الرئيسيةبحث

داروين، تشارلز روبرت ( Darwin, Charles Robert )


☰ جدول المحتويات


تشارلز روبرت داروين
داروين، تشارلز روبرت (1809 - 1882م). باحث وعالم بريطاني عكف على دراسة علوم الطبيعة، واقترن اسمه بنظرية النشوء والارتقاء وبها اشتهر. وكان داروين يقول إن كل الأنواع الحية من نباتات وحيوانات قد تطورت تدريجيًا من أصول مشتركة خلال الملايين من السنين التي مرت عليها.

عرض داروين نظرياته في كتابه أصل الأنواع (1859م). وكذلك جمع داروين بعض ما اعتبره أدلة لتأييد نظريته عن التطور، كما أفاد بأن التطور حدث عن طريق عملية سماها الانتخاب الطبيعي. ★ تَصَفح: الانتخاب الطبيعي.

أحدثت نظريات داروين صدمات عظيمة لكل الذين كانوا يعيشون في عصره، إذ كان الناس، ومازالوا، يؤمنون بأن الله قد خلق كل نوع من الكائنات الحية بطريقة مستقلة عن غيرها. وكتابه الذي يطلق عليه أصل الأنواع قد أثار بعض ردود الفعل لما اشتمل عليه من آراء تشكك في العقائد السماوية. ومن جانب آخر فقد أحدثت هذه النظرية حركة في علم الأحياء ودراسته.

حياة داروين:

ولد داروين في شروزبري بإنجلترا وكان حفيدًا لأحد الأطباء المعروفين الذين كانوا يبحثون في علوم الطبيعة وهو إرازمَوسْ داروين. وكان هذا الجد قد سبق له أن تقدم بنظرية عن التطور في خلال التسعينيات من القرن الثامن عشر. وفي خلال الفترة التي كان فيها تشارلز صبيًا، كان كثيرًا ما يستمع الحفيد إلى نظريات جده وهي تناقش على مسمع منه.

درس تشارلز داروين الطب في جامعة أدنبره، كما درس اللاهوت في جامعة كمبردج حيث نال درجة البكالوريوس من هذه الجامعة عام 1831م. ومنذ عام 1831م حتى عام 1836م، عمل باحثًا في العلوم الطبيعة مع إحدى بعثات العلوم الطبيعية التي كانت تعمل على السفنية البريطانية بيجل. وطافت السفينة حول كثير من بلاد العالم، وكان داروين يدرس كثيرًا من النباتات والحيوانات حيثما ذهبت السفينة.

وجد داروين في أمريكا الجنوبية بعض الأحافير لبعض الحيوانات المنقرضة التي كانت تشبه إلى حد كبير الأنواع الحديثة. وفي جزر جلاباجوس في المحيط الهادئ لاحظ اختلافات كبيرة بين النباتات والحيوانات التي تنتمي إلى النوع العام نفسه في أمريكا الجنوبية. وجمع داروين الأحافير وغيرها من عينات الأعضاء لدراستها في المستقبل.

عاد داروين إلى إنجلترا عام 1836م واستقر في لندن. وقضى بقية حياته يدرس العينات، ويجري التجارب ويكتب الملاحظات حول مايخرج به من آراء من تلك الدراسات. وكان من بين كتبه التي ألفها في البداية: تركيب وتوزيع طبقات الفحم (1842م)، كما كتب يوميات حول أبحاثه عندما كان يجري أبحاثه على ظهر السفينة بيجل.

نظريات داروين:

أجرى داروين دراسات على العينات التي أحضرها من رحلته البحرية على ظهر السفينة ¸بيجل·. وقد زعم بعد ذلك بأن الأنواع الحديثة من الحيوان والنَّبات قد تطورت ونشأت من أنواع قليلة سابقة. وسجل ما ظنَّه أدلة علمية في مذكرات قدمها لأول مرة لاجتماع علمي عقد في عام 1858م وكان عنوان البحث نظريات عن التطور.

وحسب ما رأى داروين، فإنه في معظم الحالات لا يوجد عضوان من أعضاء الأنواع متشابهين تمامًا، إذ لكل كائن عضوي تكوين مستقل في السمات، ومعظم هذه السمات والمميزات موروثة. وأشار داروين إلى أن المزارعين الذين يعملون في البساتين قد أنتجوا بجهودهم المشتركة أنواعًا خاصة من النباتات والحيوانات عن طريق الانتخاب والتوليد المهجن لكائنات عضوية لها سمات ومميزات خاصة يريدها الناس. وكان داروين يرى بأن عملية مماثلة من الانتخاب قد حدثت بشكل مستمر في الطبيعة. وأطلق داروين على هذه العملية الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح.

أوضح داروين أن الكائنات الحية تنتج أجيالاً أخرى كثيرة مشتركة ليحل بعضها محل بعض، وأن الأرض لا تستطيع أن تتحمل أعباء حياة كل هذه الكائنات، ولذلك فإن عليها أن تتنافس في الحصول على الضروريات مثل الطعام والمقر. وبالإضافة إلى ذلك فإن حياتها تتعرض دائمًا لتهديد حيوانات أخرى تعيش على افتراسها أو طقس غير مؤات أو أي ظروف بيئية أخرى.

وذكر داروين بأن بعض أفراد الأنواع لها سمات تساعدها في صراعها من أجل البقاء. وهناك أنواع أخرى لا تتمتع بمثل هذه المميزات ولذلك فإن احتمال استمرارها في الحياة يصبح أقل من الأولى. وفي المتوسط فإن الكائنات التي لها مميزات مؤاتية تعيش لفترة أطول، كما أنها تلد أجيالاً أكثر من الأخرى، إضافة إلى أنها تورّث أجيالها القادمة هذه المميزات المؤاتية. وتموت في آخر الأمر الكائنات ذات السمات غير المؤاتية. وفي أماكن أخرى مختلفة، وفي عصور متغايرة، فإن بعض هذه الكائنات الحية قد تجد ما يعينها على استمرار حياتها، وبعضها يفنى ويزول. وبمثل هذه الكيفية فإن أنواعًا مختلفة من الكائنات تظهر وتصبح بالتدريج أنواعًا منفصلة عن غيرها.

ألف داروين عدة كتب كانت تزيد من حدّة مناقشة نظرياته عن التطور. ومن بين هذه الكتب أصل الإنسان والانتخاب فيما يتعلق بالجنس (1871م) ؛ تعبير عن الانفعالات عند الرجل والحيوان (1872م).

وفي أوروبا أثارت آراء داروين عن التطور اختلافات حادة بين دارسي علم الحياة ورجال الدين النصارى وغيرهم. ولذلك فإنهم انتقدوا بغضب شديد آراءه عن التطور. ولكن بعض رجال العلوم من البريطانيين مثل توماس هنري هكسلي، وألفرد رسل والاس أيدوا أعمال داروين، كما أن بعض الجماعات الأخرى قبلت في النهاية نظرياته.

أمدَّت هذه النظريات والآراء بعض الباحثين في علم الحياة بتصورات مختلفة عن أصول الكائنات الحية والعلاقات بين أنواع الحياة المختلفة.

أوجدت نظرية داروين حول التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي دراسات في علم الأحياء، وخاصة في علم الإحاثة (أي الأحافير)، وعلم التشريح المقارن. وخلال النصف الأول من القرن العشرين الميلادي استخدمت الاكتشافات الجينية وعلم الأحياء المتطوّر براهين لنظريات التطور التي كانت تعتبر الانتخاب الطبيعي شيئًا غير مهم. ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، أصبحت نظريات داروين مرة أخرى ذات نفوذ في البيولوجيا، (علم الأحياء التطوري) الذي كثيرًا ما يسمى بالداروينية الحديثة. وقد قدَّمت الداروينية الحديثة توضيحًا للأصل الجيني للاختلافات داخل الأنواع المستقلة، وللطريقة التي تشكلت بها الأنواع. ومنذ بداية الستينيات في القرن العشرين استخدمت الاكتشافات في علم الأحياء الجزيئي، وعلم الإحاثة (الأحافير) لتأييد النظريات المضادة لنظرية داروين عن التطور. هناك عدد من البيولوجيين (علماء الأحياء) الذين يرفضون المبدأ الأساسي للنظرية الداروينية الجديدة في بعض أنحاء الغرب. وما زالت نظريات داروين الحديثة حتى الآن أساسًا لأكثر الدراسات البيولوجية (الأحيائية) المعاصرة في الغرب رغم ما تجده من معارضة في كثير من بلاد العالم.

كان لنظرية داروين أثر قوي في الأفكار الدينية، فقد كانت مخالفة لكافة الأديان السماوية، وقد عارض كثير من رجال الأديان تلك الآراء الخاصة بالتطور لأنها تتعارض مع المعتقدات الدينية. وينادي النصارى مثلاً بأن نظرية التطور لا تتفق مع قصة الكتاب المقدس عن خلق الحياة. ويذكر داروين بأن البشر يشبهون الحيوانات في أشياء كثيرة. ولا شك أن النظر إلى الإنسان بوصفه كان قردًا أمر بالغ الخطورة في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية.

بعض الكتاب استغلوا تلك النَّظرية لدعم آرائهم الخاصة حول المجتمع. فقد قارن الألماني كارل ماركس الكفاح من أجل البقاء بين الكائنات العضوية مع الكفاح من أجل السيطرة السياسية بين الطبقات الاجتماعية. واعتمد كُتّاب وباحثون آخرون على فكرة الانتخاب الطبيعي لكي يبرروا مفهوم تطور العنصر الإنساني الراقي للجنس البشري. واستخدم بعض الدارسين الذين عرفوا باسم الداروينيين الاجتماعيين أفكارداروين لتأييد الفكرة التي تقول بأن على الناس في أي مجتمع، وعلى الجماعات أن تتنافس على البقاء حيثما كانت.

كان لداروين دور كبير في بعث حركة التفكير العلمي في أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي بسبب نظريته هذه، ولقيت آراؤه رواجًا كبيرًا بين بعض الباحثين الغربيين وغير الغربيين، إلا أن نظرياته وأفكاره هذه لقيت معارضة شديدة في الفكر الإسلامي حيث قام بتفنيدها علماء كبار وأساتذة متخصصون.

ففيما يتعلق تحديدًا بقول النظرية: إن أصل الإنسان قرد فهو أمر مرفوض. لأن النظرية تفترض أن كل التطورات التي حدثت إنما هي بفعل المصادفة وحدها وتنكر الخالق عز وجل، ثم هي لا تملك القدرة على إثبات ما تدعو إليه لأنها تحيل على أزمنة بعيدة جدًا تقدر بملايين السنين ولا يمكن الجزم بصحة ذلك.

والمسلم يرى أن ذلك كله مخالف لحقيقة أن الله تعالى هو الخالق وأن أصل خلق الإنسان من طين، وأن الله قد خلقه وكرمه وأحسن صورته وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وقد عرض القرآن الكريم لموضوع خلق الإنسان في كثير من المواضع ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين﴾ السجدة: 7-8. وقوله: ﴿خلق السموات والأرض بالحق وصوَّركم فأحسن صوركم﴾ التغابن: 3. وقوله: ﴿هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخًا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون﴾ غافر: 67. وقوله: ﴿لقـد خلقـنا الإنـسان في أحسـن تقويـم﴾ التـين: 4. وقولـه: ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله﴾ الروم: 30. وقوله تعالى: ﴿ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا﴾ الكهف: 51.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية