أقام اليهود عددًا من مشاريع الري الحديثة على حساب الأراضي والمياه العربية. قاموا بتجفيف منطقة الحولة وسحبوا مياه نهر الأردن من طبرية وأقاموا مشاريع على الأنهار الساحلية، واستعملوا الآلات والطرق الحديثة في الزراعة. كما سيطروا على مياه الضفة الغربية وقطاع غزة بعد احتلالهما عام 1967م، ثم سحبوا مياه الليطاني بعد احتلال جنوبي لبنان عام 1982م. وصارت فلسطين المحتلة تنتج معظم مايحتاج إليه السكان من الغذاء. وتساهم الصادرات الزراعية في توفير أرصدة لاستيراد ماتحتاج إليه الدولة من الأغذية الأخرى.
ونظام الاتصالات في فلسطين المحتلة متطور إلى حد كبير. وفيها نحو عشرين صحيفة يومية يصدر نصفها تقريبًا بالعبرية والباقي بالعربية أو الييدية أو بإحدى اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية. وتسيطر الحكومة على الإرسال الإذاعي والتلفازي. وقد استعمل اليهود محطة الإرسال العربية فور احتلال القدس الشرقية مباشرة.
المهاجرون اليهود بدأوا الهجرة إلى فلسطين بأعداد كبيرة بعد عام 1948م. |
وفي الوقت الذي أخذ فيه عدد يهود فلسطين يتناقص خلال فترة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، تبنت بريطانيا دعم المشروع الصهيوني مقابل تمويل اليهود لها حتى تصمد في الحرب. وقد أصدر وزير الخارجية البريطاني بلفور وعده في عام 1917م بتحقيق وطن قومي لليهود في فلسطين. ووافق مجلس الحلفاء في عام 1920م على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واعترفت عصبة الأمم بذلك وصدَّقت على وعد بلفور. وقد مكّن ذلك بريطانيا من استغلال شرعية وجودها لتنفيذ وعدها بتهويد فلسطين ؛ فعينت في منصب المندوب السامي البريطاني في فلسطين أحد القادة اليهود (السير هربرت صموئيل). وقد اضطلع صموئيل بمهمة إعطاء الصيغة الرسمية للوكالة اليهودية، وأشركها في صياغة القوانين واللوائح والأنظمة الأولى التي يسرت الهجرة اليهودية، ومكنت اليهود من تَمَلُّك الأراضي ومنحتهم امتيازات اقتصادية جعلتهم يسيطرون بالتدريج على اقتصاد البلاد ويُعَرِّضون اقتصاد العرب للخطر حتى يزعزعوا تمسكهم بالأرض تمهيدًا للاستيلاء عليها. ومكن المندوب السامي البريطاني أيضًا الوكالة اليهودية من الاشتراك في إدارة البلاد، والقيام بتنظيم اليهود وتسليحهم وتدريبهم وتشكيل العصابات.
وفي العشرينيات من القرن العشرين الميلادي قدم إلى فلسطين نحو مائة ألف مهاجر يهودي، فارتفع عدد اليهود في فلسطين عام 1929م إلى 150,000 يهودي. وتضاعف عدد المهاجرين في الثلاثينيات بحجة اضطهاد النازية لليهود بالإضافة إلى استمرار الهجرة من الأقطار الأخرى، الأمر الذي أدى إلى رفع عدد اليهود في فلسطين إلى 442,000 نسمة عام 1939م. وقد حددت بريطانيا عدد المهاجرين عند بدء الحرب بنحو 75,000 مهاجر خلال خمس سنوات، لكن العدد الذي دخل فلسطين أثناء الحرب بلغ 92,000 يهودي. وهكذا، فقد دخل إلى فلسطين في عهد الانتداب البريطاني حوالي 482,857 يهوديًا، وذلك خلافًا لأولئك الذين دخلوا بطريق غير رسمي.
وفي عام 1947م، رفعت بريطانيا المشكلة التي صنعتها بيدها إلى الأمم المتحدة، وذلك على أساس أن حكومة الانتداب عجزت عن حل مشكلة الشعبين (الأول الذي انتدبتها عصبة الأمم لحكمه، والثاني الذي أوجدته بعد انتدابها)، وأعلنت بريطانيا أنها ستتخلى عن انتدابها لفلسطين في غضون ستة أشهر.
فلسطين توضح الخرائط أدناه المراحل المهمة التي مرّت بها فلسطين منذ الحرب العالمية الثانية. وقد أصبحت فلسطين التي كانت جزءًا من الدولة العثمانية ـ مقاطعة تحت انتداب بريطانيا. وقد ضاعف إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948م من الصراعات بين العرب واليهود في المنطقة.
حرب عام 1948م. استولت إسرائيل على أراض واسعة أثناء حرب عام 1948م إضافة إلى المناطق التي منحتها الأمم المتحدة لإسرائيل حسب مخطط التقسيم لعام 1947م. |
وفي الجانب الآخر، أعلن الشعب الفلسطيني استنكاره لقرار التقسيم الجائر وقاوم العصابات اليهودية بكل طاقته. واستطاع الشعب الفلسطيني أن يحقق انتصارات عديدة في إيقاف زحف العصابات المدججة بالسلاح. غير أن قوات الجامعة العربية التي هبت لمساعدته بعد 15 مايو، اشترطت تجريد المناضلين العرب وإبعادهم عن كافة الجبهات حتى تتمكن القوات النظامية من خوض المعارك. لكن هذه القوات النظامية هُزمت على جميع الجبهات وتراجعت عن الأراضي التي استطاع المناضلون الدفاع عنها، واضطرت الدول التي مثلتها هذه القوات إلى عقد معاهدات هدنة مع اليهود عُرفت بمعاهدات وقف إطلاق النار لعام 1949م كان من نتائجها تجميد سيطرة اليهود على نحو 80% من مساحة فلسطين، أي بما يزيد بنحو 24% على النصيب الذي منحه قرار التقسيم لليهود. أما الدولة العربية التي نص على إقامتها قرار الأمم المتحدة، فإنها لم تقم أبدًا.
حرب عام 1967م. تمخضت حرب عام 1967م عن احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. |
وفي عام 1967م، استولت إسرائيل على باقي فلسطين، وطبقت نفس القوانين والإجراءات والأساليب على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. بل ابتدعت قوانين أخرى تمكنها من سرعة تجريد العرب من أراضيهم تحت مسمَّى الأساليب الأمنية. ووضعت السلطات اليهودية يدها على 33% من مساحة الضفة والقطاع حتى عام 1988م وأغلقت نحو 17% من المساحة لأسباب أمنية.
وقد اعتمدت الحركة الصهيونية سياسة بناء المستوطنات في الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها لإيجاد مأوى وعمل للمهاجرين اليهود. بلغ عدد المستوطنات اليهودية التي بُنِيَت في فلسطين في العهد العثماني 47 مستوطنة سكنها 12,000 فرد. وفي عهد الانتداب البريطاني 230 مستوطنة سكنها 110,631 يهوديًا. وأنشئ في الفترة بين عامي 1948 و1967م نحو 431 مستوطنة، وفي الفترة بين عامي 1967 و1984م نحو 91 مستوطنة في الأراضي المحتلة قبل عام 1967م، بالإضافة إلى 232 مستوطنة في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان ـ ولا تضم هذه الأرقام الأحياء والضواحي والمجمعات السكنية التي أنشأتها سلطات الاحتلال داخل أو حول المدن العربية التي تحتلها أو تشرف عليها.
إسرائيل انسحبت من سيناء على ثلاث مراحل. تراجعت عن بعض أجزاء شبه جزيرة سيناء في عامي 1975 و 1979 وأكملت انسحابها منها عام 1982م. ثم انسحبت من قطاع غزة عام 1994م. |
ومنذ وُجِدَت دولة اليهود في المنطقة، وهي تدعي أنها دولة مسالمة تنشد الديمقراطية والتقدم، وأنها ضحية وجودها في وسط يُكنّ لها العداء ويسعى إلى القذف بها إلى البحر، وأنها تلجأ للاعتداء وشن الحروب نوعًا من أنواع الوقاية والدفاع عن النفس. وتُصدّق على ادعاءاتها الكاذبة والظالمة وتدعمها الدول المسيطرة على الأمم المتحدة ومجالسها ومنظماتها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. وقد أعلنت الولايات المتحدة تحالفها الاستراتيجي معها وأنها مُلْزَمة بالمحافظة على توازن القوى في المنطقة، بما يعني رفع الطاقة القتالية والتسليحية لدولة اليهود بحيث تتفوق على مجموع الطاقة القتالية والتسليحية لدى جميع الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، ومنع القوى العربية من الاتحاد في جبهة واحدة، وحرمان أي طرف عربي الاستفادة من انتصاراته المحتملة كما حدث بعد حرب أكتوبر 1973م.
قاد حزب العمل (ماباي) حكومة اليهود منذ تأسيسها حتى عام 1977م، لكن نتائج الانتخابات البرلمانية حوَّلت القيادة إلى تَجَمُّع الليكود بزعامة بيجين، وهو إرهابي مسجل في قائمة الإرهابيين المطلوبين لحكومة الانتداب، وكان يترأس إحدى العصابات الإرهابية في فلسطين قبل قرار التقسيم. وفي عهده، أجرى الرئيس المصري محمد أنور السادات مباحثات معه بحضور الرئيس الأمريكي كارتر في كامب ديفيد، وذلك في أعقاب الزيارة المفاجئة التي قام بها السادات للقدس، لبحث قضيتي: المسألة الفلسطينية والجلاء عن سيناء. وقد أسفرت المباحثات التي أجريت في مارس 1979م عن فشلها في حل المسألة الأولى، وعن عقد معاهدة سلام دائم بين الطرفين المصري والإسرائيلي في ظل وجود قوات دولية.
لم تتوقف دولة الاحتلال، منذ وُجِدت على الأراضي الفلسطينية، عن مهاجمة حدود الدول العربية المحيطة بها، وذلك بحجة إبعاد الفدائيين الفلسطينيين. وفي يونيو 1982م، اجتاحت قواتها الجنوب اللبناني بحجة الانتقام من المقاومة الفلسطينية والرد على هجماتها على شمالي فلسطين المحتلة. ولم تتوقف إسرائيل عن ضرب لبنان إلا بعد تجريد الفلسطينيين من أسلحتهم وطردهم من كل لبنان. ومع ذلك، سحب اليهود قواتهم من أواسط لبنان فقط واحتفظوا بشريط أمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية للبنان، وهي مازالت تحتفظ به رغم كل ما حدث ورغم مخالفة ذلك قرارات مجلس الأمن القاضية بالانسحاب الكامل، وخاصة القرارين رقم 425 ، 799.
وفي أكتوبر 1983، تخلى بيجين عن رئاسة الوزراء لإسحاق شامير الذي ترأس بعده كتلة الليكود. ومن المعروف أن شامير إرهابي آخر كان مطلوبًا من قبل الحكومة البريطانية لقيامه بأعمال إرهابية، وقد كان زعيمًا لإحدى المنظمات الإرهابية. وفي الفترة 84 - 1988م، شارك حزب العمل وكتلة الليكود في الحكم معًا بسبب عدم استطاعة أي من الكتلتين السيطرة على أغلبية أصوات مجلس النواب، وبقصد التعاون للتغلب على التضخم الذي ارتفع بنسبة 400% عام 1984م.
وبعد انقضاء عشر جولات من مباحثات استغرقت أكثر من عشرين شهرًا لم تسفر هذه المباحثات عن أي تقدم. وفي غمرة الاستعداد لإقناع جميع الأطراف باستئناف مزيد من الجولات، فاجأت سلطة الاحتلال العالم كله بهجومها على جنوب لبنان حيث ضربت قواتها البرية والبحرية والجوية نحو 75 بلدة وقرية لبنانية وجميع مخيمات الفلسطينيين لمدة سبعة أيام. وقد أسفرت هذه الهجمة عن تهجير نحو 400,000 لبناني من بيوتهم بعد قتل المئات وجرح الآلاف منهم وتهديم آلاف البيوت بحجة الانتقام من حزب الله، وهو آخر المليشيات اللبنانية التي لم تُجَرَّد من سلاحها. ولم توقف سلطة الاحتلال عدوانها إلا بعد أن طمأنها وزير الخارجية الأمريكي بأن حزب الله سيحرم من الميزات التي انفرد بها. وبالرغم من كل الصعوبات التي برزت، وافق جميع الأطراف على دعوة وزير الخارجية الأمريكي لاستئناف المفاوضات وعقد الجولة الحادية عشرة في واشنطن في شهر سبتمبر 1993م دون أن يتزحزح الجانب اليهودي عن تعنته.
وفي الرابع من مايو عام 1994م بالقاهرة، وقع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وإسحاق رابين رئيس وزراء الحكومة اليهودية إسرائيل إتفاقية قيام الحكم الذاتي في غزة وأريحا. وفي يوليو 1994م وصل ياسر عرفات إلى غزة ليدير سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني. وفي يناير 1996م، انتخب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الفلسطينية، كما انتخب المجلس التشريعي الفلسطيني. حال انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل في 29 مايو 1996م دون إكمال عملية إعادة انتشار (انسحاب) القوات الإسرائيلية من أراضٍ عربية فلسطينية واسعة شملتها اتفاقيات السلام بسبب سياساته الاستيطانية التوسعية فتعرقلت عملية السلام في المنطقة برمتها.
وفي يونيو 2000م، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى سحب قواتها من جنوب لبنان بعد الضربات القوية التي وجهتها المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله لقوات الاحتلال.
وفي 28 سبتمبر 2000م، دنس زعيم كتلة الليكود السفاح شارون حرم المسجد الأقصى مع ثلاثة آلاف من جنوده فانطلقت انتفاضة الأقصى التي قدمت مئات الشهداء، وبقي الشهيدان محمد جمال الدرة، 10 سنوات، وإيمان حجو، 4 أشهر، رمزاً لصمود الشعب العربي الفلسطيني أمام وحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. وفي فبراير 2001م، فاز السفاح شارون في الانتخابات، وأصبح رئيساً للوزراء. قابل الشعب الفلسطيني بطش شارون بمزيد من المقاومة، وحصدت القنابل البشرية من الاستشهاديين عددًا من المغتصبين اليهود. وانقسم الفلسطينيون والعرب والمسلمون في النظر إلى هذه العمليات. فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من رأى ضرورة أن توجه هذه العمليات ضد الجنود اليهود والمنشآت العسكرية دون المدنيين، ومنهم من أكد على عدم جدواها مطلقاً إذ لم تؤد إلى نتائج تفيد القضية الفلسطينية، بل أضرت بها