الرئيسيةبحث

الروح/المسألة الخامسة عشرة/فصل أرواح الشهداء

فصل أرواح الشهداء

و أما قول مجاهد: ليس هي في الجنة، ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها، فقد يحتج لهذا القول بما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليه رزقهم بكرة وعشية».
و هذا لا ينافي كونهم في الجنة، فإن ذلك النهر من الجنة ورزقهم يخرج عليهم من الجنة، فهم أول الجنة وإن لم يصيروا إلى مقاعدهم منها، فمجاهد نفى الدخول الكامل من كل وجه، والتعبير يقصر عن الإحاطة بتمييز هذا من هذا، وأكمل العبارة أدلها على أن المراد عبارة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، ثم عبارة أصحابه، وكلما نزلت رأيت الشفاء والهدى والنور، وكلما نزلت رأيت الحيرة والدعاوى والقول بلا علم.
قال أبو عبد اللّه بن منده: وروى موسى بن عبيده عن عبد اللّه بن يزيد عن أم كبشة بنت المعرور قالت: دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فسألناه عن هذه الأرواح؟ فوصفها صفة أبكى أهل البيت، فقال: «إن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر ترعى في الجنة، وتأكل من ثمارها وتشرب من مائها وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، يقولون ربنا ألحق بنا إخواننا وآتنا ما وعدتنا، وإن أرواح الكفار في حواصل طير سود تأكل من النار وتشرب من النار وتأوي إلى حجر في النار، يقولون ربنا لا تلحق بنا إخواننا ولا تؤمنا ما وعدتنا».
و قال الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا عبد اللّه بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن ضمرة بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب، قال: سئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أرواح المؤمنين؟ فقال:
«في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت»، قالوا: يا رسول اللّه أرواح الكفار؟
قال: «محبوسة في سجين»، رواه أبو الشيخ عن هشام بن يونس عن عبد اللّه بن صالح ورواه أبو المغيرة عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب.
و ذكر: أبو عبد اللّه بن منده من حديث غنجار عن الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «أرواح المؤمنين في طير خضر كالزرازير تأكل من ثمر الجنة» (و رواه) غيره موقوفا.
و ذكر يزيد الرقاشي عن أنس، وأبو عبد اللّه السامي عن تميم الداري عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إذا عرج ملك الموت بروح المؤمن إلى السماء استقبله جبرائيل في سبعين ألفا من الملائكة، كل منهم يأتيه ببشارة من السماء سوى بشارة صاحبه، فإذا انتهى به إلى العرش خر ساجدا، فيقول اللّه عز وجل لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود [1] وطلح منضود [2] وظل ممدود [3] وماء مسكوب [4]. رواه بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو عن يزيد وأبي عبد اللّه.

هامش

  1. قال المفسرون: السدر شجر النبق، والمخضود الذي خضد أي قطع شوكه. وفي حديث أخرجه الحاكم والبيهقي أن أعرابيا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه، إن اللّه تعالى ذكر في الجنة شجرة تؤذي صاحبها! فقال: «و ما هي»؟ قال: السدر، فإن له شوكا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «أ ليس اللّه يقول: في سدر مخضود، خضد اللّه شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة، وإن الثمرة من ثمره تفتق عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر».
  2. الطلح: هو شجر الموز، ومعنى منضود أي متراكم قد نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه.
  3. أي في ظل دائم باق ومستمر لا يزول ولا تنسخه الشمس أخرج البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرءوا إن شئتم:
    و ظل ممدود».
  4. أي وماء جار دائم لا ينقطع، قال القرطبي: كانت العرب أصحاب بادية، والأنهار في بلادهم عزيزة، لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء، فوعدوا بالجنة بأسباب النزهة، وهي الأشجار وظلالها، والمياه والأنهار وجريانها.