الرئيسيةبحث

الجنازة ( Funeral customs )



الجِـنَازة ـ بكسر الجيم ـ هي الميت. وقد حظيت الجنازة في الإسلام بأحكام وفيرة وآداب خاصة، يقصد بها جملةً : تكريم الميّت، والحفاوة بأمره والعناية به، والتماس الرحمة والمغفرة له، والتعبير عن الوفاء له والحزن على فراقه، ومواساة أهله وأحبابه.

ما يشرع عند الاحتضار:

إذا احتضر المرء وظهرت عليه دلائل الموت كارتخاء الأعضاء، يستحب أن ينام، إنْ أمكن، على جنبه الأيمن ووجهُه وجسمُه نحو القبلة. كما يستحسن أن يُلقن كلمة التوحيد لا إله إلا الله بأسلوب رقيق وبدون إلحاح، وذلك بأن تُذْكَر أمامه مرارًا دون أن يؤمر بقولها، لقوله ﷺ : لقّنوا موتاكم : لا إله إلا الله .

ما يُستحب فعله عقب موت الإنسان:

إذا تُؤكِّدَ أن المحتضر قد فارق الحياة فعلاً، ينبغي على الحاضرين العمل على تحسين هيئته ومظهره، إكرامًا له وبرًّا به ورعاية لجانبه، وذلك بإغماض عينيه، وإطباق فكّه الأسفل، وجمع يديه إلى جسمه، وضمّ رجليه إحداهما إلى الأخرى، وذلك لقول النبيﷺ: (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ). فإن كانت هناك حاجة إلى تغطيته وستر صورته المتغيِّرة، فلا بأس في فعل ذلك، كما لا بأس في تقبيله ؛ لما ورد من أن النبي ﷺ قبَّل عثمان بن مظعون عقب موته والدموع تسيل على وجهه.

وقد سمح الإسلام بالبكاء المجرد على الميت ورخَّص فيه ؛ لأنه من العاطفة الإنسانية الفطرية التي لا يمكن دفعها في مثل هذا الموقف. وقد بكى النبي ﷺ على عثمان بن مظعون، وبكى أيضًا على ابنه إبراهيم حين تُوفي وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ).

وفي المقابل، حرّم الإسلام العويل والنوْح ورفع الأصوات في البكاء، كما حرّم لطم الخدود وشقَّ الثياب، والتلفّظ بما فيه السخط على القدر، وإثارة الجزع والفزع في النفوس، كما كان يفعل أهل الجاهلية. قال النبي ﷺ : (ليس منّا من ضرب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوة الجاهلية ). بل قد وردت أحاديث تفيد بأن الميت يُعذَّب إنْ فعل أهله هذه الأمور، وبخاصة إن كان قد وصّى بها قبل موته، قال النبي ﷺ : (الميت يُعذَّب في قبره بما نيح عليه ).

هذا، ولا بأس، من الإعلان عن موت أي إنسان، وعن موعد إعداد جسده وموعد دفنه ؛ حتى يتسنّى لجيرانه وأصدقائه القيام بأداء حقوقه، والصلاة عليه، وتشييع جنازته والدعاء له. وقد صحّ عن النبي ﷺ أنه قال: (حق المسلم على المسلم خمس)، وذكر منها : (اتّباع الجنائز )، كما صح عنه أنه أخبر الصحابة في المدينة بمقتل أمراء جيشه الثلاثة ـ زيد وجعفر وابن رواحة في غزوة مؤتة، كما أخبر أيضًا الصحابة في المدينة بموت النجاشي ـ في الحبشة ـ في اليوم الذي مات فيه ؛ وذلك ليصلِّي عليه المسلمون. وقال ﷺ : عندما أخبره بعضهم بموت المرأة السوداء التي كانت تنظف المسجد : (ألا أخبرتموني ؟! )

ولا شك أن هذا الإعلان المشروع يختلف عن النعي المنهي عنه، الذي يُقصد به تجميع الناس للمفاخرة بسيرة الميت والنواح عليه والصراخ لموته، وإثارة الحزن والفزع في النفوس كما كان يفعل أهل الجاهلية، قال النبي ﷺ: (إياكم والنعي ، فإن النعي عمل الجاهلية ).

ومن جانب آخر، حث الإسلام على المسارعة إلى وفاء الحقوق المالية التي في ذمة الميت، ودعا إلى عدم التأخر في ذلك، قال النبي ﷺ : (نفْس المؤمن معلّقة بقضاء دَيْنِه حتى يُقضى عنه ).

غُسْل الميت وتجهيزه:

لا توجد شريعة أو نظام حثّ على العناية بأمر الميت وغسله وإعداده للدفن كما فعل الإسلام. فقد رغّب الإسلام في الإسراع ـ قدر المستطاع ـ في تجهيز الميت وتهيئة جسده للدفن دون تأخير، وأوجب على عامة المجتمع (على سبيل فرض الكفاية) غُسْله وتجهيزه ؛ إكرامًا لقيمة الفرد الإنسانية، وتحقيقًا لمعنى التكافل الاجتماعي المادي والمعنوي، ولو بعد الموت.

شرع الإسلام نزع الثياب عن الميت واستبدال الكفن بها، وهو القماش الأبيض الحسن النظيف المتّصف بالبساطة، حيث يُلفّ به الميّت كله ثلاث مرات على الأقل.

كما شرع الإسلام استعمال المنظّفات كالسِدْر والصابون أثناء غسله، ثم تطييبه بالكافور ونحوه من المواد العطرية الفوّاحة. قال النبيﷺ: في الثياب البيضاء : (كفّنوا فيها موتاكم ). وقال في ابنته أم كلثوم وهي تُغسَّل (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا ).

أما الشهيد الذي يقتل في سبيل الله، فلا تنزع عنه ثيابه ولا يغسَّل ؛ إبقاءً لأثر الشهادة عليه، وتعظيمًا لشأنه، وتفخيمًا لبطولاته وتضحياته. وقد أمر النبي ﷺ في قتلى أُحُد بدفنهم في دمائهم، فلم يغسَّلوا، وقال فيهم: (لا تغسِّلوهم ؛ فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة ). رواه أحمد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.

الصلاة على الميت:

أوجب الإسلام على عامة المجتمع (على سبيل فرض الكفاية) القيام بالصلاة على الفرد المسلم إذا مات ولو كان طفلاً صغيرًا، وذلك وفاءً بالشخصية الإنسانية الموحِّدة، والتماسًا من الله لها مزيدًا من الرحمة والتسامح والمغفرة والرضوان. واستثنى بعض العلماء الشهيد، فقالوا : لا يصلى عليه لأن النبيﷺلم يصلّ على شهداء أُحد ـ كما جاء في صحيح البخاري ـ بل دفنهم بدمائهم وثيابهم تعظيمًا لهم، إذ ضحَّوا بأرواحهم في سبيل الله فاستحقوا نوال رحمته ورضوانه، واستغنوا عن دعاء الناس لهم.

وتوسيعًا لدائرة الوفاء للميت، وتعميقًا لمعنى الأخوة الإسلامية التي قد تباعد الأقاليم بين رموزها، شرع الإسلام الصلاة على الميت الغائب ولو كان في قُطْر بعيد. قال النبي ﷺ: (إن أخاكم النجاشي قد مات ـ أي في الحبشة ـ فصلّوا عليه ) رواه الطبراني في الكبير في حديث جرير بن عبدالله بإسناد رجاله ثقات. فقاموا فصفّوا كما يُصَفُّ على الميت، وصلَّوا عليه وهم في المدينة.

ويشترط للصلاة على الجنازة ما يشترط في الصلاة العادية من الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة وطهارة ثياب المصلي والمكان الذي يصلَّى فيه. ويجوز أداء صلاة الجنازة في المسجد وفي غيره من المواضع التي تجوز فيها الصلاة. ويستحب أن يتقدم للإمامة الحاكم المسلم أو من ينيبه، أو إمام الحي، أو وليّ الميّت أو من ينيبه (بالترتيب).

ومن الهيئات المشروعة في الصلاة على الميّت الحاضر أو الغائب، أن يصطفّ المصلون خلف الإمام صفوفًا متوالية، حيث يُستحب الإكثار من الصفوف، ويكون الميت ـ أو الأموات إن كانوا أكثر من واحد ـ بين الإمام وجهة القبلة. ثم يكبِّر الإمام التكبيرة الأولى، ويكبِّر بعده المصلون، ويقرأون الفاتحة، ثم يكبِّر الإمام التكبيرة الثانية، وبعده المصلون يكبِّرون ويقرأون الصلوات الإبراهيمية،ثم يكبّر الإمام وبعده المصلون التكبيرة الثالثة ويدعون للميت. وهذا الدعاء، هو في الواقع المقصود الأعظم من صلاة الجنازة، ثم يكبر الإمام وبعده المصلّون التكبيرة الرابعة والأخيرة ... ثم يختمون الصلاة بالتسليم.

قال النبي ﷺ: (من شهد الجنازة حتى يصلِّّي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تُدْفن فله قيراطان . قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين ) رواه البخاري ومسلم. وفي هذا بيان لفضل الصلاة على الميت وما يترتب عليها من ثواب وأجر. وفي حديث آخر قال: ﷺ(ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفّعهم الله فيه ) رواه مسلم.

ويجدر التأكيد على أن الصلاة على الميت تؤدَّى قيامًا فقط، حيث لا يوجد فيها ركوع ولا سجود ولا جلوس، كما لا توجد فيها طقوس وترانيم أخرى كما هو الشأن عند غير المسلمين.

دعاء صلاة الجنازة:

لا يتعيّن في صلاة الجنازة دعاء مخصوص للميت، حيث نقل عن النبيﷺأنه دعا بأدعية عدّة، ألفاظها متنوعة ومعانيها متقاربة، وكلها تدور حول التماس الرحمات للميت، والدعاء له بأن يعيش حياته الآخرة في سعادة ونعيم. وأكمل صيغ الدعاء مارواه عوف ابن مالك حيث قال: صلِّى النبي ﷺ على جنازة فسمعته يقول: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافِه واعفُ عنه، وأكرم نُزُلَه ووسِّع مُدّخله، واغسله بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّه من الخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار، وأدخله الجنة ). قال عوف : فتمنّيت أن لو كنتُ أنا الميت، لدعاء النبي ﷺ لذلك الميت. رواه مسلم.

وهكذا يتّضح أن المقاصد في صلاة الجنازة هي إخلاص الدعاء للميت وطلب الرحمة والسعادة الأبدية له، لأنه مفتقر إلى هذه الأمور في الحال التي أُفضى إليها، وبهذا أيضًا يتأكّد معنى الوفاء المستمر بين الأحياء والأموات، وتتعمّق فكرة الأخوة الإسلامية الاجتماعية في الحياة وبعد الممات.

حمل الجنازة والخروج معها:

يستحب حمل النعش بتمكّن من أطرافه الأربعة حتى يأمن السقوط ويتوزع الثقل على الحاملين، ولا بأس في حمله على سيارة أو عربة ونحوها.

ويستحب للأقرباء والأصدقاء ونحوهم الخروج معه لتوديعه ودفنه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، ويمكن أن يكونوا أمام النعش أو خلفه، مشاة أو راكبين، من غير بطء ولا إسراع، بدون أكاليل زهور أو ترنيمات أو نحوها مما يفعله غير المسلمين.

أما النساء فيستحب لهن عدم الخروج مع النعش صيانة لهن عن المزاحمة والمعاناة، ومخافة الإصابة بانهيارات نفسية أو عصبية ـ وبخاصة وقت إنزال الميت إلى القبر ـ وذلك لفرط عاطفتهن ورقتهن. قالت أم عطية الأنصارية: "نهانا رسول الله ﷺعن اتّباع الجنائز، ولم يعزم علينا". رواه البخاري ومسلم.

ويستحسن لمن يشيِّعون الجنازة أن يشغلوا أذهانهم في التفكير بالآخرة، والاعتبار بهذا المآل الذي لا بد أن يمرّ به كل حي، ويُكره لهم رفع الأصوات بدون حاجة، ويحرم عليهم العويل والصراخ والنواح.

دفن الميت:

حرم الإسلام إحراق جسد الميت أو إتلافه أو تركه مرميا في الصحراء أو الغابات، ودعا إلى دفنه ومواراته إكرامًا لإنسانيته وصيانة له من أن تنهشه الوحوش أو تتسلّط عليه الطيور. وقد فعل النبيﷺذلك حتى مع مشركي مكة الذين قتلوا في معركة بدر.

شرع الإسلام أن يوضع الميت في قبر يبلغ عمقه مستوى القامة، وعرضه نحو متر واحد وطوله نحو مترين اثنين، يضجع فيه الميت على جنبه الأيمن ووجهه وجسمه نحو القبلة.

ويستحب أن يكون القبر لحْدًا لا شَقًّا، لحديث النبي ﷺ: ( اللَّحد لنا والشَّق لغيرنا ) أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح لكثرة طرقه. والشَّق هو: حفر القبر عمقًا فقط، أما اللَّحد فهو الحفر عمقًا ثم تجويف جانب القبر جهة القبلة، حتى يصير كالبيت المسقوف، فيوضع فيه الميت ثم يُسدّ القبر بالحجارة لمنع تساقط التراب.

ولا يسمح الإسلام أن يترك في قبر الميت بعض النقود والملابس والأطعمة ونحوها مما ينفع الأحياء، وذلك صيانة للمال عن الضياع والإتلاف والإهدار، حيث لا فائدة ترُجى من وراء هذا العمل، خلافًا لماكان يزعم بعض القدماء كالفراعنة.

أما عن هيئة القبور، فقد دعا الإسلام إلى اتباع البساطة فيها، ومنع إشادة البناء عليها، أو اتّخاذ السُّرُج والمشاعل فوقها، حفظًا للمال، وتحقيقًا لمعاني الاعتبار بالموتى. وأجاز تسنيمها تسنيمًا يسيرًا مقدار شبر، كما أجاز وضع علامة على القبر ـ من غير تكلّف ـ ليُعرف أنه قبر فلان.

كما دعا الإسلام إلى الكفّ عن ذكر مساوئ الميّت ؛ رعاية لجانبه وهو في دار الحق، وإكرامًا ومجاملة لأهله وأحبائه لكي لا يتأذوا بذلك. ويضاف إلى هذا أن الإسلام صان شخصية الإنسان بعد موته، وحماه من وقوع الأذى عليه أو إلحاق الإهانة به، فحرّم إيذاءه بالسبّ والشتم والغيبة، كما نهى عن احتقار قبره بالقعود عليه أو التبوّل فوقه أو رمي القذارات والأوساخ بجانبه.

التعزية والثناء على الميت:

شرع الإسلام تعزية أهل الميت ومواساتهم وتصبيرهم على فراقه خلال أيام يسيرة من الموت، على أن يكون هذا عَرَضًا، أي من غير أن تعدّ له العدّة أو يُجلس له أيامًا معلومة، كما يفعل الناس اليوم من إقامة السرادقات وفرش البسط والجلوس للتعزية ـ قصدًا ـ وتعطيل الأعمال. وقد صحّ أن النبيﷺعزّى في الموتى بدون أن يجلس لذلك أهل الميت، وقال لابنته عقب موت ابنها : (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى، فاصبري واحتسبي ) رواه البخاري ومسلم.

ومن المواساة الاجتماعية التي شرعها الإسلام أن يعان أهل الميت على أمورهم المعيشية، كأن يُصنع لهم طعام ليأكلوه مع الناس، فيواسونهم ويسلونهم ويخفّفون عنهم أحزانهم ويبعدون عنهم أجواء الكآبة، قال النبي ﷺ : (اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح عن عبدالله بن جعفر. وهذا عكس المعمول به اليوم عند كثير من المسلمين، حيث يتكلّف أهل الميت بضيافة الناس، فوق ما هم فيه من أحزان وآلام وهموم، وهي من المحدثات المخالفة للذوق الإنساني ولسنن الإسلام وآدابه.

أما رثاء الميت الذي يقصد به عدّ شمائله والافتخار بشخصه وتعظيم أمره، وحفز الناس على مزيد من الجزع والحزن لموته، بزعم أن الأيام لن تأتي بمثله، فهذه أمور حرّمها الإسلام، لمنافاتها الانقياد لأمر الله وتدبيره، والاستسلام لقضائه وقدره، إضافة إلى ما في ذلك من زرع اليأس والقنوط في النفوس، والحيلولة بين الناس وبين الصبر على قضاء الله وقدره الذي لا يمكن دفعه.

وأما رثاء الميت بالثناء عليه وذكر محاسنه من غير إسراف ولا مغالاة ؛ أي تأبينه، ليتأسى الناس وترتفع هممهم إلى مكارم الأخلاق، فلا بأس في هذا، لقول النبي ﷺ في رجل مات وأثنى عليه المسلمون خيرًا: (إنه وجبت له الجنة، وأنتم شهداء الله في أرضه ) رواه البخاري ومسلم.

الحداد على الميت:

وهو ترك الزينة والطيب، والامتناع عن لبس الثياب ذات الألوان الزاهية المبهرجة، وقد شرعه الإسلام للنساء خاصة، مراعاة لعاطفتهن الجيّاشة وتفريغًا لأحاسيسهن المرهفة، ووفاء للميت وبرًّا به، وتفخيمًا لحقّه على زوجته.

الحداد المشروع للمرأة صنفان: حداد على زوجها المتوفى، وهو فرض لا يسعها تركه، ومدته أربعة أشهر وعشرة أيام، تمتنع فيها من مظاهر الزينة المعتادة، حتى تستكشف براءة رحمها وعدم حملها من زوجها المتوفى. والصنف الآخر: حداد المرأة على غير زوجها، كأبيها وابنها وأخيها، وهو مباح إذا لم يمنعها زوجها، ومدته ثلاثة أيام فقط، قال النبي ﷺ: (لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحِدّ فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا، فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا ولا تمسّ طيبًا ولا تختضب ). أما ما تفعله بعض النساء من ترك بعض الأطعمة وترك الاغتسال ونحوه من أسباب النظافة، فهو لا أصل له في شريعة الإسلام. ★ تَصَفح: العدة.

زيارة القبور:

شرع الإسلام للرجال زيارة القبور وحضّهم على فعلها في أيِّ وقت نظرًا لما فيها من استمرار صلة الأحياء بالأموات والبرّ بهم والتماس الرحمة لهم، فضلاً عما تشتمل عليه من إيقاظ ضمائر الزائرين وتذكيرهم بالأسلوب الصحيح الذي ينبغي انتهاجه في هذه الحياة. قال النبيﷺ: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكِّر الآخرة ) رواه مسلم.

أما النساء فيكره لهن زيارة القبور ؛ لأنها مظنّة معاناة نفسية شديدة عليهن، تستتبع البكاء والنحيب ورفع الأصوات والانكشاف ونحوه مما ينبغي صيانتهن عنه.

فإذا كانت زيارتهن مع التحكم في العاطفة، والتحصن من البدعة، والتحصن للعبرة وتذكر الآخرة فإن جمهور العلماء على جواز الزيارة للنساء وشمول الرخصة لهن مع الرجال كما يدل لذلك سؤال عائشة للرسول عند أوبته من البقيع كيف تقول لهم؟ فعلمها أن تقول: (السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) رواه مسلم واستدل به الحافظ ابن حجر على ما قلناه، يضاف إلى هذا ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس أن النبي ﷺ مر بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها: (اتقي الله واصبري) قال ابن حجر: ¸وموضع الدلالة منه أنه ﷺ لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر· وقال العيني: وفيه جواز زيارة القبور مطلقًا سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة وقال النووي: وبالجواز قال الجمهور، وقوله ﷺ(لعن الله زوارات القبور ) يفيد أن اللعن مرتبط بالإكثار من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة قال ذلك القرطبي، وأضاف: ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن ؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء. قال الشوكاني في نيل الأوطار: ¸ وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر·.

وإذا دخل الزائر المقبرة ؛ يُستحب له أن يسلّم على الموتى قائلاً : "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". ويُشرع له الدعاء لهم والترحّم عليهم، كما يشرع له في كل وقت، وفي أي مكان فعل الخيرات كالصدقة والصلاة وقراءة القرآن وإهداء ثواب ذلك لأرواح الأموات.

ومن مجموع ما سبق يتّضح أن الإسلام حرص على استمرار التكافل بأبعد معانيه وأرقاها بين أفراد الهيئة الاجتماعية أمواتًا وأحياء، وأباح بعض التصرفات التي تتطلبها الفطرة البشرية لتفريغ شحنات الحزن والأسى على الأموات، ولكنه دعا إلى عدم الإسراف في هذه المظاهر، لأنه ليس من وراء ذلك فائدة ترتجى.

إختبر معلوماتك :

  1. ما المعاني التي قصدها الإسلام في مجموع أحكام الجنائز؟
  2. ما حكم البكاء على الميت؟ وما السرّ في ذلك؟
  3. ما موقف الإسلام من الإعلان عن موت إنسان؟ وما حكم نعيه؟
  4. لماذا أوجب الإسلام على عامة المجتمع غسل الميت والصلاة عليه؟
  5. ماذا يُشترط للصلاة على الميت؟
  6. ما هيئة الصلاة على الميت؟ وما الدعاء المأثور في ذلك؟
  7. كيف يكون الخروج مع الجنازة؟ وما آدابه؟
  8. لماذا حرّم الإسلام إحراق الميت؟ وما حكمة دفنه؟
  9. كيف صان الإسلام شخصية الإنسان بعد موته؟
  10. هل يشرع لأهل الميت الجلوس للتعزية وإطعام الناس؟ ولماذا؟
  11. كيف يكون رثاء الأموات بدون ارتكاب محظورت شرعية؟
  12. ما مظاهر الحِداد على الميت؟ ولمن شرعه الإسلام؟ وما أصنافه؟
  13. ما حكم زيارة القبور لكل من الرجال والنساء؟ وما آداب ذلك؟
المصدر: الموسوعة العربية العالمية