→ فصل الرؤيا | الروح - المسألة الخامسة عشرة - فصل هل الأرواح في السماء المؤلف: ابن القيم |
فصل مكان الأرواح ← |
فصل هل الأرواح في السماء؟ |
و أما قول من قال: أرواح المؤمنين عند اللّه تعالى ولم يزد على ذلك، فإنه تأدب مع لفظ القرآن حيث يقول اللّه عز وجل: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[3:169].
و قد احتج أرباب هذا القول بحجج (منها) ما رواه محمد بن إسحاق الصنعاني حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إن الميت إذا خرجت نفسه يعرج بها إلى السماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها عز وجل، وإذا كان الرجل السوء يعرج بها إلى السماء فإنه لا يفتح لها أبواب السماء فترسل من السماء فتصير إلى القبر. هذا إسناد لا تسأل عن صحته وهو في مسند أحمد وغيره.
و قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري قال: تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك فينطلق بها الملائكة من دون السماء فيقولون ما هذا؟ فيقولون: هذا فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت- لمحاسن عمله- فيقولون: مرحبا بكم وبه، فيقبضونها منها، فيصعد بها من الباب الذي كان يصعد منه عمله، فتشرق في السموات ولها برهان كبرهان الشمس حتى ينتهي إلى العرش، وأما الكافر فإذا قبض انطلق بروحه فيقولون ما هذا؟ فيقولون: هذا فلان ابن فلان يعمل كيت وكيت- لمساوئ عمله- فيقولون: لا مرحبا لا مرحبا ردوه إلى أسفل الأرض إلى الثرى.
و قال الملكي بن إبراهيم عن داود بن يزيد الأودي قال أراه عن عامر الشعبي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: الأرواح موقوفة عند الرحمن عز وجل تنتظر موعده حتى ينفخ فيها.
و ذكر سفيان بن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه أنه دخل ابن عمر المسجد بعد قتل ابن الزبير وهو مصلوب فأتى أسماء يعزيها فقال لها: عليك بتقوى اللّه والصبر فإن هذه الجثث ليست بشي ء، وإنما الأرواح عند اللّه، فقالت:
و ما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
و ذكر جرير عن الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال: كنا جلوسا إلى كعب والربيع بن خيثم وخالد بن عرعرة في أناس، فجاء ابن عباس فقال: هذا ابن عم نبيكم، قال: فأوسع له فجلس، فقال: يا كعب كل ما في القرآن قد عرفت غير أربعة أشياء فأخبرني عنهن: ما سجين؟ وما عليون؟ وما سدرة المنتهى؟ وما قول اللّه لإدريس ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [19:57]؟ قال: أما عليون فالسماء السابعة فيها أرواح المؤمنين، وأما سجين فالأرض السابعة السفلى وأرواح الكفار تحت جسد إبليس، وأما قول اللّه سبحانه لإدريس ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا فأوحى اللّه إليه إني رافع لك كل يوم مثل أعمال بني آدم وكلم صديقا له من الملائكة أن يكلم له ملك الموت فأؤخره حتى يزداد عملا، فحمله بين جناحيه فعرج به حتى إذا كان في السماء الرابعة لقيه ملك الموت فكلمه في حاجته فقال: وأين هو؟ قال: هو ذا بين جناحي، قال: فالعجب أني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة فقبض روحه. وأما سدرة المنتهى فإنها سدرة على رؤوس حملة العرش ينتهي إليها علم الخلائق ثم ليس لأحد وراءها علم فلذلك سميت سدرة المنتهى.
(قال) ابن منده: ورواه وهب بن جرير عن أبيه، ورواه يعقوب القمي عن شمر، ورواه خالد بن عبد اللّه عن العوام بن حوشب عن القاسم بن عوف عن الربيع بن خيثم قال: كنا جلوسا عند كعب فذكره.
و ذكر يعلى بن عبيد عن الأجلح عن الضحاك قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء الدنيا فينطلق معه المقربون إلى السماء الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة حتى ينتهي إلى سدرة المنتهى، قلت للضحاك: لم سميت سدرة المنتهى [قال: لأنه ينتهي] [1] إليها كل شي ء من أمر اللّه عز وجل لا يعدوها، فيقول ربي! عبدك فلان، وهو أعلم به منهم، فيبعث اللّه إليك بصك مختوم يؤمنه من العذاب، وذلك قوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ18وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ19كِتَابٌ مَرْقُومٌ20يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ21﴾ [83:18—21] وهذا القول لا ينافي قول من قال: هم في الجنة، فإن الجنة عند سدرة المنتهى، والجنة عند اللّه، وكأن قائله رأى أن هذه العبارة أسلم وأوفق، وقد أخبر اللّه سبحانه أن أرواح الشهداء عنده، وأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنها تسرح في الجنة حيث شاءت.
هامش
- ↑ نقص في المطبوع، وزيدت لوضوح العبارة، والأرجح أنها ساقطة.