الرئيسيةبحث

جامعة الأزهر ( al- Azhar University )



جامع الأزهر في القاهرة.
مبنى جامعة الأزهر في القاهرة.
جامعة الأزهر مؤسسة تعليمية وضع أساسها بالقاهرة جوهر الصِّقليّ (إلياس الصقلي) القائد الفاطمي في الرابع عشر من رمضان عام 359هـ، 970م. واستغرق بناء جامعها الأساس نحو العامين، وأُقيمت فيه الصلاة لأول مرة في السابع من رمضان عام 360هـ، الثاني والعشرين من يونيو عام 971م، وهو ما عُرف بالجامع الأزهر الشريف، نسبة إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

لم يسرع الفاطميـون بدفع الأزهر إلى غايته التي أُنشـئ من أجلها وهي: نشر الفقه الشيعي والدعوة الشيعية ومنافسـة الجوامـع المصريـة السنيــة مثـل جامـعي عمرو ابن العاص وابن طولون، اللذين كانت تُعقد فيهما الحلقات الدراسية الكبرى، بل اكتفوا بجعله مسجدًا رسميًا يقوم في عاصمة ملكهم الجديدة. وتُلقى من فوق منبره خطبة الجمعة التي كانت بمثابة برنامج الدولة الرسمي، وقصروا الدعوة إلى مذهبهم وأهدافهم السياسية على مجالس خاصة. وعندما توطدت دعائم الحكم الفاطمي بمصر اهتم الخلفاء الفاطميون بالأزهر، وفتحت أبوابه لدراسة العلوم الدينية والعقلية في عهد الخليفة العزيز بالله (365 - 386هـ ,976 - 996م)، وأنشأ به ملجأ للفقراء يسع خمسة وثلاثين شخصًا. واستجلبوا له خيرة فقهاء وعلماء الدعوة الشيعية وقضاتها، وأغدقوا عليهم المال، ونقلوا إليه كثيرًا من الكتب، وشجعوا طلاب العلم من البلاد الإسلامية الأخرى للالتحاق به. وكانوا بين الحين والآخر يجرون توسعًا في مبانيه للدراسة وأروقة للطلاب ومساكن للأساتذة. وخصصوا أموالاً ثابتة للإنفاق على الجامع الأزهر، كما أسهم كثير من رجال الدولة والأمراء وأهل البر في تخصيص جزء من أموالهم لتنفق على الطلاب والأساتذة وبقية شؤون الأزهر، الذي اشتهر نتيجة لهذا الاهتمام، وارتبط اسمه برسالة العلم وأصبح جامعة كبيرة.

تغير حال الأزهر على عهد الأيوبيين ؛ إذ كانوا من أهل السنة، ولذا حاولوا محو كل أثر للفاطميين الشيعة، فمنع صلاح الدين الأيوبي الخطبة من الجامع الأزهر، وقطع عنه كثيرًا مما أوقفه عليه الحاكم بأمر الله ؛ فأُهملت الدراسة فيه، وعُطِّل نشاطه، وعلى الرغم من ذلك، ظلت أبوابه مفتوحة، يُدرَّس فيه الفقه السني على المذاهب الأربعة، وكان مسرحًا لنشاط بعض أعلام الفكر والأدب في أواخر العهد الأيوبي.

استعاد الأزهر مكانته من جديد في عهد المماليك (648 - 922هـ،1250 - 1517م) ؛ فقد زاد الملك الظاهر بيبرس المملوكي في بنائه وشجع التعليم فيه وأعاد الخطبة إليه عام 665هـ، 1267م. وحذا حذوه كثير من الأمراء، فذاع صيته، وأَمَّهُ طلاب العلم والعلماء من كل أنحاء العالم الإسلامي، وزاد في مجده أن غزوات المغول في المشرق الإسلامي قضت على معاهد العلم هناك، وأن الأمة الإسلامية بالمغرب أصابها التفكك مما أدى إلى إهمال مدارسها الزاهرة.

وبنى الأمير طيبرس المدرسة الطيبرسية بالقرب من الأزهر عام 709هـ، 1309-1310م، وبنى الأمير أقنعا عبدالواحد المدرسة الأقنعاوية كذلك بالقرب منه عام 740هـ،1340م. وقد ألحقت هاتان المدرستان بالأزهر فيما بعد، ومازالتا جزءًا منه إلى اليوم.

وجدد الطواشي بشير الجامدار الناصري بناء المسجد وزاد فيه حوالي عام 761هـ،1360م. وكان قايتباي أكثر الحكام رعاية للجامع الأزهر في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، فقد أكمل مازاده في بناء المسجد عام 900هـ، 1494م، وأقام منشآت للفقراء والعلماء.

أفل نجم الأزهر قليلاً في العهد العثماني (923 - 1220هـ، 1517 - 1805م) ومع ذلك، فقد سجل التاريخ بعض مظاهر الاهتمام العثماني بالأزهر ؛ فقد بنى عثمان كتخذات القزدوغلي (قاصد أوغلي) زاوية ليصلي فيها العميان، عُرفت بزاوية العميان، سنة 1148هـ، 1735 - 1736م. وكان عبد الرحمن كتخذات (توفي 1190هـ، 1776م) من أكثر الناس اهتمامًا بالأزهر ؛ فقد بنى مقصورة وأحسن تأثيثها، وأقام قبلة للصلاة ومنبرًا للخطابة ومدرسة لتعليم الأيتام وصهريجًا للمياه. ووصلت المباني الجديدة بين المدرسة الطيبرسية والأقنعاوية.

ونظر محمد علي باشا وأسرته من بعده إلى الأزهر بوصفه مؤسسة مصرية مرهوبة الجانب ؛ لما له من دور في السياسة والشؤون العامة. وكانوا يسعون لإضعاف نفوذه، ولكنهم كانوا يضطرون لإجراء بعض الإصلاحات فيه. وشهد الأزهر تطورًا وإصلاحًا كبيرًا منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي.

النظم الداخلية للجامع الأزهر

عُرف طلاب العلم الذين يؤمون الأزهر بالمجاورين، يقيم بعضهم في المسجد والبعض الآخر خارجه، وينقسم الذين يقيمون داخل المسجد إلى طوائف، بحسب البلدان التي يقدمون منها أو حسب المذهب الفقهي، ولكل طائفة رِوَاق خاص بهم ملاصق للجامع. والأروقة حجرات يضع فيها الطلاب المجاورون كتبهم ومتاعهم، وينامون فيها. ويوجد الآن ستة وعشرون رواقًا، منها: رواق الصَّعَايدة ورواق مكة والمدينة ورواق الدَّكَارْنَة ورواق الشَّوام ورواق المغاربة ورواق السِّناَّرِيَّة ورواق الأتراك ورواق البَرْنَاوِيّة ورواق الجَبَرْتِ ورواق الحنفية ورواق الحنابلة.

كان على رأس الأزهر في القرون الوسطى ناظر، ينتخب من بين كبار موظفي الدولة وكان لكل رواق شيخ، ولكل طريقة صوفية نقيب، وأصبح له رئيس علمي (شيخ عموم) منذ العهد العثماني، وهو يرأس شيوخ الأقسام المختلفة ويتصل بالحكومة مباشرة.

وقد عرف الأزهر نظام العطلات، وأطولها العطلة التي تبدأ بشهر رجب وتنتهي بانتهاء أيام عيد الفطر، نحو نهاية الأسبوع الأول من شوال. ويقوم مسؤول بتدبير الشؤون الإدارية التي من بينها إدارة المكتبة وتوزيع الجراية (حصة الطعام) على الطلاب والمدرسين، يعاونه عدد من صغار الموظفين والخدم.

التعليم بالأزهر

المتون والحواشي:

كانت المتون والحواشي سائدةً في الأزهر، خلال العصرين المملوكي والعثماني، ولم تكن للكتب الأمّهات وجود في أيدي الطلاب، ويبدو أن هذا كان النظام الشائع السائد في سائر المدارس والمعاهد سواء في الأزهر، أم فيما سواه من المعاهد. ومن أهم تلك المتون والحواشي، كتاب الأجرومية لمحمد بن داود الصنهاجي (ت733هـ، 1332م) ومن شروحه: شرح الكفراوي (ت1202هـ، 1786م) وشرح الأزهري (ت905هـ، 1499م). ثم تلخيص المفتاح للقزويني (ت739هـ، 1338م)، ومن شروحه، شرح التفتازاني (ت791هـ، 1389م)، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن الأساتذة المعلمين، كانوا يطلعون على أمهات الكتب في علوم العربية والشريعة والعقيدة والمنطق والفلسفة، وكانت مكتبة الأزهر ـ التي سوف يرد في هذه المقالة حديث عنها ـ تلبّي احتياجات هؤلاء الأساتذة، والنابهين الشغوفين بالمعرفة الواسعة من طلاّبهم.

تدريس الفقه والعقيدة:

كانت المذاهب الفقهية الأربعة هي التي يتم بمقتضاها تدريس الفقه والعقيدة، وينقسم الطلاب إلى مجموعات، حسب تلك المذاهب. وكان الطلاب الذين يدرسون على المذهب الشافعي هم الكثرة الغالبة، يليهم المالكية فالأحناف والحنابلة.

بعض أحوال الأساتذة:

كان للعلماء المجاورين سلطان على طلابهم كسلطان الوالد على ولده، فالطلاب يحترمون شيوخهم كثيرًا إلى الحد الذي يقبلون فيه أيديهم، ويحملون نعالهم، ويؤدون لهم مختلف الخدمات ويخاطبونهم بكلمة ¸مولانا· أو ¸أستاذنا· أو ¸شيخنا·.

يلبس الشيوخ في بعض المناسبات كساوي التشريف ليتميزوا بها. ويجلسون على مقاعد من الجريد أو الخشب، أو يتربعون على حصير المسجد مسندين ظهورهم إلى الأعمدة أثناء إلقاء دروسهم. ويتحلق الطلاب حول شيخهم للاستماع إلى شرح المتون، وأخذ مذكرات عنه بعد الدرس، والرجوع إلى الكتب التي تكثر عليها الحواشي. ويستعينون على حفظ دروسهم بكتب منظومة شعرًا. وكانت الامتحانات في العهد الأول إجازات يمنحها الشيوخ لتلاميذهم تدل على أن التلميذ قد أجاد فنًا معينًا أو كتابًا يجيزه لتدريسه.

من علماء الأزهر قديمًا:

ينبغي الإشارة هنا إلى أن منصب شيخ الأزهر لم ينشأ إلا في العصر العثماني، وكان لقبه هو (شيخ عموم). وهذا المنصب كمنصب مدير الجامعة. وهو يرأس شيوخ الأقسام المختلفة، وله مكانته الروحية والسياسية لدى الشعب والسلطة الحاكمة. وقد حفظ لنا الشيخ عبد الرحمن الجبرتي (1168 - 1237هـ، 1754 - 1822م) أسماء بعض شيوخ الأزهر منذ عام 1100هـ، 1688م الذين كان يتم اختيارهم من أئمّة علماء الأزهر. وأول من تولى المشيخة منهم: الشيخ محمد عبدالله الخرشي المالكي (ت1101هـ، 1689م)، ثم الشيــخ محمـد النـشَـرْتي (ت1120هـ، 1708م).

ومن أشهر علماء الأزهر، وإن لم يتولوا منصب المشيخة، العز بن عبدالسلام (ت660هـ، 1261م) الملقب بسلطان العلماء، وكان مرهوبًا مهيبًا مسموع الكلمة لدى سلاطين المماليك، وجماهير الشعب.

ومن هؤلاء العلماء ـ أيضًا ـ ابن حجر العسقلاني (773 - 852هـ، 1371 - 1449م)، صاحب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وكان ـ كما وصفه السيّوطي ـ إمام الحفّاظ في زمانه، وانتهت إليه الرحلة في الرئاسة والحديث، فلم يكن في عصره حافظ مثله.

ومن أشهرهم ـ أيضًا ـ كمال الدين الدّميري (750 - 808هـ، 1349 - 1405م)، كان من أساتذة الأزهر في الحديث والفقه والتفسير والأدب. وهو ـ بعدُ ـ مؤلف الموسوعة الشهيرة حياة الحيوان، أورد فيها أسماء الحيوان، مرتبةً على الحروف الأبجديّة، يذكر فيها اسم الحيوان، ثم يتعرض للجوانب اللغوية والعلمية.

من علماء الأزهر حديثًا:

من العلماء الذين تقترن بأسمائهم حركة الصحوة الشاملة، التي أحدثها الأزهر داخل مصر وخارجها، الجبرتي، مؤلف عجائب الآثار في التراجم والأخبار، وقد ترجم فيه أحداث الحملة الفرنسية وعصر محمد علي. والكتاب ـ في مجموعه ـ وثيقة تاريخية هامة، إذ كان الجبرتي شاهد عصر، بالإضافة إلى ما اعتمده من روايات المتقدمين في السن والوثائق التاريخية، وما وقع له من شواهد القبور. وقد كان والده عالمًا أزهريًا. ويعدُّ رفاعة الطهطاوي (1216 - 1290هـ، 1801 - 1873م) من أبرز الريادات الفكرية المستـنيرة التي خرَّجها الأزهر، وكان واعظـًا رافق البعثة العلمية التي أوفدها محمد علي إلى فرنسا، ولكنه تعلم الفرنسية واطّلع على آدابها، وتأمل جوانب الحياة في المجتمع الفرنسي، وصار بعد ذلك داعية إصلاح وتنوير في المجتمع المصري.

ويأتي الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ، 1850 - 1905م) في الطليعة من رواد حركة الإصلاح الشامل على أسس إسلامية. وهو عالم أزهري، رافق جمال الدين الأفغاني، وأصدر معه مجلة العروة الوثقى، في باريس، ونادى بإصلاح الأزهر، حتى صدر قانون إصلاح الأزهر عام 1313هـ، 1895م. وجدد أساليب الكتابة، ومناهج البحث في العلوم الإسلامية والعربية، وشرح العديد من كتب التراث الأدبي مثل: مقامات الهمذاني، ونهج البلاغة.

الأزهر وجامعته في العصور الحديثة

المباني الإدارية لجامعة الأزهر بمدينة نصر في القاهرة.
حفل التاريخ المصري الحديث بجهود كبيرة لإصلاح الأزهر، وكان من أبرز المنادين بإصلاحه الشيخ محمد عبده. فقد تقدم إلى الخديوي عباس الثاني بخطة إصلاح، ووفق في استصدار قانون تمهيدي في 17 رجب من عام 1312هـ، 15 يناير 1895م. وتألف مجلس لإدارة الأزهر من كبار شيوخه الذين يمثلون المذاهب الأربعة. وعني المجلس بحركة الإصلاح التي تمثلت في جعل مرتبات للشيوخ، واستصدار قانون لكساوي التشريف، واهتم بمساكن المجاورين وتنظيم توزيع الأطعمة، وحدد العطلات وقصر أجلها، وأدخل بعض العلوم الحديثة، وعني بمكتبة الأزهر، وأنشأ مكتباً في المعاهد الملحقة به.

قطع الإصلاح شوطًا جديدًا تحت القانون رقم 10 لسنة 1911م حيث زيدت فيه مواد الدراسة، وحدِّد فيه اختصاص شيخ الجامع الأزهر، وأُنشىء له مجلس برئاسة شيخه يسمى المجلس الأعلى للأزهر، ووضع فيه نظام لهيئة كبار العلماء، وجعل لكل مذهب شيخ، ولكل معهد مجلس إدارة. وأنشئ قسم خاص للتخصص سنة 1923م. وأدخل نظام المراحل التعليمية فيه عام 1930م: 1- الابتدائي ومدته أربع سنوات 2- والثانوي ومدته خمس سنوات 3- والعالي ومدته أربع سنوات، ويضم ثلاث كليات: اللغة العربية والشريعة وأصول الدين. وحددت المواد الدراسية التي تدرس في كل مرحلة وكلية 4- التخصص، وهو على نوعين، تخصص في المهنة، وتخصص في المادة. ويقوم المتخصصون في المهنة بشغل وظائف الوعظ أو القضاء أو الإفتاء أو المحاماة أو التدريس في المعاهد الدينية والمدارس الحكومية. ويقوم المتخصصون في المادة بشغل وظائف التدريس في الكليات الثلاث. وأطلق على شهادتهم العَالِمية.

توجد أقسام غير نظامية يسمح فيها بدخول الطلبة الذين لم تتوافر فيهم شروط القبول بالأقسام النظامية، وكذلك أفراد الجمهور للتوسع في دراسة اللغة العربية والعلوم الدينية. وأجرت ثورة يوليو 1952م إصلاحات جذرية في الأزهر حيث تم تنظيم هيئاته وإقامة كليات للدراسات الإسلامية والعربية والطب والعلوم والتجارة والهندسة والإعلام.

وأوضح قانون إصلاح الأزهر أن القصد من ذلك تخريج الداعية المسلم الذي يحمل سلاح العلم الحديث والإيمان، ليساهم في نشر الإسلام والتمكين لدين الله في كل مجالات الحياة. كانت ومازالت تلك رسالة الأزهر الشريف وربما أضعف شح الإمكانات من فعالية هذه الرسالة لكنه لم يوهن عزيمة الحكومات المتعاقبة في دعمه والمحافظة عليه صرحًا شامخًا للعلم والعمل.

الأزهر ونضاله السياسي

هناك كثير من الأحداث التي تدل على دور الأزهر النضالي عبر العصور. فمن فوق منبر الأزهر، ومن أروقته وأبهائه علت صيحة الجهاد لمقاومة الصليبيين والتتار. ومن داخل الأزهر ـ أيضًا ـ انطلقت دعوة الجهاد ضد الحملة الفرنسية (1213هـ، 1798م). يقول الجبرتي: ¸ لما ظهرت غلبة الفرنساويين في القرن الثالث الهجري على مصر وملكوا قلاعها أرسل كبيرهم إلى مشايخ الأزهر مراسل، فلم يجيبوه، فعند ذلك ضربوا بالمدافع على البيوت والحارات، وتعمدوا ـ بالخصوص ـ الجامع الأزهر، أطلقوا عليه المدافع والبنادق، وعلى ماجاوره من الأماكن كالغورية والفحّامين، فضجّ أهل تلك الجهة ونادوا: ياخفيّ الألطاف نجّنا مما نخاف·.

كما قاد الأزهر ثورتين متواليتين ضد حملة نابليون، وهما: ثورة أكتوبر عام 1213هـ، 1798م، وثورة مارس عام 1215هـ، 1800م، مما جعل إقامة الحملة الفرنسية في مصر فكرة يائسة. وعن الثورة الأولى يقول دي لاجونكيير ـ أحد ضباط الحملة الفرنسية ـ ¸كانت الدعوة إلى الثورة تختلط جهارًا بأذان المؤذّنين يدعون إليها خمس مرات في اليوم مع كل صلاة·. أما المؤرخ الإنجليزي كريستوفر فرهيرولد، فيقول: ¸كان الأزهريون هم قادة الوطنية والفداء، وتزعم الثورة يوم نشوبها عالم أزهري شاب هو الشيخ بدر القُدسي، فقد نزل إلى الشارع وخطب في جمع غفير من الناس داعيًا كل مؤمنٍ بالله أن يذهب إلى الجامع الأزهر·.

وقد وصف لنا عبد الرحمن الجبرتي بإسهاب تصرّفات جنود الحملة حين دخلوا الأزهر بخيولهم ¸.. وتفرقوا في صحنه ومقصورته وكسروا القناديل والسهّارات وهشموا خزائن الطلبة المجاورين .. ودشنوا الكتب والمصاحف، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم داسوها..·. وآخر مانضيفه عن نضال الأزهر ضد الحملة الفرنسية اغتيال سليمان الحلبي ـ الفتى الأزهري الشامي ـ لكليبر، وقد حوكم ونفذ فيه حكم الإعدام، مع أربعة آخرين من رفاقه. ★ تَصَفح: سليمان الحلبي.

ويمضي الأزهر ـ عبر تاريخه ـ بمسيرة النضال، فيقود عمر مكرم ـ عالم أزهري ـ حركة المقاومة ضدّ الحملة البريطانيـة عام 1222هـ، 1807م، ثم يقـود أحمد عرابي ـ من أبناء الأزهر ـ الحركة الوطنية ضد الإنجليز والخديوي عام 1298هـ، 1880م، وقد سمّيت الحركة بالثورة العُرابية.

كما شارك الأزهر في قيادة ثورة 1338هـ، 1919م بأحد أبنائه، وهو سعد زغلول، الذي تدل وقائع حركته الوطنية على التفاف الأمة حوله، وتأييد جمهرة كبيرة من رجال الأزهر لثورته. وهنا نسوق بعض ماقاله اللورد ألنبي، أحد قادة الاستعمار البريطاني في مصر، ¸ إن الحركة الوطنية التي كانت في بادئ الأمر حركة سياسية بحتة، بدأت الآن تتخذ طابعًا دينيًا. وجامع الأزهر هو مركز الاضطرابات الدينية، حيث تُلقى فيه الخُطب المثيرة والنارية ليل نهار. وبالنظر للطبيعة المقدسة للأزهر والمعترف بها في كافة أنحاء العالم الإسلامي، فإن من غير الممكن كبح جماح من يرتادونه بالقوة·.

مكتبة الأزهر

أنشئت مكتبة الأزهر في مبنى كان في الأصل مدرسة مستقلة عن الأزهر، ثم ألحق بمبنى الأزهر، وكانت تلك المدرسة تسمّى المدرسة الأقنعاوية. وتُعد مكتبة الأزهر من أغنى المكتبات العامة، إذ بلغ عدد ماتضمَّه خزائنها من العناوين نحو 15,400 عنوان، تصل عدد مجلداتها إلى مايزيد على ربع المليون كتاب. هذا عن الكتب المطبوعة. أما المخطوطات فتبلغ 25,000 مخطوط، وبعضها نادر، لا يوجد فيما سواها من الخزائن، بما في ذلك دار الكتب المصرية.

وعندما أنشئت دار الكتب المصرية (المكتبة الخديوية سابقًا)، نقلت جميع الكتب التي كانت في المدارس المختلفة إلى تلك المكتبة الجديدة، ولكن من حُسن حظ مكتبة الأزهر أن بقيت كما هي لم تمسّ.

مجلة الأزهر

تصدر مجلة الأزهر منذ عام 1349هـ، 1930م وهي مجلة شهرية، وكان اسمها نور الإسلام، ثم غيِّر إلى مجلة الأزهر. وفي بعض الفترات رأس تحريرها رجال غير أزهريين، ولكنهم من أفذاذ أهل الفكر. فمنهم على سبيل المثال: محمد فريد وجدي، وعباس محمود العقاد، ومحب الدين الخطيب. وما تزال المجلة توالي صدورها غرة كل شهر هجري، وتصدر ملاحق تعالج موضوعات إسلامية مفيدة.

منح الأزهر الشريف جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1420هـ، 2000م تقديرًا للدور الكبير الذي يقوم به هذا الصرح الإسلامي العريق في خدمة الإسلام والمسلمين منذ أكثر من ألف سنة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية