→ الباب الأول | الصارم المنكي في الرد على السبكي الباب الثاني ابن عبد الهادي |
الباب الثالث ← |
الباب الثاني
فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالا على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة.
قال المعترض
روينا في سنن أبي داود السجستاني عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » ثم ذكر المعترض إسناده إلى أبي داود في صفحة وأنه رواه عن محمد بن عوف حدثنا المقري حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة قال: وهذا إسناد صحيح، فإن محمد بن عوف شيخ أبي داود جليل حافظ لا يسأل عن مثله، وقد رواه معه عن المقري عباس بن عبد الله الترقفي، رواه من جهته أبو بكر البيهقي والمقري وحيوة ويزيد بن عبد الله بن قسيط متفق عليهم، وحميد بن زياد، رواه له مسلم [1]. وقال أحمد: لا بأس به، وكذلك قال أبو حاتم. [2] وقال يحيى بن معين: ثقة ليس به بأس، وروى عن ابن معين فيه رواية أنه ضعيف ورواية التوثيق تترجح عليها لموافقتها أحمد وأبا حاتم وغيرهما، وقال ابن عدي: هو عندي صالح الحديث، وإنما أنكرت عليه حديثين: المؤمن مألف وفي القدرية، وسائر حديثه أرجو أن يكون مستقيما.
وأما قول الشيخ زكي الدين فيه أنه أنكر عليه شيء من حديثه فقد بينا عن ابن عدي تعيين ما أنكر عليه، وليس منه هذا الحديث، وبمقتضى هذا يكون هذا الحديث صحيحا إن شاء الله، وقد اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث في مسألة الزيارة، وصدر به أبو بكر البيهقي في باب زيارة قبر النبي ﷺ، وهو اعتماد صحيح واستدلال مستقيم، لأن الزائر المسلم على النبي ﷺ يحصل له فضيلة رد النبي ﷺ السلام عليه وهي رتبة شريفة ومنقبة عظيمة ينبغي التعرض لها، والحرص عليها لينال بركة سلامه ﷺ.
فإن قيل: ليس في الحديث تخصيص بالزائر فقد يكون هذا حاصلا لكل مسلم قريبا كان أو بعيدا، وحينئذ تحصل هذه الفضيلة بالسلام من غير زيارة، والحديث عام، قلت: قد ذكره ابن قدامة من رواية أحمد ولفظه: « ما من أحد يسلم علي عند قبري » وهذا زيادة مقتضاها التخصيص، فإن ثبت فذاك، وإن لم يثبت فلا شك أن القريب من القبر يحصل له ذلك لأنه في منزلة المسلم بالتحية التي تستدعي الرد كما في حال الحياة، فهو بحضوره عند القبر قاطع بنيل هذه الدرجة على مقتضى الحديث متعرض لخطاب النبي ﷺ له برد السلام عليه، وفي المواجهة بالخطاب فضيلة زائدة على الرد على الغائب. انتهى ما ذكره المعترض.
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل حديث أبي هريرة هذا في مسنده [3]، وليس في هذه الزيارة [4] المضافة إلى روايته، فقال: حدثنا عبد الله بن يزيد هو أبو عبد الرحمن المقرئ حدثنا حيوة، حدثنا أبو صخر أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عز وجل علي روحي حتى أرد عليه السلام » هكذا رواه في هذا اللفظ ليس فيه عند قبري، وما أضيف إليه من هذه الزيادة فهو على سبيل التفسير منه لا أنه مذكور في روايته.
واعلم أن هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من الأئمة في مسألة الزيارة، وهو أجود ما استدل به في هذا الباب، مع هذا فإنه لا يسلم من مقال في إسناده ونزاع في دلالته. أما المقال في إسناده فمن جهة تفرد أبي صخر به عن ابن قسيط عن أبي هريرة، ولم يتابع ابن قسيط أحد في روايته عن ابن قسيط، وأبو صغر هو حميد بن زياد وهو ابن أبي المخارق المدني الخراط صاحب العباء سكن مصر، ويقال: حميد بن صخر، وقال ابن حبان [5]: حميد بن زياد مولى بن هاشم، وهو الذي يروي عنه حاتم بن إسماعيل، ويقول: حميد بن صخر إنما هو حميد بن زياد أبو صخر.
وقال البخاري في تاريخه [6]: حميد بن زياد أبو صخر الخراط المديني مولى بني هاشم سمع نافعا ومحمد بن كعب وعمارا الدهني، وأبن قسيط، وقال بعضهم: حماد سمع منه ابن وهب وحيوة بن شريح، وقال بعضهم: حميد بن صخر، وقال أبو مسعود الدمشقي: حميد بن صخر أبو مودود الخراط، ويقال: إنهما اثنان، والصحيح أنه واحد [7] وهو حميد بن زياد أبو صخر وقد اختلف الأئمة في عدالته فوثقه بعضهم، وتكلم فيه آخرون واختلف الرواية عن يحيى بن معين فيه فقال: أحمد بن سعيد بن أبي مريم عنه أبو صخر حميد بن زياد الخراط، ضعيف الحديث، وقال إسحاق بن منصور عنه أبو صخر حميد بن زياد ضعيف [8]، وروى عثمان بن سعيد الدارمي [9] عنه حميد بن زياد الخراط، ليس به بأس. وقال في موضع آخر: قلت ليحيى: فأبو صخر، قال: ثقة، وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: سئل أبي عن أبي صخرة، فقال ليس به بأس، وروي عن الإمام أحمد رواية أخرى أنه ضعيف.
قال العقيلي: في كتاب الضعفاء [10]: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا حمدان بن علي الوراق قال: سألت أحمد بن حنبل عن حميد بن صخر، فقال ضعيف: وقال النسائي: حميد بن صخر ضعيف، هكذا حكاه غير واحد عنه، والذي رأيته في كتاب الضعفاء [11] له: حميد بن صخر يروي عن حاتم بن إسماعيل ليس بالقوي، ثم قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن أبيه، حدثنا حيوة بن شريح، قال: أخبرني أبو صخر حميد بن زياد، وقال أبو عمر ابن عبد البر: أبو صخر الخراط حميد بن زياد المصري، وهو حميد بن أبي المخارق القيني رأى سهل بن سعيد الساعدي وروى عن نافع ومحمد بن كعب القرظي ويزيد بن قسيط وعمار الدهني، وروى عنه حيوة بن شريح والمفضل بن فضالة وحاتم بن إسماعيل وابن لهيعة وابن وهب وصفوان بن عيسى، ليس به بأس عند جميعهم، وقال أبو أحمد بن عدي [12]: حميد بن زياد أبو صخر الخراط مديني، وروى له ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديثه عن حازم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: المؤمن يألف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، رواه عن أبي بكر بن أبي داود، عن أبي الربيع، عن ابن وهب، أبي صخر فذكره، قال أبو صخر: حدثني صفوان بن سليم، وزيد بن أسلم عن رسول الله بذلك، قال ابن عدي: ورواه عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة خالد بن الوضاح، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن الزبير بن بكار عنه، ورواه مصعب بن ثابت وعمر بن صهبان عن أبي حازم عن سهل بن سعد وروى عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه عن سهل.
والثاني: عن الحسن بن محمد المديني، عن يحيى بن بكيرة، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: سيكون في أمتي مسخ وقذف: يعني الزنادقة والقدرية.
والثالث عن الحسن بن الفرد، عن عمرو بن خالد الحراني، عن ابن لهيعة عن أبي صخر، عن نافع، عن ابن عمر أنه رأى رسول الله ﷺ على المنبر يقول: لمن الملك اليوم، فيقول: لله الواحد القهار فيرمي السموات والأرض، الحديث ثم قال: وأبو صخر هذا حميد بن زياد له أحاديث صالحة، روى عنه ابن لهيعة نسخة، حدثنا الحسن بن محمد المديني، عن يحيى بن بكير عنه، وروى عنه ابن وهب نسخة أطول من نسخة ابن لهيعة، حدثنا إبراهيم بن عمر بن ثور الزوقي عن أحمد بن صالح عنه وروى عنه حبوة أحاديث، وهو عندي صالح الحديث، وإنما أنكر عليه هذان الحديثان ( المؤمن بألف ) وهي القدرية، وسائر حديثه أرجو أن يكون مستقيما.
ثم قال في موضع آخر [13]: حميد بن صخر سمعت ابن حماد [14] يقول: حميد بن صخر يروي عنه حاتم بن إسماعيل ضعيف قاله أحمد بن شعيب النسائي، وروى له ثلاثة أحاديث أيضا:
أحدهما: عن المقبري عن أبي هريرة بعث النبي ﷺ بعثا فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة - الحديث.
والثاني: عن المقبري عن أبي هريرة سمعت رسول الله ﷺ يقول: فمن جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره.
والثالث: عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ « من صلى صلاة الغداة فأصيب دمه فقد استبيح حمى الله وأخفرت ذمته وأنا طالب بدمه » رواه عن القاسم بن مهدي عن أبي مصعب عن حاتم عنه، ثم قال: ولحاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر أحاديث غير ما ذكرته، وفي بعض هذه الأحاديث عن المقبري ويزيد الرقاشي ما لا يتابع عليه.
هكذا فرق ابن عدي بينهما وجعلهما رجلين، والصحيح أنهما رجل واحد وهو أبو صخر حميد بن زياد، لكن حاتم بن إسماعيل كان يسميه حميد بن صخر وسماه بعضهم حمادا، وقد روى له الجماعة كلهم: أما البخاري ففي كتاب الأدب، وأما النسائي ففي مسند علي، وقد عرف اختلاف الأئمة في عدالته والاحتجاج بخبره مع الاضطراب في اسمه وكنيته واسم أبيه، فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحد لا ينهض إلى درجة الصحيح ولا ينتهي إلى درجة الصحة، بل يستشهد به ويعتبر به، وأما ابن قسيط شيخ أبي صخر فهو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسمة بن عمير الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج. قد روى له البخاري ومسلم في صحيحهما حديثه عن عطاء بن يسار، وروى له مسلم أيضا من روايته عن عروة بن الزبير وعبيد بن جريج وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، ولم يخرج له في الصحيح شيء من روايته عن أبي هريرة، بل هو قليل الحديث، عن أبي هريرة، روى له أبو داود في سننه حديثين من روايته عنه.
قال إسحاق بن منصور [15] عن يحيى بن معين: يزيد بن عبد الله بن قسيط صالح ليس به بأس، وقال محمد بن سعد [16]: كان ثقة كثير الحديث، وقال النسائي [17]: ثقة. وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط، وكان فقيها ثقة، وكان ممن يستعان به على الأعمال لأمانته وفقهه، وقال ابن أبي حاتم [18] سئل أبي عن يزيد بن عبد الله بن قسيط؟ فقال: ليس بقوي. وقال ابن حبان في كتابه الثقات [19]: روى عنه مالك وابن أبي دئب وابن إسحاق، ربما أخطأ، وذكره في كتاب التاريخ [20] في مشاهير التابعين في المدينة فقال: يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أبو عبد الله مات سنة اثنتين وعشرين ومائة وكان ردئ الحفظ. وذكره في التاريخ أيضا في مشاهير أتباع التابعين بالمدينة فقال: يزيد بن عبد الله بن قسيط من بني ليث من جملة أهل المدينة وقدماء شيوخهم مات سنة اثنين وعشرين ومائة، وهكذا ذكره في موضعين في التابعين وفي أتباعهم، وقال في أحد الموضعين: كان رديء الحفظ، وقال في الآخر: من جملة أهل المدينة.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل [21]: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن كيسان، حدثنا عبد الرزاق قال: قلت لمالك ما شأنك لا تحدثني بحديث يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان في الملطاة قال: العمل عندنا على غير هذا، والرجل ليس هناك عندنا، يعني يزيد بن قسيط. وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل [22]: يزيد بن قسيط مديني، ثم روى عن عبدالله بن محمد بن المنهال وغيره عن الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريح، حدثنا سفيان الثوري عن مالك بن أنس، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان في الملطاة وهي المسحاق [23] بنصف ما في الموضحة، قال عبد الرزاق: ثم قدم علينا الثوري فسألناه فحدثنا به عن مالك، قال عبد الرزاق: ثم لقيت مالكا فقلت إن سفيان الثوري حدثنا عنك عن ابن قسيط عن ابن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة، فقال: صدق أنا حدثته، فقلت حدثني فأبى أن يحدثني فقال له مسلم بن خالد: يا أبا عبد الله ألا تحدثه قال: لا، العمل ببلدنا بخلافه ورجله عندنا ليس هناك يعني يزيد بن عبد الله بن قسيط.
ثم قال ابن عدي [24]: حدثنا الفضل بن الحباب، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ابن جريح عن سفيان، عن مالك بن أنس، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب عن عمر وعثمان أنهما قضيا في الملطاة بنصف عقل الموضحة، هي السمحاق.
وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن علي المروري، حدثنا عثمان بن سعيد قال سألت يحيى بن معين عن يزيد بن قسيط ما حاله؟ قال: صالح، وقال ابن عدي: ويزيد بن عبد الله بن قسيط مديني مشهور عندهم بالرواية، وقد حدث عنه ابن عجلان ومالك بن أنس وجماعة معهما، وقد روى عنه مالك غير حديث، وهو صالح الروايات.
فقد تبين أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا يخلو من مقال في إسناده، وأنه لا ينتهي به إلى درجة الصحيح. وقد ذكر بعض الأئمة أنه على شرط مسلم، وفي ذلك نظر، فإن ابن قسيط، وإن كان مسلم قد روى في صحيحه من رواية أبي صخر عنه، لكنه لم يخرج من روايته عن أبي هريرة شيئا [25] فلو كان قد أخرج في الأصول حديثا من رواية أبي صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة أمكن أن يقال في هذا الحديث إنه على شرطه.
واعلم أن كثيرا ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون من حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك، فيجيء من لا تحقيق عنده فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثا عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل، فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة [26]. وهذا فيه نوع تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وعلي بن مسهر وغيرهما [27]، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه.
فإذا قال قائل في حديثه عن عبد الله بن المثنى هذا على شرط البخاري، كما قاله بعضهم في حديثه عنه عن ثابت البنائي عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي ﷺ فقال: أفطر هذا ثم رخص النبي بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم [28]، كان في كلامه نوع مساهلة، فإن خالدا غير مشهور بالرواية عن عبد الله بن المثنى.
والحديث فيه شذوذ وكلام مذكور في غير هذا الموضع، وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة عن ثابت في الأصول دون الشواهد، ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد، ولا يخرج حديثه عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك وعامر الأحوال وهشام بن حسان وهشام بن زيد بن أنس بن مالك وغيرهم، وذلك لأن حماد بن سلمة من أثبت من روى عن ثابت أو أثبتهم، قال يحيى بن معين [29]: أثبت الناس في ثابت البناني حماد بن سلمة.
وكما يخرج مسلم أيضا حديث سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة الصنعاني، مع أن سويدا ممن كثر الكلام فيه واشتهر، لأن نسخة حفص ثابتة عند مسلم من طريق غير سويد لكن بنزول، وهي عنده من رواية سويد بعلو، فلذلك رواها عنه، قال إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلم: كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت أتى بنسخة حفص بن ميسرة، فليس لقائل أن يقول في كل حديث رواه سويد بن سعيد عن رجل روى له مسلم من غير طريق سويد عنه: هذا على شرط مسلم فاعلم ذلك.
وقد روى مسلم في صحيحه حديثا من رواية أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عن داود بن عامر بن سعيد بن أبي وقاص، قال في صحيحه [30] حدثني محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عبد الله بن يزيد، حدثني حيوة، حدثني أبو صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه عن أبيه أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله ﷺ يقول: « من خرج مع جنازة وصلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد » فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم رجع إليه فيخبره ما قلت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، هكذا روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من رواية أبي صخر، عن ابن قسيط بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب والأعرج وأبي صالح وأبي حازم وغيرهم عنه، ورواه أيضا من حديث معدان بن أبي طلحة الميعمري عن ثوبان، فرواية أبي صخر متابعة لهذه الروايات وشاهدة لها [31].
وهكذا عادة مسلم غالبا إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظه وقلة ضبطه، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئا انفرد به ولم يتابع عليه.
فعلم أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا ينبغي أن يقال هو على شرط مسلم، وإنما هو حديث إسناده مقارب وهو صالح أن يكون متابعا لغيره وعاضدا له، والله أعلم.
وأما النزاع في دلالة الحديث فمن جهة احتمال لفظه، فإن قوله: « ما من أحد يسلم علي » يحتمل أن يكون المراد به عند قبره كما فهمه جماعة من الأئمة، ويحتمل أن يكون معناه على العموم، وأنه لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد، وهذا هو ظاهر الحديث وهو الموافق للأحاديث المشهورة التي فيها « فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم، وإن صلاتكم تبلغي حيثما كنتم » يشير بذلك ﷺ إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا، كما قال: « ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ».
والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تبلغه وتعرض عليه كثيرة قد تقدم ذكر بعضها.
وقد روى أبو يعلي الموصلي عن موسى بن محمد بن حبان، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الله بن نافع، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله ﷺ: « صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ولا تتخذوا بيتي عيدا وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم » وقد تقدم الحديث الذي رواه أبو يعلي في مسنده أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين، حدثنا علي بن عمر عن أبيه عن علي بن حسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر رسول الله ﷺ، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي، عن رسول الله ﷺ قال: « لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم ».
روى هذين الحديثين من طريق أبي يعلي الموصلي الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه، وقال سعيد في سننه: حدثنا حبان بن علي حدثني محمد بن عجلان، عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله ﷺ « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » [32].
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري، عن ابن عجلان، عن رجل يقال له سهل، عن الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم، وقال: إن النبي ﷺ قال: « لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني » [33].
وقال سعيد: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فنادني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي ﷺ، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، قال: إن رسول الله ﷺ قال: « لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني » ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت رضي الله عنهم عن رواية علي بن أبي طالب وابنه الحسن وابني ابيه علي بن الحسين زين العابدين والحسن بن الحسن شيخ بني هاشم في زمانه الذي لهم من رسول الله ﷺ قرب النسب وقرب الدار.
وهذان المرسلان: مرسل أبي سعيد [34] مولى المهري أحد ثقات التابعين، ومرسل الحسن بن الحسن من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج من أرسله به، وذلك يقتضي ثبوته عنده لو لم يكن روي من وجوه مسنده غير هذين فكيف وقد جاء مسندا من غير وجه.
قال أبو داود في سننه [35]: حدثنا أحمد بن صالح، قال: قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقيري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » صلى الله عليه وسلم تسليما.
وقال الشيخ [36]: وهذا إسناد حسن فإن رواته كلهم ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه. قال يحيى بن معين: هو ثقة وحسبك بابن معين موثقا [37]. وقال أبو زرعة لا بأس به [38]. وقال أبو حاتم الرازي [39]: ليس بالحافظ هو لين تعرف من حفظه وتنكر.
فإن هذه العبارات منهم تنزل حديثه من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن، إذ لا خلاف في عدالته وفقهه، وأن الغالب عليه الضبط، لكن قد يغلط أحيانا، ثم إن هذا الحديث مما يعرف من حفظه ليس مما ينكر، لأنه سنة مدنية هو محتاج إليها في فقهه. ومثل هذا يضبطه الفقيه، وللحديث شواهد من غير طريقة، فإن هذا الحديث روي من جهات أخرى، فما بقي منكرا، وكل جملة من هذا الحديث رويت عن النبي ﷺ بأسانيد معروفة، وقد ذكر الشيخ هذه الأحاديث وغيرها في الصلاة والسلام على النبي ﷺ ثم قال:
فهذه الأحاديث المعروفة عند أهل العلم التي جاءت من وجوه حسان يصدق بعضها بعضا، وهي متفقة على أن من صلى عليه وسلم من أمته، فإن ذلك يبلغ ويعرض عليه وليس في شيء منها أنه يسمع صوت المصلي والمسلم بنفسه، إنما فيها أن ذلك يعرض عليه ويبلغه صلى الله عليه وسلم تسليما.
ومعلوم أنه أراد بذلك الصلاة والسلام الذي أمر الله به، سواء صلى عليه وسلم في مسجده أو مدينته أو مكان آخر. فعلم أن ما أمر الله به من ذلك، فإنه يبلغه وأما من سلم عليه عند قبره، فإنه يرد عليه. وذلك كالسلام على سائر المؤمنين، ليس هو من خصائصه، ولا هو السلام المأمور به الذي يسلم الله على صاحبه عشرا كما يصلي على من صلى عليه عشرا، فإن هذا هو الذي أمر به في القرآن الكريم، وهو لا يختص بمكان دون مكان، وقد ذكرنا كلام الشيخ مستوفى فيما تقدم على قوله: ما من أحد يسلم علي، وهل هو عام لا يختص بمكان أو المراد به عند قبره وأي شيء معنى كونه عند القبر بما فيه كفاية فغنينا عن إعادته في هذا الموضع والله أعلم.
ومن الأحاديث المروية في تبليغه ﷺ سلام من يسلم عليه من أمته ما أخبرنا به قاضي القضاة تقي الدين أبو الفضل المقدسي مشافهة قال: حدثنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي سماعا، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن معمر بأصبهان أن جعفر بن عبد الواحد أخبرهم إجازة، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الهمداني، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن بشر، حدثنا محمد بن عامر، حدثنا أبو قرصافة جندرة، وكان لأبي قرصافة صحبة، وكان النبي ﷺ قد كساه برنسا، وكان الناس يأتونه فيدعو لهم ويبارك فيهم فتعرف البركة فيهم. وكان لأبي قرصافة ابن في بلاد الروم غازيا، وكان أبو قرصافة إذا أصبح في السحر بعسقلان نادى بأعلى صوته يا قرصافة الصلاة، فيقول قرصافة من بلاد الروم: لبيك يا أبتاه فيقول أصحابه: ويحك لمن تنادي؟ فيقول: لأبي ورب الكعبة، يوقظني للصلاة. قال أبو قرصافة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من أوى إلى فراشه ثم قرأ سورة تبارك ثم قال: « اللهم رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب المشعر الحرام، وبحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان بلغ روح محمد تحية مني وسلاما أربع مرات » وكل الله به ملكين حتى يأتيا محمدا فيقولان له ذلك فيقول ﷺ وعلى فلان بن فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته »، هكذا أخرجه الحافظ أبو عبد الله في الأحاديث المختارة، وقال: لا أعرف هذا الحديث إلا بهذا الطريق وهو غريب جدا وفي رواية من فيه بعض المقال.
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبيد الله بن محمد العمري [40]، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرض عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « ما من مسلم يسلم علي في شرق ولا غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه السلام فقال له قائل: يا رسول الله فما بال أهل المدينة؟ فقال له: وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه » أنه مما أمر به من حفظ الجوار وحفظ الجيران. قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي، قيل: غريب من حديث مالك تفرد به أبو مصعب.
قلت: بل هو حديث موضوع على رسول الله ﷺ ليس له أصل من حديث أبي هريرة ولا حديث الأعرج ولا حديث أبي الزناد ولا حديث مالك ولا حديث أبي مصعب، بل هو موضوع كله والمتهم بوضعه هذا الشيخ العمري المدني الذي روى عنه الطبراني، ويكفي في افتضاحه روايته هذا الحديث بمثل هذا الإسناد الذي كالشمس، ويجوز أن يكون وضع له وأدخل عليه فحدث به، نعوذ الله من الخذلان.
ثم ذكر المعترض أن السلام على نوعين نوع يقصد به الدعاء ونوع يقصد به التحية والتكلم في ذلك بكلام عليه في بعضه مناقشات ومؤاخذات يطول الكتاب بذكرها.
فصل في علم النبي ﷺ بمن يسلم عليه
روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: « إن لله ملائكة سياجين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام » رواه النسائي [41] وإسماعيل القاضي وغيرهما من طرق مختلفة بأسانيد صحيحة لا ريب فيها إلى سفيان الثوري عن عبدالله بن السائب عن زاذان عن عبد الله وصرح الثوري بالسماع فقال: حدثني عبدالله بن السائب، هكذا في كتاب القاضي إسماعيل، وعبد الله بن السائب وزاذان روى لهما مسلم ووثقهما ابن معين فالإسناد إذا صحيح.
ورواه أبو جعفر محمد بن الحسن الأسدي عن سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن علي عن النبي ﷺ قال: إن لله ملائكة بسيحون في الأرض يبلغوني صلاة من صلى علي من أمتي، قال الدارقطني: المحفوظ عن زاذان عن ابن مسعود: يبلغوني عن أمتي السلام.
قلت: وقد روى الإمام بن حنبل حديث عبد الله بن مسعود هذا في مسنده، فقال: قال حدثنا ابن نمير، أنبأنا سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان [42] قال رسول الله ﷺ « إن لله في الأرض ملائكة سياجين يبلغوني من أمتي السلام »، رواه أبو يعلي الموصلي عن أبي خيثمة عن وكيع عن سفيان.
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم عن أبي بكر عن وكيع، ورواه النسائي [43] من رواية ابن المبارك ووكيع وعبد الرزاق ومعاذ بن معاذ أربعتهم عن سفيان، ورواه الحاكم في المستدرك [44] من رواية أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش وسفيان عن عبد الله بن السائب وحكم له بالصحة.
ورواه أبو حاتم بن حبان البستي [45] في كتاب الأنواع والتقاسيم عن أبي يعلي عن أبي خيثمة، وقد سئل الدارقطني في كتاب العلل عن حديث زاذان أبي عمر الكندي عن علي عن النبي ﷺ "إن لله ملائكة يسيحون في الأرض يبلغوني من أمتي صلاة من صلى علي" فقال: هو حديث رواه محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي المعروف بالتل عن الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن علي ووهم فيه. وإنما رواه أصحاب الثوري منهم يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن معاذ وفضيل بن عياض وغيرهم عن الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود. وكذلك رواه الأعمش والحسين الخلقاني، حدثنا المحاملي، حدثنا يوسف ابن موسى القطان، حدثنا جرير عن حسين الخلقاني بذلك، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والعوام بن حوشب وشعبة، قال ذلك داود عبد الجبار، عن العوام وشعبه، عن عبدالله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود وهو الصحيح.
قال المعترض
وقال بكر بن عبدالله المزني: قال رسول الله ﷺ « حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم،فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم ».
قلت
هذا خبر مرسل رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب فضل الصلاة على النبي ﷺ [46] عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله، وهذا إسناد صحيح إلى بكر المزني، وبكر من ثقات التابعين وأئمتهم، وقال القاضي إسماعيل: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة عن كثير بن الفضل، عن بكر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: « حياتي خير لكم ووفاني خير لكم تحدثون فيحدث لكم فإذا أنا مت عرضت على أعمال فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت الله لكم ».
وقال أيضا [47]: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب عن أيوب قال: بلغني والله أعلم أن ملكا موكل بكل من صلى على النبي ﷺ حتى يبلغه النبي ﷺ.
قال المعترض
وفي كتاب فضل الصلاة على النبي ﷺ للقاضي إسماعيل عن النبي ﷺ: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم » وهذا الحديث في سنن أبي داود من غير ذكر السلام، وفي هذه الرواية زيادة السلام.
قلت
أما الذي في سنن أبي داود فحديث ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ».
هكذا رواه من حديث أبي هريرة، وأما ما ذكره من كتاب القاضي إسماعيل، فإنه رواه من حديث علي بن الحسين عن أبيه عن جده فقال [48]: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس [49]، حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمن أخبره من أهل بيته عن علي بن الحسين بن علي أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي ﷺ ويصلي عليه ويصنع من ذلك ما انتهره عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين [50]: هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي؟ قال: نعم فقال له علي بن الحسين: أخبرني أبي عن جدي قال: قال رسول الله ﷺ « لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم ». هكذا رواه من حديث أهل البيت، والذي رواه أبو داود هو من حديث أبي هريرة وكان ينبغي للمعترض التنبيه على هذا، وقد ذكرنا هذا الحديث الذي رواه القاضي إسماعيل فيما تقدم من رواية أبي يعلي الموصلي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن جعفر بن إبراهيم، وفي رواية أبي يعلي يسميه من أخبر جعفر بن إبراهيم من أهل بيته، وهو علي بن عمر بن علي بن الحسين، أخبره به عن أبيه عمر عن جده علي بن الحسين زين العابدين والله أعلم.
قال المعترض
وروى ابن عساكر من طرق مختلفة عن نعيم بن ضمضم العامري، عن عمران بن حميري الجعفي قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: قال رسول الله ﷺ: « إن الله أعطاني ملكا من الملائكة يقوم على قبري إذا أنا مت فلا يصلي علي عبد صلاة إلا قال يا أحمد [51] فلان [52] يصلي عليك باسمه واسم أبيه فيصلي الله عليه مكانها عشرا » وفي رواية إن الله أعطى ملكا من الملائكة أسماء الخلائق وفي رواية أسماع الخلائق فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، وذكر الحديث.
قلت
هذا حديث ليس بثابت وعمران بن حميري مجهول، وقد ذكر البخاري [53] أنه لا يتابع على حديثه هذا، ونعيم بن ضمضم ويقال ابن جهضم: لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول خبره.
قال ابن عدي في كتاب الكامل في الضعفاء: [54] عمران بن حميري قال لي عمار قال لي رسول الله ﷺ: « إن الله عز وجل أعطاني ملكا... » لا يتابع عليه سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري، وقال البخاري في تاريخه [55]: عمران بن حميري، قال لي عمار بن ياسر: قال لي رسول الله ﷺ: « إن الله عز وجل يُعطي ملكا أسماع الخلائق قائم على قبري » قاله أبو أحمد الزبيري، حدثنا نعيم بن جهضم عن عمران لا يتابع عليه.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل [56]: عمران بن حميري الجعفي ويقال: عمران الحميري، قال: قال لي عمار بن ياسر: قال لي رسول الله ﷺ: « إن الله عز وجل أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق قائم على قبري يبلغني صلاة أمتي علي ».
ورواه عنه نعيم بن ضعضم: سمعت أبي يقول ذلك، هكذا ذكره ولم يزد على تعريفه بأكثر من روايته لهذا الحديث، ولم يذكر نعيما في حرف النون.
وقال عيسى بن علي الوزير: قرئ على القاضي أبي القاسم بدر بن الهيثم وأنا أسمع قيل له: حدثكم عمرو بن النصر العزال، حدثنا عصمة بن عبد الله الأسدي، حدثنا نعيم بن ضمضم، عن عمران بن الحميري، قال: قال لي عمار بن ياسر: وأنا وهو مقبلان ما بين الحيرة والكوفة: يا عمران بن الحميري ألا أخبرك بما سمعت من رسول الله ﷺ قال: قلت: بلى فأخبرني قال: « إن الله أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة لا يصلي على أحد صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه وقال: يا أحمد صلى عليك فلان بن فلان وتكفل لي الرب تبارك وتعالى أن أرد عليه بكل صلاة عشرا » وقال عثمان بن خزاذ: حدثني سعيد بن محمد الجرمي حدثنا علي بن القاسم الكندي عن نعيم بن ضمضم، عن عمران بن حمير قال: قال لي عمار بن ياسر: ألا أحدثك عن حبيبي رسول الله ﷺ، قال النبي ﷺ: « يا عمار إن الله عز وجل أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق فهو على قبري إذا أنا مت فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه يا أحمد إن فلانا يصلي عليك يوم كذا وكذا بكذا، قال وتكفل لي الرب تبارك وتعالى أن يصلي على ذلك العبد عشرا بكل واحدة » وقد روى هذا الحديث أيضا محمد بن هارون الروياني في مسنده عن أبي كريب عن قبيصة عن نعيم بن ضمضم، وهو حديث غريب تفرد به نعيم عن عمران بن عمارة، والله أعلم.
قال المعترض
وعن ابن عباس قال: ليس أحد من أمة محمد ﷺ يصلي عليه صلاة إلا وهي تبلغه يقول له الملك: فلان يصلي عليك كذا وكذا صلاة قال: وما تمضنته هذه الأحاديث والآثار من تبليغ الملائكة للنبي ﷺ بين ما ورد من كون الصلاة عليه ﷺ تعرض عليه، كما جاء ذلك في أحاديث رسول الله ﷺ: « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي قال: فقالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال يقولون بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ».
قال الشيخ الحافظ زكي الدين المنذري رحمه الله: وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وقد جمعت طرقه في جزء الحديث المذكور من رواية حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، وهؤلاء ثقات مشهورون علته أن حسين بن علي الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبدالرحمن بن يزيد بن تميميم وهو ضعيف، فلما حدث به الجعفي غلط في اسم الجد، فقال ابن جابر.
قال المعترض
قلت: وقد رواه أحمد في مسنده عن حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، هكذا بالعنعنة، وروى حديثين آخرين بعد ذلك قال فيهما حسين حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وذلك لا ينافي الغلط إن صح أنه لم يسمع منه.
قلت
ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في كتاب العلل [57] فقال: سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا.
وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي ﷺ في يوم الجمعة أنه قال: أفضل الأيام يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة وفيه كذا، وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة. وقال البخاري في تاريخه [58]: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم عنده مناكير ويقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وحسين، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وقال في كتاب الضعفاء [59]: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي يعد في الشاميين مرسل، وروى عنه الوليد بن مسلم وعنده مناكير يقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وغيره فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو أبن يزيد بن تميم ليس بابن جابر، وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل: [60] حدثني أبي قال: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ويزيد بن يزيد بن جابر، ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، وهو عبدالرحمن بن يزيد بن تميم.
قال ابن أبي حاتم وسألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فقال: عنده مناكير يقال هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقالا هو ابن يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه وهو ابن يزيد بن تميم، وهو أصح وهو ضعيف الحديث، وقال أبو داود [61]: وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه، فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، وكل ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد، فإنما هو ابن تميم، وقال أبو بكر: ابن أبي داود [62] قدم يعني ( الكوفة ) فارا مع القدرية، وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر، وجميعا يحدثان عن مكحول. وابن جابر أيضا دمشقي، فلما قدم هذا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي وحدث عن مكحول، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك، وابن جابر ثقة مأمون بجمع حديثه، وابن تميم ضعيف روى عنه الزهري أحاديث مناكير، حدثنا ببعضها محمد بن يحيى النيسابوري في علل حديث الزهري، وقال: أحرج على من حدث عني هذه الأحاديث مفردة، قال: وقدم ابن تميم هذا مع نور بن يزيد ويرد بن سنان ومحمد بن راشد وابن ثوبان، فروا من القتل، وكانوا قدرية فقدموا العراق فسمع منهم أهل العراق.
وقال النسائي في كتاب الضعفاء [63]: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث شامي، وروى عنه أبو أسامة، وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهما منه وهو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف.
وقال الخطيب [64]: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فوهموا في ذلك، والحمل عليه في تلك الأحاديث، وقال بعض الحفاظ المتأخرين: قدم عبد الرحمن بن يزيد على ذلك فظنوه ابن جابر، لأنه أشهر الرجلين، فغلطوا في ذلك لتدليسه نفسه، وقال أبو حاتم بن حبان البستي في كتاب المجروحين [65]: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم من أهل دمشق كنيته أبو عمرو ويروي عن الزهري، وروى عنه الوليد بن مسلم وأبو المغيرة، وكان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات من كثرة الوهم والخطأ وهو الذي يدلس عنه الوليد بن مسلم ويقول: قال أبو عمرو: حدثنا أبو عمرو عن الزهري يوهم أنه الأوزاعي، وإنما هو ابن تميم.
وقد روى عنه الكوفيون أبو أسامة والحسين الجعفي وذووهما، وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: قوله حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ، الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيقول ابن جابر، ويغلط في اسم الجد.
قلت: وهذا الذي قاله الحافظ أبو الحسن هو أقرب وأشبه بالصواب، وهو أن الجعفي روى عن ابن جابر ولم يرو عن ابن تميم، والذي يروي عن ابن تميم ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة كما قاله الأكثرون، فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس حديثا صحيحا، لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة، ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم بن حبان والحافظ عبد الغني المقدسي وابن دحية وغيرهم، ولم يأت من تكلم فيه وعلله بحجة بينه.
وما ذكره أبو حاتم الرازي في العلل [66] لا يدل على تضعيف رواية أبي أسامة عن ابن جابر لا على ضعف رواية الجعفي عنه، فإنه قال: والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، ثم ذكر ما يدل على أن الذي روى عنه أبو أسامة فقط هو ابن تميم، فذكر أمرا عاما واستدل بدليل خاص، وقد قيل إن أبا أسامة كان يعرف أن عبد الرحمن بن يزيد هو ابن تميم ويتغافل عن ذلك، قال يعقوب بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير، وذكر أبا اسامة، فقال: الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، وذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر، قال يعقوب: صدق هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث، فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر قال يعقوب، وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تغافل عن ذلك، قال: وقال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه.
وقوله في الحديث: وقد أرمت هو بفتح الراء، وبعضهم يقول بكسرها وليس له وجه، يقال: أرم، أي صار رميما، أي عظما باليا، فإذا اتصلت به تاء الضمير فأفصح اللغتين أن يفك الإدغام فيقال: أرممت، وفيه لغة أخرى: أرمت بتشديد الميم، وقد تخفف بحذف الميم الأولى ونقل حركتها إلى الراء، فيقال: أرمت، وقد جاء في بعض الروايات: وقد أرممت بفك الإدغام على اللغة المشهورة.
قال أبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الاشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، فقال رجل: فكيف تعرض عليك وقد أرممت - يعني بليت – فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » هكذا رواه بهذا اللفظ.
ولهذا الحديث شواهد متعددة منها حديث أبي الدرداء، وقد تقدم، وسيأتي أيضا مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى، ومنها ما رواه الحاكم [67] وصححه من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثني أبو رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي ﷺ قال: « فأكثروا علي الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلإ عرضت علي صلاته » هكذا رواه الحاكم وصححه، وأبو رافع هو إسماعيل بن رافع المدني، وقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل [68] ويحيى بن معين [69] وغير واحد من الأئمة.
ومنها ما رواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن رسول الله ﷺ قال: « أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنهما يؤديان عنكم وإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وكل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب »، ورواه عمارة بن غزية عن ابن شهاب بنحوه وهو مرسل.
وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل [70]: أخبرنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا أبو إسحاق الحميسي عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي » هذا إسناد ضعيف جدا وأبو إسحاق الحميسي اسمه حازم بن الحسين وهو شيخ ضعيف [71]، ويزيد الرقاشي [72] وجبارة بن المغلس [73] لا يحتج بهما.
وقال القاضي إسماعيل بن إسحاق [74]، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حسين بن علي الجعفي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس أن رسول الله ﷺ قال: « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي » قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يقولون: قد بليت قال: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » هكذا رواه عن علي بن المديني زين الحفاظ، عن حسين الجعفي مجردا بالتصريح بسماع الجعفي من ابن جابر.
ثم قال [75]: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله ﷺ: « لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس » وقال أيضا [76]: حدثنا مسلم حدثنا المبارك بن الحسن عن النبي ﷺ « أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ».
حدثنا سالم [77]: بن سليمان الضبي، حدثنا أبو حرة عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة فإنها تعرض علي »، حدثنا عارم حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة » [78]. وقد روي بعض الحفاظ بإسناده عن عمر بن عبد العزيز قال: انشروا العلم يوم الجمعة، فإن غافلة [79] العلم النسيان وأكثروا الصلاة علي النبي ﷺ يوم الجمعة.
قال المعترض
وروى ابن ماجه الحديث المذكور من طريق آخر ذكره في آخر كتاب الجنائز وفي متنه زيادة، ثم ذكر إسناده إلى ابن ماجه.
حدثنا عمرو بن سواد المصري، حدثنا عبد الله بن وهب عن عمر بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسبي، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها » قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: " وبعد الموت " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حي يرزق. قال هذا لفظ ابن ماجه، وفيه زيادة قوله " حين يفرغ منها " وفي الأصل "حتى" التي هي حرف غاية وعليه تضبيب، وفي الحاشية " حين " التي هي ظرف زمان، فإن كانت هي الثابت استفيد منها أن وقت عرضها على النبي ﷺ والسلام حين الفراغ من غير تأخير، وإن كان الثابت " حتى " كما في الأصل دل عرضها عليه وقت قوله، فيدل على عدم التأخير أيضا وفيه زيادة أيضا، وهي قوله: « وبعد الموت » بحرف العطف وذلك يقتضي أن عرضها عليه في حالتي الحياة والموت جميعا.
قلت
وقد روى هذا الحديث أيضا حرملة بن يحيى عن ابن وهب؛ أخبرنا الحافظ أبو الحجاج قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل القرشي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي وأبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن الأخوة وأبو المجد زاهر بن أبي طاهر الثقفي وأبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح، قالوا أنبأنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، أنبأنا أبو الفتح منصور بن الحسين وأبو طاهر بن محمود، قال أنبأنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ، قال: قلت وبعد الموت؟ قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء »، فنبي الله حي يرزق. هكذا رواه حرملة عن ابن وهب بهذا اللفظ، وهو حديث فيه إرسال، فإن عبادة بن نسي [80]، لم يدرك ابا الدرداء، وزيد بن أيمن شيخ مجهول الحال [81]، لا نعلم أحدا روى عنه غير سعيد بن أبي هلال، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة غير ابن ماجه [82] هذا الحديث الواحد.
وقال البخاري في التاريخ [83]: زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي: مرسل، روى عنه سعيد بن أبي هلال، انتهى كلامه، وهذا الحديث وإن كان في إسناده شيء، فهو شاهد لغيره، وعاضد له، والله أعلم.
ثم ذكر المعترض من طريق البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد الكاتب، ثنا أحمد بن عبيد، ثنا الحسين بن سعيد ثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا حماد بن سلمة، عن برد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: « أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم من بمنزلة » قال: وهذا إسناد جيد.
قلت: فيه إرسال، فإن مكحولا لم يسمع من أبي أمامة، قال ابن أبي حاتم [84]: سمعت أبي يقول: مكحول لم ير أبا أمامة، وقال غير أبي حاتم: رآه ولم يسمع منه وقال أبو حاتم [85]: سألت أبا مسهر هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي ﷺ؟ قال: ما صح عندنا إلا أنس بن مالك، قلت: وأثلة؟ فأنكره، والله أعلم.
قال المعترض
وعن حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشي قال أنا ملكا موكل يوم الجمعة بمن صلى علي النبي ﷺ يبلغ النبي ﷺ يقول: إن فلانا من أمتك صلى عليك، وعن أبي طلحة عن النبي ﷺ قال: « أتاني جبريل عليه السلام فقال بشر أمتك من صلى عليك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات وكفر بها عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات ورد الله عليه مثل قوله وعرضت علي يوم القيامة ». رواه ابن عساكر. وقال: ولا تنافي بين هذه الأحاديث، فقد يكون العرض عليه مرات وقت الصلاة، ويوم القيامة. وحديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود مصرحان بأنه يبلغه سلام كل من سلم عليه، وهما صحيحان إن شاء الله تعالى: وحديث أوس بن أوس، وما في معناه يدل على أن الموت غير مانع من ذلك، وكان مقصودنا يجمع هذه الأحاديث بيان العرض على النبي ﷺ وأن مراد التبليغ من الملائكة له ﷺ كما تضمنه حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود، وهذا في حق الغائب بلا إشكال وأما في حق الحاضر عند القبر، فهل يكون كذلك أو يسمعه ﷺ بغير واسطة؟ ورد في ذلك حديثان: أحدهما: « من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نابا بلغته، وفي رواية نائيا بلغته، وفي رواية نائيا من قبري وفي رواية عن قبري ». والحديث الثاني: « ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل بها ملك يبلغني وكفى أمر آخرته ودنياه وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة » وفي رواية « من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني وكفى أمر دنياه وآخرته وكنت له شهيدا وشفيعا » وفي رواية: « ما من عبد صلى علي عند قبري إلا وكل الله به » وفيها: شفيعا وشهيدا. وهذان الحديثان كلاهما من رواية محمد بن مروان السدي الصغير، وهو ضعيف، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ.
قلت
هذا الحديث موضوع على رسول الله ليس له أصل ولم يحدث به أبو هريرة ولا أبو صالح ولا الأعمش، ومحمد بن مروان السدي: متهم بالكذب والوضع ولفظ هذا الحديث الذي تفرد به مختلف، فإن اللفظ الأول يدل على إثبات السماع عند القبر، واللفظ الثاني يدل على نفي السماع عند القبر، واللفظ الأول هو المشهور عن محمد بن مروان: رواه عن العلاء بن عمرو الحنفي، ورواه عن العلاء جماعة، قال أحمد بن إبراهيم بن ملحان: حدثنا العلاء بن عمرو، حدثنا محمد بن مروان، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا من قبري أبلغته ». رواه العقيلي [86] عن شيخ له عن العلاء بن عمرو: وقال: لا أصل له من حديث الأعمش وليس بمحفوظ، ورواه الطبراني من رواية العلاء أيضا ولفظه: « من صلى علي من قريب سمعته، ومن صلى علي من بعيد أبلغت » وقد تكلم أبو حاتم بن حيان وأبو الفتح الأزدي في العلاء بن عمرو فقال ابن حبان: [87] لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال الأزدي: لا يكتب عنه بحال.
وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي معاوية عن الأعمش وهو خطأ فاحش، وإنما هو حديث محمد بن مروان تفرد به وهو متروك الحديث متهم بالكذب.
قال ابن أبي حاتم: [88] حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد السلام بن عاصم الهشنجاني، قال سمعت جريرا يقول: محمد بن مروان كذاب، يعني صاحب الكلببي وقال العقيلي: [89] حدثنا الحسن بن عليب، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، قال: سمعت ابن نمير يقول: محمد بن مروان الكلبي كذاب، وما سمعته وقع في أحد غيره.
وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول [90]: السدي الصغير محمد بن مروان صاحب الكلبي، ليس بثقة، وقال ابن أبي حاتم [91]: سمعت أبي يقول: هو ذاهب الحديث متروك الحديث لا يكتب حديثه البتة.
وقال النسائي [92] والدولابي والأزدي: متروك الحديث، وقال السعدي [93]: ذاهب الحديث، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث.
وقال ابن حبان [94]: كان ممن يروي الموضوعات عن الإثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، ولا الاحتجاج به بحال من الأحوال. وقال ابن عدي [95]: عامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف على رواياته بين، وقال الحاكم: هو ساقط في أكثر روايته.
وأما اللفظ الثاني الذي يدل على عدم السماع عند القبر فرواه البيهقي في كتاب شعب الإيمان:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الصفار إملاء، حدثنا محمد بن موسى البصري، حدثنا عبد الملك بن قريب، ثنا محمد بن مروان، وهو يتيم لبني السدي لقيته ببغداد، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل الله بها ملكا يبلغني وكفى أمر آخرته ودنياه وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة ».
وقال أبو الحسين بن سمعون: حدثنا عثمان بن أحمد بن يزيد، ثنا محمد بن موسى، حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي، حدثنا محمد بن مروان السدي عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني وكفى أمر دنياه وآخرته وكنت له يوم القيامة شهيدا، أو شفيعا ». هذا اللفظ تفرد به محمد بن موسى، عن الأصمعي، عن محمد بن مروان ومحمد بن موسى هو محمد بن يونس بن موسى بن سليمان بن عبيد بن ربيعة بن كديم القرشي الشامي الكديمي، أبو العباس البصري، وهو متهم بالكذب، ووضع الحديث.
قال ابن عدي [96]: اتهم بوضع الحديث وسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه ينسبه إلى جده موسى لئلا يعرف، وقال ابن حبان [97]: كان يضع على الثقات الحديث وضعا، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث.
وقال أبو عبيد الأجري [98]: سمعت أبا داود يتكلم في محمد بن سنان، يعني القزاز، وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب، وقال أبو بكر: محمد بن وهب البصري المعروف بابن التمار الوراق ما أظهر أبو داود تكذيب أحد إلا رجلين الكديمي وغلام خليل.
وقال الدارقطني [99]: قال لي أبو بكر: أحمد بن المطلب بن عبد الله بن الواثق الهاشمي كنا يوما عند القاسم المطرز، وكان يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر به في كتابه حديث عن الكديمي، فامتنع من قراءته، فقام إليه محمد بن عبد الجبار، وكان قد أكثر عن الكديمي، فقال: أيها الشيخ احب أن تقرأ فأبي، وقال: أنا أجاثية بين يدي الله تعالى يوم القيامة وأقول: إن هذا كان يكذب على رسول الله ﷺ وعلي، وقال موسى بن هارون الحمال [100]: تقرب إلى الكديمي بالكذب.
وقال الأزدي متروك الحديث، وقال حمزة بن يوسف السهمي سمعت الدارقطني يقول كان الكديمي يتهم بوضع الحديث [101]، وقال ابن عدي: [102] والكديمي أظهر أمرا من أن يحتاج إلى تبين ضعفه، وكان مع وضعه للحديث وادعائه مشايخ لم يكتب عنهم يختلق لنفسه شيوخا حتى كان يقول: حدثنا شاصونة بن عبيد منصرفا عن عدن، أبين فذكر عنه حديثا قال ولو ذكرت ما أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك.
وقال أبو بكر الخطيب [103]: وكان مما تكلم موسى بن هارون به في الكديمي حديث شاصونة بن عبيد الذي أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أنبأنا أبو بكر محمد بنجعفر بن محمد الأدمي القاري، حدثنا محمد بن يونس القرشي، ح. قال الخطيب: وأخبرنا القاضي أبوالفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد، حدثنا محمد بن يونس الكديمي ح. وقال: وأخبرنيه علي بن أحمد الرزاز وسياق الحديث له، حدثنا أبو عمر محمد بن عبدالواحد بن أبي هاشم إملاء، حدثنا محمد بن يونس بن موسى إملاء، حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني منصرفا من عدن سنة عشر ومائتين بقرية يقال لها الحردة. قال: حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول الله ﷺ وجهه مثل دارة القمر، وسمعت منه عجبا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله ﷺ « يا غلام من أنا » قال أنت رسول الله، قال: « صدقت بارك الله فيك » قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب قال: قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة.
هذا آخر حديث الأدمي وابن خلاد وزاد أبو عمر قال. قال شاصونة سمعت هذا الحديث منذ ثمانين سنة، وكنت أمر بصنعاء على معمر، فأراه يحدث، فلم أسمع منه قال: ولم أسمع إلا هذا الحديث، وقال الخطيب: أخبرنا أبوعلي عبدالرحمن بن محمد بن فضالة النيسابوري بالري، قال: سمعت أبا الربيع محمد بن الفضل البلخي قال: سمعت محمد بن قريش بن سليمان بن قريش المروزي بها يقول: دخلت على موسى بن هارون الحمال منصرفي من مجلس الكديمي فقال لي: ما الذي حدثكم الكديمي اليوم؟ فقلت: حدثنا عن شاصونة بن عبيد اليمامي بحديث، وذكرته له وهو حديث مبارك اليمامة. فقال موسى بن هارون: أشهد أنه حديث عمن لم يخلق بعد، فنقل هذا الكلام إلى الكديمي، فلما كان من الغد خرج فجلس على الكرسي، وقال بلغني أن هذا الشيخ يعني موسى بن هارون تكلم في ونسبني إلى أنني حدثت عمن لم يخلق بعد وقد عقدت بيني وبينه عقدة لا نحلها إلا بين يدي الملك الجبار، ثم أملى علينا فقال: حدثنا جبل من جبال البصرة أبو عامر العقيدي، حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « إن من الشعر لحكمة ».
وحدثنا جبل من جبال الكوفة أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة قالت: أهدي رسول الله ﷺ مرة غنما قال وأملى علينا في ذلك المجلس كل حديث فرد، وانتهى الخبر إلى موسى بن هارون فما سمعته بعد ذلك يذكر الكديمي إلا بخير أو كما قال.
قال الخطيب: وأخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، حدثنا أبو عبد الله عثمان بن جعفر العجلي مستملي ابن شاهين بحديث عن الكديمي، عن شاصونة بن عبيد، قال سمعت بعض شيوخنا يقول: لما أملي الكديمي هذا الحديث استعظمه الناس، وقالوا هذا كذاب، من هو شاصونة، فلما كان بعد وفاته جاء قوم من الرحالة ممن جاءوا من عدن، فقالوا وصلنا إلى قرية يقال لها الحردة، فلقينا شيخنا فسألناه عندك شيء من الحديث، فقال: نعم فكتبنا عنه، وقلنا: ما اسمك قال: محمد بن شاصونة بن عبيد، وأملى علينا هذا الحديث فيما أملى عن أبيه.
قال الخطيب: وقد وقع إلينا حديث شاصونة من غير طريق الكديمي، أخبرناه أبو عبد الله بن محمد بن علي بن عبدالله الصوري ببغداد، وأبو محمد عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل القاضي بصورة، وأبو نصر علي بن الحسين بن أحمد بن أبي سلمة الوراق بصيدا، قالوا: أنبأنا محمد بن أحمد بن جميع الغساني، حدثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن شاصونة بن عبيد بمكة، قال: حدثنا أبي قال: حدثني جدي شاصونة بن عبيد، قال: حدثني معرض ابن عبد الله بن معيقب اليماني عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول الله ﷺ وجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا، أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، وقد لفه في خرفة، فقال له رسول الله ﷺ: « يا غلام من أنا؟ » فقال: أنت رسول الله، قال: فقال له: « بارك الله فيك » ثم إن العلام لم يتكلم بعد.
قلت: وقد روي من وجهة أخرى لا أصل له أنه ﷺ يرد على من صلى عليه عند قبره وأنه يبلغ صلاة من صلى عليه في مكان آخر، قال أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن المرزبان الجلان: حدثنا أبو العباس عن أبي البختري عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: « من صلى علي عند قبري رددت عليه ومن صلى في مكان آخر بلغونيه »، هذا حديث موضوع لا أصل له من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وأبو البختري هو وهب بن وهب القاضي، وهو كذاب يضع الحديث ياتفاق أهل المعرفة بالحديث.
قال أبو طالب [104]: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان أبو البختري يضع الحديث وضعا فيما نرى وأشياء لم يروها عن أحد، قلت: الذي كان قاضيا، قال: نعم، وكنت عند أبي عبد الله، وجاء رجل فسلم عليه، وقال: أنا من أهل المدينة، وقال: يا أبا عبد الله كيف كان حديث أبي البختري؟ فقال: كان كذابا يضع الحديث، قال: أنا ابن عمه نحابيه، قال أبو عبد الله: الله المستعان ولكن ليس في الحديث محاباة، وقال محمد بن عوف الحمصي: سألت أحمد بن حنبل عن أبي البختري، فقال: مطروح الحديث.
وقال إسحاق بن منصور، قال أحمد بن حنبل: أبو البختري أكذب الناس، قال إسحاق بن راهوية كما قال: كان كذابا، وقال عباس الدوري [105]: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن البختري كذاب خبيث يضع الأحاديث. قلت ليحيى: رحمه الله قال: لا رحم أبا البختري، وقال الفلاس: كان يكذب ويحدث بما ليس له أصل [106]، وقال السعدي [107]: كان يكذب ويجسر، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: كان كذابا [108]. وسمعت أبا زرعة وذكر له شيئا من حديث أبي البختري فقال: لا تجعل في حوصلتك شيئا من حديثه، وقال عثمان بن أبي شيبة: أرى أنه يبعث يوم القيامة دجالا، وقال العقيلي [109]: لا أعلم لأبي البختري حديثا مستقيما، كلها بواطيل، وقال ابن حبان [110]: كان ممن يضع الحديث على الثقات، كان إذا جنه الليل سهر عامة الليلة يتذكر الحديث ويضع ثم يكتبه، لا يجوز الرواية عنه، ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب.
وقال ابن عدي [111]: وأبو البختري جسور من جملة الكذابين الذين يضعون الحديث، وقال الحاكم: روى عن الصادق جعفر بن محمد وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان وغيرهم من أهل المدينة أحاديث موضوعة، لا ينبغي أن يكتب حديثه، وذكر الخطيب [112] في تاريخه أن الرشيد لما قدم المدينة أعظم أن يرقى منبر النبي ﷺ في قباء أسود ومنطقة فقال أبو البختري: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: نزل جبريل على النبي ﷺ وعليه قباء ومنطقة مخنجرا بخنجر فقال المعافي التيمي:
عول وويل لأبي البختري ** إذا توافى الناس للمحشر
من قوله الزور وإعلانه ** بالكذب في الناس على جعفر
والله ما جالسه ساعة ** للفقه في بدو ولا محضر
ولا رآه الناس في دهره ** يمر بين القبر والمنبر
يا قاتل الله ابن وهب لقد ** أعلن بالزور وبالمنكر
يزعم أن المصطفى أحمدا ** أتاه جبريل التقي البري
وعليه خف وقبا أسود ** خنجرا في الحقو بالخنجر
قال المعترض
فإن قيل: ما معنى قوله إلا رد الله علي روحي؟
قلت
فيه جوابان
أحدهما: ما ذكره الحافظ أبو بكر البيهقي أن المعنى إلا وقد رد الله علي روحي يعني أن النبي ﷺ بعدما مات ودفن رد الله عليه روجه لأجل سلام من يسلم عليه واستمرت في جسده ﷺ.
والثاني: يحتمل أن يكون ردا معنويا، وأن تكون روجه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم، فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه.
قلت: هذان الجوابان المذكوران في كل واحد منهما نظر، أما الأول وهو الذي ذكره البيهقي في الجزء الذي جمعه في حياة الأنبياء عليهم السلام بعد وفاتهم فمضمونه رد روحه ﷺ بعد موته إلى جسده واستمرارها فيه قبل سلام من يسلم عليه، وليس هذا المعنى المذكور في الحديث ولا هو ظاهره، بل هو مخالف لظاهره، فإن قوله: « إلا رد الله علي روحي » بعد قوله: « ما من أحد يسلم علي » يقتضي رد الروح بعد السلام، ولا يقتضي استمرارها في الجسد.
وليعلم أن رد الروح ( إلى البدن ) وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه، ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة، بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة برزخية، لا تزيل عن الميت اسم الموت.
وقد ثبت في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في عذاب القبر ونعيمه في شأن الميت وحاله أن روحه تعاد إلى جسده، مع العلم بأنها غير مستمرة فيه وأن هذه الإعادة ليس مستلزمة لإثبات حياة مزيلة لاسم الموت، بل هي أنواع حياة برزخية، الموت كالحياة البرزخية وإثبات بعض أنواع الموت لا ينافي الحياة كما في الحديث الصحيح، عن النبي ﷺ أنه كان إذا استيقظ من النوم قال: « الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور » [113] وتعلق الروح بالبدن واتصالها به يتنوع أنواعا:
أحدهما: تعلقها به في هذا العالم يقظة ومناما.
الثاني: تعلقها به في البرزخ والأموات متفاوتون في ذلك فالذي للرسل والأنبياء أكمل مما للشهداء، ولهذا لا تبلى أجسادهم، والذي للشهداء أكمل مما لغيرهم من المؤمنين الذين ليسوا بشهداء.
والثالث: تعلقها به يوم البعث الآخر ورد الروح إلى البدن في البرزخ لا يستلزم الحياة المعهودة، ومن زعم استلزامه لها لزمه ارتكاب أمور باطلة مخالفة للحس والشرع والعقل، وهذا المعنى المذكور في حديث أبي هريرة من رده ﷺ على من يسلم عليه قد ورد نحوه في الرجل يمر بقبر أخيه.
قال الشيخ تقي الدين في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: [114] وقد روي حديث صححه ابن عبد البر أنه قال: ما من رجل يمر بقر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلك عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. ولم يقل أحد إن هذا الرد يقتضي استمرار الروح في الجسد، ولا قال إنه يستلزم إثبات حياة نظير الحياة المعهودة، وقال الحافظ أبو محمد عبدالحق الإشبيلي في كتاب العاقبة: ذكر أبو عمر بن عبدالبر من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام » [115] وهو صحيح الإسناد قال عبد الحق: ويروى من حديث أبي هريرة موقوفا، فإن لم يعرفه وسلم رد عليه السلام ويروى من حديث عائشة: ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده إلا استأنس به حتى يقوم، انتهى ما ذكره.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن قدامة الجوهري: حدثنا معن بن عيسى القزاز، حدثنا هشام بن سعد، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبي هريرة أنه قال: إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام، هكذا رواه موقوفا على أبي هريرة، ورواية زيد بن أسلم عن أبي هريرة قد قيل إنها مرسلة، وهي مذكورة في جامع الترمذي. [116]
وقد روى عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: زيد بن أسلم لم يسمع من أبي هريرة [117]. وقال ابن أبي حاتم [118] سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: زيد بن أسلم عن أبي هريرة مرسل أدخل بينه وبينه عطاء بن يسار، وقال عبد الرزاق في مصنفه: أنبأنا يحيى بن العلاء، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم قال: مر أبو هريرة وصاحب له على قبر، فقال أبو هريرة: سلم فقال الرجل: أسلم على قبر، فقال أبو هريرة: إذا كان رآك في الدنيا يوما قط إنه ليعرفك الآن، ويحيى بن العلاء الرازي شيخ عبد الرزاق لا يحتج بروايته [119].
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محرز بن عون، حدثنا يحيى بن يمان بن عبد الله زياد بن سمعان عن زيد بن أسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: « ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس ورد عليه حتى يقوم »، هذا إسناد ضعيف جدا وابن سمعان أحد المتروكين [120].
وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدثني اليسع بن أحمد بن اليسع الدمياطي، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا بشر بن بكر، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلك، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله ﷺ « ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام »، هكذا روي مرفوعا وهو ضعيف، والمحفوظ موقوف وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يحتج به [121]، وقد سقط ذكر أبيه بينه وبين عطاء بن يسار.
وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل [122]: حدثنا محمد بن أبان بن ميمون السراج وأحمد بن محمد بن خالد الرائي [123] قال: حدثنا يحيى الحماني [124]، حدثنا عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال النبي ﷺ: « سلموا علي إخوانكم هؤلاء الشهداء، فإنهم يردون عليكم » وهذا لا يثبت وعبد الرحمن بن زيد في طريقه.
وقد روي في هذا الباب آثار كثيرة ولذكرها موضع آخر.
وفي الجملة: رد الروح على الميت في البرزخ ورد السلام على من يسلم عليه لا يستلزم الحياة التي يظنها بعض الغالطين، وإن كان نوع حياة برزخية وقول من زعم أها نظير الحياة المعهودة مخالف للمنقول والمعقول، ويلزم منه مفارقة الروح للرفيق الأعلى وحصولها تحت التراب قرنا بعد قرن، والبدن حي مدرك سميع بصير تحت أطباق التراب والحجارة ولوازم هذا الباطلة مما لا يخفى على العقلاء.
وبهذا يعلم بطلان تأويل قوله: إلا رد الله علي روحي، بأن معناه إلا وقد رد الله علي روحي وإن ذلك الرد مستمر وأحياه الله قبل يوم النشور وأقره تحت التراب واللبن، فيا ليت شعري هل فارقت روحه الكريمة الرفيق الأعلى؟ واتخذت ببيت تحت الأرض مع البدن، أم في الحال الواحد هي في المكانين؟
وهذا التأويل المنقول عن البيهقي في هذا الحديث قد تلقاه عنه جماعة المتأخرين والتزموا لأجل اعتقادهم له أمور ظاهرة البطلان، والله الموافق للصواب.
وأما الجواب الثاني: وهو أن هذا رد معنوي، فإن الروح مشتغلة بالحضرة الشريفة والملأ الأعلى عن هذا العالم، فإذا سلم المسلم عليه التفتت إليه لرد سلامه، فهذا الجواب فيه نوع من الحق، لكن صاحبه قصر فيه غاية التقصير مع أنه لا يصح على أصل شيوخه ومتبوعيه في علم الكلام.
فإن الروح ليست عندهم ذاتا قائمة بنفسها منفصلة عن البدن حتى تكون في الملأ الأعلى والبدن في القبر، بل هي عندهم عرض من أعراض البدن كحياته وقدرته وسمعه وبصره وسائر صفاته وحياة البدن مشروطة بها وموته قطع هذه الصفة عنه، وزغم كثير منهم أن العرض لا يبقى زمانين، فعلى هذا لا تزال الأرواح متجددة فتنعدم روح وتحدث أخرى بدلها، وهذا قول باينوا به سائر العقلاء كما خالفوا به المعلوم يقينا من أدلة الشرع، وإنما يجيء هذا على قول جمهور العقلاء سواهم.
وقول أهل السنة من الفقهاء المحدثين وغيرهم أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها، وإنها تفارق البدن وتصعد وتنزل وتقبض وتنعم وتعذب وتدخل وتخرج وتذهب وتجيء وتسأل وتحاسب ويقبضها الملك ويعرج بها إلى السماء ويشبعها ملائكة السموات إن كانت طيبة، وإن كانت خبيثة طرحت طرحا، وأنها تحس وتدرك وتأكل وتشرب في البرزخ من الجنة، كما دلت عليه السنة الصحيحة في أرواح الشهداء خصوصا، والمؤمنين عموما، ومع هذا فلها شأن آخر غير شأن البدن فإنها تكون في الملأ الأعلى فوق السموات، وقد تعلقت بالبدن تعلقا يقتضي رد السلام على من سلم عليه وهي مستقرها في عليين مع الرفيق الأعلى.
وقد مر النبي ﷺ ليلة الإسراء على موسى قائما يصلي في قبره، ثم رآه في السماء السادسة ولا ريب أن موسى لم يرفع من قبره تلك الليلة لا هو ولا غيره من الأنبياء الذين رآهم في السموات، بل لم تنزل تلك منازلهم من السموات، وإنما رآهم النبي ﷺ ليلة الإسراء في منازلهم التي كانوا فيها من حين رفعهم الله سبحانه إليها، ولم تكن صلاة موسى في قبره بموجبه مفارقة روحه للسماء السادسة وحلولها في القبر، بل هي في مستقرها، ولها تعلق بالبدن قوي حتى حمله على الصلاة.
وإذا كان النائم تقوى نفسه وفعلها في حال النوم حتى تحرم البدن وتقيمه وتؤثر فيه فما الظن بأرواح الأنبياء؟ وقد ثبت في الصحيح: « أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة وتشرب من أنهارها وتسرح فيها حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش » [125]. وهذا شأنها حتى يبعثها الله سبحانه إلى أجسادها، ومع هذا فإذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوا به وردوا عليه السلام، بل ونسمة المؤمن كذلك مع كونها طائرا تعلق في شجر الجنة ترد على صاحبها وتشعر بها إذا سلم عليه المسلم.
وقد قال أبو الدرداء: إذا نام العبد عرج بروحه حتى يؤتى بها إلى العرش، فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود [126]، ذكره الحافظ أبو عبد الله بن مندة في كتاب الروح، وروى ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق عن ابن لهيعة، حدثني عثمان بن نعيم الرعيني عن أبي عثمان الأصبحي، عن أبي الدرداء قال: إذا نام الإنسان عرج بنفسه [127]، حتى يؤتي بها إلى العرش فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود، وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود [128].
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد [129] عن الحسن البصري أن رسول الله ﷺ قال: « إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد لي » وهذا مرسل.
وقال أبو الطيب محمد بن حميد الحوراني في جزئه الذي رواه تمام عنه: حدثنا أحمد بن محمد بن نصر الأنطاكي، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي حماد القطان، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء عن الأزهري بن عبد الله الأودي، عن محمد بن عجلان، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « ما من عبد ولا أمة ينام فيستثقل نوما إلا عرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب » هكذا روى مرفوعا وليس بمحفوظ والمعروف وقفه على علي.
قال ابن مردويه في تفسيره: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا جعفر بن محمد، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا بقية، قال: حدثني صفوان بن عمرو قال: حدثني سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال: أتعجب من رؤيا الرجل إنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال فتكون رؤيا كأخذ باليد، ويرى الرجل رؤيا فلا تكون رؤيا شيئا. قال فقال علي: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين لأن الله يقول: { اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } فالله تبارك وتعالى يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت في أجسادها تلفتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها، فعجب عمر من قوله.
وقد رواه ابن منده أيضا في كتاب الروح والنفس من رواية بقية بن الوليد، حدثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر الحضرمي قال: قال عمر بن الخطاب: عجبت لرؤيا الرجل يرى الشيء لم يخطر له على بال فيكون كأخذه باليد، ويرى الشيء فلا يكون شيئا، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين يقول الله عز وجل: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قال: والأرواح يعرج بها في منامها فما رأت وهي في السماء فهو الحق، وإذا ردت إلى أجسادها نقلتها الشياطين في الهواء وكذبتها، فما رأت في ذلك فهو الباطل، قال فجعل عمر يتعجب من قول علي. قال ابن منده: وهذا خبر مشهور عن صفوان بن عمرو وغيره، وروي عن أبي الدرداء.
فهذه روح النائم متعلقة ببدنه وهي في السماء تحت العرش، وترد إلى البدن في أقصر وقت، فروح النائم مستقرها البلد تصعد حتى تبلغ السماء، وترى ما هنالك ولم تفارق البدن فراقا كليا وعكسه أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء مستقرها في عليين وترد إلى البدن أحيانا، ولم تفارق مستقرها، ومن لم ينشرح صدره لفهم هذا والتصديق به فلا يبادر إلى رده وإنكاره بغير علم، فإن للأرواح شأنا آخر غير شأن الأبدان، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد » [130]، وهذا قرب الروح نفسها من الرب ولم تفارق البدن، والرب تعالى فوق سمواته على عرشه.
ولا يتلفت إلى كثافة طبع الجهمي وغلظ قلبه ورقة إيمانه ومبادرته على تكذيب ما لم يحط بعلمه، فالروح تقرب حقيقة بنفسها في حال السجود من ربها تبارك وتعالى لا سيما في النصف الأخير من الليل حين يجتمع القرباء، إذ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأقرب ما يكون ( الرب ) من عبده في جوف الليل حين ينزل إلى السماء الدنيا ويدنو من عبادة، فتحس الروح بقربها حقيقة من ربها سبحانه. ومع هذا فهي في بدنها وهو ( سبحانه ) فوق سمواته على عرشه، وقد دنا من عباده ونزل إلى السماء الدنيا، فإن علوه سبحانه وعلى خلقه أمر ذاتي له معلوم بالعقل والفطرة وإجماع الرسل، فلا يكون فوقه شيء البتة، ومع هذا فيدنو عشية عرفة من أهل الموقف وينزل إلى سماء الدنيا. [131] وهذا الذي ذكرناه من دنو الرب تبارك وتعالى من عباده مع كونه عاليا على خلقه هو قول كثير من المحققين من أهل السنة.
قالوا: وإذا كان شأن الأرواح ما ذكرنا وهي مخلوقة محصورة متحيزة، فكيف بالخالق الذي يحيط ولا يحاط به؟
واعلم أن السلف الصالح ومن سلك سبيلهم من الخلف متفقون على إثبات نزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا وكذلك هم مجمعون على إثبات الإتيان والمجيء وسائر ما ورد من الصفات في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ولم يثبت عن أحد من السلف أنه تأول شيئا من ذلك.
وأما المعتزلة الجهمية فإنهم يردون ذلك ولا يقبلونه، وحديث النزول متواتر عن رسول الله ﷺ: قال عثمان بن سعيد الدارمي: هو أغيظ حديث للجهمية، وقال أبو عمر بن عبد البر: هو حديث ثابت من جهة النقل الصحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته.
وقال سليمان بن حرب سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء: ينزل الله إلى السماء الدنيا يتحول من مكان إلى مكان، فسكت حماد، ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء.
وقال إسحاق بن راهوية: جمعني وهذا المبتدع - يعني إبراهيم بن صالح - مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال إبراهيم: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء، فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء، قال: فرضي عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم.
وسأل رجل عبد الله بن المبارك عن النزول فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ فقال عبد الله: " كدخداي خويش كد " ينزل كيف يشاء، وقال أبو الطيب أحمد بن عثمان: حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث النبي ﷺ: « إن الله ينزل إلى سماء الدنيا » فالنزول كيف يكون يبقى فوقه علو؟ فقال أبو جعفر الترمذي: النزول معقول، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. وأبو جعفر هذا اسمه محمد بن أحمد بن نصر [132]، وكان من كبار فقهاء الشافعية ومن أهل العلم والفضل والزهد في الدنيا، أثنى عليه الدارقطني وغيره، وقد قال في النزول كما قال مالك رحمه الله في الاستواء، وهكذا القول في سائر الصفات.
وقد اختلف المثبتون للنزول هل يلزم منه خلو العرش منه أم لا، ونحن نشير إلى ذلك إشارة مختصرة فنقول: قالت طائفة: لا يلزم منه خلو العرش، بل ينزل إلى سماء الدنيا وهو فوق العرش، قالوا وكذلك كلم موسى من الشجرة وهو فوق عرشه وكذلك يحاسب الناس يوم القيامة، ويجيء ويأتي وينطلق وهو فوق العرش، لأنه سبحانه أكبر من كل شيء، كما دل عليه السمع والعقل، وهو العلي العظيم، فلا يزال سبحانه عليا على المخلوقات كلها العرش وغيره في كل وقت، وفي كل حال من نزول وإتيان وقرب وغير ذلك، فلو خلا منه العرش حال نزوله لكان فوقه شيء وكان غير عال وهذا ممتنع في حقه سبحانه، لأن علوه من لوازم ذاته فلا يكون غير عال أبدا، ولا يكون فوقه شيء أصلا.
وقالت طائفة أخرى: بل خلو العرش منه من لوازم نزوله، فتقول: ينزل إلى سماء الدنيا ويخلو منه العرش إذا نزل، لأن النزول الحقيقي يستلزم ذلك، والقول بإثبات النزول مع كونه فوق العرش غير معقول، وكذلك القول بأنه يحاسب الناس يوم القيامة في الأرض، وأنه يجيء ويقبل ويأتي وينطلق ويتبعونه، وأنه يمر أمامهم، وأنه يطوف في الأرض ويهبط عن عرضه إلى كرسيه، أو غيره، ثم يرتفع إلى عرشه كما ورد هذا كله في الحديث، وأنه كلم موسى عليه السلام من الشجرة حقيقة، وهو مع ذلك كله فوق عرشه أمر لا يتصوره العقل ولم يدل عليه النقل فيجب القول به والانقياد له، بل هو شيء لا يخطر ببال من سمع الأحاديث في ذلك وكان سليم الفطرة إلا أنه يوافقه عليه من يعتقد فيقرره في ذهنه.
وقد علم أن نزول الرب تبارك وتعالى أمر معلوم معقول كاستوائه وباقي صفاته، وأن كانت الكيفية مجهولة غير معقولة، وهو ثابت حتى حقيقة لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، وما لزم الحق فهو عين الحق.
قال هؤلاء: ونحن أقرب إلى الحق وأولى بالصواب ممن خالفنا، لأننا قلنا بالنصوص كلها، ولم نرد منها شيئا ولم نتأوله، بل أثبتنا نزول الرب تبارك وتعالى حقيقة مع إقرارنا بأنه العلي العظيم الكبير المتعال، فلا شيء أعلى منه ولا أعظم منه ولا إله غيره ولا رب سواه، هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وكونه عليا عظيما لا ينافي نزوله حقيقة عند من عقل معنى النصين وفهم معنى الخبرين، قالوا: فنحن قلنا بموجب النصين العلو والنزول. وأما مخالفنا القائل بأنه ينزل ولا يخلو منه العرش فحقيقة قوله إما نفي معنى النزول بالكلية وإثبات مجرد لفظه، وإما حمله له على أمر لا يعقل أصلا، وإما تفسيره بما يخالف ظاهر اللفظ وحقيقته وهو القول بنزول بعض الذات.
ثم إنه يرد على قائل هذا ما أورده علينا من أنه يبقى شيء من المخلوقات فوق بعض الذات، وذلك ينافي العلو المطلق الذي هو من لوازم ذاته، فمخالفنا يلزمه أمران:
أحدهما: ما أورده علينا.
والآخر: مخالفته اللفظ وحمله ( له ) على المجاز دون الحقيقة من غير دليل، ونحن لا يلزمنا محذور أصلا، فإنا جمعنا بين نصوص الكتاب والسنة وقلنا بها كلها وحملناها على الحقيقة دون المجاز لم نتأول منها شيئا برأينا ولا صرفنا منها شيئا عن ظاهر بعقلنا.
قالت الطائفة الأولى القائلة بعدم الخلو: بل نحن أولى بالحق منكم، فإنا نحن القائلون بالنصوص كلها الجامعون بين الأدلة العقلية والسمعية.
وأما أنتم فيلزمكم مخالفة ما ورد من نصوص العظمة، وأن يكون المخلوق محيطا بالخالق، وما ذكرتموه من استلزام النزول بخلو العرش هو عين الجهل، وإنما ذلك لازم في نزول المخلوق والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو العالي في دنوه، القريب في علو، ليس فوقه شيء ولا دونه شيء بل هو العالي على جميع خلقه في حال نزوله، وفي غير حال نزوله، وهو الواسع العليم، أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وهو المحيط بكل شيء ولا يحيط به شيء. ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يده إلا كخردلة في يد أحدكم، وهو الموصوف بالعلو المطلق، ولم يزل عاليا ولا يكون إلا عاليا سبحانه وتعالى. وفي هذا كله ما يبطل قولكم إنه إذا نزل يخلوا منه العرش، فإن ذلك يلزم منه أمور ممتنعة، منها إحاطة المخلوق بالخالق، وأن لا يكون الخالق أكبر من كل شيء ولا أعظم من كل شيء وكل ذلك محال.
وقالوا: وأما نحن فنقول لا يخلو منه العرش إذا نزل، بل هو فوق عرشه يقرب من خلقه كيف شاء وإن كنا قد نقول إنه غير موصوف بالاستواء حال النزول، فإن الاستواء علو خاص، وهو أمر معلوم بالسمع.
وأما مطلق العلو فإنه معلوم بالعقل، وهو من لوازم ذاته، فقربه إلى خلقه حال نزوله لا ينافي مطلق علوه على عرشه، قالوا: وما ذكره مخالفنا من أنا ننفي معنى النزول بالكلية أو نفسره بأمر لا يعقل باطل، بل النزول عندنا أمر معلوم معقول غير مجهول، وهو قرب الرب تبارك وتعالى من خلقه كيف يشاء، وقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه « ينزل ربنا » [133] كقوله تعالى { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } وقد ثبت أن الذي تجلى منه مثل الخنصر أو مثل طرف الخنصر مع إضافة التجلي إليه، فكذلك النزول من غير فوق، ولا يلزمنا على هذا ما لزمكم من إحاطة المخلوق بالخالق وكونه غير علي عظيم.
وقد ثبت أن جبريل عليه السلام كان يأتي النبي ﷺ في صورة دحية مع العلم بأن صورته التي خلق عليها لم تزل ولم تعدم في تلك الحال، بل تمثل له بعضها في صورة دحية فخاطبه، ولبس في الشرع ولا في العقل ما ينافي ذلك.
قالت الطائفة الأخرى القائلة بالخلو: الواجب علينا كلنا اتباع النصوص كلها والجمع بينها وأن لا نضرب بعضها ببعض، ولا يخفى أن جميع ما ورد من نصوص العظمة نحن به مصدقون وإليه منقادون وبه موقنون، وما ذكرتموه من العلو والعظمة لا ينافي حقيقة النزول، ونحن لا نمثل نزول الرب تبارك وتعالى بنزول المخلوق ولا استواءه باستوائه، وكذلك سائر الصفات نعوذ بالله من التمثيل والتعطيل. لكن إثبات القدر المشترك لا بد منه كما في الوجود وباقي الصفات، وإلا لزم التعطيل المحض، فنحن نثبت النزول على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ونقول قد أخبر ( به ) الصادق وما أخبر به فهو عين الحق، وما لزم الحق فهو حق، ونقول: إن النزول الحقيقي يستلزم ما ذكرناه، وما استروح إليه مخالفتنا من أن المراد نزول بعض الذات كما في قوله { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } والمراد تجلي البعض أمر غير معقول منه، والفرق بين الموضوعين ظاهر والدليل هناك دل على إرادة البعض فلا يلزم من الحمل على إرادة البعض في مكان بديل الحمل على إرادة البعض في مكان آخر من غير دليل.
وما ذكر من أمر جبير وتمثل بعضه للنبي ﷺ في صورة دحية أمر لم يدل على عقل ولا شرع، فلا يجوز المصير إليه بمجرد الرأي، بل الذي كان يأتي النبي ﷺ في صورة دحية هو جبريل حقيقة، ولعظيم مرتبته وعلو منزلته أقدره الله تعالى على أن يتحول من صورة إلى صورة ومن حال إلى حال، فيرى مرة كبيرا، ومرة صغيرا كما رآه النبي ﷺ، ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى في السموات والأرض.
وقد دل العقل والنقل على قيام الأفعال الاختيارية به فهو الفاعل المختار بفعل ما يشاء ويختار، ذو القدرة التامة والحكمة البالغة والكمال المطلق، وقد ثبت في الصحيح أنه يتحول من صورة إلى صورة وثبت أنه يتبدى لهم في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة ثم يعود في الصورة التي رأوه فيها أول مرة. وهذا كله حق لأن الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى قد أخبر به، وليس في العقل ما ينفيه، بل جميع ما أمر به صاحب الشرع يوافقه العقل الصحيح ويؤيده وينصره ولا يخالفه أصلا.
وإذا عرف هذا فقد يقال ما ورد من الأدلة الدالة على العظمة وكبر الذات، ليس بينها وبين ما قيل إنه يعارضها منافاة ولا معارضة، بل جميع ذلك حق والجمع بين ذلك كله سهل يسير بعد العلم بإثبات الأفعال الاختيارية، وأن الله هو الفعال لما يريد وهو الفاعل المختار يفعل ما يشاء ويختار لا إله غيره ولا رب سواه.
وقالت طائفة ثالثة: نحن لا نوافق الطائفة الأولى ولا الثانية، بل نقول ينزل كيف يشاء غير مثبتين للخلو ولا نافعين له بل مقتصرين على ما جاء في الحديث سالكين في ذلك طريق السلف الصالح.
وقد روى ( أبو ) الشيخ عن إسحاق بن راهويه، قال: سألني ابن طاهر عن حديث النبي ﷺ يعني في النزول، فقلت له: النزول بلا كيف، وروى الأوزاعي عن الزهري ومكحول أنهما قالا: أمضوا الأحاديث على ما جاءت، وقال الأوزاعي ومالك والثوري والليث بن سعد وغيرهم من الأئمة: أمروا الأحاديث كما جاءت بلا كيف، ولبسط الكلام في هذا موضع آخر والله سبحانه وتعالى أعلم.
هامش
- ↑ تقدم الكلام عليه وهو في أبي داود رقم 1047، 1531، وابن ماجة رقم 1636 وأحمد 4/8.
- ↑ الجرح والتعديل 3/222 وكلام ابن عدي الآتي فيه انظره في الكامل 2/685.
- ↑ 2/527 وقال الحافظ في النكت الظراف 10/421 تحفة الأشراف، أدخل مهدي جعفر عن عبد الله بن يزيد الإسكندراني عن جده بين يزيد وأبي هريرة رجلا وهو أبو صالح أخرجه الطبراني في الأوسط في ترجمة جعفر بن سهل.
- ↑ صوابه ( فيه هذه الزيادة ).
- ↑ انظر الثقات 6/188-189.
- ↑ 2/350 رقم 2712.
- ↑ وقد فرق بينهما ابن الجوزي في الضعفاء.
- ↑ هاتان الروايتان ليست في متناول اليد وقد ذكر هذه اللفظة عن ابن معين ابن الجوزي كما في الضعفاء والمتروكين له.
- ↑ ص95 رقم 260
- ↑ 1/27.
- ↑ ص85 رقم 145.
- ↑ 2/684.
- ↑ 2/691
- ↑ هو الدولابي صاحب الكنى.
- ↑ رواه إسحاق بن منصور هذه عن ابن معين أخرجها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 9/274.
- ↑ انظر الطبقات 5/246 ترجمة محمد بن أسامة حيث قال: وروى عنه يزيد بن عبد الله بن قسيط وكان ثقة قليل الحديث.
- ↑ انظر كلامه في الميزان 4/430.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 9/274.
- ↑ انظر الثقات 5/543.
- ↑ انظر الثقات 7/616 وقال وكان ممن يخطئ.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 9/274.
- ↑ انظر الكامل 7/2713.
- ↑ السمحاق: الجلدة الرقيقة التي على قحف الرأس فإن انتهت الشبحة إليها سميت سمحاقا، انظر اللسان.
- ↑ انظر الكامل 7/2713.
- ↑ قلت وإذا راجعت تحفة الأشراف تجد أن ما قاله الحافظ ابن عبد الهادي حقا فليس له رواية عن أبي هريرة في مسلم بل روى حديثين عن أبي هريرة وهي في أبي داود.
- ↑ قلت: ويمثل هذا وقع الحاكم رحمه الله تعالى في المستدرك فإنه مثلا يخرج حديثا من طريق سفيان بن حسين عن الزهري ثم يقول على شرط مسلم. وهذا خطأ فإن سفيان بنحسين مضعف في الزهري وهو من رجال البخاري تعليقا ومسلم والأربعة فمسلم لم يخرج له عن الزهري فلا يقال إذا هو على شرطه كما ذكره الحافظ ابن عبد الهادي فليتنبه لهذه الفائدة العظيمة.
- ↑ ذكر الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي فقال: ذكر الغلابي في تاريخه قال: القطواني يأخذ عن مشيخة المدينة وابن بلال فقط، يريد سليمان بن بلال ويعني بهذا أنه لا يؤخذ منه إلا حديثه عن أهل المدينة وسليمان بن بلال منهم لكن أفرده بالذكر.
- ↑ أخرجه الدارقطني 2/182 وقال في رجاله كلهم ثقات ولا أعلم له علة.
- ↑ انظر شرح علل الترمذي لابن رجب.
- ↑ انظر صحيح مسلم 2/653.
- ↑ انظر كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ص5.
- ↑ مرسل وتقدم الكلام عليه.
- ↑ انظر 3/877 طبع المكتب الإسلامي.
- ↑ سعيد هو ابن منصور الخراساني صاحب السنن والحديث أخرجه إسماعيل القاضي رقم 30 والحديث له طرق كثيرة وألفاظه متقاربة وهو بمجموع طرقه يرتقي إلى الصحة إن شاء الله، تقدم الكلام عليه، وقوله ( ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء ) ليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وإنما من كلام الحسن.
- ↑ 21/534.
- ↑ انظر اقتضاء الصراط المستقيم 321-322.
- ↑ انظر رواية أبي خالد الدقاق يزيد بن الهيثم لابن معين رقم 373 ص116. وفي رواية لابن معين في تاريخه برقم 952 قال ضعيف.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 5/183 – 184.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 5/183-184، وانظر الميزان 5/513.
- ↑ هو عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، قال الذهبي في الميزان، من شيوخ الطبراني يروي عن طبقة إسماعيل بن أبي أويس رماه النسائي بالكذب، وذكر صاحب اللسان هذا الحديث من مناكير قال الدارقطني ليس يصحيح تفرد به العمري وكان ضعيفا.
- ↑ 3/43.
- ↑ سقط ذكر الصحابي هنا وهو مثبت في النسخ الأخرى.
- ↑ 3/43 رقم 1282.
- ↑ 2/421.
- ↑ 2/134 ورواه أيضا في الكبرى كما في تحفة الأشراف 7/21 وفي عمل اليوم والليلة برقم 66. قال الهيثمي في المجمع 9/24 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وفي فيض القدير 2/ قال الحافظ العراقي الحديث متفق عليه دون قول سياحين، قلت: قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي: إلا أن عبد المجيد بن رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه بعضهم. وهذا الحديث من مناكيره حيث أسنده وبقية الرواة يرسلونه.
- ↑ ص36 رقم 25 والطريق الأخرى الآتية برقم 26.
- ↑ انظر فضل الصلاة على النبي صفحة 45. قلت: وإسناده إلى أيوب صحيح.
- ↑ انظر فضل الصلاة على النبي صفحة 45.
- ↑ سقط إسماعيل بن أبي اويس من المطبوعة من فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وفي المطبوعة أيضا ( من أهل بلده ) بدلا من أهل بيته كما هنا.
- ↑ هنا سقط وصوابه كما في فضل الصلاة على النبي ( فقال به علي بن الحسين: ما يحملك على هذا؟ قال: أحب التسليم علي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له علي بن الحسين: هل لك.. ) فليتنبه.
- ↑ في المطبوعة: إلا قال أحمد
- ↑ هنا سقط أيضا ( وصوابه: ألا قال أحمد فلان بن فلان ).
- ↑ انظر تاريخ البخاري الكبير 6/416 وفيه لا يتابع عليه.
- ↑ 5/1747.
- ↑ هذا كلامه في التاريخ 6/416.
- ↑ 6/396 وانظر الميزان واللسان.
- ↑ 1/197.
- ↑ 5/365.
- ↑ ص144 رقم 210 وما نقله هنا الإمام ابن عبد الهادي فيه تصرف.
- ↑ 5/300 رقم 1433.
- ↑ انظر كلامه في التهذيب 6/297.
- ↑ انظر كلامه في التهذيب 6/297 وفيه تصرف هنا.
- ↑ ص158 رقم 380.
- ↑ 10/212.
- ↑ 2/55-56.
- ↑ انظر العلل 1/197.
- ↑ 2/421.
- ↑ في رواية: ضعيف وفي أخرى منكر الحديث انظر التهذيب 1/295.
- ↑ انظر تاريخ ابن معين رقم 244 قال: ليس بشيء، وفي سؤالات ابن الجنيد ص486، رقم 874 سئل ابن معين عنه فقال ضعيف، وقال النسائي في الضعفاء ص49 رقم 34 متروك الحديث. انظر الجرح والتعديل 2/168 والتاريخ الكبير 1/354 والمجروحين لابن حبان 1/124 والكاشف للذهبي 1/72 والمغني 1/80 والميزان 1/227 وانظر التهذيب.
- ↑ انظر الكامل 2/944، 969، 1039 وسقط هنا من الإسناد جبارة، وإسناده هكذا: أخبرنا إسماعيل بن موسى الحاسب حدثنا جبارة ثنا أبو إسحاق الحميسي عن يزيد الرقائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره.
- ↑ في الميزان واللسان والمغني في الضعفاء، حازن بن حسين بصري مجهول. وانظر الكنى للدولابي 1/100.
- ↑ هو يزيد بن أبان الرقاشي وهو متروك الحديث، انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي، ص253 رقم 673 والتاريخ الكبير 8/320 والجرح والتعديل 9/251 والمجروحين 3/98 والمغني 2/747 والكاشف 3/240 والتهذيب.
- ↑ وهو ضعيف انظر الجرح والتعديل 2/550 والمغني 1/127 والكاشف 1/123 والميزان 1/287 والضعفاء والمتروكين للنسائي ص72 رقم 103 والمجروحين 1/221 والتهذيب 2/57
- ↑ ص35 رقم 22 فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
- ↑ رقم 23
- ↑ رقم 28
- ↑ رقم 29 وشيخ إسماعيل القاضي فيه سلم بن سليمان الضبي.
- ↑ رقم 40.
- ↑ في نسخة (عائلة ).
- ↑ هو قاضي طبرية ثقة فاضل ( التقريب ) وانظر جامع التحصيل ص206 رقم 334.
- ↑ زيد بن أيمن مقبول كما في التقريب.
- ↑ برقم 1637، قلت والحديث له علة أخرى وهي ما حكاه البخاري في التاريخ الكبير 3/387 حيث قال: زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي مرسل وسيأتي نقل المؤلف لهذا.
- ↑ 3/387.
- ↑ انظر جامع التحصيل ص285.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 8/407-408.
- ↑ انظر الضعفاء الكبير للعقيلي 4/136-137، وقال بعد قوله وليس بمحفوظ « ولايتباه إلا من هو دونه ».
- ↑ انظر المجروحين 2/286.
- ↑ انظر الجرح والتعديل 8/86.
- ↑ الضعفاء الكبير للمقيلي 8/136.
- ↑ في التهذيب 9/436 الدوري عن ابن معين ( ليس بثقة ).
- ↑ 8/136.
- ↑ الضعفاء والمتروكين ص219.
- ↑ انظر أحوال الرجال ص58 رقم 50. وانظر التاريخ الكبير للبخاري 1/232 والصغير ص105 والجرح والتعديل 8/86 والميزان4/32 والمغني 2/631، ولسان الميزان 7/375.
- ↑ انظر المجروحين 2/286.
- ↑ انظر الكامل له 6/2266 – 2267.
- ↑ انظر الكامل له 6/2294.
- ↑ انظر المجروحين 2/312.
- ↑ انظر التهذيب 9/541.
- ↑ انظر سؤالات حمزة السهمي للدارقطني ص111 رقم الترجمة 74
- ↑ انظر تهذيب التهذيب 9/541.
- ↑ انظر سؤالاته ص112 رقم الترجمة 74.
- ↑ انظر الكامل 6/2294 – 2296.
- ↑ انظر تاريخ بغداد 3/435 – 445.
- ↑ هذه العبارة عن أحمد في الميزان 4/354 إلا أنه قال: فيما نرى وكلامه بتمامه في الكامل لابن عدي 7/2526.
- ↑ انظر تاريخ ابن معين رقم 779، 823، 2717.
- ↑ انظر كلامه في الكامل لابن عدي 7/527.
- ↑ انظر الكامل لابن عدي 7/2526 إلا أنه قال بدلا من يجسر ( يختصر ويسقط إذا مال ).
- ↑ انظر الجرح والتعديل 9/25-26.
- ↑ انظر الضعفاء للعقيلي 4/324-325.
- ↑ انظر المجروحين 3/74.
- ↑ انظر الكامل له 7/2526-2529.
- ↑ انظر تاريخ بغداد 13/451-457 وانظر الضعفاء الصغير للبخاري رقم 386 والضعفاء والمتروكين للنسائي رقم 605 والميزان 4/353-354.
- ↑ رواه البخاري 11/113 ومسلم 17/35 النووي وأبو داود 5/300 وابن ماجه 3880 والترمذي 9/362 من حديث حذيفة رضي الله عنه.
- ↑ انظر 2/262.
- ↑ ذكر هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للخطيب في التاريخ وابن عساكر عن أبي هريرة ولفظه ( ما من عبد.. ) وقال المناوي في فيض القدير: قال ابن الجوزي ( حديث لا يصح ) ثم قال: وأفاد الحافظ العراقي أن ابن عبد البر أخرجه في التمهيد والاستذكار بإسناد صحيح من حديث ابن عباس وممن صححه عبد الحق 5/487.
- ↑ أشار إليها تحفة الأشراف 9/454 وذكر أن الترمذي قال: ولا نعرف لزيد سماعا من أبي هريرة وهو مرسل.
- ↑ انظر تاريخ ابن معين رقم 1146.
- ↑ لم أجد هذا الكلام في ترجمة زيد بن أسلم من الجرح والتعديل.
- ↑ قال في التقريب: رمي بالوضع.
- ↑ قال في التقريب: متروك.
- ↑ انظر التاريخ الكبير 5/284 والصغير ص71 والجرح والتعديل 5/233 والميزان 2/564 والمغني 2/380 والكاشف 2/146 والمجروحين 2/57 والضعفاء للنسائي ص158 رقم 377.
- ↑ انظر الكامل 4/1582.
- ↑ في الكامل لابن عدي ( البرائي ) وهو الصحيح.
- ↑ انظر ترجمة في التاريخ الكبير 8/291 والصغير ص120 والجرح والتعديل 9/168 والميزان 4/392 والمعني 2/739 ولسان الميزان 7/734 والتهذيب 11/243 وضعفاء النسائي ص248 رقم 656.
- ↑ انظر صحيح مسلم 3/1502.
- ↑ سقط قوله ( وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود ).
- ↑ في الزهد ( بروحه )
- ↑ صفحة 194 جاشية (2 ).
- ↑ 2/243 قال ثنا عبد الصمد ثنا سلام قال سمعت الحسن يقول فذكره من قوله والله أعلم، وهذا الأثر في النسخة ذات الجزء الواحد في ص342 طبع دار الكتب العلمية والأثر أيضا من كلامه وعلى كل فمراسيل الحسن من أضعف المراسيل.
- ↑ الحديث أخرجه مسلم 482 وأبو داود 875 وغيرهما.
- ↑ لشيخ الإسلام ابن تيمية شرح لحديث النزول فراجعه فإنه مفيد للغاية فجزاه الله خيرا.
- ↑ كان زاهدا ورعا سكن بغداد وكان شيخ الشافعية بالعراق ابن شريح وتفقه على الربيع ابن سليمان المرادي وغيره من أصحاب الشافعي وكان حنفيا ثم صار شافعيا لمنام رآه قال الدارقطني ثقة مأمون ناسك، من مؤلفاته اختلاف أهل الصلاة. ولد في ذي الحجة سنة مائتين وتوفي في المحرم سنة خمس وتسعين ومئتين، انظر ترجمته في البداية والنهاية 11/107 والأنساب للسمعاني 3/43 ووفيات الأعيان 3/334 وشذرات الذهب 2/220 والعبر 2/103 وطبقات الشافعية لابن هداية ص37، وتاريخ بغداد 1/365.
- ↑ أخرجه البخاري في كتاب التهجد ( الباب الرابع عشر الدعاء والصلاة من آخر الليل ) وفي كتاب الدعوات ( باب الدعاء نصف الليل ) وفي التوحيد ( باب قوله تعالى يريدون أن يبدلوا كرام الله ) ومسلم 1/521.