحديث لا يحتج به. وقال أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي [183] في كتاب الضعفاء والمتروكين له: هارون أبو قزعة، روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه، قاله البخاري.
وقال أبو أحمد عدي في كتاب الكامل في معرفة الضعفاء وعلل الأحاديث [184]: هارون أبو قزعة سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: هارون أبو قزعة روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه، قال ابن عدي: وهارون أبو قزعة لم ينسب، وإنما روى الشيء الذي أشار إليه البخاري.
هذا جميع ما ذكره ابن عدي في ترجمة هارون، ولو كان عنده شيء من أمره غير ما قاله البخاري لذكره، كما هي عادته، فقد تبين أن مدار هذا الحديث على هارون أبي قزعة وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث الضعيف ولم يشتهر من حاله ما يوجب قبول خبره، ولم يذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولا ذكره الحاكم أبو أحمد في كتاب الكنى، ولم يذكره النسائي في كتاب الكنى أيضا. وقد تفرد بهذا الحديث عن هذا الرجل المبهم الذي لا يدري من هو ولا يعرف ابن من هو، ومثل هذا لا يحتج به أحد ذاق طعم الحديث أو عقل شيئا منه، هذا مع أن راويه عن هارون شيخ مختلف في اسمه غير معروف يحتمل العلم ولا مشهور بنقله ولم يوثقه أحد من الأئمة ولا قوى خبره أحد منهم، بل طعنوا فيه وردوه ولم يقبلوه.
وقد خلط المعترض في هذه المواضع تخليطا كثيرا، وجعل هذا الحديث الضعيف المضطرب ثلاث أحاديث، وأخذ يقويه على عادته في تقوية الضعيف، ثم أخذ يناقش من تكلم فيه ويبين حاله من الأئمة الحفاظ، وهذا دأب هذا المعترض يقوي الضعيف ويضعف القوي.
قال: وسوار بن ميمون روى عنه شعبة، وروايته عنه دليل على ثقته عنده فلم يبق في الإسناد من ينظر فيه إلا الرجل الذي من آل عمر، والأمر فيه قريب لا سيما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين.
فيقال: لا نعرف رواية شعبة عن سوار إلا في هذا الحديث الضعيف المضطرب الإسناد، وقد زاد في روايته عنه على رواية الطيالسي ذكر هارون بن قزعة المجهول الذي لم يتابع على ما رواه، وأسقط ذكر عمر الذي ذكره الطيالسي، فإن كانت رواية شعبة عن سوار هي المحفوظة فالحديث غير صحيح لانقطاعه وجهالة رواته، فهو على التقديرين غير صحيح ولا ثابت، سواء صحت رواية شعبة عن سوار أو لم تصح، ولو روى شعبة خبرا عن شيخ له لم يعرف بعدالة ولا جرح عن تابعي ثقة عن صحابي كان لقائل أن يقول هو خبر جيد الإسناد، فإن رواية شعبة عن الشيخ مما يقوي أمره، وليس في إسناد خبره من يحتاج إلى النظر غيره، فأما إذا كان في إسناد الخبر الذي رواه شعبة من الرواة من لا يحتج به غير شيخه، كما في هذا الخبر الذي رواه عن سوار، لم يلزم أن يكون صحيحا ولا قويا. على أن الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات، وقد يروي عن جماعة من الضعفاء الذين اشتهر جرحهم والكلام فيهم الكلمة والشيء والحديث والحديثين وأكثر من ذلك، وهذا مثل روايته عن إبراهيم بن مسلم الهجري [185] وجابر الجعفي [186] وزيد بن الحواري العمي [187] وثوبر بن أبي فاختة [188] ومجالد بن سعيد [189] وداود بن يزيد الأودي [190]، وعبيدة بن معتب الضبي [191]، ومسلم الأعور [192]، وموسى بن عبيدة الربذي [193]، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح [194]، وعلي بن زيد بن جدعان [195]، وليث بن أبي سليم [196]، وفرقد السخي [197]، وغيرهم ممن تكلم فيه ونسب إلى الضعف وسوء الحفظ وقلة الضبط ومخالفة الثقات.
وسوار بن ميمون إن صحت رواية شعبة عنه من هذا النمط، بل هو دون كثير من هؤلاء الذين سميناهم ممن روى عنهم، وهو متكلم فيه، فإن بعض هؤلاء له حديث كثير وروايته تصلح للمتابعة والاعتضاد والاستشهاد [198].
وأما سوار بن ميمون فإنه شيخ مجهول الحال قليل الرواية، بل لا يعرف له رواية إلا هذا الحديث الضعيف المضطرب، ومع هذا قد اختلف الرواة في اسمه ولم يضبطوه فبعضهم يقول ميمون بن سوار وبعضهم يقول: بالقلب سوار بن ميمون، والله أعلم هل كان اسمه سوارا أو ميمونا، فكيف يحسن الاحتجاج بخبر منقطع مضطرب نقلته غير معروفين وروائه في عداد المجهولين والله الموفق.
ثم قول المعترض: « فلم يبق في الإسناد من ينظر فيه إلا الرجل الذي من آل عمر والأمر فيه قريب » كلام ساقط جدا، وقد بينا الاضطراب في هذا الرجل والاختلاف في إسناد حديثه، وقول من قال فيه عن رجل من ولد حاطب وكون الرجل المبهم الذي هو أسوأ حالا من المجهول في إسناد الحديث هو من بعض أسباب ضعفه.
والحاصل أن هذا الحديث الذي رواه هذا الرجل المبهم حكم عليه بالضعف وعدم الصحة لأمور متعددة وهي: الاضطراب والاختلاف والانقطاع والجهالة والإبهام، فقول المعترض عن الرجل المبهم: « والأمر فيه قريب » كلام لا ينفعه ولا يحصل غرضه، بل لو ناقضه غيره وقال والأمر فيه بعيد لكان كلامه أقرب إلى الصحة وأبعد عن الخطأ من كلامه. والله أعلم.
ثم قال المعترض: وأما قول البيهقي هذا إسناد مجهول، فإن كان سببه جهالة الرجل الذي من آل عمر فصحيح، وقد بينا قرب الأمر فيه، وإن كان سببه عدم علمه بحال سوار بن ميمون فقد ذكرنا رواية شعبة عنه وهي كافية.
والجواب أن يقال: هذا الذي ذكره البيهقي هو أحد أسباب رد الحديث وضعفه وعدم قبوله، وهو جهالة إسناده، وهذه الجهالة ثابتة للإسناد، محكوم بها عليه من جهة الرجل المبهم، ومن جهة الراوي عنه هارون بن أبي قزعة، ومن جهة سوار بن ميمون أيضا فالإسناد محكوم عليه بالجهالة لإجماع هؤلاء المجهولين في سنده، مع أن الرجل المبهم فيه يكفي في الحكم عليه بالجهالة، فكيف إذا كان معه مجهول غيره.
وقول المعترض: إنه قد بين قرب الأمر فيه، دعوى مجردة غير مطابقة فتقابل بالمنع والرد وعدم القبول، وقد تكلمنا على رواية شعبة عن سوار بما فيه كفاية وبينا أن الحديث ليس بصحيح سواء ثبتت روايته عنه أولم تثبت ونبهنا على أن شعبة قد يروي عمن لا يحتج به من الرواة الكلمة والشيء والخبر والخبرين وأكثر من ذلك والله أعلم.
ثم قال المعترض
الحديث السابع: « من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة » رواه أبو جعفر العقيلي وغيره من رواية سوار بن ميمون المتقدم على وجه آخر غير ما سبق، أخبرنا الحافظ أبو محمد إذنا قال: أنبأنا ابن الشبرازي في كتابه، أنبأنا ابن عساكر سماعا، أنبأنا الشحامي، أنبأنا البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني علي بن عمر الحافظ، حدثنا أحمد بن محمد الحافظ، حدثني داود بن يحيى، قال ابن عساكر، وأخبرنا أبو البركات بن الأنماطي، أنبأنا أبو بكر الشامي، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا ابن الدخيل، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، حدثنا محمد بن موسى، قالا: حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي، حدثنا شعبة عن سوار بن ميمون عن... وفي حديث الشحامي حدثنا هارون بن قزعة عن رجل من آل الخطاب عن النبي ﷺ قال: « من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة » زاد الشحامي، ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة، وقالا: « ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين » وقال الشحامي: من الآمنين يوم القيامة.
قال: وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات، والعقيلي لما ذكره في كتابه لم يذكر فيه أكثر من قول البخاري إنه لا يتابع عليه فلم يبق فيه إلا الرجل المبهم وإرساله وقوله فيه من آل الخطاب، كذا وقع في هذه الرواية وهو يوافق قوله في رواية الطيالسي من آل عمر، وقد أسنده الطيالسي عن عمر كما سبق، لكن أخشى أن يكون الخطاب تصحيفا من حاطب، فإن البخاري لما ذكره في التاريخ قال: هارون أبو قزعة، عن رجل من ولد حاطب عن النبي ﷺ: « من مات في أحد الحرمين » روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه، وقال ابن حبان: إن هارون بن قزعة يروي عن رجل من ولد حاطب المراسيل، وعلى كلا التقديرين، فهو مرسل جيد، وأما قول الأزدي أن هارون متروك الحديث لا يحتج به، فلعل مسنده فيه ما ذكره البخاري والعقيلي وبالغ في إطلاق هذه العبارة، لأنها إنما تطلق حيث يظهر من حال الرجل ما يستحق به الترك، وقد عرفت أن ابن حبان ذكره في الثقات، وابن حبان أعلم من الأزدي وأثبت، انتهى ما ذكره المعترض.
والجواب أن يقال
هذا الحديث السابع الذي ذكره هو الحديث السادس بعينه. فجعلُ المعترض له حديثين بل ثلاثة أحاديث وهو حديث واحد ضعيف مضطرب مجهول الإسناد من أوهى المراسيل وأضعفها هو من باب التهويل والتكثير بما لا يحتج به. وما كفاه هذا حتى أخذ يقويه ويناقش من رده ويتكلم فيه، وقد علم أن ضعفه حصل بأمور متعددة وأشياء مختلفة، وهي الاضطراب والاختلاف والجهالة والإرسال والانقطاع، وبعض هذه الأمور تكفي في ضعف الحديث ورده وعدم الاحتجاج به عند أئمة هذا الشأن فكيف باجتماعها في خبر واحد.
وقوله: إن هارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات، ليس فيه ما يقتضي صحة الحديث الذي رواه ولا قوته، وقد علم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددا كبيرا وخلقا عظيما من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب، فقال في الطبقة الثالثة [199]: سهل يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب ولست أعرفه، ولا أدري من أبوه، هكذا ذكر هذا الرجل في كتاب الثقات، ونص على أنه لا يعرفه.
وقال أيضا: حنظلة [200] شيخ يروي المراسيل لا أدري من هو؛ روى ابن المبارك عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه، وهكذا ذكره لم يزد، وقال أيضا: الحسن أبو عبد الله [201] شيخ يروي المراسيل، روى عنه أيوب النجار لا أدري من هو ولا ابن من هو، وقال أيضا: جميل [202] شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة، روى عنه عبد الله بن عون، لا أدري من هو ولا ابن من هو.
وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقا كثيرا من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح، وإن كان مجهولا لم يعرف حاله، وينبغي أن ينبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق، على أن ابن حبان قد اشترط في الاحتجاج بخبر من يذكره في هذا الكتاب شروطا ليست موجودة في هذا الخبر الذي رواه هارون، فقال في أثناء كلامه: والعدل من لم يعرف منه الجرح، إذ الجرح ضد التعديل، فمن لم يعرف بجرح فهو عدل يتبين ضده [203]، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم [204].
هذه طريقة ابن حبان في التفرقة بين العدل وغيره، وقد وافقه عليها بعضهم وخالفه الأكثرون، وليس المقصود هنا تحرير الكلام على هذا، وإنما المراد التنبيه على إصطلاح ابن حبان وطريقته، قال [205]: فكل من أذكر في الكتاب فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن ذكرته في كتابي هذا فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره، أو يكون دونه رجل واه لا يحتج بخبره، أو الخبر يكون مرسلا لا يلزمنا به الحجة، أو يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجة، أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه.
هذا كله كلام ابن حبان في كتاب الثقات، ثم إنه قال [206]: فيه هارون أبو قزعة يروي عن رجل من ولد حاطب المراسيل، كذا قال، ولم يذكر لهارون شيخا غير هذا الرجل ولد حاطب، فلو قدرنا الرجوع إلى توثيق ابن حبان لهارون لم يلزم من ذلك الحكم بصحة خبره المذكور لفقد أكثر الشروط التي ذكرها ابن حبان في جواز الاحتجاج بالخبر فإن الشيخ الذي فوق هارون مبهم لا يحتج بخبره، والشيخ الذي دونه أيضا لا يحتج بخبره والخبر مع هذا من أوهى المنقطعات، وأضعف المراسيل، فلو كان توثيق ابن حبان لهارون مقبولا لم يكن في ذلك ما يقتضي صحة خبره المذكور فكيف وطريقة ابن حبان في هذا قد عرف ضعفها مع أنه قد ذكر في كتاب الثقات خلقا كثيرا، ثم أعاد ذكرهم في المجروحين وبين ضعفهم وذلك من تناقضه وغفلته، أو من تغير اجتهاده وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن الصلاح عنه أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه.
وأما قول المعترض في أثناء كلامه على الحديث: وعلى كلا التقديرين فهو مرسل جيد، فإن قوله ساقط، بل هو من أضعف المراسيل وأسقطها، وكيف يكون مرسلا جيدا ومرسله مجهول العين والحال واسم الأب، غير معروف بنقل العلم ولا مشهور بحمله، بل لم يأت ذكره إلا في هذا الحديث الضعيف المضطرب.
ولو اطلع هذا المعترض على بعض كلام الشافعي وغيره من الأئمة في الاحتجاج ببعض المراسيل وترك الاحتجاج ببعضها لم يقل مثل هذا القول الساقط الذي يعرف بطلانه أدنى من يعد من طلبة الحديث.
وها أنا أذكر طرفا من كلام الأئمة على حكم المراسيل ليطلع عليه من أحب الوقوف عليه، ويتبين له أن قول المعترض على هذا الخبر أنه مرسل جيد من أظهر الكلام بطلانا.
قال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل:
باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها الحجة
حدثنا أحمد بن سنان قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا ويقول: هو بمنزلة الربح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء عقلوه. حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن المديني، قال: قلت ليحيى بن سعيد سعيد بن المسيب عن أبي بكر قال: ذاك شبه الريح، وبه قال: حدثنا علي بن المديني قال: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.
وبه قال: حدثنا علي يعني ابن المديني قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء. قلت: مرسلات مجاهد أحب إليك أو مرسلات طاووس؟ قال: ما أقربهما، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكل ضعيف.
حدثنا صالح حدثنا علي قال: سمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء، لأنه لو كان فيه إسناد لصاح به، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات أبي إسحاق يعني الهمداني عندي شبه لا شيء، والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير يعني مثله، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات ابن أبي خالد يعني إسماعيل بن أبي خالد ليس بشيء ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي، وبه قال: سمعت يحيى يقول: مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد بن أسلم وبه قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسلات ابن عيينة شبه الريح، ثم قال: أي والله وسيفان بن سعيد، قلت: مرسلات مالك بن أنس، قال: هي أحب إلي، ثم قال: ليس في القوم أصح حديثا من مالك، وبه قال: سمعت يحيى يعني ابن سعيد القطان يقول: كان شعبة يضعف إبراهيم عن علي.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة [207]، وروى الفضل بن زياد عن الإمام أحمد بن حنبل قال: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها، وليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما كان يأخذان عن كل أحد. وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال: مراسيل الزهري ليس شيء.
وقال البيهقي في كتاب المدخل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت عمي أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح، لا ترى أصح من مرسلاته.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا الربيع بن سليمان أنبأنا الشافعي قال: [208]
والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله ﷺ من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي ﷺ اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله ﷺ بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه، وإن انفرد [209] بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما يتفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإنه وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ قولا له، فإن وجد يوافق ما روي عن النبي ﷺ كان هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى، وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي ﷺ، ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمي من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روي عنه، ويكون إذا أشرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله.
قال: وإذا وجدنا الدليل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة ثبتت بها ثبوتها بالمتصل، وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي، وإن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا من حيث لو سمي لم يقبل، وإن قول بعض أصحاب رسول الله ﷺ إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظرنا فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله ﷺ يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء.
قال الشافعي: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا منهم يقبل مرسله لأمور:
أحدها: أنهم تجوزوا فيمن يروون عنه.
والآخر: أنهم تؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه، والآخر كثرة الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه.
هذا كله كلام الشافعي وقد تضمن أمورا:
أحدها: أن المرسل إذا أسند من وجه آخر دل ذلك على صحة المرسل.
الثاني: أنه إذا لم يسند من وجهة آخر نظر هل يوافقه مرسل آخر أم لا، فإن وافقه مرسل آخر قوي، لكنه يكون أنقص درجة من المرسل الذي أسند من وجه آخر.
الثالث: أنه إذا لم يوافقه مرسل آخر ولا أسند من وجه لكنه وجد عن بعض الصحابة قول له يوافق هذا المرسل عن النبي ﷺ دل على أن له أصلا ولا يطرح.
الرابع: أنه إذا وجد خلق كثير من أهل العلم يفتون بما يوافق المرسل دل على أن له أصلا.
الخامس: أن ينظر في حال المرسل، فإن كان إذا سمى شيخه سمى ثقة وغير ثقة لم يحتج بمرسله، وإن كان إذا سمى لم يسم إلا ثقة، لم يسم مجهولا ولا ضعيفا مرغوبا الرواية عنه، كان ذلك دليلا على صحة المرسل، وهذا فصل النزاع في المرسل وهو من أحسن ما يقال فيه.
السادس: أن ينظر إلى هذا المرسل له، فإن كان إذا شرك غيره من الحفاظ في حديث وافقه فيه، ولم يخالف، دل ذلك على حفظه، وإن خالفه ووجد حديثه أنقص، إما نقصان رجل يؤثر في اتصاله أو نقصان رفعه بأن يقفه، أو نقصان شيء من متنه كان في هذا دليل على صحة مخرج حديثه، وإن له أصلا، فإن هذا يدل على حفظه وتحريه بخلاف ما إذا كانت مخالفته بزيادة، فإن هذا يوجب التوقف والنظر في حديثه.
وهذا دليل من الشافعي رضي الله عنه على أن زيادة الثقة عنده لا يلزم أن تكون مقبولة مطلقا، كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه ولم يعتبر المخالف بالزيادة وجعل نقصان هذا الرواي من الحديث دليلا على صحة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضر ذلك بحديثه، ولو كانت الزيادة عنده مقبولة مطلقا لم يكن مخالفته بالزيادة مضرا بحديثه.
السابع: أن المرسل العاري عن هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده.
الثامن: أن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل وكأنه رضي عنه سوغ الاحتجاج به ولم ينكر على مخالفه.
التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولا كان مرسله حجة، وهذا أعدل الأقوال في المسألة وهو مبني على أصل وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا. وفي ذلك قولان مشهوران هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والصحيح: حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إذا كان من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلا له إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم تكن روايته تعديلا لمن روى عنه. وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو أصح.
العاشر: إن المرسل من بعد كبار التابعين لا يقبل، ولم يحك الشافعي عن أحد قبوله لتعدد الوسائط ولأنه لو قبل لقبل مرسل المحدث اليوم وبينه وبين الرسول ﷺ أكثر من عشرة، وهذا لا يقوله أحد من أهل الحديث.
إذا عرفت هذا ظهر لك خطأ المعترض في قوله عن خبر هارون أبي قزعة عن رجل من ولد حاطب أنه مرسل جيد، وتبين لك أن مثل هذا القول لم يقله أحد من أئمة أهل الحديث. وكيف يكون مرسلا جيدا،ومرسله ليس بمعروف أصلا، بل هو مجهول العين والحال والبلد والاسم واسم الأب، وراويه عنه مجهول لم يتابع على ما رواه، وراويه عنه أيضا مجهول لم يعرف من حاله ما يوجب قبول روايته، بل قد اختلف الرواة في اسمه واسم أبيه ولا يعرف ذكره في غير هذا الخبر المرسل الضعيف المضطرب الذي رده الأئمة وطعنوا فيه ولم يقبلوه، ولم نعلم أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين قوى هذا الخبر واحتج به غير هذا المعترض على شيخ الإسلام، وجميع ما تفرد به خطأ فاعلم ذلك والله الموفق.
ثم قال المعترض
وقد روى عن هارون بن قزعة أيضا مسندا بلفظ آخر: وهو الحديث الثامن: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حاتي » رواه الدارقطني وغيره، أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياطي سماعا عليه في كتاب السنن للدارقطني، قال: أنبأنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل، أنبأنا الويرج، أنبأنا الأخشيد، أنبأنا إبراهيم بن عبد الرحيم، أنبأنا الدارقطني، حدثنا أبو عبيد والقاضي أبو عبد الله وابن مخلد قالوا: حدثنا محمد بن الوليد البسري، حدثنا وكيع، حدثنا خالد بن أبي خالد، وأبو عون، عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون أبي قزعة عن رجل من آل حاطب، عن حاطب قال: قال رسول الله ﷺ: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن مات بأحد الحرمين بعث من الأمنين يوم القيامة ».
هكذا هو في سنن الدارقطني، وأنبأنا به أيضا عبد المؤمن، أنبأنا ابن الشيرازي أنبأنا ابن عساكر، أنبأنا قراتكين التركي، أنبأنا الجوهري، أنبأنا علي بن محمد بن لؤلؤ، أنبأنا زكريا الساجي، قال ابن عساكر: وأنبأ أحمد بن محمد البغدادي، أنبأنا ابن شكرويه، ومحمد بن أحمد السمسار، قالا: أنبأنا إبراهيم بن عبد الله، أنبأنا المحاملي قال: حدثنا محمد بن الوليد البسري، حدثنا وكيع، حدثنا خالد بن أبي خالد وابن عون عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون أبي قزعة، وأنبأ عبد المؤمن أيضا أنبأ أبو نصر، أنبأ ابن عساكر، أنبأ علي بن إبراهيم الحسيني، أنبأنا رشاء بن نظيف المقري، أنبأنا المحسن بن إسماعيل الضراب، أنبأنا أحمد بن مروان المالكي، حدثنا زكريا بن عبد الرحمن البصري، حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا وكيع بن الجراح، عن خالد وابن عون، عن هارون بن أبي قزعة، مولى حاطب، عن حاطب قال: قال رسول الله ﷺ: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات في أحد الحرمين يبعث يوم القيامة من الآمنين ».
كذا وقع في رواية أحمد بن مروان المالكي، وهو صاحب المجالسة، عن هارون عن حاطب، والذين رووا عن رجل عن حاطب كما تقدم أولى بأن يكون الصواب معهم، انتهى ما ذكره المعترض.
والجواب أن يقال
هذا الحديث الذي جعله حديثا ثامنا هو بعينه الحديث السادس والسابع فهو حديث واحد ضعيف مضطرب الإسناد وهذه الرواية التي ذكرها لم تزده إلا اضطرابا في الإسناد وفي المتن أيضا، وقد خرجها البيهقي في كتاب ( شعب الإيمان ) من طريق الدارقطني، ثم قال: كذا وجدته في كتابي، وقال غيره: سوار بن ميمون: وقيل ميمون بن سوار، ووكيع هو الذي يروي عنه أيضا وفي تاريخ البخاري ميمون بن سوار العبدي، عن هارون ابن قزعة، عن رجل من ولد حاطب عن رسول الله ﷺ: « من مات في أحد الحرمين » قال يوسف بن راشد: حدثنا وكيع، حدثنا ميمون.
والحاصل أن هذه الرواية المذكورة عن محمد بن الوليد، عن وكيع لم تزد الحديث إلا ضعفا واضطرابا في إسناده وفي لفظه، فالحديث حديث واحد ضعيف مجهول الإسناد مضطرب اضطرابا شديدا، ومداره على هارون أبي قزعة، وقيل ابن قزعة، وبعض الرواة يذكره وبعضهم يسقطه، وشيخه الرجل المبهم بعضهم يذكره وبعضهم يسقطه وبعضهم يقول فيه عن رجل من آل عمر، وبعضهم يقول عن رجل من آل الخطاب، وبعضهم يقول عن رجل من ولد حاطب، ثم بعضهم يسنده عن عمر، وبعضهم يسنده عن حاطب، وبعضهم يرسله ولا يسنده، لا عن حاطب ولا عن عمر، وهو الذي ذكره البخاري وغير واحد.
ثم الراوي عن هارون يسميه بعض الرواة سوار بن ميمون ويقلبه بعضهم فيقول ميمون بن سوار، ويسميه بعضهم الأسود بن ميمون، ولا يرتاب من عنده أدنى معرفة بعلم المنقولات أن مثل هذا الاضطراب الشديد من أقوى الحجج وأبين الأدلة على ضعف الخبر وسقوطه ورده وعدم قبوله وترك الاحتجاج به، ومع هذا الاضطراب الشديد في الإسناد فاللفظ مضطرب أيضا اضطرابا شديدا مشعرا بالضعف وعدم الضبط.
وأما ما وقع من الزيادة في الإسناد عن وكيع عن خالد بن أبي خالد وأبي عون أو ابن عون عن الشعبي أو بإسقاط الشعبي، فإنها زيادة منكرة غير محفوظة، وليس للشعبي مدخل في إسناد هذا الحديث، وخالد بن أبي خالد وأبو عون أو ابن عون قد ذكر في الرواية الأولى أنهما يرويان عن الشعبي، وفي الأخرى أنهما يرويان عن هارون بن أبي قزعة ولم يذكر في الأولى عمن أسند الشعبي الحديث، وأسقط في الآخر ذكره بالكلية وذكر الرجل الذي يروي عنه هارون الحديث، وكل ذلك مشعر بشدة الضعف وعدم الضبط.
وقوله عن خالد بن أبي خالد وهم، وإنما هو ابن أبي خلده، قال البخاري في تاريخه: [210] خالد بن أبي خلدة الحنفي الأعور سمع الشعبي وإبراهيم، وروى عنه الثوري ومروان بن معاوية منقطع.
وقال ابن أبي حاتم [211]: خالد بن أبي خلده الحنفي الأعور، روى عن الشعبي وإبراهيم النخعي، وقد روى عنه الثوري وابن عيينة ومروان بن معاوية، سمعت أبي يقول ذلك.
والحاصل: أن ذكر هذه الزيادة المظلمة في الإسناد لم تزد في الحديث قوة، بل لم تزده إلا ضعفا واضطرابا، فقد تبين أن هذا الحديث الذي احتج به المعترض على شيخ الإسلام وجعله ثلاثة أحاديث هو حديث واحد غير صحيح، ولو فرض أنه حديث صحيح ثابت لم يكن فيه دلالة على غير الزيادة على الوجه المشروع، وقد قدمنا غير مرة أن شيخ الإسلام لم ينكر الزيادة الشرعية ولم ينهه عنها ولم يكرها، بل ندب إليها واستحبها وحض على فعلها.
وقد قال في أثناء كلامه في الجواب عما اعترض به عليه بعض المالكية بعد أن ذكر لفظنه فقال [212]: قال المعترض: وورد في زيادة قبره أحاديث صحيحة وغيرها مما لم تبلغ درجة الصحيح، لكنها يجوز الاستدلال بها على الأحكام الشرعية ويحصل بها الترجيح.
قال: والجواب من وجوه:
أحدهما: أن يقال لو ورد في ذلك ما هو صحيح لكان إنما يدل على مطلق الزيادة وليس في جواب الاستفتاء نهي عن مطلق الزيادة ولا حكى في ذلك نزاع في ذلك الجواب، وإنما فيه ذكر النزاع فيمن لم يكن سفره إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين وحينئذ فلو كان في هذا الباب حديث صحيح لم يتناول محل النزاع ولا فيه رد على ما ذكره المجيب من النزاع والإجماع.
الثاني: أنه لو قدر أنه ورد في زيارة قبره أحاديث صحيحة لكان المراد بها هو المراد بقول من قال من العلماء أنه يستحب زيارة قبره ومرادهم بذلك السفر إلى مسجده، وفي مسجده يسلم عليه ويصلي عليه ويدعي له ويثني عليه، ليس المراد أنه يدخل إلى قبره ويصل إليه، وحينئذ فهذا المراد قد استحبه المجيب وذكر أنه مستحب بالنص والإجماع، فمن حكى عن المجيب أنه لا يستحب ما استحبه علماء المسلمين من زيارة قبره على الوجه المشروع فقد استحق ما يستحقه الكاذب المفتري. وإذا كان يستحب هذا وهو المراد بزيارة قبره، فزيارة قبره بهذا المعنى، من مواقع الإجماع لا من موارد النزاع.
الثالث: أن نقول قول القائل إنه ورد في زيارة قبره أحاديث صحيحة قول لم يذكر عليه دليلا، فإذا قيل له: لا نسلم أنه ورد في ذلك حديث صحيح احتاج إلى الجواب وهو لم يذكر شيئا من تلك الأحاديث كما ذكر قوله: « كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » [213] وكما ذكر زيارته لأهل البقيع وأحد فإن هذا صحيح، وهنا لم يذكر شيئا من الحديث الصحيح فبقي ما ذكره دعوى مجردة تقابل بالمنع.
الرابع: أن نقول: هذا قول باطل لم يقله أحد من علماء المسلمين العارفين بالصحيحين، وليس في الأحاديث التي رويت بلفظ زيارة قبره حديث صحيح عند أهل المعرفة، ولم يخرج أرباب الصحيح شيئا من ذلك ولا أرباب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والنسائي والترمذي ونحوهم، ولا أهل المسانيد التي من هذا الجنس كمسند أحمد وغيره، ولا في موطأ مالك ولا في مسند الشافعي نحو ذلك شيء من ذلك، ولا احتج إمام من الأئمة المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم بحديث فيه ذكر زيارة قبره، فكيف يكون في ذلك أحاديث صحيحة ولم يعرفها أحد من أئمة الدين ولا علماء الحديث، ومن أين لهذا وأمثاله أن تلك الأحاديث صحيحة وهو لا يعرف هذا الشأن.
الوجه الخامس: قوله وغيرها مما لم تبلغ درجة الصحيح لكنها يجوز الاستدلال بها على الأحكام الشرعية ويحصل بها الترجيح، فيقال له: اصطلاح الترمذي ومن بعده أن الأحاديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف، والضعيف قد يكون موضوعا فعلم أنه كذب وقد لا يكون كذلك فما ليس بصحيح إن كان حسنا على هذا الاصطلاح احتج به وهو لم يذكر حديثا وتبين أنه حسن يجوز الاستدلال به، فيقول له لا نسلم أنه ورد من ذلك ما يجوز الاستدلال به وهو لم يذكر إلا دعوى مجردة فتقابل بالمنع.
الوجه السادس: أن يقال ليس في هذا الباب ما يجوز الاستدلال به بل كلها ضعيفة بل موضوعة كما قد بسط في مواضع وذكرت هذه الأحاديث، وذكرت كلام الأئمة عليها حديثا، بل ولا عرف عن أحد من الصحابة أنه تكلم بلفظ زيارة قبره البتة، فلم يكن هذا اللفظ معروفا عندهم، ولهذا كره مالك التكلم، به بخلاف لفظ زيارة القبور مطلقا، فإن هذا اللفظ معروف عن النبي ﷺ وعن أصحابه وفي القرآن الكريم { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } لكن معناه عند الأكثرين الموت وعند طائفة هي زيارتها للتفاخر بالموتى والتكاثر.
وأما لفظ قبر النبي ﷺ المخصوص فلا يعرف لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه، وكل ما يروى فيه هو ضعيف، بل هو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث كما قد بسط هذا في مواضع.
الوجه السابع: أن يقال: الذين أثبتوا استحباب السلام عليه عند الحجرة كمالك وابن حبيب وأحمد بن حنبل وأبي داود احتجوا إما بفعل ابن عمر كما احتج بذلك مالك وأحمد وغيرهما، وإما بالحديث الذي رواه أبو داود وغيره بإسناد جيد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: « ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » فهذا عمدة أحمد وأبي داود وابن حبيب وأمثالهم، وليس في لفظ الحديث المعروف في السنن ( عند قبري ) لكن عرفوا أن هذا هو المراد، وأنه لم يرد على كل مسلم عليه في صلاة في شرق الأرض وغربها، مع أن هذا المعنى إن كان هو المراد بطل الاستدلال بالحديث من كل وجه على اختصاص تلك البقعة بالسلام، وإن كان المراد السلام عليه عند قبره كما فهمه عامة العلماء، فهل يدخل فيه من سلم من خارج الحجرة، هذا مما تنازع فيه الناس وقد توزعوا في دلالته فمن الناس من يقول: هذا إنما يتناول من سلم عليه عند قبره كما كانوا يدخلون الحجرة على زمن عائشة فيسلمون على النبي ﷺ وكان يرد عليهم فأولئك سلموا عليه عند قبره وكان يرد عليهم، وهذا قد جاء عموما في حق المؤمنين، ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام.
قالوا: فأما من كان في المسجد فهؤلاء لم يسلموا عليه عند قبره، بل سلامهم عليه كالسلام عليه في الصلاة، وكالسلام عليه إذا دخل المسلم المسجد وخرج منه وهذا هو السلام الذي أمر الله به في حقه بقوله: { صلوا عليه وسلموا تسليما }، وهذا السلام قد ورد أنه من سلم عليه مرة سلم الله عليه عشرا كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا.
فأما أثر من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا فهو ثابت من وجوه بعضها في الصحيح، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة » [214]، وهذا مروي عن النبي ﷺ من غير هذا الوجه كما في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: « من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا » [215].
وأما السلام فقد جاء أيضا في أحاديث من أشهرها حديث عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البنائي عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه فقال: « إنه جائني جبريل فقال أما يرضيك يا محمد أن الله يقول إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا » [216] وقد روى في عدة أحاديث أن الله يصلي على كل من صلى عليه ويسلم على كل من سلم عليه ولم يذكر عددا، لكن الحسنة بعشر أمثالها فالمقيد يفسر المطلق.
قال القاضي عياض من رواية عبد الرحمن بن عوف عنه عليه السلام قال: لقيت جبريل فقال لي: أبشرك أن الله يقول: من سلم عليك سلمت عليه، ومن صلى عليك صليت عليه، قال: ونحوه من رواية أبي هريرة ومالك بن أوس بن الحدثان وعبد الله بن أبي طلحة.
قلت: وبسط الكلام على هذه الأحاديث له موضع آخر.
والمقصود هنا أن ما أمر الله به من الصلاة والسلام عليه هو كما أمر به ﷺ الدعاء له بالوسيلة، وهذا أمر اختص هو به فإن الله أمر بذلك في حقه بعينه مخصوصا بذلك، وإن كان السلام على جميع عباد الله الصالحين مشروعا على وجه العموم، وقد قيل: إن الصلاة تكره على غير الأنبياء، وغلا بعضهم فقال: تكره على غيره من الأنبياء وكذلك قال بعض المتأخرين في السلام على غير الأنبياء، ولكن الصواب الذي عليه عامة العلماء أنه يسلم على غيره، وأما الصلاة فقد جوزها أحمد وغيره والنزاع فيها معروف.
وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: حدث أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: قال رسول الله ﷺ: « إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين فإنما أنا رسول من المرسلين » [217] وهكذا رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة، ورواه ابن أبي حاتم وغيره ولم يذكروا فيه سماع قتادة له، وهو في تفسير سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا، وقد قال الله تعالى في كتابه: { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } وقال: { وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
وقال لما ذكر نوحا وإبراهيم وموسى وهارون والياسين
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ }
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ }
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ }
والمقصود هنا أن هذا السلام المأمور به خصوصا، والمشروع في الصلاة وغيرها عموما على كل عبد صالح كقول المصطفى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن هذا ثابت في التشهدات المروية عن النبي كلها، مثل حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين [218]، وحديث أبي موسى [219]، وابن عباس [220]، الذين رواهما مسلم، وحديث ابن عمر [221] وعائشة وجابر [222] وغيرهم التي في المسانيد والسنن، وهذا السلام لا يقتضي ردا من المسلم عليه، بل هو بمنزلة دعاء المؤمن للمؤمنين واستغفاره لهم، فيه الأجر والثواب من الله، ليس على المدعو لهم مثل ذلك الدعاء، بخلاف سلام التحية، فإنه مشروع بالنص والإجماع في حق كل مسلم.
وعلى المسلم عليه أن يرد السلام ولو كان المسلم عليه كافرا، فإن هذا من العجل الواجب، ولهذا كان النبي ﷺ يرد على اليهود إذا سلموا بقول « وعليكم » [223]، وإذا سلم على معين تعين الرد وإذا سلم على جماعة فهل ردهم فرض على الأعيان أو على الكفاية، على قولين مشهورين لأهل العلم، والابتداء به عند اللقاء سنة مؤكدة، وهل هي واجبة، على قولين معروفين هما قولان في مذهب أحمد وغيره، وسلام الزائر للقبر على الميت المؤمن هو من هذا الباب، ولهذا روى أن الميت يرد السلام مطلقا.
فالصلاة والسلام عليه ﷺ في مسجده وسائر المساجد وسائر البقاع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وأما السلام عليه عند قبره من داخل الحجرة فهذا كان مشروعا لما كان ممكنا بدخول من يدخل على عائشة، وأما تخصيص هذا السلام والصلاة بالمكان القريب من الحجرة، فهذا محل النزاع.
وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
منهم من ذكر استحباب السلام أو الصلاة والسلام عليه إذ دخل المسجد ثم بعد أن يصلي في المسجد استحب أيضا أن يأتي إلى القبر ويصلي ويسلم كما ذكر طائفة من أصحاب مالك والشافعي.
ومنهم من يذكر إلا الثاني وكثير من السلف لم يذكروا إلا النوع الأول فقط، فأما النوع الأول فهو المشروع لأهل البلد وللغرباء في هذا المسجد، وغير هذا المسجد وأما النوع الثاني فهو الذي فرق من استحبه بين أهل البلد والغرباء سواء فعله مع الأول أو مجردا عنهما ذكر ذلك ابن حبيب وغيره، إذ دخل مسجد الرسول قال: بسم الله وسلام على رسول الله، والسلام علينا من ربنا وصلى الله وملائكته على محمد: اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمته وجنتك وجنتبني من الشيطان الرجيم، ثم اقصد على الروضة وهي ما بين القبر والمنبر فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد الله فيها وتسأله تماما ما خرجت إليه والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك. وفي الروضة أفضل وقد قال ﷺ: « ما بني قبري [224] ومنبري روضة من رياض الجنة » ومنبري على ترعة من ترع الجنة [225] ثم تقف بالقبر متواضعا وتصلي عليه وتثني بما يحضر وتسلم على أبي بكر وعمر وتدعو لهما [226]، وأكثر الصلاة في مسجد النبي ﷺ بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء.
قلت: وهذا الذي ذكره من استحباب الصلاة في الروضة قول طائفة وهو المنقول عن الإمام أحمد في مناسك المروذي، وأما مالك فنقل عنه أنه يستحب التطوع في موضع صلاة النبي ﷺ، وقيل: لا يتعين لذلك موضع من المسجد، وأم الفرض فيصليه في الصف الأول مع الإمام بلا ريب، والذي ثبت في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع عن النبي أنه كان يتحرى الصلاة عند الاسطوانة، وأما ما قصد تخصيصه بالصلاة فيه فالصلاة فيه أفضل، وأما مقامه فإنما كان يقوم فيه إذا كان إماما يصلي بهم الفرض، والسنة أن يقف الإمام وسط المسجد أمام القوم فلما زيد في المسجد صار موقف الإمام في الزيادة.
والمقصود معرفة ما ورد عن السلف من الصلاة والسلام عليه ﷺ عند دخول المسجد وعند القبر، ففي مسند أبي يعلي الموصلي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا جعفر بن إبراهيم، من ولد ذي الجناحين، حدثنا علي بن عمر عن أبيه [227] علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فيدعو فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ﷺ قال: « لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم » [228] وهذا الحديث مما أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على ما في الصحيحين، وهو أعلى مرتبة من تصحيح الحاكم وهو قريب من تصحيح الترمذي وأبي حاتم البستي ونحوهما، فإن الغلط في هذا قليل ليس هو مثل صحيح الحاكم، فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذبة موضوعة، فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره.
فهذا علي بن الحسين زين العابدين، وهو من أجل التابعين علما ودينا حتى قال الزهري: ما رأيت هاشميا مثله، وهو يذكر هذا الحديث بإسناده ولفظه: « لا تتخذوا بيتي عيدا فإن تسليمكم يبلغي أينما كنتم » وهذا يقتضي أنه لا مزية للسلام عليه عند بيته كما مزية للصلاة عليه عند بيته، بل قد نهى عن تخصيص بيته بهذا.
وهذا وحديث الصلاة مشهور في سنن أبي داود وغيره من حديث عبد الله بن نافع قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغي حيث كنتم » وهذا حديث حسن ورواته ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الصائغ فيه لين لا يمنع الاحتجاج به. قال يحيى بن معين: هو ثقة. وحسبك بابن معين موثقا، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم الرزي: ليس بالحافظ هو لين تعرف وتنكر [229].
قلت: ومثل هذا قد يخاف أنه يغلط أحيانا، فإذا كان لحديثه شواهد علم أنه محفوظ، وهذا له شواهد متعددة قد بسطت في غيره هذا الموضع كما رواه سعيد بن منصور في سننه: حدثنا حبان بن علي حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري [230] قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » [231].
وقال سعيد أيضا: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر، فناداني وهو في بيت فاطمة يتمشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك عند القبر فقلت: سلمت على النبي ﷺ فقال: « إذا دخلت المسجد فسلم عليه، ثم قال: إن رسول الله ﷺ قال: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا. لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ما أنتم ومن بالأندلس منه إلا سواء. رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب الصلاة على النبي ﷺ، ولم يذكر هذه الزيادة وهي قوله: ( ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء ) لأن مذهبه أن القادم من سفر والمريد للسفر سلامه أفضل وأن الغرباء يسلمون إذا دخلوا وخرجوا، وهذه مزية على من بالأندلس، والحسن بن الحسن وغيره لا يفرقون بين أهل المدينة والغرباء ولا بين المسافر وغيره، فرواه القاضي إسماعيل عن إبراهيم بن حمزة، حدثنا عبد العزيز بن محمد بن سهل بن أبي سهيل قال: جئت أسلم على النبي ﷺ وحسن بن حسن يتعشى في بيت عند النبي [232] ﷺ، فدعاني فجئته، فقال: ادن فتعش، قال: قلت: لا أريده. قال: ما لي رأيتك وقفت؟ قلت: وقفت أسلم علي النبي قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه، ثم قال: إن رسول الله قال: « صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ولم يذكر قول الحسن.
فهذا فيه أنه أمره أن يسلم عند دخول المسجد وهو السلام المشروع روي عن النبي ﷺ وجماعة من السلف كانوا يسلمون عليه إذا دخلوا المسجد: وهذا مشروع في كل مسجد، وهذا الحسن بن الحسن هو الحسن بن المثنى، وهو من التابعين وهو من نظير علي بن الحسين، هذا ابن الحسن وهذا ابن الحسين.
وقد ذكر القاضي عياض هذا عن الحسن بن علي نفسه رضي الله عنهم أجمعين فقال: وعن الحسن بن علي عن النبي ﷺ قال: « حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني » قال: وعن الحسن بن علي: إذا دخلت المسجد فسلم على النبي ﷺ فإن رسول الله ﷺ، قال: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ».
قلت: والصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد مأثور عنه رضي الله عنه وعن غير واحد من الصحابة والتابعين، مثل الحديث الذي في المسند والترمذي وابن ماجة عن فاطمة بنت رسول الله ﷺ قالت: كان رسول الله ﷺ إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم، وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، هذا لفظ الترمذي [233].
وفي غيره أنه ﷺ أمر بذلك وفي سنن أبي داود عن أبي أسيد، أو أبي حميد قال قال رسول الله ﷺ: « إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم، وليصل على النبي ﷺ وليقل.. ) وذكر الحديث [234].
وقال الضحاك بن عثمان: حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ﷺ وليقل: الله أجرني من الشيطان الرجيم » أخرجه ابن خزيمة في صحيحه [235].
قال القاضي عياض: ومن مواطن الصلاة والسلام عليه دخول المسجد قال أبو إسحاق بن شعبان: وينبغي لمن دخل المسجد أن يصلي على النبي ﷺ وعلى آله ويترحم عليه وعلى آله ويبارك عليه وعلى آله ويسلم عليه تسليما ويقول: اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك [236]، وقال عمرو بن دينار في قوله: إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم، وقال: إن لم يكن في البيت أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته، قال: وقال ابن عباس: المراد بالبيوت هنا المساجد، وقال النخعي: إذا لم يكن في المسجد أحد فقل: السلام على رسول الله ﷺ، وإذا لم يكن في البيت أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.قال علقمة قال: إذا دخلت المسجد أقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله وملائكته على محمد، قال ونحوه عن كعب إذا دخل وإذا خرج ولم يذكر الصلاة، قال: واحتج ابن شعبان لما ذكره بحديث فاطمة بنت رسول الله ﷺ أن النبي ﷺ كان يفعله إذا دخل المسجد قال: ومثله عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وذكر السلام والرحمة قال: وروى ابن وهب عن فاطمة بنت النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: « إذا دخلت المسجد فصل على النبي وقل: اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وفي رواية أخرى فليسلم وليصل ويقول: إذا خرج اللهم إني أسألك من فضلك، وفي أخرى اللهم احفظني من الشيطان ».
وعن محمد بن سيرين: كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد صلى الله عليه وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركته بسم الله دخلنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك.
قلت: هذا فيه حديث مرفوع في سنن أبي داود وغيره أنه يقال عند دخول المسجد اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا [237].
قال القاضي عياض: وعن أبي هريرة إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي وليقل: اللهم افتح لي.
قلت: وروى ابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري عن ضرار بن مرة عن مجاهد في هذه الآية: { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } قال إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا دخلت المسجد فقل: السلام على رسول الله، وإذا دخلت على أهلك فقل: السلام عليكم، قلت: والآثار مبسوطة في مواضع.
والمقصود هنا أن نعرف ما كان عليه السلف من الفرق بين ما أمر الله به من الصلاة والسلام عليه وبين سلام التحية الموجب للرد الذي يشترك فيه كل مؤمن حي وميت ويرد فيه على الكافر، ولهذا كان الصحابة بالمدينة على عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم إذا دخلوا المسجد لصلاة أو اعتكاف أو تعليم أو تعلم أو ذكر الله ودعاء له ونحو ذلك مما شرع في المسجد لم يكونوا يذهبون إلى ناحية القبر فيزورونه هناك ولا يقفون خارج الحجرة، كما لم يكونوا يدخلون الحجرة ولا داخل الحجرة، ولا كانوا أيضا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره، بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء، وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا الصلاة والسلام عليه، وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في المبسوط، وقد ذكره أصحابه كأبي الوليد الباجي والقاضي عياض وغيرهما، قيل لمالك: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك أي يقفون على قبر النبي ﷺ فيصلون عليه ويدعون له ولأبي بكر وعمر، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة والأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر يسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني هذا عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
فقد كره مالك رحمه الله هذا وبين أنه لم يبلغه عن أهل العلم بالمدينة ولا عن صدر هذه الأمة وأولها وهم الصحابة، وأن ذلك يكره لأهل المدينة إلا عند السفر، ومعلوم أن أهل المدينة لا يكره لهم زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد وغيرهم، بل هم في ذلك ليسوا بدون سائر الأمصار، فإذا لم يكره لأولئك زيارة القبور، بل يستحب لهم زيارتها عند جمهور العلماء كما كان النبي ﷺ يفعل، فأهل المدينة أولى أن لا يكره لهم، بل يستحب لهم زيارة القبور كما يستحب لغيرهم اقتداء بالنبي ﷺ، ولكن قبر النبي ﷺ بالمنع شرعا وحسا كما دفن في الحجرة، ومنع الناس من زيارة قبره من الحجرة كما يزار سائر القبور فيصل الزائر إلى عند القبر؛ وقبر النبي ﷺ ليس كذلك، فلا تستحب هذه الزيارة في حقه ولا تمكن، وهذا لعلو قدره وشرفه لا لكون غيره أفضل منه، فإن هذا لا يقوله أحد من المسلمين فضلا عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين بالمدينة وغيرها.
ومن هنا غلط طائفة من الناس يقولون: إذا كان زيارة قبر النبي آحاد الناس مستحبة فكيف بقبر سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه؟ وهؤلاء ظنوا أن زيارة قبر الميت مطلقا هو من باب الإكرام والتعظيم له، والرسول ﷺ أحق بالإكرام والتعظيم من كل أحد، وظنوا أن ترك الزيارة فيها نقص لكرامته، فغلطوا وخالفوا السنة وإجماع الأمة سلفها وخلفها، فقولهم نظير قول من يقول: إذا كانت زيارة القبور يصل الزائر فيها إلى قبر المزور، فإن ذلك أبلغ في الدعاء له، وإن كان مقصوده دعاء، كما يقصده أهل البدع، فهو أبلغ في دعائه، فالرسول ﷺ أولى أن نصل إلى قبره إذا زرناه، وقد ثبت بالتواتر وإجماع الأمة أن الرسول ﷺ لا يشرع الوصول إلى قبره لا للدعاء له ولا لدعائه ولا لغير ذلك، بل غيره يصلي على قبره عند أكثر السلف، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والصلاة على القبر كالصلاة على الجنازة تشرع مع القرب والمشاهدة، وهو بالإجماع لا يصلي على قبر سواء كان للصلاة حد محدود، أو كان يصلي على القبر مطلقا، ولم يعرف أن أحدا من الصحابة الغائبين لما قدم صلى على قبره ﷺ، وزيارة القبور المشروعة هي مشروعة مع الوصول إلى القبر بمشاهدته، وهذه الزيارة مشروعة في حقه بالنص والإجماع، ولا هي أيضا ممكنة.
فتبين غلط هؤلاء الذين قاسوه على عموم المؤمنين، وهذا من باب القياس الفاسد ومن قاس قياس الأولى ولم يعلم ما اختص به كل واحد من المقيس والمقيس به كان قياسه من جنس قياس المشركين الذين كانوا يقيسون الميتة على المذكي، ويقولون للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ فأنزل الله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [238]
وكذلك لما أخبر الله أن الأصنام التي تعبد هي وعابدوها حصب جهنم قاس ابن الزيعري قبل أن يسلم هو وغيره من المشركين عيسى بها [239]، وقالوا: يجب أن يعذب عيسى، قال تعالى: { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [240] ثم قال: { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } وبين تعالى الفرق بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } بين أن من كان صالحا نبيا أو غير نبي لم يعذب لأجل من أشرك به وعبده وهو بريء من إشراكهم به.
وأما الأصنام فهي حجارة تجعل حصبا للنار، وقد قيل: إنها من الحجارة التي قال تعالى فيها: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } وقال تعالى: { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا أن يعرف أن ما مضت به سنته وكان عليه خلفاؤه وأصحابه وأهل العلم والذين بالمدينة من تركهم لزيارة قبره أكمل في القيام بحق الله وحق رسوله ﷺ، فهو أكمل وأفضل وأحسن مما يفعل مع غيره، وهو أيضا في حق الله وتوحيده أكمل وأتم وأبلغ وأما كونه أتم في حق الله فلأن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما ثبت ذلك في الصحيحين عن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ [241].
ويدخل في العبادة جميع خصائص الرب فلا يتقى غيره ولا يخاف غيره ولا يتوكل على غيره ولا يدعى غيره ولا يصلى لغيره ولا يصام لغيره ولا يتصدق لغيره ولا يحج إلا إلى بيته، قال تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } فجعل الطاعة لله والرسول وجعل الخشية والتقوى لله وحده وقال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فجعل الإيتاء لله والرسول وجعل التوكل والرغبة لله وحده وقال: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وقال تعالى { وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ } وقال تعالى { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وقال تعالى { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } وقال تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا }، { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ }
وهذا الباب واسع وقال النبي ﷺ لابن عباس: « إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله » [242] وفي الصحيح عن النبي ﷺ في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب قال: « هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون » [243] فهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، والرقية دعاء، فكيف بما هو أبلغ من ذلك.
ومعلوم أنه لو اتخذ قبره عيدا ومسجدا ووثنا صار الناس يدعونه ويتضرعون إليه ويسألونه ويتوكلون عليه ويستغيثون ويستجيرون به وربما سجدوا له وطافوا به وصاروا يحجون إليه، وهذه كلها من حقوق الله وحده الذي لا يشركه فيما مخلوق [244].
وكان من حكمة الله دفنه في حجرته ومنع الناس من مشاهدة قبره والعكوف عليه والزيارة له ونحو ذلك لتحقيق توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وإخلاص الدين لله، وأما قبور أهل البقيع ونحوهم من المؤمنين فلا يحصل ذلك عندها، وإذا قدر أن ذلك فعل عندها منع من يفعل ذلك وهدم ما يتخذ عليها من المساجد، وإن لم تزل الفتنة إلا بتعفية قبره وتعميته، فعل ذلك كما فعله الصحابة بأمر عمر بن الخطاب في قبر دانيال [245].
وأما كون ذلك أعظم لقدره وأعلا لدرجته، فلأن المقصود المشروع بزيارة قبور المؤمنين كأهل البقيع وشهداء أحد هو الدعاء لهم كما كان هو يفعل ذلك إذا زارهم وكما سنه لأمته، فلو سن للأمة أن يزوروا قبره للصلاة عليه والسلام عليه والدعاء له، كما كان بعض أهل المدينة يفعل ذلك أحيانا وبين مالك أنه بدعة [246] لم تبلغه عن صدر هذه الأمة ولا عن أهل العلم بالمدينة وأنها مكروهة فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، لكان بعض الناس يزرونه [247] ثم لتعظيمه في القلوب وعلى [248] الخلائق بأنه أفضل الرسل وأعظمهم جاها وأنه أوجه الشفعاء إلى ربه تدعو النفس إلى أن تطلب منه حاجاتها وأغراضها وتعرض عن حقه من الصلاة والسلام والدعاء له، فإن الناس مع ربهم كذلك إلا من أنعم الله عليه بحقيقة الإيمان، وإنما يعظمون الله عند ضرورتهم إليه كما قال تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وقال تعالى: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } وقال تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } ونظائر هذا في القرآن متعددة.
فإذا كانوا إلا من شاء الله إنما يعظمون ربهم ويوحدونه ويذكرونه عند ضرورتهم لأغراضهم ولا يعرفون حقه إذا خلصهم فلا يحبونه ويعبدونه ولا يشكرونه ولا يقومون بطاعته، فكيف يكونون مع المخلوق، فهم يطلبون من الأنبياء والصالحين أغراضهم، وذلك مقدم عندهم على حقوق الأنبياء والصالحين، فإذا أيقنوا أن في زيارة قبر نبي أو صالح تحصيل أغراضهم بسؤاله ودعائه وشفاعته أعرضوا عن حقه واشتغلوا بأغراضهم، كما هو الموجود في عامة الذين يحجون إلى القبور المعظمة ويقصدونها لطلب الحوائج.
فلو أذن الرسول ﷺ لهم في زيارة قبره ومكنهم من ذلك لأعرضوا عن حق الله الذي يستحقه من عبادته وحقه وعن حق الرسول ﷺ الذي يستحقه من الصلاة والسلام عليه والدعاء له، بل ومن جعله واسطة بينهم وبين الله في تبليغ أمره ونهيه وخبره، فكانون يهضمون حق الله وحق رسوله كما فعل النصارى، فإنهم يغلوهم في المسيح تركوا حق الله من عبادته وحده، وتركوا حق المسيح فهم لا يدعون له، بل هم عندهم رب بدعي ولا يقومون بحق رسالته، فينظرون ما أمر به وما أخبر به، بل اشتغلوا بالشرك به وبغيره وبطلب حوائجهم ممن يستشفعون به من الملائكة والأنبياء وصالحيهم عما يجب من حقوقهم.
وأيضا فلو جعلت الصلاة والسلام عليه والدعاء له عند قبره أفضل منها في غير تلك البقعة، كما قد يكون الدعاء للميت [249] عند قبره أفضل لكانوا يخصون تلك البقة بزيادة الدعاء له، وإذا غابوا عنها تنقص صلاتهم وسلامهم ودعاؤهم له فإن الإنسان لا يجتهد في الدعاء في المكان المفضول، كما يجتهد في المكان الفاضل، وهم قد أمروا أن يقوموا بحق الرسول ﷺ « لا تتخذوا بيتي عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ».
وقد شرع لهم أن يصلوا عليه ويسألوا له الوسيلة إذا سمعوا المؤذن حيث كانوا وأن يسلموا عليه في كل صلاة ويصلوا عليه في الصلاة ويسلموا عليه إذا دخلوا المسجد وإذا خرجوا منه، فهذا الذي أمروا به عام في كل مكان وهو يوجب من القيام بحقه ورفع درجته وإعلاء منزلته ما لا يحصل لو جعل ذلك عند قبره أفضل، ولا إذا سوى بين قبره وقبر غيره، بل إنما يحصل كمال حقه مع حق ربه بفعل ما شرعه وسنه لأمته من واجب ومستحب، وهو أن يقوموا بحق الله، ثم بحق رسوله ﷺ حيث كانوا من المحبة الموالاة والطاعة وغير ذلك من الصلاة والسلام والدعاء وغير ذلك، ولا يقصدوا تخصيص القبر لما يقضي إليه ذلك من ترك حق الله، وحق رسوله ﷺ.
فهذا وغيره مما يبين أن ما نهى عنه الناس ومنعوا منه، وكان السلف لا يفعلونه من زيارة قبره وإن كان زيارة قبر غيره مستحبة، فهو أعظم لقدرة وأرفع لدرجته وأعلى في منزلته، وإن ذلك أقوم بحق الله وأتم وأكمل في عبادته وحده لا شريك له وإخلاص الدين له، ففي ذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإن أهل البدع الذين فعلوا ما لم يشرعه، بل ما نهى عنه وخالقوا الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فاستحبوا ما كان أولئك يكرهون ويمنعون منه، هم مضاهون للنصارى، وإنهم نقصوا من تحقيق الإيمان بالله ورسوله والقيام بحق الله وحق رسوله ﷺ بقدر ما دخلوا فيه البدعة التي ضاهوا بها النصارى، هذا والله أعلم.
وأيضا فإنه إذا أطيع أمره واتبعت سنته كان له من الأجر بقدر أجر من الطاعة واتبع سنته لقوله: « من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا » [250] وقوله: « من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة » [251].
وأما البدع التي لم يشرعها، بل نهى عنها وإن كانت متضمنة للغلو فيه والشرك به والإطراء له كما فعلت النصارى، فإنه لا يحصل بها أجر لمن عمل بها، فلا يكون للرسول ﷺ فيها منفعة، بل صاحبها إن عذر كان ضالا لا أجر له فيها، وإن قامت عليه الحجة استحق العذاب، وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله » ﷺ.
فإن قال هؤلاء الذين قاسوا زيارة قبره على زيارة سائر القبور إن الناس منعوا من الوصول إليه تعظيما لقدره، وجعل سلامهم وخطابهم له من وراء الجحرة، لأن ذلك أبلغ في الأدب والتعظيم.
قيل: فهذا موجب الفرق، فإن الزيارة المشروعة إن كان مقصودها الدعاء له، فكون ذلك قريبا من الحجرة أفضل منه في سائر المساجد والبقاع، فالذي يدعو له داخل الحجرة أقرب وإن كان القرب مستحبا، فكلما كان أقرب كان أفضل كسائر القبور، وإن كان مقصودها ما يقوله أهل الشرك والضلال من دعائه، ودعاؤه من القرب أولى فينبغي أن يكون من داخل الحجرة أولى، لما ثبت أن هذا القرب من القبر ممنوع منه بالنص والإجماع وهو أيضا غير مقدور، علم أن القرب من ذلك ليس بمستحب بخلاف زيارة قبر غيره والصلاة على قبره فإن القريب [252] منه مستحب إذا لم يفض إلى مفسدة من شرك أو بدعة أو نياحة، فإن أفضى إلى ذلك منع من ذلك.
ومما يوضح هذا أن الشخص الذي يقصد اتباعه زيارة قبره يجعلون قبره بحيث تمكن زيارته، فيكون له باب يدخل منه إلى القبر، ويجعل عند القبر مكان للزائر إذا دخل بحيث يتمكن من القعود فيه، بل يوسع المكان ليسع الزائرين، ومن اتخذه مسجدا جعل عنده صورة محراب أو قريبا منه، وإذا كان الباب مغلقا جعل له شباك على الطريق ليراه الناس فيه فيدعونه، وقبر النبي ﷺ بخلاف هذا كله لم يجعل للزائر طريق إليه بوجهه من الوجوه ولا قبر في مكان كبير يتسع للزوار، ولا جعل للمكان شباك يرى منه القبر، بل منع الناس من الوصول إليه والمشاهدة له.
ومن أعظم ما من الله به على رسوله ﷺ وعلى أمته واستجاب فيه دعاءه أن دفن في بيته بجانب مسجده، فلا يقدر أحد أن يصلي إلا إلى المسجد، والعبادة المشروعة في المسجد معروفة، بخلاف ما لو كان قبره منفردا عن المسجد، والمسافر إليه إنما يسافر إلى المسجد وإذا سمي هذا زيارة لقبره فهو اسم لا مسمى له، إنما هو إتيان إلى مسجده.
ولهذا لم يطلق السلف هذا اللفظ، ولا عنده قبره قناديل معلقة ولا ستور مسبلة، بل إنما يعلق القناديل في المسجد المؤسس على التقوى ولا يقدر أحد أن يخلق نفس قبره بزعفران أو غيره ولا ينذر له زينا ولا شمعا ولا سترا ولا غير ذلك مما ينذر لقبر غيره، وإن كان في بعض الأحوال قد ستر بعض الناس الحجرة أو خلفها بعضهم بزعفران، فهذا إنما هو للحائط الذي يلي المسجد لا نفس باطن الحجرة والقبر كما يفعل بقبر غيره، وإن فعل شيء من ذلك في ظاهر الحجرة، فعلم أن الله سبحانه استجاب دعاءه حيث قال: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد »، وإن كان كثير من الناس يريدون أن يجعلوه وثنا ويعتقدون أن ذلك تعظيم له كما يريدون ذلك ويعتقدونه في قبر غيره، فهم لا يتمكنون من ذلك، بل هذا القصد والاعتقاد خيال في نفوسهم لا حقيقة له في الخارج، بخلال القبر الذي جعل وثنا، وإن كان الميت وليا لله لا إثم عليه من فعل من أشرك به، كما لا إثم على المسيح من فعل من أشرك به.
قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } وقال تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } وقال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }
فالمعبودون من دون الله سواء كانوا أولياء كالملائكة والأنبياء والصالحين أو كانوا أوثانا قد تبرؤوا ممن عبدهم ويبنوا أنه ليس لهم أن يوالوا من عبدهم، ولا أن يواليهم من عبدهم، فالمسيح وغيره وإن كانوا برآء من الشرك بهم، لكن المقصود بيان ما فضل الله به محمدا وأمته وما أنعم به عليهم من إقامة التوحيد لله والدعوة إلى عبادته وحده وإعلاء كلمته ودينه وإظهار ما بعثه الله بن من الهدي ودين الحق وما صانه الله به وصان قبره من أن يتخذ مسجدا، فإن هذا من أقوى أسباب ضلال أهل الكتاب، ولهذا لعنهم النبي ﷺ على ذلك تحذيرا لأمته وبين أن هؤلاء شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
ولما كان أصحابه أعلم الناس بدينه وأطوعهم له لم يظهر فيهم من البدع ما ظهر فيمن بعدهم لا في أمور القبور ولا في غيرها، فلا يعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله ﷺ وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه من تعمد الكذب على نبيهم، وكذلك البدع الظاهرة المشهورة مثل بدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئية لم يعرف عن أحد من الصحابة شيء من ذلك. بل النقول الثابتة عنهم تدل على موافقتهم للكتاب والسنة، وكذلك اجتماع رجال الغيب بهم أو الخضر، أو غير وكذلك مجيء الأنبياء إليهم في اليقظة وحمل من يحمل منهم إلى عرفات ونحو ذلك مما وقع فيه كثير من العباد وظنوا أنه كرامة من الله وكان من إضلال الشياطين لهم، ولم تطمع الشياطين أن توقع الصحابة في مثل هذا فإنهم كانوا يعلمون أن هذا كله من الشيطان ورجال الغيب هم الجن، قال تعالى: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
وكذلك الشرك بأهل القبور لم يطمع الشيطان أن يوقعهم فيه، فلم يكن على عهدهم في الإسلام قبر نبي يسافر إليه ولا يقصد للدعاء عنده أو لطلب بركته أو شفاعته أو غير ذلك، بل أفضل الخلق محمد خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه وقبره عندهم محجوب لا يقصده أحد منهم لشيء من ذلك، وكذلك كان التابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من أئمة المسلمين.
وإنما تكلم العلماء والسلف في الدعاء للرسول ﷺ عند قبره، منهم من نهى عن الوقوف للدعاء له دون السلام عليه، ومنهم من رخص في هذا وهذا، ومنهم من نهى عن هذا وهذا، وأما دعاؤه هو وطلب استغفاره وشفاعته بعد موته، فهذا لم ينقل عن أحد من أئمة المسلمين لا من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، بل الأدعية التي ذكروها خالية من ذلك، أما مالك فقد قال القاضي عياض: وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي ﷺ يدعو ويسلم، ولكن يسلم ويمضي.
وهذا الذي نقله القاضي عياض ذكره القاضي إسماعيل بن إسحاق في المبسوط قال: قال مالك لا أرى أن يقف الرجل عند قبر النبي ﷺ يدعو ولكن يسلم على النبي ﷺ وعلى أبو بكر وعمر، ثم يمضي، وقال مالك: ذلك لأن هذا هو المنقول عن ابن عمرأنه كان يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت أو يا أبتاه، ثم ينصرف ولا يقف يدعو، فرأى مالك ذلك من البدع، قال وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي ﷺ ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده.
فقوله في هذه الرواية: « إذا سلم ودعا » قد يريد بالدعاء السلام، فإنه قال: يدنو ويسلك ولا يمس القبر بيده، ويؤيد ذلك أنه قال في رواية ابن وهب يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وقد يراد إنه يدعو له بلفظ الصلاة، كما ذكر في الموطأ من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر إنه كان يصلي على النبي ﷺ وعلى أبي بكر وعمر وفي رواية يحيى بن يحيى، وقد غلطه ابن عبد البر، وقالوا: إنما لفظ الرواية على ما ذكره ابن القاسم والقعني وغيرهما يصلي على النبي ﷺ ويسلم على أبي بكر وعمر.
وقال أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو النبي ﷺ بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر لما في حديث ابن عمر من الخلاف، قال القاضي عياض: وقال في المبسوط، لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي ﷺ فيصلي عليه ويدعو له، ولأبي بكر وعمر، فإن كان أراد بالدعاء السلام والصلاة فهو موافق لتلك الرواية، وإن كان أراد دعاء [253] زائد فهي رواية أخرى، وبكل حال فإنما أراد الدعاء اليسير.
وأما ابن حبيب فقال: ثم يقف بالقبر متواضعا موقرا فيصلي عليه ويثني عليه، ويثني بما حضر ويسلم على أبي بكر وعمر، فلم يذكر إلا الثناء عليه مع الصلاة.
وأما الإمام أحمد فذكر الثناء عليه بلفظ الشهادة له بذلك مع الدعاء له بغير الصلاة ومع دعاء الداعي لنفسه أيضا ولم يذكر أن يطلب منه شيئا ولا يقرأ عند القبر قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } ولم يذكر ذلك أحمد [254] ولا المتقدمون من أصحابنا ولا جمهورهم، بل قال في منسك المروزي: ثم ائت الروضة، وهي بين القبر والمنبر فصل فيها وادع بما شئت، ثم ائت قبر النبي ﷺ فقل: السلام عليكم يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ﷺ وأشهد أنك بلغت رسالة ربك، ونصحت لأمتك وجاهدت في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته ورفع درجتك العليا وتقبل شفاعتك الكبرى، وأعطاك سؤلك في الآخرة والأولى، كما تقبل من إبراهيم، اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، وأسقنا بكأسه مشربا رويا لا نظمأ بعده أبدا [255].
وما من دعاء وشهادة ثناء يذكر عند القبر إلا وقد وردت السنة بذلك وما هو أحق منه في سائر البقاع، ولا يمكن أحدا أن يأتي بذكر شرع عند القبر دون غيره، وهذا تحقيق لنهيه ﷺ أ يتخذ قبره أو بيته عيدا فلا يقصد تخصيصه بشيء من الدعاء للرسول ﷺ فضلا عن الدعاء لغيره [256]، يدعي بذلك للرسول ﷺ حيث كان الداعي، فإن ذلك يصل إليه ﷺ وهذا بخلاف ما شرع عند قبر غيره، كقوله: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين »، فإن هذا لا يشرع إلا عند القبور لا يشرع عند غيرها [257].
وهذا مما يظهر به الفرق بينه وبين غيره، وإن ما شرعه وفعله أصحابه من المنع من زيارة قبره كما تزار القبور هو من فضائله وهو رحمة لأمته، ومن تمام نعمة الله عليها، فالسلف كلهم متفقون على أن الزائر لا يسأله شيئا ولا يطلب منه ما يطلب منه في حياته ويطلب منه يوم القيامة شفاعة ولا استغفار ولا غير ذلك، وإنما كان نزاعهم في الوقوف للدعاء له والسلام عليه عند الحجرة، فبعضهم رأى هذا من السلام.
واستحبه لذلك وبعضهم لم يستحبه إما لعدم دخوله، وإما لأن السلام المأمور به في القرآن مع الصلاة وهو السلام الذي لا يوجب الرد أفضل من السلام الموجب للرد، فإن هذا مما دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه السلف، فإن السلام المأمور به في القرآن كالصلاة المأمور بها في القرآن كلاهما لا يوجب عليه الرد، بل الله يصلي على من يصلي عليه ويسلم على من سلم عليه، ولأن السلام الذي يجب الرد هو حق للمسلم كما قال تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } ولهذا يرد السلام على من سلم، وإن كان كافرا فكان اليهود إذا سلموا عليه يقول: ( وعليكم ) أو (عليكم ) وأمر أمته بذلك، وإنما قال عليكم لأنه يقولون السام، والسام الموت، فيقول عليكم قال ﷺ: « يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا ».
ولما قالت عائشة وعليكم السام واللعنة، قال: مهلا يا عائشة فإن الله رفيق بحب الرفق في الأمر كله. أولم تسمعي ما قلت لهم، يعني رددت عليهم فقلت عليكم، فهذا إذا قالوا السام عليكم، وأما إذا علم أنهم قالوا السلام فلا يخصون في الرد فيقال عليكم، فيصير بمعنى السام عليكم ولا علينا، بل يقال وعليكم، وإذا قال الرسول ﷺ وأمته لهم وعليكم فإنما هو جزاء دعائهم وهو دعاء بالسلامة والسلام أمان فقال يكون المستجاب هي سلامتهم منا، أي من ظلمنا وعداوتنا، وكذلك كل من رد السلام على غيره، فإنما دعاء له بالسلامة، وهذا مجمل.
ومن الممتنع أن يكون كل من رد عليه النبي ﷺ السلام من الخلق دعا له بالسلامة من عذاب الدنيا والآخرة، فقد كان المنافقون يسلمون عليه ويرد عليهم ويرد على المسلمين أصحاب الذنوب وغيرهم، لكن السلام فيه أمان، ولهذا لا يبتدأ الكافر الحربي بالسلام، بل لما كتب النبي ﷺ كتابه إلى قيصر، قال فيه: « من محمد رسول الله إلى قيصر عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى » كما قال موسى لفرعون، والحديث في الصحيحين من رواية ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب في قصته المشهورة لما قرأ قيصر كتاب النبي ﷺ وسأله عن أحواله [258].
وقد نهى النبي ﷺ عن ابتداء اليهود بالسلام، فمن العلماء من حمل ذلك على العموم، ومنهم من رخص إذا كانت للمسلم إليه حاجة يبتدئه بالسلام بخلاف اللقاء، والكافر كاليهودي والنصارى يسلمون عليه وعلى أمته سلام التحية الموجب للرد؛ وأما السلام المطلق فهو كالصلاة عليه، إنما يصلي عليه ويسلم عليه أمته، فاليهود والنصارى لا يصلون عليه ويسلمون عليه، وكانوا إذا رأوه يسلمون عليه، فذلك الذي يختص به المؤمنون ابتداء وجوابا أفضل من هذا الذي يفعله الكفار معه، ومع أمته ابتداء وجوابا، ولا يجوز أن يقال إن الكفار إذا سلموا عليه سلام التحية، فإن الله يسلم عليهم عشرا، بل كان النبي يجيبهم على ذلك فيوفيهم كما لو كان لهم دين فقضاه.
وأما ما يختص بالمؤمنين، فإذا صلوا عليه صلى الله على من صلى عليه عشرا، وإذا سلم عليه سلم الله عليه عشرا، وهذه الصلاة والسلام هو المشروع في كل مكان بالكتاب والسنة والإجماع، بل هو مأمور به من الله سبحانه وتعالى لا فرق في هذا بين الغرباء وبين أهل المدينة عند القبر.
وأما السلام عليه عند القبر فقد عرف أن الصحابة والتابعين المقيمين بالمدينة لم يكونوا يفعلونه إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولو كان هذا كالسلام عليه لو كان حيا لكانوا يفعلونه كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه كما لو دخلوا المسجد في حياته وهو فيه فإنه مشروع لهم كلما رأوه أن يسلموا عليه، بل السنة لمن جاء إلى قوم أن يسلم عليهم إذا قدم وإذا قام، كما أمر النبي ﷺ بذلك وقال: « ليست الأولى بأحق من الآخرة » [259] فهو حين كان حيا كان أحدهم إذا أتى يسلم، وإذا قام يسلم ومثل هذا لا يشرع عند القبر باتفاق المسلمين، وهو معلوم بالاضطرار من عادة الصحابة، ولو كان سلام التحية خارج الحجرة مستحبا لكان مستحبا لكل أحد.
ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة، ولا بين حال السفر وغيره، فإن استحباب لهذا [260] لهؤلاء وكراهته حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي ولا يمكن أحدا أن ينقل عن النبي ﷺ أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرير ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذلك لأهل المدينة، فمثل هذه الشريعة ليس منقولا عن النبي ﷺ ولا عن خلفائه ولا هو معروف عن عمل الصحابة، وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر [261]، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة.
قلت: روى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي ﷺ فقال: السلام عليكم يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، وأنبأه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال معمر: فذكرت ذلك لعبيد الله بن عمر فقال: ما نعلم أحدا من أصحاب النبي ﷺ فعل ذلك إلا ابن عمر [262]، هكذا قال عبيد الله بن عمر العمري الكبير، وهو أعلم آل عمر في زمانه وأحفظهم وأثبتهم.
قال الشيخ: كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل ونزل وعبر ذلك في السفر [263]، وجمهور الصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك، بل أبوه عمر كان ينهى عن مثل ذلك، كما روى سعيد بن منصور في سننه، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المعرور بن سويد، عن عمر قال: خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في صلاة الفجر { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } و { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } في الثانية، فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد، فقال: ما هذا؟ فقالوا مسجد صلى فيه رسول الله ﷺ فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار الأنبياء بيعا، من عرض له منكم الصلاة [264] فليصل، ومن لم يعرض له فليمض [265].
ومما اتفق عليه الصحابة ابن عمر وغيره من أنه لا يستحب لأهل المدينة الوقوف عند القبر للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا، بل يكره ذلك، يبين ضعف حجة من احتج بقوله: « ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ».
فإن هذا لو دل على استحباب السلام عليم من المسجد لما اتفق الصحابة على ترك ذلك ولم يفرق في ذلك بين القادم من السفر وغيره، فلما اتفقوا على ترك ذلك مع تيسره على أنه غير مستحب، بل لو كان جائز لفعله بعضهم، فدل على أنه كان عندهم المنهي عنه، كما دلت عليه سائر الأحاديث.
وعلى هذا فالجواب عن الحديث إما بتضعيفه [266] على قول من يضعفه، وإما بأن ذلك يوجب فضيلة الرسول ﷺ بالرد لا فضيلة المسلم بالرد عليه، إذا كان هذا من باب المكافأة والجزاء حتى إنه يشرع للبر والفاجر التحية بخلاف ما يقصد به الدعاء المجرد وهو السلام المأمور به، وإما بأن يقال: هذا إنما هو من سلم عليه من قريب والقريب أن يكون في بيته، فإنه لم يجد بذلك لم يبق له حد محدود من جهة الشرع كما تقدم ولا ترغيب له في ذلك ولا ذكر أجر له كما جاء في الصلاة والسلام المأمور بهما، فإنه قد وعد أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، وكذلك من سلم عليه، وأيضا فهو مأمور بهما وكل مأمور به ففاعله محمود مشكور مأجور.
وأما قوله: « من رجل يمر بقبر الرجل فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام [267]، وما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » فإنما فيه مدح المسلم عليه والإخبار بسماعه السلام وأنه يرد السلام فيكافئ المسلم عليه لا يبقى للمسلم عليه فضل، فإنه بالرد يحصل المكافأة، كما قال تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }
ولهذا كان الرد من باب العدل المأمور به الواجب لكل مسلم إذا كان سلامه مشروعا، وهذا كقوله: « من سألنا أعطيناه ومن لم يسألنا أحب إلينا » [268]. هو إخبار بإعطائه السائل ليس هذا أمرا بالسؤال، وإن كان السلام ليس مثل السؤال، لكن هذا اللفظ إنما يدل على مدح الراد وأما المسلم فيقف الأثر فيه على الدليل.
وإذا كان المشروع لأهل المدينة أن لا يقفوا عند الحجرة ويسلموا عليه علم قطعا أن الحديث لم يرغب في ذلك، ومما يبين ذلك أن مسجدة كسائر المساجد لم يختص بجنس من العبادات لا تشرع في غيره، وكذلك المسجد الأقصى، ولكن خصا بأن العبادة فيها أفضل بخلاف المسجد الحرام، فإن مخصوص بالطواف واستسلام الركن وتقبيل الحجر وغير ذلك.
وأما المسجدان الآخران فما يشرع فيهما من صلاة وذكر واعتكاف وتعلم وتعليم وثناء على الرسول ﷺ وصلاة عليه وتسليم عليه وغير ذلك من العبادات فهو مشروع في المسجد، فعلم أن المشروع من ذلك العمل مشروع في سائر المساجد لا اختصاص لقبره بجنس من أجناس العبادات، ولكن العبادة في مسجدة أفضل منها في غيره لأجل المسجد لا لأجل القبر.
قال الشيخ [269]: ومما يوضح هذا أنه لم يعرف عن أحد من الصحابة أنه تكلم باسم زيارة قبره لا ترغيبا في ذلك ولا غير ترغيب، فعلم أن مسمى هذا الاسم لم يكن له حقيقة عندهم، ثم ذكر ما حكيناه عنه فيما تقدم ثم قال.
والمقصود أن هذا كله يبين ضعف حجة المفرق بين الصادر من المدينة والوارد عليها والوارد على مسجده من الغرباء والصادر عنه، وذلك إنه يمتنع أن يقال: إنه يرد على هؤلاء ولا يرد على أحد من أهل المدينة المقيمين بها، فإن أولئك هم أفضل أمته وخواصها، وهم الذين خاطبهم بهذا، فيمتنع أن يكون المعنى: من سلم منكم يا أهل المدينة لم أرد عليه ما دمتم مقيمين بها، فإن المقام بها هو غالب أوقاتهم، وليس في الحديث تخصيص ولا روي عن النبي ﷺ ما يدل على ذلك.
يبين هذا أن الحجرة لما كانت مفتوحة وكانوا يدخلون على عائشة لبعض الأمور فيسلمون عليه، إنما كان يرد عليهم إذا سلموا، فإن قيل: إنه ل يكن يرد عليهم، فهذا تعطيل للحديث، وإن قيل: كان يرد عليهم من هناك ولا يرد إذا سلموا من خارج فقد أظهر الفرق، وإن قيل: بل هو يرد على الجميع فحينئذ إن كان رده لا يقتضي استحباب هذا السلام بطل الاستدلال به، وإن كان رده يقتضي الاستحباب وهو الآن مختص بمن سلم من خارج لزم أن يستحب لأهل المدينة السلام عند الحجرة، كلما دخلوا المسجد وخرجوا.
وهو خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وخلاف قول المفرقين ومن أهل المدينة من قد لا يسافر منها أولا يسافر إلا للحج، والقادم قد يقيم بالمدينة الشعر والشهر، فهذا يرد عليه عشر مرات في اليوم والليلة وأكثر كلما دخل وكلما خرج وذلك المدني المقيم لا يرد عليه قط في عمره ولا مرة.
وأيضا استحباب هذا للوارد والصادر تشبيه له بالطواف الذي يشرع للحاج عند الورود إلى مكة وهو الذي يسمى طواف القدوم التحية وطواف الورود وعند الصدر، وهو الذي يسمى طواف الوداع، وهذا تشبيه لبيت المخلوق ببيت الخالق، ولهذا لا يجوز الطواف بالحجرة بالإجماع، بل ولا الصلاة إليها كما ثبت عنه ﷺ في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أنه قال ﷺ « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ».
وأيضا فالطواف بالبيت يشرع لأهل مكة ولغيرهم كلما دخلوا المسجد، والوقوف عند القبر كلما دخل المدينة لا يشرع بالاتفاق، فلم يبق الفرق بين المدني وغير المدني له أصل في السنة، ولا نظير في الشريعة، ولا هو بما سنه الخلفاء الراشدون وعمل به عامة الصحابة، فلا يجوز أن يجعل هذا من شريعته وسننه، وإذا فعله من الصحابة الواحد والاثنان والثلاثة وأكثر دون غيرهم كان غايته أنه يثبت به التسويغ بحيث يكون هذا مانعا من دعوى الإجماع على خلافه، بل يكون كسائر المسائل التي ساغ فيها الاجتهاد لبعض العلماء، أما أن يجعل من سنة الرسول ﷺ وشريعته وحكمه ولم تدل عليه سنته لكون بعض السلف فعل ذلك فهذا لا يجوز.
ونظير هذا مسحه للقبر، قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل، قبل النبي ﷺ يلمس ويتمسح به؟ قال: ما أعرف هذا قلت له فالمنبر؟ قال: أما المنبر فنعم، قد جاء فيه، قال أبو عبد الله: شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، عن ابن عمر أنه مسح على المنبر [270]، قال: ويرونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة، قلت: ويروي عن يحيى بن سعيد، يعني الأنصاري شيخ مالك وغيره أنه حيث أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا فرأيته استحسن ذلك، ثم قال: لعله عند الضرورة والشيء، قلت لأبي عبد الله: أنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر، وقلت له: ورأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحيته فيسلمون، فقال أبو عبد الله: نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل ذلك، ثم قال أبو عبد الله، بأبي وأمي ﷺ.
وقد ذكر أحمد بن حنبل أيضا في منسك المرودي نظير ما نقل عن ابن عمر وابن المسيب ويحيى بن سعيد، وهذا كله إنما يدل على التسويغ، وإن هذا مما فعله بعض الصحابة فلا يقال: انعقد اجماعهم على تركه بحيث يكون فعل من فعل ذلك اقتداء ببعض السلف لم يبتدع هو شيء من عنده.
وأما أن يقال: إن الرسول ﷺ ندب إلى ذلك ورغب فيه وجعله عبادة وطاعة يشرع فعلها، فهذا يحتاج إلى دليل شرعي لا يكفي في ذلك فعل بعض السلف، ولا يجوز أن يقال إن الله ورسوله يحب ذلك أو يكره وأنه سن ذلك وشرعه، أو نهى ذلك وكرهه، ونحو ذلك إلا بدليل يدل على ذلك لا سيما إن عرف أن جمهور أصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، فيقال: لو كان هو ندبهم إلى ذلك وأحبه لهم لفعلوه، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير، ونظائر هذا متعددة والله أعلم.
والمؤمن قد يتحرى الدعاء والصلاة في مكان دون مكان لاجتماع قلبه فيه وحصول خشوعه فيه، لا لأنه يرى أن الشارع فضل ذلك المكان كصلاة الذي يكون في بيته ونحو ذلك، فمثل هذا إذا لم يكن منهيا عنه، فلا بأس به، ويكون ذلك مستحبا في حق ذلك الشخص لكون عبادته فيه أفضل، كما إذا صلى القوم خلف إمام يحبونه كانت صلاتهم أفضل من أن يصلوا خلف من هم له كارهون؛ وقد يكون العمل المفضول في حق بعض الناس أفضل لكونه أنفع له، وكونه أرغب فيه، وهو أحب إليه من عمل أفضل منه لكونه يعجز عنه، فهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص وهو غير ما ثبت فضل جنسه بالشرع كما ثبت أن الصلاة أفضل ثم القراءة.
ثم الذكر بالادلة الشرعية، مع أن العمل المفضول في مكانه هو أفضل من الفاضل في غير مكانه كفضيلة الذكر والدعاء والقراءة بعد الفجر والعصر على الصلاة المنهي عنها في هذا الوقت، وكفضيلة التسبيح في الركوع والسجود على القراءة، لأنه نهي أن يقرأ القرآن راكعا أو ساجدا وكفضيلة الدعاء في الصلاة على القراءة هناك لأنه موطن الدعاء، ونظائر هذا متعددة وبسط هذا له موضع آخر.
لكن المقصود هنا أن يعلم أن ما قيل: أنه مستحب للأمة وقد نبدهم إليه الرسول ﷺ ورغبهم فيه، فلا بد له من دليل يدل على ذلك، ولا يضاف إلى الرسول ﷺ إلا ما صدر عنه، والرسول ﷺ هو الذي فرض الله على جميع الخلق الإيمان به وطاعته واتابعه وإيجاب ما أوجبه، وتحريم ما حرمه وشرع ما شرعه، وبه فرق الله بين الهدى والضلال: والرشاد والبغي والحق والباطل، والمعروف والمنكر.
وهو الذي شهد الله له بأنه يدعو إليه بإذنه ويهدي إلى صراط مستقيم وأنه على صراط مستقيم، الذي جعل الرب طاعته طاعة له في مثل قوله: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقوله: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } وهو الذي لا سبيل لأحد إلى النجاة إلا بطاعته ولا يسأل الناس يوم القيامة إلا عن الإيمان به وإتباعه وطاعته، وبه يمتحنون في القبور [271]، قال تعالى: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } وهو الذي أخذ الله له الميثاق على النبيين وأمرهم أن يأخذوا على أممهم الميثاق أنه إذا جاءهم أن يؤمنوا به ويصدقوه، وهو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل النار، فمن آمن به وأطاعه كان من أهل الجنة، ومن كذبه وعصاه كان من أهل النار قال تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }
والوعد بسعادة الدنيا والآخرة والوعيد بشقاوة الدنيا والآخرة يتعلق بطاعته، فطاعته هي الصراط المستقيم، وهي حبل الله المتين، وهي العروة الوثقى، وأصحابها هم أولياء الله المتقون، وحزبه المفلحون وجنده الغالبون، والمخالفون لهم هم أعداء الله حزب إبليس اللعين، قال تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }
وقال تعالى: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } وقال تعالى: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } وقال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
وجميع الرسل أخبروا بأن الله أمر بطاعتهم كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } يأمرون بعبادة الله وجده وتقواه وحده وخشيته وحده ويأمرون بطاعتهم، كما قال تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } وقال نوح: { أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } وقال في الشعراء « فاتقوا الله وأطيعون » وكذلك قال هود وصالح ولوط وشعيب، والناس محتاجون إلى الإيمان بالرسول ﷺ وطاعته في كل زمان ومكان ليلا ونهارا سفرا وحضرا، سرا وعلانية، جماعة وفرادى، وهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب، بل من النفس، فإنهم متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته.
وكما قال تعالى: { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } أي كذب بما أخبر به وتولى عن طاعته، كما قال تعالى في موضع آخر { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ } وقال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا } وقال: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }
والله تعالى قد سماه سراجا منيرا، وسمى الشمس سراجا وهاجا، والناس إلى السراج المنير أحوج منهم إلى السراج الوهاج، فإنهم يحتاجون إليه ليلا ونهارا سرا وعلانية، وهو أنفع لهم، فإنه منير ليس فيه أذى بخلاف الوهاج فإنه ينفع تارة ويضر أخرى.
ولما كانت حاجة الناس إلى الرسول ﷺ والإيمان به وطاعته ومحبته وموالاته وتعظيمه وتعزيزه وتوقيره عامة في كل مكان وزمان، كان ما يؤمر به من حقوقه عاما لا يختص بقبره، فمن خص قبره بشيء من الحقوق كان جاهلا بقدر الرسول ﷺ وقدر ما أمر الله به من حقوقه، وكل من اشتغل بما أمر الله به من طاعته شغله ذلك عما نهى عنه من البدع المتعلقة بقبره وقبر غيره، ومن اشتغل بالبدع المنهي عنها ترك ما أمر به الرسول ﷺ من حقه، فطاعته هي مناط السعادة والنجاة. والذين يحجون إلى القبور ويدعون الموتى من الأنبياء وغيرهم عصوا الرسول ﷺ وأشركوا بالرب ففاتهم ما أمروا به من تحقيق التوحيد والإيمان بالرسول ﷺ، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وجميع الخلق يأتون يوم القيامة فيسألون عن هذين الأصلين ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين كما بسط هذا في موضعه، والمقصود أن الصحابة كانوا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين يدخلون المسجد، ويصلون فيه الصلوات الخمس ويصلون على النبي ﷺ ويسلمون عليه عند دخول المسجد وبعد دخوله ولم يكونوا يذهبون ويقفون إلى جانب الحجرة ويسلمون عليه هناك، وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد، ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار.
ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتا جبر بن عبد الله وهو توفي خلافة عبد الملك، فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد توفي سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك.
وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة التميري في كتاب أخبار مدينة رسول الله ﷺ عن أشياخه وعمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائبا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة، وعمل سقفه بالساج وماء الذهب وهدم حجرات أزواج النبي ﷺ فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه، ثم ذكر الشيخ الآثار المروية في عمارة عمر بن عبد العزيز المسجد وزيادته فيه، وذكر أن حكم الزيادة حكم المزيد فقال: [272]
وقد جاءت الآثار بأن حكم الزيادة في مسجده حكم المزيد تضعف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد، فيجوز الطواف فيه والطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجا منه، ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر، ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده لكانت تلك صلاة في غير مسجده، والصحابة وسائر المسلمين بعدهم لا يحافظون عن العدول عن مسجده إلى غير مسجده ويأمرون بذلك.
قال أبو زيد: حدثني محمد بن يحيى، حدثني من أثق [273] به أن عمر زاد في المسجد من القبلة إلى موضع المقصورة التي هي به اليوم، قال، فأما الذي لا يشك فيه أهل بلدنا أن عثمان هو الذي وضع القبلة في موضعها اليوم، ثم لم تغير بعد ذلك. قال أبو زيد، حدثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن عثمان، عن مصعب بن ثابت، عن خباب أن النبي ﷺ قال يوما وهو في مصلاه: « لو أردنا في مسجدنا » وأشار بيده نحو القبلة.
حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي ذلب قال: قال عمر: لو مد مسجد النبي ﷺ إلى ذي الحليفة لكان منه، حدثنا محمد بن يحيى عن سعيد بن سعيد، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي » فكان أبو هريرة يقول: والله لو مد هذا المسجد إلى داري ما عدوت أن أصلي فيه.
حدثنا محمد، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن فليح بن سليمان، عن ابن أبي عمرة قال: زاد عمر في المسجد في شاميه، ثم قال: لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله ﷺ، قال: وهذا الذي جاءت به الآثار هو الذي يدل على كلام الأئمة المتقدمين وعملهم فإنهم قالوا: إن الصلاة الفرض خلف الإمام أفضل وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان فإن كليهما زاد من قبلي المسجد فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده، وما بلغني عن أحد من السلف خلاف هذا لكن رأيت بعض المتأخرين، قد ذكر أن الزيادة ليس من مسجده، وما علمت لمن ذكر ذلك سلفا من العلماء.
قال [274]: وهذه الأمور نبهنا عليها هاهنا، فإنه يحتاج إلى معرفتها.
أكثر الناس لا يعرفون الأمر كيف كان ولا حكم الله ورسوله في كثير من ذلك، وكان المقصود أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة، كان قد مات عامة الصحابة، ولم يبق إلا من أدرك النبي ﷺ ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطاهرة والصلاة، ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، وقد ذكروا أن ذلك كان سنة إحدى وتسعين.
وأن عمر بن عبد العزيز مكث في بنائه ثلاث سنين، وسنة ثلاث وتسعين مات فيها خلق كثير من التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره من الفقهاء السبعة، ويقال لها سنة الفقهاء، وجابر بن عبد الله، وكان من السابقين الأولين ممن بايع بالعقبة وتحت الشجرة ولم يكن بقي من هؤلاء غيره لما مات، وذلك قبل تغيير المسجد بسنين، ولم يبق بعد ممن كان بالغا حين موت النبي ﷺ إلا سهل بن سعد الساعدي، فإنه توفي سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين، ولهذا قيل فيه إنه آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي ﷺ، كما قال أبو حاتم البستي وغيره، وأما من مات بعد ذلك فكانوا صغارا مثل السائب بن يزيد الكندي ابن أخت نمر، فإنه مات بالمدينة سنة إحدى وتسعين، وقيل إنه مات بعده عبد الله بن أبي طلحة الذي حنكه النبي ﷺ، وكذلك محمود بن الربيع الذي عقل مجه ومجها رسول ﷺ في وجه من بئر كان في دارهم وله خمس سنين، مات سنة تسع وتسعين وله ثلاث وتسعون سنة، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف سماه النبي ﷺ أسعد باسم أسعد بن زراره مات سنة مائة.
لكن هؤلاء لم يكن لهم في حياته من التمييز ما ينقلون عنه أقواله وأفعاله التي ينقلها الصحابة مثل ما ينقلها جابر وسهل بن سعد وغيرهما، وأما ابن عمر فكان قد مات قبل ذلك بعد قتل ابن الزبير بمكة سنة أربع وسبعين، وابن عباس مات قبل ذلك بالطائف سنة ثمان وستنين، فهؤلاء وأمثالهم من الصحابة لم يدرك أحد منهم تغير المسجد وإدخال الحجرة فيه، وأنس بن مالك كان بالبصرة، ولم يكن بالمدينة وقيل: إنه آخر من مات بها من الصحابة.
وكانت حجر أزواج النبي شرقي المسجد وقبليه، وقيل وشاميه، فاشتريت من ملاكها ورثة أزواجه وزيدت في المسجد، فدخلت حجرة عائشة، وكان الذي تولى ذلك عمر بن عبد العزيز نائب الوليد على المدينة فسد باب الحجرة وبنوا حائطا آخر عليها غير الحائط القديم، فصار المسلم عليه من وراء الجدار أبعد من المسلم عليه لما كان جدارا واحدا.
قال هؤلاء: ولو كان سلام التحية الذي يرده على صاحبه مشروعا في المسجد لكان له حد ذراع أو ذراعان أو ثلاثة فلا يعرف الفرق بين المكان الذي يستحب فيه هذا السلام والمكان الذي لا يستحب فيه، فإن قيل: من سلم عليه عند الحائط الغربي رد عليه، قيل: وكذلك من كان خارج المسجد، وإلا فما الفرق حينئذ فيلزم أن يرد على جميع أهل الأرض وعلى كل مصل في كل صلاة كما ظنه بعض الغالطين، ومعلوم بطلان ذلك، وإن قيل يختص بقدر بين المسلم وبين الحجرة، قيل: فما حد ذلك. وهم لهم قولان: منهم من يستحب القرب من الحجرة، كما استحب ذلك مالك وغيره، ولكن يقال فما حد ذلك القرب، وإذا جعل له حد، فهل يكون من خرج عن الحد فعل المستحب، وآخرون من المتآخرون يستحبون التباعد عن الحجرة كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي، فهل هو بذراع أو باع أو أكثر، وقدره من قدره من أصحاب أبي حنيفة بأربعة أذرع، فإنهم قالوا: يكون حين يسلم عليه مستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره ولا يدنوا أكثر من ذلك، وهذا والله أعلم قاله المتقدمون، لأن المقصود به السلام المأمور به في القرآن كالصلاة عليه ليس المقصود به سلام التحية الذي يرد جوابه المسلم عليه، فإن هذا لا يشرع فيه هذا البعد ولا يستقبل به القبلة ولا يسمع إذا كان بالصوت المعتاد.
وبالجملة: فمن قال إنه يسلم سلام التحية الذي يقصد به الرد فلا بد من تحديد مكان ذلك، فإن قال: إلى أن يسمع ويرد السلام، فإن حد في ذلك ذراعا أو ذراعين أو عشرة أذرع، أو قال: إن ذلك في المسجد كله أو خارج المسجد، فلا بد له من دليل والأحاديث الثابتة عنه فيها أن الملائكة يبلغونه صلاة من صلى عليه وسلام من يسلم عليه ليس في شيء منها أنه يسمع بنفسه ذلك، فمن زعم أنه يسمع ويرد من خارج الحجرة من مكان دون مكان، فلا بد له من حد معلوم أنه ليس في ذلك حد شرعي، وما أحد يحد في ذلك حدا إلا عورض بمن يزيده أو ينقصه ولا فرق.
وأيضا فذلك يختلف باختلاف ارتفاع الأصوات وانخفاضها، والسنة للمسلم في السلام عليه خفض الصوت. ورفع الصوت في مسجده منهي عنه بالسلام والصلاة وغير ذلك، بخلاف المسلم من الحجرة فإنه فرق ظاهر بينه وبين المسلم عليه من المسجد ثم السنة لمن دخل مسجده أن يخفض صوته فالمسلم عليه إذا رفع الصوت أساء الأدب برفع الصوت في المسجد وإن لم يرفع لم يصل الصوت إلى داخل الحجرة، وهذا بخلاف السلام الذي أمر الله به ورسوله الذي يسلم الله على صاحبه، كما يصلي على من صلى عليه، فإن هذا مشروع في كل مكان لا يختص بالقبر.
وبالجملة فهذا الموضوع فيه نزاع قديم بين العلماء وعلى كل تقدير فلم يكن عند أحد من العلماء الذين استحبوا سلام التحية في المسجد حديث في استحباب زيارة قبره يحتجون به، فعلم أن هذه الأحاديث ليست مما يعرفه أهل العلم، ولهذا لما تتبعت وجدت روايتها إما كذاب وإما ضعيف سيئ الحفظ ونحو ذلك، كما قد بين في غير هذا الموضع، وهذا الحديث الذي فيه: « ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام »، قد احتج به أحمد وغيره من العلماء، وقيل: هو على شرط مسلم وهو معروف من حديث حيوة من شريح المصري الرجل الصالح الثقة عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة، وأبو صخر هذا متوسط، ولهذا اختلف فيه عن يحيى بن معين فمرة قال: هو ضعيف، ووافقه النسائي ومرة قال: لا بأس به ووافقه أحمد.
فلو قدر أن هذا الحديث مخالف لما هو أصح منه وجب تقديم ذاك عليه، ولكن السلام على الميت ورده السلام على من سلم عليه قد جاء في غير هذا الحديث، ولو أريد إثبات سنة رسول الله ﷺ بمثل هذا الحديث لكان هذا مختلفا فيه فالنزاع في إسناده وفي دلالة متنه، ومسلم روى بهذا الإسناد قوله ﷺ: « من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد » [275] وهذا الحديث قد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة [276] وعائشة من غير هذا الطريق، ومسلم قد يروي عن الرجل المتابعات ما لا يرويه فيما انفرد به، وهذا معروف منه في عدة رجال يفرق بين من يروي عنه ما هو معروف من رواية غيره وبين من يعتمد عليه فيما ينفرد به، ولهذا كثير من أهل العلم يمتنعوا أن يقولوا في مثل ذلك: هو على شرط مسلم أو البخاري، كما بسط هذا في موضعه.
الوجه الثامن: من أنه لو كان في هذا الباب حديث صحيح لم يخف عن الصحابة والتابعين بالمدينة، ولو كان ذلك معروف عندهم لم يكره أهل العلم بالمدينة مالك وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي ﷺ، فلما كرهوا هذا القول دل على أنه ليس عندهم فيه أثر لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه.
الوجه التاسع: إن الذين كرهوا هذا القول والذين لم يكرهوه من العلماء متفقون على أن السفر إلى زيارة قبره، إنما هو سفر إلى مسجده، ولو لم يقصد إلا السفر إلى القبر لم يمكنه أن يسافر إلا إلى المسجد، لمن قد يختلف الحكم بينه كما تقدم، وأما زيارة قبره كما هو المعروف في زيارة القبور، فلهذا ممتنع غير مقدور ولا مشروع، وبهذا يظهر أن الذين كرهوا أن يسموا هذا زيارة لقبره قولهم أولى بالصواب، فإن هذا ليس زيارة لقبره ولا فيه ما يختص بالقبر، بل كل ما يفعل فإنما هو عبادة تفعل في المساجد كلها أو في غير المساجد أيضا، ومعلوم أن زيارة القبر لها اختصاص بالقبر، ولما كانت زيارة لقبره، ولا فيه ما يختص بالقبر، ولما كانت زيارة قبره المشروعة إنما هي سفر إلى مسجده وعبادة في مسجده ليس فيها ما يختص بالقبر كان قول من كره أن يسمي هذا زيارة لقبره أولى بالشرع والعقل واللغة، ولم يبق إلا السفر إلى مسجده، وهذا مشروع بالنص والإجماع، والذين قالوا: يستحب زيارة قبره، إنما أرادوا هذا فليس بين العلماء خلاف في المعنى، بل في التسمية والإطلاق.
والمجيب لم يحك نزاعا في استحباب هذه الزيارة الشرعية التي تكون في مسجده وبعضهم يسميها زيارة لقبره وبعضهم يكره أن تسمي زيارة لقبره، والمجيب يستحب ما يستحب بالنص والإجماع وقد ذكر ما فيه النزاع كان الحاكي عند خلاف ذلك كاذبا مفتريا يستحق ما يستحقه أمثاله من المفترين.
ثم حكى الشيخ عن المعترض المالكي أنه قال: وتضافرت النصوص عن الصحابة والتابعين وعن السادة العلماء المجتهدين بالحض على ذلك والندب إليه والغبطة لمن سارع لذلك وداوم عليه، حتى نحا بعضهم في ذلك إلى الوجوب، ورفعه عن درجة المباح والمندوب، ولم يزل الناس مطبقين على ذلك قولا وعملا لا يشكون في ندبه ولا يبغون عنه حولا.
وفي مسند ابن أبي شيبة: « من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائبا سمعته » [277] قال الشيخ: هكذا في النسخة التي حضرت إلي مكتوبة عن المعترض، وقد صحح على « سمعته » وهو غلط، فإن لفظ الحديث: من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائبا بلغته. هكذا ذكره الناس، وهكذا ذكره القاضي عياض عن ابن أبي شيبة، وهذا المعترض عمدته في مثل هذا الكتاب القاضي عياض.
وهذا الحديث قد رواه البيهقي من حديث العلاء بن عمرو الحنفي، حدثنا أبو عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: « من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائبا بلغته » قال البيهقي: أبو عبد الرحمن هذا هو محمد بن مروان السدي فيما أرى، وفيه نظر وقد مضى ما يؤكده.
قلت [278]: هو تبليغ صلاة أمته وسلامه عليه، كما في الأحاديث المعروفة، مثل الحديث الذي في سنن أبي داود عن حسين الجعفي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله ﷺ: « أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت، فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ».
وهذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ورواه أبو حاتم، قال البيهقي: وله شواهد، وروى حديثين عن ابن مسعود وأبي أمامة، وله شواهد أجود مما ذكره البيهقي، منها ما رواه ابن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصري، حدثنا عبد الله بن وهيب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ « أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه مشهود وتشهد الملائكة، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها، قال: قلت وبعد الموت؟ قال وبعد الموت، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء »، ورواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تهذيب الآثار من حديث سعيد بن أبي هلال كما تقدم.
ومنها ما رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » وهذا له شواهد مراسيل من وجوه مختلفة يصدق بعضها بعضا، منها ما رواه سعيد بن منصور في سننه: حدثنا حبان بن علي حدثنا محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ».
وقال سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد، أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي ﷺ، فقال: إذا دخل المسجد فسلم عليه، ثم قال: إن النبي ﷺ: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ما أنت ومن بالأندلس منه إلا سواء. رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي ﷺ ولفظه: وقال: ما لي رأتيك وقفت، قلت: وقفت أسلم على النبي ﷺ، فقال: « إذ دخلت المسجد فسلم »، وذكر الحديث ولم يذكر قول الحسن، وقال إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، عن وهيب، عن أيوب السختياني قال: بلغني والله أعلم أن ملكا موكل بكل من صلى على النبي ﷺ حتى يبلغه النبي ﷺ.
وأما السلام ففي النسائي وغيره من حديث سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: « إن لله ملائكة سياجين يبلغونني عن أمتي السلام » وفي الحديث الذي تقدم من رواية أبي يعلي الموصلي، وقد تقدم إسناده عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فنهاه، وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي، عن رسول الله ﷺ قال: « لا تخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم ».
فهذه الأحاديث المعروفة عند أهل العلم التي جاءت من وجوه حسان تصدق بعضها بعضا، وهي متفقة على أن من صلى عليه وسلم من أمته فإنه ذلك يبلغه ويعرض عليه، وليس في شيء منها أنه يسمع صوت المصلي عليه والمسلم بنفسه، إنما فيها إن ذلك يعرض عليه ويبلغه ﷺ تسليما، ومعلوم أنه أراد بذلك الصلاة والسلام الذي أمر الله به، سواء صلى عليه وسلم في مسجده أو مدينته أو مكان آخر، فعلم أن ما أمر الله به من ذلك فإنه يبلغه.
وأما من سلم عليه عند قبره فإنه يرد عليه، وذلك كالسلام على سائر المؤمنين، ليس هو من خصائصه ولا هو السلام المأمور به الذي يسلم الله على صاحبه عشرا، كما يصلي على من صلى عليه عشرا، فإن هذا هو الذي أمر الله به في القرآن، وهو لا يختص بمكان دون مكان، وقد تقدم حديث أبي هريرة أنه يرد السلام على من سلم عليه، والمراد عند قبره، لكن النزاع في معنى كونه عند القبر هل المراد في بيته كما يراد مثل ذلك في سائر ما أخبر به من سماع الموتى، إنما هو لمن كان عند قبورهم قريبا منها، أو يراد به من كان في الحجرة، كما قاله طائفة من السلف والخلف. وهل يستحب ذلك عند الحجرة لمن قدم من سفر أو لمن أراده من أهل المدينة أو لا يستحب بحال، وليس الاعتماد في سماعه ما يبلغه من صلاة أمته وسلامهم إلا على هذه الأحاديث الثابتة، فأما ذاك الحديث وإن كان معناه صحيحا فإسناده لا يحتج به، وإنما يثبت معناه بأحاديث أخر، فإنه لا يعرف إلا من حديث محمد بن مروان السدي الصغير عن الأعمش كما ظنه البيهقي، وما ظنه في هذا هو متفق عليه عند أهل المعرفة بالحديث، وهو عندهم موضوع على الأعمش.
قال عباس الدوري عن يحيى بن معين [279]: محمد بن مروان ليس بثقة، وقال البخاري: [280] سكتوا عنه لا يكتب حديثه البتة، وبقال الجوزجاني: ذاهب الحديث، وقال النسائي: [281] متروك الحديث، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث، وقال أبو حاتم الرازي [282] والأزدي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: [283] ضعيف، وقال ابن حبان [284]: لا يحل كتب حديثه إلا اعتبارا ولا الاحتجاج به بحال، وقال ابن عدي: [285] عامة ما يرويه غير محفوظ والضعف على رواياته بين.
فهذا الكلام على ما ذكره من الحديث مع أنا قد بينا صحة معناه بأحاديث أخر، وهو لو كان صحيحا فإنما فيه أنه يبلغ صلاة من صلى نائبا، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما قد وجدته منقولا عن هذا المعترض، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، إنما بقوله بعض الجهال يقولون: إنه يوم الجمعة وليلة الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من صلى عليه، فالقول بأنه يسمع ذلك من نفس المصلي باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يُبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة، وقول القائل: إنه يسمع الصلاة من بعيد ممتنع، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه، فهذه مكابرة، وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من البعد، فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم، قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } وقال: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } إلى قوله تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
وليس أحد من البشر، بل ولا من الخلق، يسمع أصوات العباد كلهم، ومن قال هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى، الذين يقولون إن المسيح هو الله وإنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم، قال تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
فلا المسيح ولا غيره من البشر ولا أحد من الخلق يملك لأحد من الخلق ضرا ولا نفعا، بل ولا لنفسه، وإن كان أفضل الخلق، قال تعالى: { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } وقال تعالى: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } وقال تعالى: { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
وقوله: { إلا ما شاء الله } فيه قولان، قيل: هو استثناء متصل، وأنه يملك من ذلك ما ملكه الله وقيل: هو منقطع والمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا بحال، فقوله { إلا ما شاء الله } استثناء منقطع، أي لكن يكون من ذلك ما شاء الله كقوله الخليل: { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } أي لا أخاف أن يفعلوا شيئا لكن إن شاء الله ربي شيئا كان، وإلا لم يكن، وإلا فهم لا يفعلون شيئا.
وكذلك قوله: { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فيه قولان أصحهما أنه استثناء منقطع أي لكن من شهد بالحق تنفعه الشهادة وتنفع شفاعته كقوله: { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } وقال: { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ } وبسط هذا له موضع آخر.
قال الشيخ [286]: وأما ما ذكره من تضافر النقول عن السلف بالحض على ذلك وإطباق الناس عليه قولا وعملا، فيقال: الذي اتفق عليه السلف والخلف وجاءت به الأحاديث الصحيحة هو السفر إلى مسجده، والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا إنه يستحب السفر إلى زيارة قبر نبينا ﷺ، لأن مرادهم بالسفر لزيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره، وهذا هو مراد من ذكر الإجماع على ذلك كما ذكر القاضي عياض.
قال: وزيارة قبره سنة من المسلمين مجتمع عليه وفضيلة مرغب فيها، فمرادهم الزيارة التي بينوها وشرحوها كما ذكر ذلك القاضي عياض في هذا الفصل، فصل زيارته.
قال: وقال إسحاق بن إبراهيم الفقيه، ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد النبي ﷺ والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطئ قدمه والعمود الذي يستند إليه ونزل جبريل بالوحي عليه فيه، وبمن عمره وقصده من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين والاعتبار بذلك كله.
قلت: وذلك أن لفظ زيارة قبره ليس المراد بها نظير المراد بزيارة قبر غيره فإن قبر غيره يوصل إليه ويجلس عنده ويتمكن الزائر مما يفعله الزائرون للقبور عندها من سنة وبدعة، وأما هو ﷺ فلا سبيل لأحد أن يصل إلا إلى مسجده، لا يدخل أحد بيته ولا يصل إلى قبره، بل دفنوه في بيته بخلاف غيره فإنهم دفنوه في الصحراء، كما في الصحيحين عن عائشة أن النبي ﷺ قال في مرض موته: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا ». قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا.
فدفن في بيته لئلا يتخذ قبره مسجدا ولا وثنا ولا عيدا. فإن في سنن أبي داود من حديث أحمد بن صالح عن عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة: قال رسول الله ﷺ: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » وفي الموطأ وغيره عنه أنه قال: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ».
وفي صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس: « إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » [287] فلما لعن من يتخذ القبور مساجد تحذيرا لأمته من ذلك ونهاهم عن ذلك ونهاهم أن يتخذوا قبره عيدا، دفن في حجرته لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها فلم يكن في حياتها أحد يدخل لذلك، إنما يدخلون إليها هي: ولما توفيت لم يبق بها أحد، ثم لما أدخلت في المسجد سدت وبني الجدار البراني عليها فما بقي أحد يتمكن من زيارة قبره كالزيارة المعروفة عند قبر غيره سواء كانت سنية أو بدعية، بل إنما يصل الناس إلى مسجده، ولم يكن السلف يطلقون على هذا زيارة لقبره ولا يعرف عن أحد من الصحابة لفظ زيارة قبره البتة، ولم يتكلموا بذلك وكذلك عامة التابعين لا يعرف هذا في كلامهم، فإن المعنى ممتنع عندهم، فلا يعبروا عن وجوده، وهو نهي عن اتخاذ بيته وقبره عيدا وسأل الله تعالى أن لا يجعل وثنا، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد فقال النبي ﷺ: « اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ».
ولهذا كره مالك وغيره أن يقال: زرنا قبر النبي ﷺ، ولو كان السلف ينطقون بهذا لم يكرهه مالك، وقد باشر التابعين بالمدينة، وهم أعلم الناس بمثل ذلك، ولو كان في هذا حديث معروف عن النبي ﷺ لعرفة هؤلاء ولم يكرهه مالك وأمثاله من علماء المدينة الأخيار بلفظ تكلم به الرسول ﷺ فقد كان رضي الله عنه يتحرى ألفاظ الرسول في الحديث، فكيف يكره النطق بلفظه؟
لكن طائفة من العلماء سموا هذا زيارة لقبره، وهم لا يخالفون مالكا ومن معه في المعنى، بل الذي يستحبه أولئك من الصلاة والسلام وطلب الوسيلة ونحو ذلك،في مسجده يستحبه هؤلاء، لكن هؤلاء سموا هذا زيارة لقبره، وأولئك كرهوا أن يسموا هذا زيارة لقبره.
وقد حدث من بعض المتأخرين في ذلك بدع لم يستحبها أحد من الأئمة الأربعة كسؤاله الاستغفار، وزاد بعض جهال العامة ما هو محرم أو كفر بإجماع المسلمين، كالسجود للحجرة والطواف بها وأمثال ذلك مما ليس هذا موضعه.
ومبدأ ذلك من الذين ظنوا أن هذا زيارة لقبره وظن هؤلاء أن الأنبياء والصالحين تزار قبورهم لدعائهم والطلب منهم واتخاذ قبورهم أوثانا حتى قد يفضلون تلك البقعة على المساجد وإن بني عليها مسجد فضلوه على المساجد التي بنيت لله وحتى قد يفضلون الحج إلى قبر من يعظمونه على الحج إلى البيت العتيق إلى غير ذلك مما هو كفر وردة عن الإسلام باتفاق المسلمين، فالذي تضافرت به النقول عن السلف قاطبة وأطبقت عليه الأمة قولا وعملا عن السفر إلى مسجده المجاور لقبره والقيام بما أمر الله به من حقوقه في مسجده، كما يقام بذلك في غير مسجده، لكن مسجده أفضل المساجد بعد المسجد الحرام عند الجمهور. وقيل إنه أفضل مطلقا كما نقل عن مالك وغيره. ولم يتطابق السلف والخلف على إطلاق زيارة قبره، ولا ورد بذلك حديث صحيح ولا نقل معروف عن أحد من الصحابة، ولا كان الصحابة المقيمون بالمدينة من المهاجرين والأنصار إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه يجيئون إلى القبر ويقفون عنده ويزورونه؛ فهذا لم يعرف عن أحد من الصحابة، وقد ذكر مالك وغيره أن هذا من البدع التي لم تنقل عن السف وأن هذا منهي عنه.
وهذا الذي قاله مالك مما يعرفه أهل العلم الذين لهم عناية بهذا الشأن؛ يعرفون أن الصحابة لم يكونوا يزورون قبره لعلمهم بأنه قد نهى عن ذلك، ولو كان قبره يزار كما تزار القبور، قبور أهل البقيع والشهداء شهداء أحد، لكان الصحابة يفعلون ذلك، إما بالدخول إلى حجرته، وإما بالوقوف عند قبره إذا دخلوا المسجد. وهم لم يكونوا يفعلون لا هذا ولا هذا، بل هذا من البدع كما بين ذلك أئمة العلم، وهذا مما ذكره القاضي عياض، وهو الذي قال: زيارة قبره سنة مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها، وهو في هذا الفصل ذكر عن مالك أنه كره أن يقال: زرنا قبر النبي ﷺ، وذكر فيه أيضا: قال مالك في المبسوط وليس يلزم من دخل المسجد أو خرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء، وقال مالك في المبسوط أيضا: ولا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي ﷺ فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر [288]، قيل له: فإن ناسا من أهل المدينة يقدمون من سفر ولا يريدون يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
فقد بين مالك أنه لم يبلغ عن السلف من الصحابة المقيمين بالمدينة أنهم كانوا يقفون بالقبر عند دخول المسجد إلا لمن قدم من سفر، مع أن الذي يقصد السفر فيه نزاع مذكور في غير هذا الموضع، وقد ذكر القاضي عيا عن أبي الوليد الباجي أنه احتج لما كره مالك فقال: أهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم، وقال: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وقال: « لا تجعلوا قبري عيدا ».
قلت: فهذا يبين أن وقوف أهل المدينة بالقبر هو الذي يسمى زيارة لقبره من البدع التي لم يفعلها الصحابة وأن ذلك منهي عنه بقوله: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وقوله: « لا تتخذوا قبري عيدا »، وإذا كانت هذه الزيارة مما نهي عنها في الأحاديث، فالصحابة أعلم بنهيه وأطوع له، فلهذا لم يكن بالمدينة منهم من يزور قبره باتفاق العلماء، وهذا الوقوف الذي يسميه غير مالك زيارة لقبره الذي بين مالك وغيره أنه بدعة لم يفعلها السلف هي زيارة مقصود صاحبها الصلاة والسلام عليه، كما بين ذلك في السؤال لمالك.
لكن لما قال النبي ﷺ: « لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني » وروي مثل ذلك في السلام عليه علم أنه كره تخصيص تلك البقعة بالصلاة والسلام، بل يصلي عليه ويسلم في جميع المواضع وذلك واصل إليه.
فإذا كان مثل هذه الزيارة للقبر بدعة منهيا عنها، فكيف بمن يقصد ما يقصده من قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم ويستغيث بهم ليس قصده الدعاء لهم. ومعلوم أن هذا أعظم في كونه بدعة وضلالة، فالسلف والخلف إنما تطابقوا على زيارة قبره بالمعنى المجمع عليه من قصد مسجده والصلاة فيه كما تقدم، وهذا فرق بينه وبين سائر قبور الأنبياء والصالحين، فإنه يشرع عند قبره لمسجده الذي أسس على التقوى.
فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين والصلاة مقصورة فيه باتفاق المسلمين، ومن قال إن هذا السفر لا تقتصر فيه الصلاة، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وليس ذلك سفرا لمجرد الزيارة، بل لا بد أن يقصد إتيان المسجد والصلاة فيه، وإن لم يقصد القبر، فهذا يندرج في كلام المجيب حيث قال: أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فهل يجوز له قصر الصلاة؟ على قولين معروفين. فهو ذكر القولين فيمن سافر لمجرد قصد زيارة القبور، أما من سافر لقصر الصلاة في مسجده عند حجرته التي فيها قبره، فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين، وقد تقدم قول مالك للسائل الذي سأله عمن نذر أن يأتي قبر النبي ﷺ، فقال: إن كان أراد مسجد النبي ﷺ فليأته وليصل فيه، وإن كان إنما أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد.
فالسائل سأله عمن نذر أن يأتي إلى قبر النبي ﷺ ففصل مالك في الجواب بين أن يريد القبر أو المسجد، مع أن اللفظ إنما هو أن يأتي القبر، فعلم أن لفظ إتيان القبر وزيارة القبر والسفر إلى القبر ونحو ذلك يتناول من قصد المسجد، وهذا مشروع، ويتناول من لم يقصد إلا القبر، وهذا منهي عنه كما دلت عليه النصوص وبينه العلماء مالك وغيره.
فمن نقل عن السلف إنهم استحبوا السفر لمجرد القبر دون المسجد بحيث لا يقصد المسافر المسجد، ولا الصلاة فيه، بل إنما يقصد القبر كالصورة التي نهى عنها مالك فهذا لا يوجد في كلام أحج من علماء السلف استحباب ذلك فضلا عن إجماعهم عليه.
وهذا الموضع يجب على المسلمين عامة وعلمائهم تحقيقه ومعرفة ما هو المشروع والمأمور به، الذي هو عبادة الله وحده وطاعة له ولرسوله وبر وتقوى وقيام بحق الرسول، وما هو شرك وبدعة منهي عنها، لئلا يلتبس هذا بهذا، فإن السفر إلى مسجد المدينة مشروع باتفاق المسلمين، لكن إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
وقد تقدم عن مالك وغيره أنه إذا نذر إتيان المدينة إن كان قصده الصلاة في المسجد، وإلا لم يوف بنذره، وأما إذا نذر إتيان المسجد لزمه لأنه إنما يقصد الصلاة فلم يجعل السفر إلى المدينة سفرا مأمورا به إلا سفر من قصد الصلاة في المسجد، وهو الذي يؤمر به الناذر بخلاف غيره لقوله ﷺ: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ». وجعل من سافر إلى المدينة أو إلى بيت المقدس لغير العبادة الشرعية في المسجدين سفرا منهيا عنه لا يجوز أن يفعله وأن نذره، وهذا قول جمهور العلماء فمن سافر إلى مدينة الرسول أو بيت المقدس لقصد زيارة ما هناك من القبور أو من آثار الأنبياء والصالحين كان سفره محرما عند مالك والأكثرين، وقيل: إنه سفر مباح ليس بقربة كمال قاله طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وهو قول ابن عبد البر، وما علمنا أحد علماء المسلمين المجتهدين الذين تذكر أقوالهم في مسائل الإجماع والنزاع ذكر أن ذلك مستحب.
فدعوى من ادعى أن السفر إلى مجرد القبور مستحب عند جميع علماء المسلمين كذب ظاهر، وكذلك إن ادعى أن هذا قول الأئمة الأربعة أو جمهور أصحابهم أو جمهور علماء المسلمين فهو كذاب بلا ريب، وكذلك إن ادعى أن هذا قول عالم معروف من الأئمة المجتهدين، وإن قال إن هذا قول بعض المتأخرين أمكن أن يصدق في ذلك، وهو بعد أن تعرف صحة نقله نقل قولا شاذا مخالفا لإجماع السلف مخالفا لنصوص الرسول، فكفى بقوله فسادا أن يكون قولا مبتدعا في الإسلام مخالفا للسنة والجماعة لما سنه الرسول ﷺ ولما أجمع عليه سلف الأمة وأثمتها.
والنقل عن علماء السلف يوافق ما قاله مالك فمن نقل عنهم ضد ذلك فقد كذب، وأقل ما في الباب أن يجعل من طولب بصحة نقله والألفاظ المجملة والتي يقولها طائفة قد عرف مرادهم، وعياض نفسه الذي ذكر أن زيارته سنة مجمع عليها قد بين الزيارة المشروعة في ذلك. وقد ذكر عياض في قوله: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد » ما هو ظاهر مذهب مالك أن السفر إلى غيرها محرم فهو أيضا يقول: إن السفر لمجرد زيارة القبور محرم كما قاله مالك وسائر أصحابه مع ما ذكره من استحباب الزيارة الشرعية مع ما ذكر من كراهة مالك أن يقول القائل: زرت قبر النبي ﷺ والله أعلم.
قال المعترض
الحديث التاسع: « من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى علي في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه »، رواه الحافظ أبو الفتح الأزدي في الثاني من فوائد، أخبرنا به أبو النجم شهاب بن علي المحسني قراءة عليه وإنا اسمع بالقرافة الصغرى في سنة سبع وسبعمائة، وأبو الفتح بن إبراهيم بقراءتي عليه سنة ثلاث وعشرين، قالا: أنبأنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الأزدي المعروف بابن رواج، قال: الأول سماعا، وقال: الثاني إجازة، قال: أنبأنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة السلفي الأصبهاني قراءة عليه، وأنا أسمع، أنبأنا أبو طالب عبدالقادر بن محمد بن يوسف بغداد، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أنبأنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الحافظ. حدثنا النعمان عن هارون بن أبي الدلهات، حدثنا أبو سهل بدر بن عبد الله المصيصي، حدثنا الحسن بن عثمان الزيادي، حجثنا عمار بن محمد، حدثي خال سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: قال رسول الله: « من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى علي في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه ».
قال: عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري، روى له مسلم والحسن بن عثمان الزيادي، قال الخطيب: كان أحد العلماء الأفاضل من أهل المعرفة والثقة والأمانة ولي قضاء الشرقية في خلافة المتوكل، وذكره غير الخطيب أيضا، وكان صالحا دينا فهما [289] قد عمل الكتب وكانت له معرفة بأيام الناس، وله تاريخ حسن، وكان كريما واسعا مفضالا، وأبو سهل بدر بن عبد الله المصيصي ما علمت من حاله شيئا والنعمان بن هارون بن أبي الدلهان حدث ببغداد عن جماعة كثيرين، وروى عنه محمد بن المظفر وعلي بن عمر السكري، قال الخطيب: وما علمت من حاله إلا خيرا، وصاحب الجزء أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن عبد الله بن يزيد بن النعمان الأزدي الموصلي، من أهل العلم والفضل، كان حافظا صنف كتابا في علوم الحديث. ذكره الخطيب في التاريخ وابن السمعاني في الأنساب، أثنى عليه محمد بن جعفر بن علان وذكره بالحفظ وحسن المعرفة بالحديث، وقال أبو النجيب الأرموي: رأيت أهل الموصل يوهنونه جدا ولا يعدونه شيئا، وسئل البرقاني عنه فأشار إلى أنه كان ضعيفا، وذكر كلاما أشد من هذا، انتهى ما ذكره المعترض.
والجواب أن يقال
هذا الحديث موضوع على رسول الله ﷺ بلا شك ولا ريب عند أهل المعرفة بالحديث، ولم يحدث به عبد الله بن مسعود قط ولا علقمة ولا إبراهيم ولا منصور ولا سفيان الثوري، وأدنى من يعد من طلبة هذا العلم يعلم أن هذا الحديث مختلق مفتعل على سفيان الثوري، وأنه لم يطرق سمعه قط، وما كانت أظن أن الجهل بلغ بالمعترض إلى أن يروي مثل هذا الحديث الموضوع المكذوب ولا يبين أنه من الموضوعات المكذوبات، بل يذكره في مقام الاحتجاج والاعتماد أو الاعتضاد والاستشهاد ويأخذ في ذكر الثناء على بعض رواته ومدحهم بما لا يغني شيئا.
ولقد افتضح واضع هذا الحديث حيث جعله عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم، ولو جعله عن سفيان عن بعض شيوخه الضعفاء كان استر له، وعمار بن محمد هو أبو اليقظان الكوفي وهو ابن أخت سفيان، وهو بريء من عهدة هذا الحديث، وإن كان فيه كلام لبعض الأئمة.
وقال ابن حبان في كتاب المجروحين: عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري كنيته أبو اليقظان من أهل الكوفة يروي عن الأعمش والثوري، روى عنه الحسن بن عرفة والعراقيون، كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه حتى استحق الترك من أجله، هكذا قال ابن حبان [290]، وفي كلامه مبالغة، وقد أثنى على عمار جماعة أعلم من ابن حبان، وتكلم فيه بعضهم بكلام قريب، وروى له مسلم في صحيحه. قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: [291] سيف وعمار أبناء أخت سفيان الثوري ليسا بالقويين في الحديث؛ قال الخطيب في التاريخ: أما سيف فقد ذكره غير واحد بالضعف، وأما عمار فوثقوه، ثم روى عن البخاري أنه قال: قال لي عمرو بن محمد: حدثنا عمار بن محمد أبو اليقظان، وكان أوثق من سيف، وروى عن يزيد بن الهيثم قال: سمعت يحيى بن معين يقول وعمار ابن أخت سفيان ليس به بأس وأخوه سيف كذاب وعمار أكبرهما وعن عباس بن محمد الجوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: سيف ابن أخت سفيان ليس بشيء، وهو سيف بن محمد أخو عمار وعمار لم يكن به بأس [292]. وعن أحمد بن علي الأبار، حدثنا علي بن حجر قال: كان عمار بن محمد ثبتا ثقة وقال الأبار: سمعت أبا معمر يقول: عمار بن محمد ابن أخت سفيان ثقة وقال: الأبار سمعت عباد بن موسى يقول: بلغني عن سفيان الثوري قال: إن نحا أحد من أهل بيتي بعمار [293]، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: [294] سمعت الحسن بن عرفة، وذكر عمار بن محمد فقال: كان لا يضحك، وكنا لا نشك أنه من الأبدال، وقال محمد بن سعيد: عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري توفي في المحرم سنة اثنين وثمانين ومائة في خلافة هارون، وكان ثقة. قال ابن أبي حاتم [295]، سألت أبي عنه فقال: ليس به بأس يكتب حديثه، قال وسألت أبا زرعة عنه فقال: ليس بقوي وهو أحسن حالا من سيف.
فقد تبين بما ذكرناه عن هؤلاء الأئمة أن عمار بن محمد صدوق وأنه لا يستحق الترك، وظهر أن كلام ابن حبان فيه مشتمل على المبالغة وتجاوز الحد، فهو يرى من عهده هذا الحديث الموضوع الذي لم يصل إليه، بل الحمل فيه على غيره، وكذلك الحسن بن عثمان أبو حسان الزيادي بريء من عهدته أيضا فإنه معروف بالصدق والأمانة، والحمل في هذا الحديث على بدر بن عبد الله المصيصي الذي لم يعرف بثقة ولا عدالة ولا أمانة أو على صاحب الجزء أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي، فإنه متهم بالوضع، وإن كان من الحفاظ.
قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الضعفاء [296]: محمد بن الحسين بن أحمد أبو الفتح الأزدي الموصلي حدث عن أبي يعلي وابن جرير وغيرهما، وكان حافظا ولكن في حديثه مناكير وكانوا يضعفونه. أخبرنا الفراء، أنبأنا الخطيب قال: حدثني محمد بن صدقة الموصلي أن أبا الفتح وضع حديثا، وقد ذكره الخطيب في تاريخه [297] وذكر أن في حديثه مناكير وأن البرقاني ضعفه وأن أهل الموصل كانوا يضعفونه ولا يعدونه شيئا وأنه اتهم بوضع الحديث، ومن هذه حاله لا يعتمد على روايته ولا يحتج بحديثه. ولا يخفى أن هذا الحديث الذي رواه في فوائد [298] موضوع مركب مفتعل إلا على من لا يدري علم الحديث ولا شم رائحته، والله الموفق.
قال المعترض
الحديث العاشر: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي » رواه أبو الفتوح سعيد بن محمد بن إسماعيل اليعقوبي في جزء له فيه فوائد مشتملة على بعض شمائل سيدنا رسول الله ﷺ وآثاره وما ورد في فضل زيارته ودرجة زواره، وهذا الجزء رواية المحدث إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري المالكي المشهور بابن الأنماطي. ونقلت من خطه قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علوان بن هبة الله بن ريحان الحوطي التكريتي الصوفي قراءة عليه وأنا أسمع عنه بالحرم الشريف على دكة الصوفية بجانب باب بني شيبة تجاه الكعبة المعظمة زادها الله شرفا، قال: حدثنا أبو الفتوح سعيد بن محمد بن إسماعيل السمعاني اليعقوبي في ربيع الأول سنة اثنين وخمسين وخمسمائة وقال: حدثنا الإمام ابن السمعاني، ثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ إملاء في الروضة بين قبر النبي ﷺ ومنبره في الزورة الثانية، أنبأنا أبو الحسين أحمد بن عبدالرحمن الذكواني، أنبأنا أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، حدثنا الحسن بن محمد السوسي، أنبأنا أحمد أن سهل بن أيوب حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا عبدالله بن عمر العمري، قال: سمعت سعيدا المقبري يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله ﷺ: « من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي ومن زارني كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ».
قال المعترض: خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان إنه منكر الحديث، وأحمد بن سهل بن أيوب أهوازي، قال الصيريفيني: مات بالأهواز يوم التروية سنة إحدى وتسعين ومائتين.
والجواب أن يقال
هذا حديث منكر لا أصل له، وإسناده مظلم، بل هو حديث موضوع على عبد الله العمري الصغير المكبر المضعف، والحسن بن محمد السوسي وأحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي يرويان المنكر، لا يحتج بخبرهما ولا يعتمد على روايتهما، وخالد بن يزيد هو العمري بلا شك، وهو متروك الحديث منهم بالكذب، قال ابن أبي حاتم: [299] خالد بن يزيد العمري وأبي العصر ثابت بن قيس، سمعت أبي يقول ذلك، روى عنه علي بن حرب الموصلي، وكتب عنه أبو زرعة وترك الرواية عنه، حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني قال سمعت يحيى بن معين يقول: خالد بن يزيد العمري كذاب، سئل أبي عنه فقال: كان كذابا أتيته بمكة ولم أكتب عنه وكان ذاهب الحديث، وقال أبو حاتم بن حبان في كتاب المجروحين [300]: خالد بن يزيد العمري أبو الوليد شيخ كان يسكن مكة ينتحل مذهب الرأي يروي عن الثوري منكر الحديث جدا أكثر من كتب عنه أصحاب الرأي لا يشتغل بذكره، لأنه يروي الموضوعات عن الأثبات. ثم ذكر له حدثنا في غزوة البحر، وقال العقيلي [301]: خالد بن يزيد العمري الحذاء مولى لهم يحدثنا بالخطأ، ويحكي عن الثقات ما لا أصل له، وقال الأزدي: متروك الحديث. وقال الدارقطني والبيهقي [302]: ضعيف، وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: أبو الوليد خالد بن يزيد العمري المالكي ذاهب الحديث. ثم روى عن محمد بن سليمان، عن محمد يعني ابن إسماعيل البخاري قال خالد بن يزيد العمري مكي ذاهب الحديث [303]، وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل: خالد بن يزيد العدوي أبو الوليد وكان بمكة، ثم ذكر له أحاديث وقال: ومقدار ما يرويه عمن رواه لا يتابع عليه، وذكر روايته عن الثوري وإبراهيم بن سعيد وعمر بن صهبان وأبي العصر ثابت بن قيس، ثم قال بعده: خالد بن يزيد العمري المالكي يكنى أبا الهيثم، ثم ذكر له أحاديث يرويها عن الثوري وابن جريج وابن أبي ذئب. ثم قال: وله غير ما ذكرت أحاديث وعامتها مناكير، وهكذا فرق بينهما وهو رجل واحد كنيته أبو الوليد على الأصح، وهو ساقط الحديث منكره، وقال ابن عدي: سمعت إبراهيم بن محمد بن عيسى الجهني يقول: سمعت موسى بن هارون الحمال يقول: مات العمري بمكة وهو ضعيف الحديث سنة تسع وعشرين ومائتين.
فإذا كانت هذه حال خالد بن يزيد العمري عند أئمة هذا الشأن فكيف يعتمد على حديث رواه أو يحتج بخبر هو في طريقه، هذا لو كان الإسناد إليه واضحا فكيف وهو إسناد مظلم، وقد ذكر له ابن عدي وغيره من الحفاظ أحاديث منكرة يستدل بها على ضعف روايته وسقوط خبره، منها قال ابن عدي: حدثنا مكي بن عبدان، حدثنا قطن بن إبراهيم، حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فهو من الجفاء وإذا سميتموه محمدا فلا تسبوه ولا تجبهوه ولا تعيبوه ولا تضربوه وشرفوه وعظموه وأكرموه وبروا قسمه ». قال ابن عدي: [304] هذا حديث منكر، ومنها قال عبد الله بن محمد بن المنهال: حدثنا أحمد بن كبر أبو سعيد البالسي، حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شهيدا يوم القيامة ». قال ابن عدي روي هذا الحديث عن ابن جريح مع خالد بن يزيد إسحاق بن نجيح الملطي [305]، وهو شر منه.
ومنها قال ابن عدي: أخبرنا محمد بن منير، حدثنا علي بن حرب، حدثنا خالد بن يزيد العدوي، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: طلع رسول الله ﷺ ذات يوم بين أبي بكر وعمر قال: على حسبته، قال: يده اليمنى على أبي بكر، ويده اليسرى على عمر، فقال: « هكذا أبعث يوم القيامة بين هذين ». قال ابن عدي وهذا عن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد منكر ليس يرويه عن إبراهيم غير خالد بن يزيد، وذكر له ابن عدي أحاديث منكرة غير هذه، وفيما ذكره كفاية ودليل على رد حديثه وعدم قبول روايته والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المعترض
الحديث الحادي عشر: « من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا » وفي رواية: « من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة »، أنبأ الدمياطي وابن هارون وغيرهما قال: أنبأنا محمد بن هبة الله، قال: أنبأنا علي بن الحسن الحافظ سماعا أنبأنا زاهر، أنبأنا البيهقي، أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمر، قال الحافظ: أنبأنا أبو سعيد البغدادي، أنبأنا أبو نصر محمد بن أحمد بن سيبويه، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي، أنبأنا محمد بن عبد الله الصقار، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني سعيد بن عثمان الجرجاني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فيدك، أخبرني أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي، وفي حديث زاهر العتكي، قال الحافظ: وأخبرنا ابن السمرقندي، أنبأنا ابن مسعدة، أنبأنا حمزة، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إسماعيل بجرجان، حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف القطان، حدثنا عباد بن موسى الختلي، حدثنا ابن أبي فديك عن سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: « من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا » وفي حديث عباد: كنت له شهيدا أو شفيعا، وقالا: يوم القيامة.
وذكره ابن الجوزي في مثير العزم الساكن، ومن خطه نقلت بسنده إلى ابن أبي الدنيا بإسناده المذكور، وبالإسناد إلى البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا بن عيسى، حدثنا أحمد بن عبدوس بن حمدوية الصفار النيسابوري، حدثنا أيوب بن الحسن، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك بالمدينة، حدثنا سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: « من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة ».
هذه الأسانيد الثلاثة دارت على محمد بن إسماعيل أبي فديك وهو مجمع عليه وسليمان بن يزيد، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم الرازي: إنه منكر الحديث ليس بقوي، انتهى ما ذكره.
والجواب أن يقال: هذا الحديث ليس بصحيح ولا ثابت، بل هو حديث ضعيف الإسناد منقطع، ولو كان ثابتا لم يكن فيه دليل على محل النزاع، ومداره على أبي المثنى سليمان بن يزيد الكعبي الخزاعي المديني وهو شيخ غير محتج بحديثه، وهو بكنيته أشهر منه باسمه، ولم يدرك أنس بن مالك فروايته عنه منقطعة غير متصلة، وإنما يروي عن التابعين وأتباعهم، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات [306] في أتباع التابعين وذكره أيضا في كتاب المجروحين، قال في كتاب الثقات: سليمان بن يزيد أبو المثنى الكعبي من أهل المدينة يروي عن عمر بن طلحة، روى عنه ابن أبي فديك، هكذا ذكره. وقال في كتاب المجروحين [307]: أبو المثنى شيخ يروي عن هشام بن عروة، روى عنه عبد الله بن نافع الصائغ يخالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للاعتبار. روى عن هشام بن عروة، عن أبية عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: « ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم » وذكر الحديث.
ثم قال: حدثنا ابن سالم بيت المقدس عن أبيه عن عائشة عن النبي ﷺ قال: « ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم » وذكر الحديث.
ثم قال: حدثناه ابن سالم ببيت المقدس، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن نافع، حدثنا أبو المثنى عن هشام بن عروة، هكذا ذكره في كتاب المجروحين ولم يذكر اسمه، قال الدارقطني في الحواشي على هذا الكتاب، اسم أبي المثنى هذا سليمان بن يزيد الكعبي مديني، وقال في كتاب العلل: هو ضعيف.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل [308]: سليمان بن يزيد أبو المثنى الكعبي الخزاعي المديني، ثم ذكر أنه يروي عن سعيد المقبري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وعباد بن إسحاق وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وأنه يروي عنه عبد الله بن نافع الصائغ وابن أبي فديك،وابن وهب، ثم قال: أبي يقول: أبو المثنى هذا منكر الحديث ليس بقوي.
وقال البخاري في تاريخه [309]: سليمان بن يزيد الكعبي أبو المثنى المدني عن عمر بن طلحة وإبراهيم بن عبد الله بن سفيان سمع منه ابن أبي فديك قال: حسن، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا أبو المثنى سليمان بن يزيد الخزاعي، حدثنا عباد بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة القرشي عن أبي عبيدة بن محمد سأل جابرا عن المسح على الخفين فقال: سنة، وقال النسائي في الكنى: أبو المثنى سليمان بن يزيد عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، روى عنه ابن وهب، وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: أبو المثنى سليمان بن يزيد بن قنفذ الخزاعي الكعبي المدني، ثم ذكر أنه يروي عن سعيد المقبري ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمر بن طلحة وأنه يروي عنه ابن أبي فديك ويحيى بن حسان وغيرهما.
وقال أبو عمر بن عبد البر في الكنى: أبو المثنى المدني روى عن هشام بن عروة اسمه سليمان بن يزيد، روى عنه ابن أبي فديك وعبدالله بن نافع الصائغ.
فقد تبين أن ابن حبان تناقض في ذكره أبا المثنى في الكتابين كتاب الثقات وكتاب المجروحين، وكأنه توهم أنه رجلان، وذلك خطأ، بل هو رجل واحد منكر الحديث غير محتج به لم يسمع من أنس، بل روايته عنه منقطعة غير متصلة، ولو فرض أن روايته عنه صحيحة متصلة وأنه من جملة الثقات المشهورين لم يكن في هذا الخبر الذي رواه حجة على جواز شد الرجال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبر، بل إنما فيه ذكر الزيارة فقط، والمراد بها الزيارة الشرعية، وتلك لا ينكرها شيخ الإسلام، بل يندب إليها ويحض عليها، كما تقدم ذكره غير مرة وبالله التوفيق.
قال المعترض
الحديث الثاني عشر: « ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر » قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار في كتاب الدرة الثمينة في فضائل المدينة: أنبأنا أبو محمد بن علي، أنبأنا أبو يعلي الأزدي، أنبأنا أبو إسحاق البجلي أنبأنا سعيد بن أبي سعيد النيسابوري، أنبأنا إبراهيم بن محمد المؤدب، أنبأنا إبراهيم بن محمد، حدثنا محمد بن محمد، حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا جعفر بن هارون، سمعان بن المهدي، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: « من زارني ميتا فكأنما زارني حيا ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني وليس له عذر ».
هكذا ذكر المعترض هذا الحديث وخرس بعد ذكره فلم ينطق بكلمة، وهو حديث موضوع مكذوب مختلف مفتعل مصنوع من النسخة الموضوعة المكذوبة الملصقة بسمعان المهدي قبح الله واضعها، وإسنادها إلى سمعان ظلمات بعضها فوق بعض، وأما سمعان فهو من الحيوانات التي لا تدري هل أوجدت أم لا، وهذا المعترض إن كان لا يدري أن هذا الحديث من أقبح الموضوعات، فهو من أجهل الناس، وإن كان يعلم أنه موضوع ثم يذكره في معرض الاحتجاج ويتكثر به ولا يبين حاله، فهو داخل في قوله ﷺ: « من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين » [310] فهو إما جاهل مفرط في الجهل أو معاند صاحب هوى متبع لهواه، نعوذ الله من الخذلان.
قال أبو حاتم بن حبان البستي: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت ميمون بن أبي شبيب يحدث عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله ﷺ قال: « من روى عني حديثا وهو يرى أنه كاذب فهو أحد الكاذبين ».
حدثنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: « من حدث عني حدثنا وهوع يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ». قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على صحة ما ذكرنا أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي ﷺ مما تقول عليه وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد، وذلك أنه قال ﷺ: « من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب » ولم يقل إنه يتيقن أنه كذب، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر، ولو لم يتعلم التاريخ وأسماء الثقات والضعفاء ومن يجوز الاحتجاج بأخبارهم ممن لا يجوز إلا لهذا الخبر الواحد لكان الواجب على كل من ينتحل السنن أن لا يقصر في حفظ التاريخ حتى لا يدخل في جملة الكذبة على رسول الله ﷺ.
وقد ذكر ابن حبان قبل هذا حديث جبير بن مطعم عن النبي ﷺ قال: « نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها » [311]. وحديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: « بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » [312].
ثم قال ابن حبان في أمر رسول الله أمته بالتبليغ عنه مَن بعدهم مع ذكر إيجاب النار للكاذب عليه دليل على أنه إنما أمر بالتبليغ عنه ما قاله ﷺ أو ما كان من سننه فعلا أو سكوتا عند المشاهدة، لا أنه يدخل في قوله: « نضر الله امرأ » المحدثون بأسرهم، بل لا يدخل في ظاهر هذا الخطاب إلا من أدى صحيح حديث رسول الله دون سقيمه، وإني خائف على من روى ما سمع من الصحيح والسقيم أن يدخل في جملة الكذبة على رسول الله ﷺ إذا كان عالما بما يروي.
ثم قال ابن حبان: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير بتستر، حدثنا محمد بن الحسين بن أشكاب، حدثنا علي بن حفص المدائني، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول ﷺ: « كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع » [313].
قال أبو حاتم: في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم على اليقين صحته، ثم يحدث به دون ما لا يصح على حسب ما ذكرناه قبل.
قال المعترض
الحديث الثالث عشر: « من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال شفيعا » ذكره الحافظ أبو جعفر العقبلي في كتاب الضعفاء في ترجمة فضالة بن سعيد بن زميل المازني، قال: حدثنا سعيد بن محمد الحضرمي، حدثنا فضالة بن سعيد بن زميل المازني، حدثنا محمد بن يحيى المازني عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول ﷺ: « من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال شفيعا ».
وذكره الحافظ ابن عساكر من جهته أيضا: أنبأنا به أبو محمد الدمياطي، عن ابن هبة الله بسماعه منه قال: « أنبأنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، أنبأنا أبو بكر محمد بن المظفر الشامي، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، أنبأنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، فذكره بإسناد إلا أنه قال: « من زارني في المنام كان كمن زارني في حياتي » والباقي سواء.
ووقع في روايته أيضا شعيب بن محمد الحضرمي، ولعله تصحيف، وفضالة بن سعيد، قال العقيلي في ترجمته: حديثه غير محفوظ لا يعرف إلا به. هكذا رأيته في كتاب العقيلي.
وذكر الحافظ بن عساكر عنه أنه قال: لا يتابع على حديثه من جهة تثبت ولا يعرف إلا به، ومحمد بن يحيى المازني ذكره ابن عدي في كتاب الكامل وقال إن أحاديثه مظلمة منكرة، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث في أحاديثه ولم يذكر فيه ولا العقيلي في فضالة شيء من الجرح سوى التفرد والنكارة، انتهى ما ذكره المعترض على هذا الحديث.
وهو حديث منكر جدا ليس بصحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع [314] ابن جريح، وقد وقع تصحيف في متنه وفي إسناده.
أما التصحيف في متنه فقوله: « من زارني » من الزيارة وإنما هو « من رآني في المنام كان كمن زارني في حياتي » هكذا رأيته في كتاب العقيلي في نسخة ابن عساكر « من رآني » من الرؤية وعلى هذا يكون معناه معنى الحديث الصحيح: « من رآني في المنام فقد رآني لأن الشيطان لا يتمثل بي » وفي رواية: « من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو فكأنما في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي ».
وأما التصحيف في اسناده فقوله: سعيد بن محمد الحضرمي، والصواب شعيب بن محمد، كما في رواية ابن عساكر.
والحديث ليس بثابت على كل حال، سواء كان بلفظ الزيارة أو الرؤية، ورواية فضالة بن سعيد بن زميل المازني شيخ مجهول لا يعرف له ذكر إلا في هذا الخبر الذي تفرد به ولم يتابع عليه.
وأما محمد بن يحيى المازني، فإنه شيخ معروف لكنه مختلف في عدالته، وقد ذكره ابن عدي في كتاب الضعفاء [315]، وقال: وهو منكر الحديث. ثم قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن إبان البلخي، حدثنا خطاب بن عمرو الهنداني الصنعاني، قال: حدثني محمد بنيحيى المازني عن موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « أربع محفوظات وسبع ملعونات. فأما المحفوظات: فمكة، والمدينة وبيت المقدس ونجران. وأما الملعونات: فبرذعة وصهب، أو صهر، وصعدة ويافث وبكلا ودلان وعدن. » قال ابن عدي [316]: وهذا منكر بهذا الإسناد، وروى له حديثا آخر ثم قال: وإنما ذكرت محمد بن يحيى لأن أحاديثه مظلمة منكرة، ولم يذكر ابن عدي في ترجمته هذا الحديث الذي ذكره العقيلي في ترجمة فضالة بن سعيد، والأولى ذكره في ترجمة فضالة كما فعل، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العقيلي في كتاب الضعفاء أو من ذكره من طريقه. والله أعلم.
قال المعترض
الحديث الرابع عشر: « من لم يزر قبري فقد جفاني » قال أبو الحسن يحيى بن الحسن بن جعفر الحسيني في كتاب أخبار المدينة: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني أبو أحمد الهمداني، حدثنا النعمان بن شبل، حدثنا محمد بن الفضل المديني سنة ست وسبعين عن جابر عن محمد بن علي، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزرني فقد جفاني ».
وقال الحافظ أبو عبد الله بن النجار في الدرة الثمينة: روى عن علي رضي الله عنه أنه قال رسول الله: ﷺ: « من لم يزر قبري فقد جفاني »، وقال أبو سعيد عبد الملك بن محمد بن إبراهيم بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن لم يزر قبري فقد جفاني » وهذا الكتاب في ثمان مجلدات، ومصنفه عبد الملك النيسابوري، صنف في علوم الشريعة كتبا، توفي سنة ست وأربعمائة بنيسابور وقبره بها مشهور يزار ويترك به [317]، وشيخه في الفقه أبو الحسن الماسرجسي. انتهى ما ذكره المعترض.
والجواب أن يقال
هذا الحديث من الموضوعات المكذوبة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والنعمان بن شبل ليس بشيء ولا يعتمد عليه، ومحمد بن الفضل بن عطية [318] كذاب مشهور بالكذب ووضع الحديث، وجابر هو الجعفي ولم يكن بثقة، ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر [319] ولم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب، فلو كان الإسناد صحيحا إليه كانت روايته عن علي منقطعة، فكيف والإسناد إليه ساقط مظلم، وقد تقدم ذكر هذا الحديث وبيان حاله وكلام الأئمة في رواته بما فيه كفاية والله أعلم.
ثم قال المعترض: وقد روي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى ليس فيها تصريح بالرفع، ذكر هذا ابن عساكر، أنبأنا عبد المؤمن وآخرون عن ابن الشيرازي، أنبأنا ابن عساكر، حدثنا أبو العز أحمد بن عبد الله، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا علي بن محمد بن أحمد بن نصير بن عرفة، حدثنا محمد بن إبراهيم الصلحي، حدثنا منصور بن قدامة الواسطي، حدثنا المضاء بن الجارود، حدثنا عبد الملك بن هارون بن عسرة عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من سأل لرسول الله ﷺ الدرجة الوسيلة حلت له الشفاعة يوم القيامة، ومن زار قبر رسول الله ﷺ كان في جوار رسول الله ﷺ.
قلت: وهذا من المكذوبات أيضا على علي رضي الله عنه، وعبد الملك بن هارون بن عسرة متهم بالكذب ووضع الحديث.
قال أبو حاتم بن حباب [320] في كتاب المجروحين [321]: كان ممن يضع الحديث لا يحل كتب حديثه إلا على جهة الاعتبار، وهو الذي روى عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: « أربعة أبواب من أبواب الجنة مفتحة في الدنيا أولها الاسكندرية وعسقلان وقزوين وعبدان، وفضل جدة على هؤلاء كفضل بيت الله الحرام على سائر البيوت ».
قال البخاري في تاريخه [322]: عبد الملك بن هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني منكر الحديث، وهكذا قال في كتاب الضعفاء [323]، ثم روى له حديث: « من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها شافعا وشهيدا »
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول [324]: عبد الملك بن هارون بن عنترة ضعيف الحديث، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: [325] عبد الملك بن هارون بن عنترة كذاب، وقال أبو حاتم الرازي [326]: متروك الحديث ذاهب الحديث، وقال الجوزجاني [327]: دجال كذاب، وقال أبو عبد الرحمن النسائي [328] وأبو بشر الدولابي [329]: متروك الحديث، وقال الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. وقال أبو بكر البرقاني: سألت الدارقطني [330] عن عبد الملك بن هارون بن عنترة قال: متروك يكذب، وأبوه يحتج به وجده يعتبر به حدث عن علي، وقال ابن عدي [331] في ترجمة عبد الملك بن هارون: حدثنا محمد بن أبي علي الخوارزمي، حدثنا الحسن بن محمد بن رافع البغدادي عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « من قال للمسكين أبشر فقد وجبت له الجنة » قال ابن عدي، وهذا حديث باطل بهذا الإسناد، قال: وعبد الملك بن هارون له أحاديث عن أبيه عن جده، عن الصحابة لا يتابعه عليها أحد فقد تبين أن ما روي عن علي في هذا الباب مرفوعا وموقوفا ليس له أصل، بل هو من الكذب المفترى عليه والله أعلم.
قال المعترض
الحديث الخامس عشر: من أتى المدينة زائرا، قال يحيى الحسيني في أخبار المدينة في باب ما جاء في زيارة قبر النبي ﷺ وفي السلام عليه حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن بكير بن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: « من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا ».
قال: وقد وردت أحاديث أخرى في ذلك منها من لم يمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وسأذكر ذلك إن شاء الله تعالى في الكلام على زيارة سائر الأنبياء والصالحين، انتهى ما ذكره المعترض.
وهذا آخر الأحاديث التي ذكرها في الباب الأول وهو حديث باطل لا أصل له وخبر معضل لا يعتمد على مثله، وهو من أضعف المراسيل وأوهى المنقطعات، ولو فرض أنه من الأحاديث الثابتة لم يكن فيه دليل على محل النزاع.
أما ما ذكره من قوله: « من لم يمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل » فإنه من الأحاديث المكذوبة والأخبار الموضوعة وأدنى من يعد من طلبة العلم بعلم أنه حديث موضوع وخبر مفتعل مصنوع، وأن ذكر مثل هذا الحديث المكذوب من غير تبيين لحاله لقبيح بمن ينتسب إلى العلم.
فقد تبين أن جميع الأحاديث التي ذكرها المعترض في هذا الباب ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، وكم من حديث له طرق أضعاف هذه الطرق التي ذكرها المعترض، وهو موضوع عند أهل هذا الشأن فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها، وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها.
والحاصل: أن ما سلكه المعترض من جميع الطرق في هذا الباب وتصحيح بعضها واعتماده عليه، وجعل بعضها شاهدا لبعض ومتابعا له، هو مما تبين خطؤه فيه وظهر تعصبه وتحامله في فعله، وأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام من تضعيفها وردها وعدم قبولها هو الصواب، وقد قال في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: [332]
ولم يثبت عن النبي ﷺ حديث واحد في زيارة قبر مخصوص ولا روى في ذلك شيئا لا أهل الصحاح ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره [333].
وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره، وأجل حديث روي في ذلك رواه الدارقطني وهو ضعيف باتفاق أهل العلم، بل الأحاديث المروية في زيارة قبره كقوله « من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة » [334] ومن زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي ومن حج ولم يزرني فقد جفاني » ونحو هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة.
ولكن النبي ﷺ رخص في زيارة القبور مطلقا بعد أن كان قد نهى عنها كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » [335] وفي الصحيح أنه قال: « استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » [336]، فهذه زيارة لأجل تذكر الآخرة، ولهذا يجوز زيارة قبر الكافر لأجل ذلك، وكان النبي ﷺ يخرج إلى البقيع ويسلم على موتى المسلمين ويدعو لهم، فهذه زيارة مختصة بالمسلمين كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين، وقد استفاض عنه في الصحيح أنه قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما فعلوا - قالت عائشة - ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا [337].
وفي الصحيح أنه ذكرت له أم سلمة كنيسة بأرض الحبشة وذكرت من حسنها وتصاوير فيها فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة [338].
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: « إني أبرأ إلى أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » [339] وفي السنن عنه قال: « لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » [340]، وفي الموطأ وغيره عنه ﷺ أنه قال: « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » [341]، وفي المسجد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود عنه ﷺ قال: « إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبر مساجد ». [342]
ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه ﷺ بأبي هو وأمي، وكذلك عن أصحابه، فهذا الذي نهى عنه من اتخاذ القبور مساجد مفارق لما أمر به وشرعه من السلام على الموتى والدعاء لهم، فالزيارة المشروعة من جنس الثاني، والزيارة المبتدعة من جنس الأول، فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص، واتفقوا أيضا على أنه لا يشرح قصد الصلاة والدعاء عند القبور، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور، بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبنى عند القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم، وقد صرح كثير منهم تحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها، وإن كان في هذا نزاع.
ثم بسط الشيخ القول في ذلك بسطا شافيا والله سبحانه الموفق للصواب.
هامش
- ↑ انظر سنن الدارقطني 2/278.
- ↑ انظر الضعفاء للعقيلي 4/17.
- ↑ انظر الكامل 6/235.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 8/166.
- ↑ أخرجه الترمذي 1/190 والدارمي في كتاب الوضوء باب رقم 76، وأحمد 6/256-277 والحديث صحيح بمجموع طرفه.
- ↑ قال الترمذي رحمه الله 1/322: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: « الوقت الأول من الصلاة روضان الله والوقت الآخر عفوا الله » قال أبو عيسى: هذا الحديث غريب. ولقد أنكر ابن القطان على أبي محمد عبد الحق الأشبيلي كونه أعل الحديث بالعمري وسكت عن يعقوب وقال: ويعقوب هو علته فإن أحمد قال فيه: كان من الكذابين الكبار وكان يضع الحديث وقال أبو حاتم: كان يكذب، الحديث الذي رواه موضوع وابن عدي إنما أعله به وفي بابه ذكره. قال أحمد شاكر رحمه الله في شرحه على الترمذي 1/322 ومما أزال أعجب منه أن الشافعي رحمه الله يذكر هذا الحديث محتجا به بدون إسناده، وهو حديث غير صحيح بل هو حديث باطل كما نص عليه العلماء الحفاظ فيما نقلناه عنهم. وقال البيهقي في المعرفة: حديث الصلاة في أول الوقت رضوان الله، إنما يعرف بيعقوب بن الوليد وقد كذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ، قال: وقد روي هذا الحديث بأسانيد كلها ضعيفة 1/322. قلت: فالحديث باطل.
- ↑ حديث « وإذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل » ابن ماجة 1/630 من حديث ابن عمر لكنه من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل والثانية من طريق مندل، والطيالسي 2/152 من حديث جابر وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، والآخر من حديث ابن عمر، وفيه مندل.وأبو داود 2/563 من حديث جابر عن طريق ابن عقيل والآخر من حديث ابن عمر وهو من طريق عبد الله العمري المكبر المضعف وقال عقبه: هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنه ترجمة ابن عقيل في التهذيب 6/13. قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح، وتبع الشيخ ناصر في الإرواء الترمذي فحسنه 6/351 والراجح ضعفه لأنه من طريق ابن عقيل هذا.
- ↑ حديث ( من أتى عرافا ) رواه مسلم 4/1751 من غير هذه الطريق.
- ↑ انظر كتاب المجروحين لابن حبان 2/6-7.
- ↑ انظر 1/322
- ↑ وانظر التاريخ الكبير 5/145.
- ↑ انظر المجموع شرح المهذب 7/203.
- ↑ قال الذهبي في الميزان 2/360 عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام، واه لعل ما روى أحمد بن حنبل عند أحد أوهى من هذا.. وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول جن أحمد، يحدث عن عامر بن صالح. وروى أحمد بن محمد بن محرز عن ابن معين قال: كذاب خبيث عدو الله
- ↑ قال الذهبي في الميزان 4/11 محمد بن القاسم الأسدي الكوفي عن موسى بن عبيدة وطبقته كذبة أحمد بن حنبل والدارقطني وقال عبد الله بن أحمد ذكرت لأبي ما حدثني أبو معمر عن محمد بن القاسم الأسدي.. فقال أبي: محمد بن القاسم أحاديثه موضوعة ليس بشيء. وقال البخاري: قال أحمد: رمينا حديثه.
- ↑ ترجمته في الميزان 3/228 وقد قال فيه أحمد: عمر بن هارون لا أروي عنه وقد أكثرت عنه ولكن كان عبد الرحمن يقول: لم يكن له قيمة عندي.
- ↑ ترجمته في الميزان للذهبي 3/136.
- ↑ قال الذهبي في الميزان 1/54 إبراهيم بن أبي الليث حدث ببغداد عن عبيد الله الأشجعي متروك الحديث، قال صالح خزره، كان يكذب عشرين سنة وأشكل أمره على أحمد وعلي حتى ظهر بعد وقال ابن معين: ثقة لكنه أحمق، وقال زكريا الساجي: متروك.
- ↑ ترجمته في الميزان 4/414 قال أبو حاتم: منكر الحديث لا أدري منه أو من أبيه، قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين، قال: قلت: وأبوه مجمع على ضعفه.
- ↑ ترجمته في الميزان 4/250 قال الذهبي: تركه جماعة، البخاري: يرمونه بالكذب، قال ابن معين ليس حديثه بشيء قال ابن حبان: لا يحتج به، قال أحمد بن حنبل: ما كان به بأس إنما أنكروا عليه حين حدث عن إبراهيم الصائغ.
- ↑ ترجمته في الميزان 1/358 قال فيه أحمد: شيعي لم نر به بأسا. وقال ابن معين: كذاب يشتم عثمان عقد فوق سطح فتناول عثمان فقام إليه بعد أولاد حوالي عثمان فرماه فكسر رجله. وقال أبو داود: رافضي يشتم أبا بكر وعمر في لفظ خبيث وقال النسائي: ضعيف.
- ↑ هو الحسين بن الحسن الأشقر. ترجمته في الميزان. قال البخاري: فيه نظر وقال أبو زرعة: منكر الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقوي وقال الجوزيجاني: غال شتام للخيرة، وقال أبو معمر الهذلي: كذاب، وقال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي.
- ↑ الصواب وأبي سعيد الصاغاني محمد بن ميسرة، قالوا وهنا خطأ مطبعي، راجع الأنساب للسمعاني 8/69، ترجمته في الميزان 4/52، وقال يحيى بن معين: كان جهميا شيطانا ليس بشيء وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف وقال أحمد: صدوق مرجئ وقال البخاري: فيه اضطراب.
- ↑ الحديث أخرجه مسلم 7/40 والنسائي 4/93 وأحمد 6/180 من حديث عائشة وورد في حديث أبي هريرة أخرجه مسلم 3/137 وأبو داود 3/559 والنسائي 1/94 وورد من حديث بريدة أخرجه مسلم 7/44.
- ↑ يشير إلى أحاديث التشهد في الصلاة. منها حديث ابن مسعود أخرجه مسلم.
- ↑ يشير إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي.. ) رواه مسلم 1/288، وأبو داود 1/359، وأحمد 2/168، والنسائي 2/25 والترمذي 10/83 تحفة وأبو عوانة 1/337 والبيهقي 1/409-410.
- ↑ ويشير إلى حديث فضالة بن عبيد أنه قال: سمع رسول الله ﷺ رجلا يدعوا في الصلاة ولم يذكر الله عز وجل ولم يصل على النبي ﷺ فقال رسول الله: عجل هذا ثم دعاه وقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبي ﷺ ثم ليدع بعد بما شاء، رواه أحمد 6/18 ورواه أبو داود 2/162، والنسائي 3/44 والترمذي 9/449، تحفة وابن السني في عمل اليوم والليلة 111.
- ↑ يشير رحمه الله تعالى إلى التشهد.
- ↑ قلت وكذلك الزيارة التي يحصل فيها الذبح فوق القبور ودعاء الأموات وطلب الحاجات منهم فهذا يعتبر شركا والزيارة شركية.
- ↑ رواه أحمد 6/7 بسند صحيح و 3/64، 69 من حيث أبي سعيد الخدري وفي مسنده شهر بن حوئب. فائدة: وقع في مسند الإمام أحمد 6/7 قرأت على عبد الرحمن مالك عن يزيد لعل الصواب ( قرأت علي عبد الرحمن عن مالك.. ) كما في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي وترجمة مالك بن أنس في تهذيب التهذيب، ثم أن الصحيح أنه من مسند أبي بصرة الغفاري، راجع صحيح الجامع رقم 7248 وأحكام الجنائز ص224 وما بعدها فإنه بحث نفيس جدا. وروى هذه القصة مطولة النسائي. 3/113.
- ↑ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة 1/564 و 2/131 و 4/338 ومسلم 1/459 و 1/453 من حديث عبد الله بن مسعود.
- ↑ رواه البخاري 3/68-69 فتح و 13/313 ومسلم 2/1016-1017 وأبو داود 2/533-534 والنسائي 2/37 كلهم من حديث ابن عمر.
- ↑ رواه الترمذي 2/146 من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري وفي سنده أبي الأبرد وهو مقبول كما في التقريب وابن ماجة 1/542، ورواه النسائي 2/37 من حديث أبي أمامة سهل بن حنيف وفي سنده محمد بن سليمان الكرماني وهو مقبول كما في التقريب، وابن ماجة 1/453 فالحديث بمجموع الطرق حسن.
- ↑ إن كان يقصد أنه إذا نذر السفر فواجب بالنذر فنعم، وإن قصد الوفاء بالنذر أي الذهاب مشيا على الأقدام فقد وردد النهي عن ذلك من حديث أنس أن النبي رأى شيخا يهاوى بين ابنيه قال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب، أخرجه البخاري 4/78 و 11/585 ومسلم 3/1264 والترمذي 4/111 والدارمي 2/184. ومن حديث عقبة بن عامر قال: ( نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله وأمرتني أن استفتي لها النبي ﷺ « لتمشي ولتركب » 4/79 ومسلم 3/1264 والترمذي 4/111
- ↑ رواه البخاري 11/585، وأبو داود 3/593 والترمذي 4/104 والنسائي 7/17 وابن ماجة 1/687 والدارمي 2/184 وأحمد 6/36، 41، 224 كلهم من حديث عائشة.
- ↑ يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس » أخرجه البخاري 2/60-61 فتح ومسلم 1/566-567 متن من حديث ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة. راجع ارواء العليل 2/236 وصحيح الجامع 7386.
- ↑ يشير إلى ما رواه البخاري 4/238-241، فتح ومسلم 3/799-800 من حديث عمر وأبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « نهى عن صوم يوم الفطر والنحرة » راجع الإرواء 4/924 وصحيح الجامع 6839.
- ↑ أخرجه البخاري 8/492 و 10/433 و 12/86 و 12/187 و 13/491 ومسلم 1/90 وأبو داود 2/732 والترمذي 5/336 والنسائي 7/89.
- ↑ أخرجه البخاري في كتاب التفسير في تفسير البقرة والأدب باب رقم 20 والتوحيد باب رقم 20 والديات باب رقم (1 )، وأخرجه أيضا في مواضع أخرى ورواه مسلم 1/90 ورواه أبو داود في الطلاق باب رقم 50 والترمذي في التفسير.
- ↑ حديث صحيح وسيأتي الكلام عليه.
- ↑ حديث صحيح وسيأتي في الكلام
- ↑ حديث صحيح وسيأتي الكلام عليه
- ↑ حديث معاذ رواه أحمد 5/227، 228 وهو ضعيف لأنه جاء من طريق أبي ظبيان عن رجل عن معاذ فعلم أن الحديث يدور على مبهم. لكن أصل الحديث رواه الترمذي من حديث أبي هريرة والحاكم عن بريدة وأحمد وابن ماجه وابن حيان عن عبد الله بن أبي طالب أوفي والحديث بمجموع طرقه ثابت.
- ↑ قد ألف الشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى رسالة في الشفاعة وهي مطبوعة فلتراجع فإنها فريدة في بابها، فجزاه الله خيرا.
- ↑ في التوحيد لابن خزيمة ص253، ص300 وراجع الشفاعة للشيخ مقبل ص53-55.
- ↑ والصحيح أنها مستحبة بشرط خلوها من البدع والشركيات.
- ↑ انظر سنن الدارقطني 2/278.
- ↑ انظر كشف الأستار للهيثمي 2/57.
- ↑ انظر كشف الأستار للهيثمي 2/57، قلت وهذا من معايب السبكي حيث أنه ينقل ما يوافقه ويترك ما لا يوافقه فهو قد نقل الحديث من البزار فلم ينقل البزار حول عبد الله بن إبراهيم هذا.
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 2/36، وراجع أيضا الميزان للذهبي 2/288.
- ↑ 4/1506 – 1508.
- ↑ 2/233.
- ↑ انظر: سنن الدارقطني 2/278 وسنن البيهقي 15/245.
- ↑ رواه مسلم 1/12 متن وأحمد 4/252 و 5/20 من حديث المغيرة بن شعبة، وابن ماجه 1/14-15 من حديث المغيرة وعلى سمرة بن جندب.
- ↑ انظر المستدرك 2/615.
- ↑ تقدم ورواه أيضا أحمد 1/184 و 2/277، 256، 416، 484 وله أيضا عن طرق كثيرة وشواهد متعددة، انظر تحذير الساجد ص135.
- ↑ رواه أبو داود 2/534 وإسناده حسن في سنده أبا حميد وهو صدوق يهم كما في التقريب ثم رجعت إلى تحفة الأشراف فإذا بالحافظ ابن حجر يقول في النكت الظراف: يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة: حديث « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » إلى آخره. قال: قلت: أدخل مهدي بن جعفر عن عبد الله بن يزيد الإسكندراني عن جده بين يزيد وأبي هريرة ( رجلا ) وهو أبو صالح - أخرجه الطبراني في الأوسط في ترجمة جعفر بن سهل. أ ه.
- ↑ أخرجه مالك بإسناد صحيح أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد..إلخ وأخرجه أيضا البيهقي في سننه الكبرى 5/245.
- ↑ رواه أحمد 2/246 راجع تحذير الساحد ص16 من حديث أبي هريرة « اللهم لا تجعل قبري وثنا » وأما بقية الحديث فرواه أحمد أيضا 2/367 من حديث أبي هريرة بسند حسن ورواه أبو داود 2/534 من حديث أبي هريرة أيضا.
- ↑ رواه أحمد 4/8 وأبو داود 1/635، 2/184 وابن ماجه 1636 والنسائي 13/91 جميعا عن أوس بن أوس والحديث من طريق الحسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والصحيح أنه ابن تميم حيث كان يغلط في اسمه ولكن للحديث شواهد كما قال ابن القيم من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وأبي أمامة وأبي مسعود الأنصاري وأنس بن مالك والحسن بن علي. راجع هذا كله في جلاء الأنعام لابن القيم ص30 – 41.
- ↑ رواه البخاري 1/532 و 3/200 ن 255، 6/494 عن ابن عباس وعائشة و 10/277 عنها أيضا ومسلم 1/376-377 من حديثهما أيضا وكذلك من حديث أبي هريرة وأحمد 6/80 و121 و 255 وأبو عوانة 1/399. راجع أيضا تحذير الساجد ص9، 16، 20، 51.
- ↑ رواه مسلم 2/688 راجع تحذير الساجد ص22.
- ↑ قد ألف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رسالة في هذا وسماها ( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) طبعت عدة طبعات فراجعها فإنها نفيسة جدا واقرأها بتمعن، جزاه الله خيرا.
- ↑ انظر سنن الدارقطني 2/278.
- ↑ انظر معجم الطبراني الكبير 12/291 رقم 13149.
- ↑ انظر ترجمته في الميزان 4/104 واللسان 6/28، والكاشف 3/140، وانظر التقريب.
- ↑ انظر معجم الطبراني الكبير 12/292 رقم 13150.
- ↑ انظر ترجمته في الأنساب للسمعاني 8/338 والإكمال 6/345.
- ↑ ترجمته في تهذيب التهذيب.
- ↑ رواه مسلم 2/1004.
- ↑ 2/74 وسنده صحيح.
- ↑ رواه الترمذي 5/719 وابن ماجة 2/1039 وسنده صحيح.
- ↑ الترمذي 5/719-720 بزيادة في آخر من حديث عبيد الله.
- ↑ في المكتوبة: شيبة
- ↑ قدر صفحة ناقص من المكتوبة
- ↑ رواها مسلم في صحيحه 2/1004 متن.
- ↑ 3/58.
- ↑ 2/1003.
- ↑ 2/1004.
- ↑ 4/1100 مع الفتح.
- ↑ أخرجه البخاري 10/120، 11/179، 3/164، 7/269، 11/179، ومسلم 30/1250 – 1253.
- ↑ 3/1253.
- ↑ انظر ترجمته في الميزان للذهبي 1/256 والضعفاء للعقلي 1/28 والتاريخ الكبير للبخاري 2/15.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 2/318.
- ↑ انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي ص55 الطبعة المحققة طبعة مؤسسة الكتب الثقافية.
- ↑ انظر المجروحين 1/171.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 1/391 – 392.
- ↑ انظر الإكمال لابن ماكولا 1/55
- ↑ انظر تاريخ بغداد 7/47.
- ↑ الرد على الاخنائي ص15-16.
- ↑ الرد على الأخنائي ص16.
- ↑ يشير إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم 2/1012-1014 والترمذي 2/147 والنسائي 2/35.
- ↑ هذا الأثر رواه مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن ص334 حديث رقم أخبرنا عبد الله بن دينار أن ابن عمر فذكروه ورواه البيهقي 5/245 بلفظ.. يقف على قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يسلم على النبي ﷺ ويدعو ثم يدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ورواه أيضا إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي ص83 برقم 98، 99، 100.
- ↑ تقدم.. وهذا الأثر ضعيف ولفظة يضع يده اليمنى على القبر منكرة تفرد بها عبد الله بن عمر عن نافع وهو المكبر الاسم المصغر الرواية والراوي عن العمري هذا هو إسحاق بن محمد الفروي وهو وإن كان روى له البخاري ففيه ضعف قال أبو حاتم: « كان صدوقا ولكن ذهب بصره فربما لقن وكتبه صحيحه وقال مرة ( يضطرب ) ووهاه أبو داود جدا فهذه الزيادة المنكرة منه أو من شيخه.
- ↑ انظر الضعفاء الصغير للبخاري، ص357، الطبعة الهندية والتاريخ الكبير له 3/313.
- ↑ انظر أحوال الرجال له رقم 174.
- ↑ انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي ص82.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 3/173-174
- ↑ انظر الضعفاء والمتروكين للدارقطني، بتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر ص185
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 1/250.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 2/788-791.
- ↑ انظر الضعفاء للعقيلي 1/270 وميزان الاعتدال للذهبي 1/558.
- ↑ انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/246.
- ↑ انظر كتاب الثقات لابن حبان 6/195.
- ↑ ذكر الخطيب البغدادي في ( موضع أوهام الجمع والتفريق ) أن حفص بن سليمان البزار أبا عمر الفاري وحفص بن داود وحفص الغافري هو واحد 2/47-48.
- ↑ انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/246.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 2/790.
- ↑ وهو كما قال: حديث لم أره أنا كذلك في النسخة التي بين يدي.
- ↑ صوابه كما في الكامل 2/789، ثنا الحسن بن سليمان بن نافع أبو معشر الدارمي البصري أنا سألته.. إلخ فزيادة ( عرفة حدثنا ) خطأ.
- ↑ سقط في الأصل الذي بين أيدينا شيخ ابن عدي وشيخ شيخه وهما ( عبد الله بن محمد وأبو الربيع الزهراني ).
- ↑ انظر المعجم الكبير للطبراني 12/406 حديث رقم 13497.
- ↑ انظر سنن الدارقطني 2/278 حديث رقم 192.
- ↑ انظر التاريخ الكبير للبخاري 2/363.
- ↑ قلت: هو محمد بن عمر بن علي بن خلف بن محمد بن زنيور بن عمرو بن تميم أبو بكر الوراق انظر تاريخ بغداد للخطيب 3/35 والميزان للذهبي 3/671.
- ↑ انظر معجم الطبراني الكبير 12/406 حديث رقم 13496، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/2 بعد ذكره الحديث وفيها عائشة بنت يونس ولم أجده من ترجمها.
- ↑ هو أحمد بن رشدين قال فيه الهيثمي في المجمع 10/26 ضعيف.
- ↑ لم أعثر على ترجمته فيما لدي من كتب الرجال.
- ↑ لم أعثر على ترجمته فيما لدي من المراجع.
- ↑ قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/2 بعد ذكره حديث ابن عمر التي هي في مسنده، ولم أجد من ترجمها.
- ↑ انظر الميزان للذهبي 3/420 والمجروحين لابن حبان 2/230 والكبير للبخاري.
- ↑ انظر الضعفاء للنسائي ص209 رقم 536.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 7/177.
- ↑ انظر المجروحين 3/73.
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 2/278.
- ↑ أحوال الرجال للجوزجاني ص202، رقم الترجمة 372، وراجع الأباطيل للجوزجاني 1/94 والتقريب للحافظ ابن حجر والضعفاء للذهبي وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/423 ,
- ↑ انظر الجرح والتعديل 8/56.
- ↑ انظر الضعفاء للنسائي ص220 رقم 569.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 6/2170.
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان تقدم برقم 133 وانظر التاريخ الصغير للبخاري ص226 من الطبعة الهندية والتاريخ الكبير للبخاري أيضا 1/208 والضعفاء للعقيلي 4/120 والكاشف للذهبي 3/89 والميزان للذهبي 4/6 وراجع تهذيب التهذيب.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 2/497.
- ↑ انظر الضعفاء للعقيلي 1/196.
- ↑ انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي ص71 رقم 100.
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 1/202، قلت وانظر كذلك التاريخ الكبير للبخاري 2/210 نقل عن الشعبي أنه قال: يا جابر لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إسماعيل بن أبي خالد ما مضى من الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب والصغير ص255 ضمن الطبعة الهندية والميزان 1/379 والتكاشف 1/177 والمغني 1/126 وراجع تهذيب التهذيب.
- ↑ انظر تهذيب التهذيب 9/350.
- ↑ رواه البخاري 7/21 من حديث أبي سعيد الخدري ومسلم 4/1967-1968 منحديث أبي سعيد وأبي هريرة وأبي داود 5/45 حديث رقم 4658 والترمذي 5/695 حديث رقم 3861 من حديث أبي سعيد أيضا، وابن ماجة في المقدمة 1/57 حديث رقم 161 من حديث أبي هريرة. فائدة: هذا الحديث الصواب فيه أنه من حديث أبي سعيد راجع الكلام على هذا الحديث في تحفة الأشراف 3/343 وفتح الباري 7/34-36.
- ↑ رواه مسلم 4/1988 وأحمد 2/292 و 408 و 462 و 482 و 508.
- ↑ أخرجه مالك ( الجزء الثاني ص127 مع شرح السيوطي ) ما جاء في المتحابين في الله وأحمد 5/223 و 247 وسنده صحيح. انظر صحيح الجامع 1911.
- ↑ أخرجه البخاري 6/37 ومسلم 3/1487 وأبو داود 3/8 حديث رقم 2480 والترمذي 4/148 حديث رقم 1590 والنسائي في الكبرى 84/1 قاله المزي 5/26 تحفة والدارمي 2/239 وأحمد 1/226، 26، 355 و 5/187 كلهم من حديث ابن عباس.
- ↑ أخرجه البخاري 6/170، 270 وكذلك في المغازي باب مرض النبي ﷺ ووفاته، ومسلم 3/1388 – 1258، وأبو داود 3/423 –424 وأحمد 1/222 جميعا عن ابن عباس، وانظر السلسلة الصحيحة 1132 ومسلم عن جابر 3/1388 والترمذي 4/156 وأبو داود 3/424.
- ↑ يشير إلى ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس، رواه البخاري 1/129 و 2/7 و 6/208 ومسلم 1/46 ورواه مسلم أيضا من حديث أبي سعيد.
- ↑ كأنه يشير إلى حديث معاذ بن جبل عندما قدم من الشام وسجد له فنهاه، عن ذلك والحديث أخرجه ابن ماجة وغيره وهو ضعيف إلا أنه بمجموع طرقه صالح للحجة انظر كلام شيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله.
- ↑ رواه مسلم 1/309 وأبو داود في الصلاة 1/403 حديث 602 وابن ماجة 1/393 حديث رقم 1240 جميعا عن جابر ورواه غيرهم.
- ↑ رواه أحمد في مسنده 3/143 وسنده صحيح.
- ↑ رواه البخاري 9/202 وأحمد – 360 والبيهقي 7/288-289 من حديث الربيع بنت معوذ بنغفران.
- ↑ يريد الصلاة والسلام عليه وقد مر الحديث صفحة 47 حاشية ( 1 )
- ↑ الرد على الأخنائي ص144.
- ↑ رواه البخاري 1/435-533 ومسلم 1/370 من حديث جابر بن عبد الله ولمسلم عن أبي هريرة وحذيفة، والترمذي 4/133 حديث رقم 1553 وابن ماجه 1/187 حديث رقم 567 من حديث أبي هريرة إلا أنه عند ابن ماجة مختصرا.
- ↑ الحديث تقدم تخريجه ص47 والشيخ رحمه الله غالبا ما يروي الأحاديث بالمعنى لأنه أكثر ما ألف كتبه في السجن فالحديث لفظه « لا تتخذوا قبري عيدا ».
- ↑ الحديث رواه البخاري 1/60، 72، 10/463 و 12/315 ومسلم 1/66 جميعا عن أنس
- ↑ أخرجه البخاري 1/58 عن أبي هريرة وانس ومسلم 1/67 عن أنس.
- ↑ رواه البخاري 11/523 و 7/43 و 11/54 و 523.
- ↑ رواه البخاري 5/61.
- ↑ هذا الحديث ضعيف، فيه نعيم بن حماد، وقد قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص365، وقد اختلف على نعيم في إسناده فروى عنه عن الثقفي عن هشام وروى عنه عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره وعلى هذه الرواية يكون شيخ الثقفي غير معروف عنه وروى عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره فعلى هذه الرواية فالثقفي رواه عن شيخ مجهول وشيخه رواه عن غير معنى فتزداد الجهالة في إسناده، ومنها أن في إسناده عقبة بن أوس الدوس البصري، ويقال فيه يعقوب بن أوس أيضا، وقد خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة حديثا عن عبد الله بن عمر ويقال عبد الله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده وقد وثقه العجلي وابن سعد وابن حبان، وقال ابن خزيمة، روى عنه ابن سيرين مع جلالته وقال ابن عبد البر، هو مجهول وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو وإنما يقول: قال عبد الله بن عمر فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة والله أعلم. أ ه.
- ↑ يشير إلى الأحاديث المتقدمة.
- ↑ رواه أحمد 1/405 و 435 و 454 والطبراني في الكبير 10/232 حديث رقم 10413، فالحديث بطرقه صحيح، قال الهيثمي في مجتمع الزوائد 2/27 رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، رواه ابن حبان انظر الموارد ص104 وأبو نعيم من أخبار أصبهان 1/142 بإسناد حسن، وأصل الحديث في البخاري 13/14 حديث رقم 7067 وانظر تحذير الساجد ص19.
- ↑ قطعة من خطبة الحاجة التي كان يفتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها خطبة ومواعظه وللألباني حفظه الله تعالى بحيث قيم فيها وقد نشرت هذه الرسالة فالتراجع وسماها (خطبة الحاجة التي كان يعلمها الرسول للصحابة ».
- ↑ رواه أبو داود 5/13 حديث رقم 4608 والترمذي 5/44 حديث رقم 2676 وابن ماجة في المقدمة 1/15 حديث رقم 42.
- ↑ انظر الكامل 7/2480.
- ↑ 2/217.
- ↑ انظر الموضوعات لابن الجوزي 2/217.
- ↑ الصواب ( بهمذان ) بالتحريك وبالذال كما في معجم البلدان وهي بلد وأما (همدان) فقبيلة
- ↑ في كتاب المجروحين لابن حبان (محمد بن محمود ) والظاهر أن الصواب كما هنا.
- ↑ انظر المجروحين 3/73.
- ↑ جزى الله ابن عبد الهادي خيرا. حقيقة تبين تلفيقه وكذبه حيث لم يوفقه الله تعالى لأنه نسب حديثه هذا إلى سلسلة من أصح الأسانيد لأن مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري رحمه الله تعالى.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 4/2480.
- ↑ قال الدارقطني رحمه الله تعالى في الضعفاء والمتروكين حدثونا عنه 249 رقم الترجمة 293، وقال رحمه الله تعالى في سؤالات الحاكم له، متروك ص140 رقم الترجمة 113. وقال المعلق على كتاب الضعفاء والمتركوين للدارقطني وهو موفق بن عبد الله بن عبد القادر حفظه الله تعالى في الحاشية نقلا عن سؤالات السلمي للدارقطني، وسألته عن صالح القيراطي، فقال: كذاب دجال يحدث بما لم يسمع.
- ↑ انظر ترجمته في الكامل لابن عدي 4/1390.
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 1/368.
- ↑ انظر ترجمته في الميزان للذهبي 2/278 قال الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه المغني في ترجمته دجال كذبة الدارقطني 1/302.
- ↑ انظر التاريخ للخطيب 9/329.
- ↑ انظر الميزان للذهبي 4/26.
- ↑ في الرد على الأخنائي ص161 –165.
- ↑ تقدم. فائدة: قال الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسة الضعيفة 1/61 حديث رقم 45 في الكلام على حديث ( من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني ) ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الذنوب والكبائر إن لم يكن كفرا، وعليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون مرتكبا لذنب كبير وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج وهذا مما لا يقوله مسلم، ذلك لأن زيارته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كانت من القربات فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات فكيف يكون تاركها مجافيا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعرضا عنه؟ أ. ه فجزاء الله خيرا. قلت: وهذا المعترض يدافع عن الحديث ويحاول التلبيس على الناس ولكن كما قال الشاعر: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
- ↑ الحديث أيضا من الموضوعات راجع الكلام عليه في السلسلة الضعيفة للشيخ ناصر1/61.
- ↑ رواه البخاري 10/516 ومسلم 3/1267.
- ↑ انظر ترجمة عون بن موسى في لسان الميزان لابن حجر لزاما.
- ↑ قال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: هو مجهول: انظر الجرح والتعديل 4/229، انظر الميزان أيضا، 2/172.
- ↑ كتاب الثقات 8/288.
- ↑ انظر مسند الطيالسي حديث رقم 65 وقال في السند نوار بن ميمون وهو تصحيف والصواب كما هنا.
- ↑ انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/245.
- ↑ لم أجده في الطبعة التي بين يدي ولكن يحتمل أن يكون فيها سقط فإن أكثر المتقدمين يثبتون تلك.
- ↑ الترجمة كالمصنف وابن عدي وابن حجر، والله أعلم. - انظر الضعفاء للعقيلي 4/361.
- ↑ الضعفاء للعقيلي 4/361.
- ↑ راجع ترجمته في الميزان 32/459 قال حمزة السهمي سألت الدارقطني عن الدولابي فقال: تكلموا فيه لما تبين من أمره الأخير، وأما في ترجمته من سؤالات السهمي للدارقطني رقم الترجمة 83: تكلموا فيه ما تبني من أمره إلا خير.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 7/2588 قال الذهبي في الميزان 4/288 هارون أبو قزعة، لا يعرف. قال الأزدي: متروك، وانظر أيضا لسان الميزان للحافظ ابن حجر 6/183.
- ↑ قال النسائي في الضعفاء: ضعيف كوفي، انظر الضعفاء الصغير للبخاري والكبير له أيضا 1/326 والمجروحين لابن حبان 1/86 والجرح والتعديل 2/131 والكامل لابن عدي 1/214 وكذلك انظر الكاشف والمغني والميزان والتهذيب.
- ↑ تقدمت ترجمته.
- ↑ قال النسائي في الضعفاء: زيد العمي، ضعيف وانظر الجرح والتعديل 3/560 قال ابن حبان في المجروحين 1/306 لا يجوز الاحتجاج بخبره ولا كتبه إلا للاعتبار وانظر الميزان للذهبي 2/102 وترجمته في الكاشف والمغني والتهذيب واللسان.
- ↑ قال النسائي في الضعفاء: ليس بثقة انظر المجروحين لابن حبان 1/196 والجرح والتعديل 2/472 والتاريخ الكبير للبخاري 2/183 والميزان 1/375 والكاشف المغني والتهذيب.
- ↑ قال النسائي رحمه الله تعالى: مجالد بن سعيد كوفي ضعيف، وقال البخاري في الصغير: كان يحيى القطان يضعفه وكان الشعبي لا يروي عنه عن الشعبي وقيس بن أبي حازم، وقال أحمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس، انظر الميزان 3/438 والتاريخ الكبير للبخاري 8/9 وقال ابن جان في المجروحين 3/10 وكان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به. انظر أيضا الكاشف والتهذيب، وقال الدارقطني في الضعفاء، ليس بقوي.
- ↑ صوابه: ( دارد بن يزيد )كما في المجروحين لابن حبان. قال ابن حبان في المجروحين 1/284 كان ممن يقول بالرجعة وكان الشعبي يقول له ولجابر الجعفي لو كان لي عليكما سلطان ثم لم أجد إلا إبرا لشككتكما ثم غللتكما بها، قال: وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن داود بن يزيد. ونقل عن يحيى بن معين وذكروا عنده داود الأودي فقال ضعيف، انظر التاريخ الكبير للبخاري 3/239 والضعفاء الكبير للعقيلي 2/40 والجرح والتعديل 2/437 والكامل 2/947.
- ↑ قال النسائي في الضعفاء: عبيدة بن معتب، ضعيف وكان قد تغير أنظر التاريخ الكبير للبخاري 6/137 والجرح والتعديل 6/94 والميزان 3/25 قال أحمد: تركوا حديثه أنظر أيضا الكاشف والمغني والتهذيب واللسان.
- ↑ قال النسائي رحمه الله: مسلم بن كيسان الأعور الملائي: متروك الحديث. وقال البخاري في الكبير 7/271 يتكلمون فيه، انظر المجروحين لابن أبي حاتم 3/8 وقال تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والجرح والتعديل 8/192 والكيزان 4/106 راجع أيضا الكاشف والمغني واللسان والتهذيب.
- ↑ قال النسائي رحمه الله تعالى: موسى بن عبيدة أبو عبد العزيز الربذي ضعيف، وقال ابن أبي حاتم 8/151-152 قال أحمد: لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة، وقال ابن معين: موسى بن عبيدة لا يحتج بحديثه، انظر المجروحين لابن أبي حاتم 2/234 والميزان 4/213، والضعفاء والمتروكين للعقيلي 4/160 والكامل لابن عدي 6/2333.
- ↑ قال الذهبي رحمه الله في الميزان 4/453: ضعفه أحمد وقال أبو حاتم ليس بالقوي، وعند ابن معين: ضعيف. انظر ترجمته في الجرح والتعديل 9/211 والضعفاء والمتروكين للعقيلي 4/445 والكامل لابن عدي 7/2601 وترجم له البخاري في الكبير 8/398 وسكت عنه.
- ↑ قال الذهبي رحمه الله تعالى في الميزان 3/127، قال شعبة: حدثنا علي بن زيد وكان رافعا وقال الغلاس كان يحيى القطان يتقن الحديث عن علي بن زيد وقال أحمد ضعيف، وعن يحيى: ليس بذاك القوي، وقال ابن أبي حاتم في المجروحين 2/103 وكان يهم في الأخبار ويخطئ في الآثار حتى كثر ذلك في أخباره وتبين فيها المناكير التي كان يرويها عن المشاهير فاستحق ترك الاحتجاج به، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/186، سألت أبي عن علي بن زيد فقال ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به وهو أحب إلى من يزيد بن أبي زياد وكان ضريرا أو كان يتشيع، وسألت أبا زرعة عن علي بن زيد بن جدعان فقال ليس بقوي انظر أيضا الضعفاء والمتروكين للعقيلي 2/229 والكامل لابن عدي 5/1840 والبخاري في الكبير 6/275.
- ↑ تقدمت ترجمته
- ↑ صوابه: فرقد السبخي. قال النسائي رحمه الله تعالى: فرقد السبخي: ضعيف وقال البخاري في الصغير ص192، عن سعيد بن جبير في حديثه مناكير انظر أيضا ترجمته في الكبير له 7/131 وقال أبو حاتم: ليس بالقوي انظر الجرح والتعديل 7/81-82 والميزان 3/345 وقال الدارقطني ضعيف عن مرة الطيب والنخعي كما في الضعفاء والمتروكين له والمجروحين لابن حبان 2/204 والضعفاء والمتروكين للعقيلي 3/458 والكامل لابن عدي 6/2053.
- ↑ قلت قد يروي التابعي عن التابعي مثله والآخر عن مثله إلى ستة أو سبعة كما هو الحال في فضل سورة قل هو الله أحد
- ↑ انظر كتاب الثقات له 6/406.
- ↑ انظر كتاب الثقات أيضا 6/226.
- ↑ انظر الثقات أيضا 6/170.
- ↑ انظر الثقات 6/146.
- ↑ قلت بل يزاد مع العدالة الحفظ.
- ↑ هذه القاعدة انتقدها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه لسان الميزان، ورد عليه وذكر هنالك أن ابن عبد الهادي ذكرها في " في الصارم المنكي " انظر لسان الميزان 1/14-15 وكلام ابن حبان هذا ذكره في مقدمة كتابه الثقات 1/13.
- ↑ انظر مقدمة الثقات 1/11-12.
- ↑ انظر الثقات لابن حبان 7/580
- ↑ انظر مقدمة كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ص13-15.
- ↑ كلام الشافعي إلى منتهاه في الرسالة من ص461 – 465.
- ↑ في المطبوعة والمكتوبة: الفرد. والتصحيح من الرسالة.
- ↑ هو كما قال ابن عبد الهادي خالد بن أبي خلدة انظر التاريخ الكبير للبخاري 3/145.
- ↑ انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/327.
- ↑ انظر الرد على الأجنائي ص86-110.
- ↑ الحديث رواه مسلم 2/672 و 3/1563، 1564 وأبو داود 4/97، والنسائي 8/310 من حديث بريدة بن الحصيب وروى عن أبي سعيد الخدري، رواه أحمد في مسنده 3/38 ومالك 3/836 وبحديث صحيح.
- ↑ الحديث رواه مسلم 1/288 وأبو عوانه 1/336 وأبو داود 1/359 حديث رقم 523 والنسائي 2/25 باب الصلاة على النبي ﷺ بعد الأذان، والترمذي في المناقب 5/586 حديث رقم 3614 وأحمد 2/168 وغيرهم.
- ↑ رواه مسلم 1/306.
- ↑ الحديث رواه أحمد 4/30 والنسائي في باب الفضل في الصلاة على النبي ﷺ 3/44-50 كلاهما من طريق سليمان الهاشمي مولى الحسن بن علي، وهو مجهول لم يرد عنه إلا ثابت ولم يوثقه معتبر وقال فيه النسائي ليس بالمشهور قال: ابن حجر رحمه الله في التهيب وقد اختلف في سنده على ثابت وكذلك عبد الله بن أبي طلحة شيخ سليمان لم يوثقه معتبر فالحديث ضعيف.
- ↑ انظر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإسماعيل القاضي ص48 بتحقيق الشيخ ناصر حيث قال إسناده واه جدا عمر بن هارون هو البلخي متروك وشيخه موسى بن عبيدة مثله أو أقل منه ضعفا. أه كلامه.
- ↑ حديث ابن مسعود رواه البخاري 2/311، 320 و 3/76 و 11/13 و 11/56 و 131 و 13/365 ومسلم 1/302 وأبو داود 1/591 والترمذي حديث رقم 289 و 2/81 والنسائي 3/40.
- ↑ حديث أبي موسى رواه مسلم 1/301-304 وأبو عوانة 2/248 وتمامة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
- ↑ حديث ابن عباس رواه مسلم 1/302 وأبو عوانة 2/248 والترمذي 2/83 والنسائي 3/41 وتمامة كما تقدم في حديث أبي موسى.
- ↑ حديث ابن عمر رواه أبو داود 1/593-594 والدارقطني 1/351
- ↑ حديث جابر رواه الترمذي 2/83 من حديث أيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر قال وهو غير محفوظ وابن ماجة 1/292 وغيرهما كالنسائي والحاكم قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أيمن بن نابل وزاد في أول الحديث الذي رواه عن ابن الزبير عن طاوس عن أبي عباس في التشهد باسم الله وبالله وقد رواه الليث وعمر بن الحارث وغيرهما، عن أبي الزبير بدون هذا ) قال أحمد شاكر في تحيقه على الترمذي ولم أجد رواية أيمن عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس فإن صح هذا النقل كان الحديث عند أيمن بإسنادين، عن أبي الزبير عن جابر، وعن أبي الزبير عن طاوس عن ابنعباس ويدل هذا على حفظه له وعدم اضطراب اسنادي الحديث عليه، وروى الحديث النسائي 3/43 ثم قال: لا نعلم أحدا تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية وأيمن عندنا لا بأس به والحديث خطأ وبالله التوفيق. قلت: رواية أبي الزبير عن جابر للمحدثين فيها ثلاثة أقوال كما قاله ابن حزم. الأول: الرد مطلقا وهذا مذهب شعبة. الثاني: القول مطلقا وهذا صنيع مسلم. الثالث: التفصيل وهو ما رواه عنه الليث فمقبول لأنه علم له ما سمع من جابر وما رواه عنه غير الليث فغير مقبول، قلت: وهذا مما لم يروه عنه الليث مع ما تقدم من كلام النسائي حيث قال: هو خطأ وكلام ابن حجر من أن الليث وعمر بن الحارث وغيرهما رواة الحديث عن أبي الزبير من دون الزيادة التي فيه، وقول الترمذي « وغير محفوظة » وكذلك عنعنة أبي الزبير وهو مدلس.
- ↑ ثبت في الصحيحين من حديث أنس إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا ( وعليكم ) البخاري 11/42، 12/280 ومسلم 4/1705، وعن ابن عمر ( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك ) البخاري 11/42 ومسلم 4/1706 وعن عائشة عند البخاري ومسلم 4/1706.
- ↑ لفظة قبري قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح 4/100 خطأ. انظر الفصل الأول من تحذير الساجد للشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله.
- ↑ الحديث رواه البخاري من حديث عبد الله بن زيد انظر الفتح 3/70 وعن أبي هريرة 3/70 و 4/99 و 11/465 و 13//304 بزيادة (ومنبري على حوضي ) ورواه مسلم أيضا من حديثهما 2/1010 – 1011.
- ↑ قلت: يأتي بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند زيارة القبور (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين.. الخ ) وتخصيص الدعاء بغير هذا مما لا دليل عليه وتقدمت أحاديث الزيارة فراجعها هناك.
- ↑ هنا سقط والصواب: عن أبيه عن علي بن الحسين كما في مسند أبي يعلي 1/361.
- ↑ والحديث ضعيف لأن فيه جعفر بن إبراهيم ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك علي بن عمر: مستور كما في ترجمته في التقريب.
- ↑ انظر ترجمته في الجرح والتعديل 5/183 – 184 والميزان وتاريخ ابن معين رقم 954.
- ↑ صوابه المهري.
- ↑ قال شيخ الإسلام في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص322 وهو مرسل كما ترى هو والذي بعده ثم قال بعد نقلهما عن سعيد بن منصور، فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سميا وقد احتج به من أرسه وذلك يقتضي ثبوته عنده ولو لم يكن روى من وجوه مسنده غير هذين فكيف وقد تقدم سند؟ أه. قلت: الحديث السابق قد علمت علته وهذا مرسل والمرسل من قسم الضعيف وأما قوله « لا تتخذوا بيتي ) فسبق أن قلنا إنها رواية بالمعنى وأما قوله « لا تتخذوا قبري عيدا ) فتقدم الكلام عليه وأنه قد تثبت من حديث أبي هريرة.
- ↑ هنا سقط والصواب عند فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في الرواية السابقة والله أعلم.
- ↑ تقدم الكلام عليه وقد قال الترمذي: حديث فاطمة حديث حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشهرا قال وفي الباب عن أبي حميد وأبي أسيد وأبي هريرة، وانظر كلام أحمد شاكر عند هذا الحديث فإنه مهم.
- ↑ الحديث رواه مسلم 1/494 والنسائي 2/53 ولم يذكر ( فليسلم على النبي ) وأبو داود 1/317-318 وابن ماجة 1/254.
- ↑ انظر الحديث وتخريجه وما فيه من العلل في رسالتنا وإتحاف الراكع الساجد بأذكار الدخول والخروج من المساجد.
- ↑ قلت بل يقتصر ما ثبت في السنة وقد تقدم ذكر ذلك.
- ↑ الحديث رواه أبو داود 5/328 ولكنه منقطع من طريح شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري وشريح لم يسمع من أبي مالك.
- ↑ أخرج الإمام أبو داود 3/245 بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: « وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) يقولون ما ذبح لله فلا تأكلوه فأنزل الله: « ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه » قال ابن كثير في تفسيره 2/171 وهذا إسناده صحيح وأخرجه ابن ماجه 2/1059 رقم 3173 والحاكم 4/113-231 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه ابن جرير 8/126.
- ↑ ذكر الخطيب في الفقه والمتفقه ص70 عن شيخه أبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبو أمية الطرطوسي حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية « أنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم » الآية قال المشركون: فإن عيسى يعبد وعزير والشمس والقمر فأنزل الله سبحانه وتعالى: « إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون » أه، نقلا من الصحيح المسند لشيخنا مقبل حفظه الله تعالى.
- ↑ انظر الصحيح المسند من أسباب النزول لشيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى.
- ↑ رواه البخاري 13/347 فتح ومسلم 1/58 متن.
- ↑ رواه أحمد 1/293، 303، 307 وسنده صحيح والترمذي 4/67 وقال حسن صحيح وابن السنن في عمل اليوم والليلة 427 والطبراني في الكبير 12988 من طريق قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس وسنده حسن.
- ↑ رواه البخاري 10/155 ومسلم 1/988-200.
- ↑ قلت: لقد حدث بعض هذا الآن فأصبح بعض الناس يدجعونه وقد سمعت هذا عندما كنت في فترة الحج ويتمسحون بالشبك الحديدي ويبكون ومنهم من يقول يا رسول الله بغارة وبعضهم يطوف طوافا لأنه أصبح مكننا. ومثل هذا ما يحدث عند بعض القبور مثل قبر ابن علوان في منطقة بقرس بتعز وكذا عند قبر ابن العجيل وقبر الهتار وغيرها من القبور في لواء تهامة فإلى الله المشتكى.
- ↑ القصة أخرجها ابن إسحاق في المغازي ص6 فقال حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي خلدة بن دينار قال: نا أبو العالية قال لما فتخنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف له فأخذنا المصحف فحملنا إلى عمر بن الخطاب فدعا له كعبا فنسخه بالعربية فأنا أول رل من العرب قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال سيرتكم وأموركن ولحون كلامكم وما هو كائن بعد قلت: فما صنعتم بالرجل؟. قال حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لتعمية على الناس لا ينبشونه، قلت وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عليهم برزوا بسريره فيمطرون قلت من كنتم تظنون الرجل؟ قال رجل يقال له دنيال فقلت، منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع. قلت: سند القصة حسن وأحمد شيخ ابن إسحاق هو ابن عبد الجبار بن محمد العطاردي أبو عمرو الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح كما في التقريب.
- ↑ قلت الصواب أنه ليس ببدعة إذاكانت على الطريقة المشروعة والله أعلم.
- ↑ الصواب ( ويزورونه ).
- ↑ الصواب ( وعلم ).
- ↑ صوابه للميت كما في بعض النسخ.
- ↑ رواه مسلم 4/2060 وأبو داود 5/15-16 والترمذي 5/43، وقال حسن صحيح، وابن مادة 1/75، في المقدمة رقم 206، والدارمي 1/130 وأحمد 2/397، كلهم من حديث أبي هريرة.
- ↑ رواه مسلم 2/705 و 4/2059 وأحمد 4/361 وابن ماجة 1/203 مقدمة، والنسائي 5/75 والترمذي 5/43 وقال حسن صحيح كلهم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
- ↑ صوابه القرب في بعض النسخ.
- ↑ صوابه دعاء زائدا.
- ↑ في المطبوع: كما لم يذكر مالك ذلك
- ↑ هذا الدعاء وما ماثله لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة
- ↑ هنا سقط قوله: " بل " كما في بعض النسخ.
- ↑ قلت: ومن القبور قبر النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبيه.
- ↑ أخرجه البخاري 1/32 فتح ومسلم 3/1393.
- ↑ أخرجه أحمد في مسند 2/439 من طريق ابن عجلان قال حدثني سعيد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: « إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدأ له أن يجلس فليجلس ثم إن قام والقوم جلوس فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخرة، وابن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كما في ترجمته في تهذيب التهذيب والميزان. ورواه أبو داود 5/386 والترمذي 5/62، كلاهما من طريق ابن عجلان وقال الترمذي عقبة: هذا حديث حسن وقد روى هذا الحديث أيضا عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ورواه أيضا النسائي في عمل اليوم والليلة رقم 369 – 371 من طريقة أيضا، قلت فالحديث ضعيف لأن مدارة على ابن عجلان لكن قد تابعه يعقوب بن زيد أبو يوسف عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النسائي في عمل اليوم والليلة برقم 368 وسنده حسن، وقد نقل المحقق على عمل اليوم والليلة للنسائي أن الحافظ ابن حجر قال: مخرج هذا الحديث واحد وإن تعددت الأسانيد إلى محمد بن عجلان، وأشار إلى الفتوحات الربانية 5/314.
- ↑ صوابه: هذا
- ↑ تقدم، وهو صحيح من فعل ابن عمر وحده.
- ↑ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/576 وسنده صحيح.
- ↑ هذا ثابت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان ينزل حيث كان رسول الله ﷺ ينزل وكان يصلي حيث كان يصلي ويبول حيث كان يبول وينام حيث كان ينام رضي الله عنه وهذا لم يكن يفعله غير ابن عمر كما ذكره المؤلف رحمه الله.
- ↑ هذا سقط والصواب الصلاة فيه فليصل.
- ↑ أثر عمر بن الخطاب ذكره شيخ الإسلام في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص386 فقال روى سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا أبو معاوية الأعمش عن معرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه رأى الناس يذهبون مذاهب … فذكره. قلت: الأعمش مدلس وقد عنعن لكن قد أخرج الأثر ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وفيه تصريح الأعمش بالتحديث فالأثر صحيح والله أعلم.
- ↑ ضعف الحديث الدارقطني.
- ↑ هذا حديث عائشة رضي الله عنها رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور كما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح عند المسألة الأولى بسند ابن أبي الدنيا لكن في سنده عبد الله بن سمعان وهو عبد الله بن أبي زياد بن سليمان بن سمعان وهو كذاب كما في تهذيب التهذيب والميزان. وذكر حديثا آخر من حديث أبي هريرة وفيه شيخ ابن أبي الدنيا وهو محمد بن قدامة الجوهري ترجم له صاحب الميزان قال فيه ابن معين ليس شيء وقال أبو داود ضعيف لم أكتب عنه شيئا. أه. وذكر الشنقيطي رحمه الله تعالى عند تفسيره قوله تعالى: « إنك لتسمع الموتى » في سورة النمل بحثا نفيسا في هذا الباب فليراجع.
- ↑ الحديث بهذا المعنى رواه أحمد في مسنده 3/44 وهو من طريق أبي حمزة وهو عبد الرحمن بن عبد الله جار شعبة وهو مقبول كما في التقريب لابن حجر يعني حيث يتابع وإلا فلين. وفي السند أيضا هلال بن حصن أخو بني قيس بن ثعلبه وهو مجهول الحال، ترجم له بل من البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فالحديث ضعيف. لكن ثبت الشطر الأول منه كما في مسند الإمام أحمد 3/3، 3/44 من حديث أبي بشر عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من الأنصار كانت به حاجة فقالت له أهله، إثت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأتاه وهو يخطب وهو يقول: من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سألنا فوجدنا له أعطيناه. قال: فذهب ولم يسأل.
- ↑ في الرد على الأخنائي ص 110 – 119 ,
- ↑ قلت قد ثبت تبرك الصحابة بآثار التي عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد موته وقول الإمام أحمد هذا فيما إذا وجد شيء من آثاره وأما في زماننا هذا فما أظن أنها توجد وأما ما يزعمه كثير من المتصوفة فإنه كذب محض لا يشك فيه عاقل أحدهم يرى رؤية منامية فيصور له الشيطان صورة حذاء فيصبح يرسمها في ورقة ثم يتبرك بها فالله المستعان.
- ↑ يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري ( باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف 2/542 وفيه أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال يؤتي بأحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا.. الحديث، وأخرجه مسلم 2/624 وأخرجه البخاري عن أنس في باب ما جاء في عذاب القبر 3/232 وفيه « ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله.. الحديث » رواله أحمد 6/139- 140 والترمذي 3/374.
- ↑ في الرد على الأخنائي ص125-126.
- ↑ هذا مبهم ثم هو بينه وبين عمر رضي الله عنه مفاوز فلا يصح الأثر لهاتين العلتين.
- ↑ في الرد على الأخنائي ص127-131.
- ↑ الحديث أخرجه مسلم 2/653 عن محمد بن عبد الله بن نمير وأبو داود 3/516 عن هارون بن عبد الله وحسين بن عبد الله الهوري ثلاثتهم عن عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن داود عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال كنت قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول الله ﷺ يقول:.. فذكره.
- ↑ البخاري 3/192 ومسلم 2/653.
- ↑ انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ ناصر حفظه الله تعالى حديث رقم 203 حديث استوفى البحث في هذا البحث فجزاه الله خيرا والأحاديث التي ذكرها المؤلف بعد هذا قد تقدمت.
- ↑ انظر الرد على الاختائي، ص131 – 135.
- ↑ انظر ميزان الاعتدال 4/33 قال الذهبي، قال ابن معين: ليس بثقة 4/33 وقال أحمد: أدركته قلت: وذكر كلام ابن معين صاحب الجرح والتعديل 8/86 وقد كبر فتركه وذكر له من أحاديثه الحديث المتقدم
- ↑ التاريخ الصغير ص218 برقم 340 والكبير له 1/232 برقم 729.
- ↑ الضعفاء والمتروكون للنسائي ص219 رقم 565.
- ↑ الجرح والتعديل 8/86 قال: ذاهب الحديث متروك الحديث لا يكتب حديثه البتة.
- ↑ الضعفاء والمتروكون للدارقطني ص344 برقم 470.
- ↑ المجروحون 2/281.
- ↑ الكامل 6/2267.
- ↑ انظر الرد على الأختاني ص135-141.
- ↑ انظر صحيح مسلم 1/377،
- ↑ قلت هو معتمد على أثر ابن عمر أنه كان يفعل ذلك وسنده صحيح إلى ابن عمر ورواه مالك في الموطأ وتقدم تخريجه صفحة 60 حاشية ( 2 )
- ↑ في المطبوعة: مهما
- ↑ انظر المجروحين لابن حبان 2/185.
- ↑ انظرترجمة صفحة 70 حاشية رقم ( 2 )
- ↑ ترجمة عمار بن محمد بن أخت الثوري في تاريخ بغداد 12/252 وترجمة سيف بن أحمد ابن أخت الثوري 9/226.
- ↑ لعلها: فعمار
- ↑ 6/393 قلت وانظر أيضا الميزان.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 3/25 وسير أعلام النبلاء 11/496 وتاريخ بغداد 7/356 ومعجم الأدباء 9/18.
- ↑ 3 /53.
- ↑ 2 / 243.
- ↑ صوابه ( فوائده ).
- ↑ 3 /360
- ↑ 1 /284
- ↑ 2 / 17.
- ↑ 1 /228 السنن الكبرى.
- ↑ 3 / 184 ترجمة 622
- ↑ 3 / 890.
- ↑ 3 /890.
- ↑ 6 / 395.
- ↑ 3 / 151.
- ↑ 4 / 149.
- ↑ 4 /42 رقم 1905.
- ↑ رواه مسلم في المقدمة 1/9 متن من حديث سمرة وابن ماجه في المقدمة رقم 39وأحمد 5/20 وابن حبان 1/117، ورواه ابن ماجه رقم 38،، 40 من حديث علي وبرقم 41 من حديث المغيرة بن شعبة وأحمد 4/252، 255 والحديث متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام بضع وستون صحابيا وجاء هذا الحديث من أكثر من مائة طريق.
- ↑ انظر 1/143-144، 2/35 والحديث أيضا متواتر وللشيخ العباد كتاب في تخريج هذا الحديث وشرحه.
- ↑ أخرجه البخاري 6/496 والترمذي 5/40 وابن حبان 8/51، وأحمد 2/159-202-214 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
- ↑ رواه مسلم في المقدمة مسندا ومرسلا وأبو داود 5/265-266 وابن حبان 1/118 مسندا، وقد رجح الدارقطني إرساله.
- ↑ سقطت لفظ (على ) وصوابه: موضوع على ابن جريج.
- ↑ 6/2238 صوابه محمد بن يحيى بن قيس الماربي كما قال ابن عدي وذكره صاحب الأنساب 5/161.
- ↑ 6 / 2238.
- ↑ صوابه ( وتبرك به )
- ↑ انظر ترجمته في العلل لأحمد 3/396 برقم 5744 وفي 2/549 رقم 3601 قال فيه: حديثه حديث أهل الكذب. وقال البخاري فيه سكتوا عنه: انظر الضعفاء ص217 وقال الذهبي: تركوه. انظر الكشاف 3/79 وقال في الميزان 4/6: مناكير هذا الرجل كثيرة لأنه صاحب حديث، وقال ابن معين ليس بشيء، انظر التاريخ 4/355 وقال ابن أبي حاتم، ذاهب الحديث ترك حديثه، انظر الجرح والتعديل 8/57. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: كذبوه 2/200. قال فيه البخاري في الضعفاء الصغير: تركه يحيى بن مهدي قال: وقال بيان سمعت يحيى بن سعيد يقول: تركنا جابرا قبل أن يقدم عليها الثوري وقال أبو سعيد الحر: سمعت يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قال الشعبي: يا جابر لا تموت حتى تكذب على رسول الله ﷺ، وقال إسماعيل: فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب. وقال النسائي في الضعفاء: متروك وانظر التاريخ الكبير للبخاري 2/210 والمجروحين لابن حبان 1/208 والكاشف للذهبي 1/122 والميزان 1/379 والتهذيب 2/46.
- ↑ قال الحافظ في التقريب: ثقة فاضل، وانظره في التهذيب 9/350 والثقات للعجلي ص410 رقم 1486.
- ↑ صوابه ابن حبان
- ↑ 2/133.
- ↑ 5/4386 رقم 1433.
- ↑ ص 148 رقم 218 ,
- ↑ انظر في العلل 2/371 رقم 2648 بتحقيق وصي الله عباس.
- ↑ انظر برقم 1688 من تاريخ ابن معين.
- ↑ 5/374.
- ↑ ص68 رقم 77.
- ↑ ص166 رقم 405.
- ↑ وانظر أيضا الميزان 2/666 واللسان 4/71 والمغني 2/409.
- ↑ في الضعفاء والمتروكين له ص125 رقم 362 قال يروي عن أبيه وأبوه أيضا متروك.
- ↑ انظر الكامل 5/1942.
- ↑ انظر 2/764 بتحقيق الدكتور ناصر عبد الكريم العقل.
- ↑ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه المجموع شرح المهذب 8/481 في هذا الحديث: وهذا باطل ليس هو مرويا عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يعرف في كتاب صحيح ولا ضعيف بل وضعه بعض الفجرة.
- ↑ تقدم الكلام على هذين الحديثين وهما يحدثنان موضوعان النظر الفوائد المجموعة للشوكاني ص117 – 118 وكشف الخفا 2/346، 347، 348 والمقاصد الحسنة ص427-428.
- ↑ رواه مسلم 2/672 عن بريده وفي رواية لأحمد 5/361 والنسائي 4/89 فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هدرا، وانظر أيضا الموطأ 2/458 والأم للشافعي 1/278 ورواه أحمد أيضا 1/145 من حديث علي رضي الله عنه.
- ↑ رواه مسلم من حديث أبي هريرة 2/671 ورواه أبو داود 3234 والنسائي 4/90 وابن ماجه رقم 1572.
- ↑ رواه البخاري 1/532 فتح ومسلم 1/377 ( ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا ) هذه الزيادة رواها البخاري 3/200 ومسلم 1/376.
- ↑ أخرجه البخاري 1/523 ورقم 434، 1341، 3878 ومسلم 1/375 من حديث أم سلمة وأم حبيبة.
- ↑ انظر 1/377، 378.
- ↑ تقدم الكلام عليه والزيادة فيه ( ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء ) من كلام الحسن لا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وانظر كشف الأستار رقم 707.
- ↑ رواه أحمد في مسنده 2/246 ورواه مالك مرسلا 1/172.
- ↑ رواه أحمد في مسند 1/435 ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/405رقم 1586 قال: وأحسب أن معمرا رفعه.