الرئيسيةبحث

المناظرة ( Debate )



المناظرة سلسلة من الحُجج الشفهية التي تؤيد أو تعارض قضايا معينة مطروحة للنقاش. وتختلف المناظرة عن المناقشة، رغم أن النشاطين يُعدّان من أهم مرتكزات الممارسة الديمقراطية. ويعني مفهوم المناقشة في هذا السياق العملية التي تسعى إلى تحديد وتمحيص مشكلة في محاولة إيجاد أفضل السبل لحل هذه المعضلة وتقويمها، ومن ثم تبنّيها. ويتضح من كلا التعريفين أن المناقشة تبدأ بطرح مشكلة على بساط البحث، بينما تحاول المناظرة اقتراح الحلول لهذه المشكلة. ويمكن القول في هذا الصدد إن المناقشة النموذجية قد تبدأ بطرح سؤال عن ماهية الخطأ الذي أدّت إليه ممارسة الأنشطة الطلابية في مدرسة معينة. فإذا افترض السائل أن هذه المسألة قد طرحت على بساط البحث، وتم الوصول إلى قرار يقضي بأن أنشطة الطلاب في تلك المدرسة، كانت تفتقر إلى الإرشاد الدقيق، يعقب ذلك عقد مناظرة لاختيار أفضل الحلول لمشكلة الإرشاد. ويتمخض عن هذا الحوار الوصول إلى قرار يقضي بتكوين مجلس مشترك من الأساتذة والطلاب، لوضع ضوابط لجميع الأنشطة في تلك المدرسة.

المناظرة الرسمية:

يشترك في هذا النمط من المناظرات عدد متساٍو من المتحدثين، وتُتاح لهم فرصة الإجابة المباشرة لمعارضيهم في الرأي. ويتعاقب المؤيدون والمعارضون للقضية المطروحة، وتتحدد لخطبهم فسحة زمنية محددة. أما في المداولات أو المناظرات غير الرسمية التي تعقد في المجالس التشريعية فليس ضروريًا أن يكون عدد المتخاطبين متساويًا، وتتاح فيها فرصة الرد على المعارضين في الرأي، ولا تخضع خطب المتحدثين لتحديد زمني، كما لايوجد مجال لتعاقب المتحدثين.

الاقتراحات:

تُطرح القضايا في شكل اقتراحات. ويمكن تعريف الاقتراح في هذا الصدد بأنه عرض لقضية تَمَّت صياغة كلماتها بدقة ووضوح، لكي تعكس مواقف كلٍّ مِن المؤيدين والمعارضين. وترتكز الاقتراحات على العناصر التالية : 1- أن يكون الاقتراح ملائمًا ومتناسقًا مع معلومات وتجارب ورغبات المتحدثين والمستمعين. 2- أن يكون الموضوع المطروح على بساط البحث قابلاً للنقاش، ويعكس آراء متباينة مدعمة بالبراهين والأدلة. 3- يجب أن تكون صياغة الموضوع واضحة لا لبس فيها ولا غموض، مما يمكِّن من إبراز القضية المطروحة للنقاش. 4- يجب تحديد الموضوع لكيلا يحيد الحوار عن إطاره. 5- يجب أن تكون الاقتراحات محددة وواضحة في صياغتها، لكيلا يصبح الحوار جدالاً أو اعتراضات على معاني الكلمات. 6- يجب أن تُصاغ الكلمات بشكل لا يجعل القضية المطروحة للنقاش أمرًا مفروغًا منه. ويمكن الاستشهاد بالأمثلة التالية للمقترحات التي يجب تجنبها عند القيام بالصياغة. ¸اتخذ قرار بإعادة تنظيم اللجان البرلمانية ذات الأداء الضعيف·. إن عبارة ذات الأداء الضعيف المستخدمة في هذا السياق قد تثير الجدل لعدم وضوحها، مما يؤدي إلى إرباك وتشويش القضايا المطروحة للنقاش. وهناك نمطان من الاقتراحات ينطوي الأول على حقائق، أمّا الثاني فيُعنى بالسياسات.

اقتراحات تنطوي على حقائق. يحاول هذا النمط من الاقتراحات الإجابة عن السؤال التالي : هل تشكل القرارات التالية حقيقة ؟ ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بالأمثلة التالية:

¸يتضح أن هناك إسرافًا في الإنفاق على قسم إدارة الإعلان التابع للشركة الصناعية·.

¸لقد تبين أن الأوبرا التي عرضت في التلفاز كانت ذات أثر إيجابي على المستمعين·.

¸أدى جون جونسن عمله بإتقان بصفته رئيسًا لمجلس الطلاب·.

الاقتراحات التي تُعنَى بالسياسات. تحاول هذه الاقتراحات الإجابة عن السؤال التالي : هل يجب القيام بتعديل السياسات؟ ويمكن الاستشهاد في هذا السياق بالأمثلة التالية:

¸اتخذ قرار بمصادقة الأغلبية في كلا مجلسي البرلمان على المعاهدات·.

¸اتخذ قرار يدعو بتبني جميع الدول الأوروبية توحيد قوانين الزواج والطلاق·.

¸اعتمد نظام التمثيل النسبي في كل الانتخابات البرلمانية·.

يمكن أن تُصبح الموضوعات التالية صالحة للمناقشة:
- يجب إلغاء هيئات المحلفين في القضايا الجنائية.
- يجب اختيار رئيس الوزراء لفترة واحدة مدتها عامان فقط.
- يجب زيادة صلاحية الأمم المتحدة، كي تتمكن من حل المشكلات الدولية.
- يجب أن تؤول ملكية وإدارة كل محطات الإذاعة والتلفاز للقطاع الخاص.
- يجب أن تؤول ملكية وإدارة محطات القوى الكهربائية لمؤسسة حكومية.
- يجب أن تقوم الجماعة الأوروبية ودول رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث) بإقرار جنسية مشتركة لمواطنيها.
- يجب أن تستبدل بالحكومات الوطنية حكومة عالمية.
- يجب إلغاء التنافس الرياضي في الكليات والمدارس.
- يجب أن تقدم كل المدارس الثانوية برامج في أساسيات العلوم الطبيعية تمتد لأربعة أعوام.

التحليل:

بعد اختيار الموضوع، واكتمال صياغة كلماته بدقة ووضوح، يعقب ذلك تحليل مضمون الاقتراح من الجانبين المتناظرين. وعليك بوصفك أحد أعضاء المجموعة المتناظرة الإلمام التام والإحاطة بكل حُجج معارضيك ؛ يجب على المتحاورين الإلمام بخلفية وتاريخ الاقتراح وتحديد شروطه، ومسح وتمحيص كل البراهين والأدلة التي يمكن الاستناد إليها في معارضة أو تأييد الاقتراح. بعد أن تتم الإحاطة بكل جوانب الموضوع يقوم المتناظرون بتحديد البراهين وثيقة الصلة بالموضوع، وإبعاد تلك التي لا علاقة له بها. تبدأ بعد ذلك ميادين الاختلاف والاتفاق المتعقلة بالاقتراح في هذه المرحلة في التبلور، مما يضيق الفجوة بين البراهين المقدمة من كلا الجانبين. وتتمخض هذه المناقشة عما يطلق عليه نتائج القضايا المطروحة للنقاش.

القضايا:

تشكل القضايا الرئيسية بين المؤيدين والمعارضين ويمكن أن تتشعب إلى قضايا فرعية. ويبرز في هذا السياق اختلاف الآراء في كل من القضايا الأساسية والفرعية بين الجانبين. وتُعد أفضل السبل التي تساعد في معرفة وتحديد الموضوعات المطروحة على بساط البحث، تنظيم البراهين والأدلة التي قدمها المعارضون في قائمة وتبويب هذه البراهين والأدلة. فعلى سبيل المثال، يمكن ترتيب جميع الآراء المعارضة المتعلقة بإلغاء دور المحلفين في القضايا الجنائية، الذي سبق ذكره، الأمر الذي يمكن أن تتمخض عنه الموضوعات الرئيسية والفرعية التالية:

أ - هل يمكن أن ينجم عن إلغاء دور نظام المحلفين في القضايا الجنائية بروز نظام قضائي أكثر كفاية وعدالة؟
ب - هل يُفضي استبدال قضاة مزودين بكفاية قانونية عالية بهيئة المحلفين إلى إصدار أحكام عادلة ومتناسقة؟
ج - هل ستستغرق المحاكمات وقتًا قصيرًا، ومن ثم تصبح أكثر كفاية، لأن الوقت لايهدر في اختيار هيئة المحلفين؟
د - هل يساهم استخدام مستشارين من غير المختصين في الشؤون القانونية مع القضاة في ترسيخ ثقة الجمهور في النظام القضائي ؟
هـ - هل يعني إلغاء نظام هيئة المحلفين في الجرائم الجنائية عدم كفالة حقوق المتهمين في محاكمة عادلة؟
و - هل تعني الاستعاضة عن هيئة المحلفين المكونة من أفراد عاديين، بقضاة متخصصين أن المتهم يجد محاكمة عادلة ؟
ز - هل سيعتقد الجمهور أن إلغاء نظام هيئة المحلفين سيتمخض عنه إقصاء المواطنين العاديين من الحياة العامة؟
ح - هل سيؤدي إلغاء نظام هيئة المحلفين إلى زيادة صلاحيات الشرطة في الإجراءات الجنائية ؟

البراهين والأدلة (البينات):

يعقب تحديد القضايا إبراز المتناظرين للأدلة والبراهين التي تبرهن على صحة أو خطأ الموضوعات المطروحة على بساط البحث. ويمكن أن تتخذ البراهين شكل حقائق أو آراء. فالحقائق تعبر عن نفسها في شكل أشياء يمكن الاستدلال على وجودها الملموس. كما يمكن توضيحها وشرحها من خلال عدة وسائل وأساليب مثل المقارنة والوصف، والأمثلة، ورواية القصص، والإحصاء، واستخدام البيئة أو الشهادة، والوسائل البصرية. أما الآراء فهي تفسير للحقائق وتقويم لوجهات النظر الأخرى. وتؤخذ في هذا السياق في الحسبان آراء المتخصصين أثناء المناظرة فقط.

الرد على البراهين:

يتم في أعقاب تحديد القضايا واختبار الأدلة تحضير الردود على الحُجج والبراهين التي تسوقها المجموعة المتناظرة الأخرى. وفي المرحلة الثانية يختار المتناظرون الحجج التي يطرحها معارضوهم، والتي يعتقدون بإمكانية دحضها. ويجب عليهم إبراز براهينهم التي يستندون عليها في تفنيد حجج معارضيهم.

أنماط مختلفة للمناظرات:

تُستخدم هذه الأنماط المختلفة للمناظرات في المدارس والكليات. ويوجد في النمط التقليدي للمناظرة متحدّثان أو ثلاثة متحدثين في كل جانب. ويقوم كل من هؤلاء بإلقاء خطابين : أحدهما خطاب أساسي والثاني يشتمل على ردود على حجج مطروحة. وبحضور متحدثين من كل جانب يأخذ تنظيم المناظرة الشكل التالي:

- الخطب الأساسية ويستغرق كل منها ثماني دقائق.
الفريق الأول المؤيد في المناظرة.
الفريق الأول المعارض في المناظرة.
الفريق الثاني المؤيد في المناظرة.
الفريق الثاني المعارض في المناظرة.

- الخطب التي تتناول الرد على الحجج المطروحة في المناقشة.
الفريق الأول المعارض في المناظرة.
الفريق الأول المؤيد في المناظرة.
الفريق الثاني المعارض في المناظرة.
الفريق الثاني المؤيد في المناظرة.

وهناك نمط آخر من المناظرات يعتمد على الحجة والاعتراض ويتم تنظيمه كما يلي:

الاستجواب ويستغرق أربع دقائق.
1 - الفريق الأول للمجموعة المؤيدة في المناظرة
2 - تبدأ عملية الاستجواب من المجموعة الثانية للمعارضة.
3 - المجموعة الأولى المعارضة.
4 - تبدأ عملية الاستجواب من المجموعة الأولى المؤيدة.
5 - والمجموعة الثانية المؤيدة.
6 - تبدأ عملية الاستجواب من المجموعة الأولى المعارضة.
7 - والمجموعة الثانية المعارضة.
8 - يبدأ الاستجواب من المجموعة الثانية المؤيدة.

يطرح رد على الحجج ومجمل لخطب الجانبين يستغرق ثماني دقائق ويضم:
1- المجموعة الثالثة المعارضة.
2- المجموعة الثالثة المؤيدة للحجج.

القرار:

إذا كان القرار سيصدر من الفريقين المتناظرين أثناء المناظرة، فسيتولى حكم أو حكمان الاستماع للمتحدثين من كل جانب. في أعقاب ذلك يقرر كل حكم أي الفريقين قد عرض أكثر البراهين إقناعًا، ومن ثم يدلي بصوته لذلك الفريق. وفي هذه الحالة يفوز الفريق الذي نال غالبية الأصوات. تستخدم الإذاعة والتلفاز أساليب بديلة للحكم على نتيجة المناظرة. ويطلب في هذه الحال من المشاهدين التصويت لحسم القضايا المطروحة للنقاش. وقد تجمع الأصوات في بعض الأحيان قبل عقد المناظرة، وفي أعقابها بهدف معرفة مدى تأثير الحجج في تأرجح آراء المشاهدين.

★ تَصَفح أيضًا: المنطق ؛ الخطابة ؛ الخطابة، فن .

المصدر: الموسوعة العربية العالمية