الرئيسيةبحث

الإنسان ( Human being )



الإنسان لا يشبه أي مخلوق آخر، لقد استخدم اللغة والفن ليحافظ على المعرفة عبر التاريخ. وتقوم مرشدة المتحف (في الصورة أعلاه) بوصف المباني الصينية وأنماط المعيشة في عصور قديمة.

الإنسان أفضل وأكرم مخلوق لله على وجه الأرض بين جميع الكائنات. خلقه الله فسوَّاه فعَدَلَه. جاء به في صورة مستقيمة متَّسقة موهوبة بالعقل والنطق اللذين يميزانه عن بقية الكائنات الأخرى.

بجانب هذا وهبه الله الأيدي والأرجل والأذن والعين. وأوجدها فيه على نحو يستطيع العمل بها تحت قيادة قوة العقل التي منحها الله إياه. وخلق له الأرض وما احتوت عليه من كنوز ومعادن وثمار، وخلق له السماء والهواء والبحار والشجر والدواب ـ ليتخذ من كل ذلك مادة عمله التي خلقه الله من أجلها ـ قال تعالى: ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ¦ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ طه: 53-54وقال أيضًا: ﴿ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة﴾ النحل: 8فكل هذا يدل على تكريم الإنسان من قبل خالقه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾ الإسراء: 70

كما أن الإنسان هو أساس الوجود البشري وأصل بقائه ومنهج عمرانه يبني المدنيَّات ويُؤسِّس الحضارات حتى يصل بنفسه إلى مستويات كريمة ـ بفضل استغلاله للقوّة العقلية التي منحها الله إياه.

ولقد جاء الإسلام وهو خاتم الأديان على الأرض فقضى على كثير من مفاسد الجسم والنفس ودعا إلى نظام اجتماعي كفيل بحياة الإنسان وتنظيمها ودعم بقائه، فكان الدين الإسلامي رمزًا صحيحًا للحفاظ على كيان الإنسانية أفرادًا وجماعات. فقد دعا إلى الحرية والمساواة وهما أول القيم في الحياة السليمة ودعا أيضًا إلى العلم الذي به تكتمل الإنسانية وترقى الأمم وتزدهر وتتطوّر في كل مجال من مجالات الحياة.

ففي هذه الأيام، يبقى الدين والعلم قسمين مهمين من جهود الناس لفهم حقائق الوجود الإنساني. ولكن ثمة مجالات أخرى كثيرة للدراسة تساعد البشر أيضًا ليتعلموا المزيد عن أنفسهم مثل: علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ويختص بدراسة الثقافات الإنسانية والتطور البشري الطبيعي والثقافي. ويختص علم اللغة بالدراسة العلمية للغة. ويدرس الاختصاصيون في علم النفس سلوك الإنسان والحيوان والعمليات الذهنية كما يختص علم الاجتماع بالجماعات والمؤسسات التي تضم التجمعات الإنسانية، وعلم التاريخ يُعنى بدراسة الأحداث الإنسانية في الماضي. ولكل مجال من هذه المجالات مقالة مستقلة في الموسوعة. تصف هذه المقالة المميزات الطبيعية والثقافية التي تميز البشر عن الحيوانات الأخرى. وتتتبَّع المقالة أيضًا التطور الطبيعي والثقافي للإنسان. ولمزيد من المعلومات عن حياة البشر البدائيين، ★ تَصَفح : شعوب ما قبل التاريخ.

خصائص البشر

التصنيف العلمي:

يصنف علماء الأحياء جميع الكائنات الحية في مجموعات، تشتمل على: الطائفة والرتبة والفصيلة والجنس والنوع. ويتبع البشر طائفة الثدييات. ويوجد حوالي 4,000 نوع من الثدييات، وتشتمل على مخلوقات مثل القطط، والكلاب والفيلة والقُضَّاعات (ثعالب الماء). ولدى كل الثدييات عمود فقري وشَعْر وأربعة أطراف ودرجة حرارة جسم ثابتة. وإناث الثدييات هي المخلوقات الوحيدة التي توجد بها غدد خاصة لإنتاج اللبن وذلك لتغذية صغارها.

ويصنف بعض العلماء الغربيين البشر، ومعهم القردة والنسانيس والليمورات (الهبَّارات)، والهبَّار (حيوان من فصيلة القردة طويل الذنب)، والترسيرات (الترسير: قرد صغير يسكن الأشجار) في رتبة الثدييات المسماة الثدييات الراقية. يصنف أيضًا بعض العلماء الغربيين البشر والقردة في الفصيلة العليا: أشباه الإنسان هومنيدي. وتتألف فصيلة أشباه الإنسان (هومنيدي) من البشر وأسلاف ما قبل الإنسان الأقرب صلة للبشر. يمثل البشر الأحياء الوحيدين لجنس يسمى هومو، وهي الكلمة اللاتينية التي تعني الإنسان، ويتألف هذا الجنس من نوع واحد حي هوموسابين وأنواع بشرية عديدة منقرضة عُرفت من خلال بقايا الأحافير. الكلمتان اللاتينيتان هومو سابين تعنيان إنسانًا عاقلاً، وينتمي كل الناس الحاليين إلى النوع هوموسابين سابين، وكل البشر ينتمون إلى آدم عليه السلام، كما صرَّح بذلك القرآن الكريم.

الخصائص الطبيعية:

يشترك البشر وحيوانات الرئيسيات الأخرى في كثير من المميزات الطبيعية (التكوين الجسماني) مثل اعتماد كل من البشر والقردة على حاسة البصر الممتازة فيما يتعلق بمعلوماتهم عن البيئة. ويمتلك البشر والقردة عيونًا كبيرة وشبكيات حساسة وإبصارًا إستريوسكوبيَّا (القدرة على إدراك العمق). كما أن لديهم جهازاً عصبيًا عالي التطور ودماغًا كبيرًا. ويوجد لدى البشر وكثير من الحيوانات الرئيسية أصابع طويلة مرنة وإبهامات متقابلة بإمكانها أن تأخذ وضعًا مقابلاً للإمساك بالأشياء. بالإضافة إلى أظافر في أصابع اليد والقدم بدلاً من المخالب.

إن واحدة من المميزات الطبيعية التي تميز البشر عن الرئيسيات الأخرى يتعلق بقدرة الناس على الوقوف منتصبين والمشي على رجلين. وتتطلب هذه المقدرة بصفة رئيسية أرجلا ًطويلة قوية. وتوجد بردف الإنسان عضلات قوية، وهذه العضلات تدفع الجسم للأمام، وتُوازن الجذع بالتبادل على كل رجل في حالة المشي. وعلى عكس ذلك، تقضي القردة معظم الوقت في تسلق الأشجار والتأرجح أو المشي على كل الأطراف الأربعة. ويوجد بأرداف القردة عضلات ضعيفة نسبيًا، وأذرعتها أطول وأقوى من أرجلها.

يختلف العمود الفقري في الإنسان عن العمود الفقري في أي حيوان، حيث يوجد به تقوس في الجزء السفلي من الظهر. ويساعد هذا التقوس في جعل الوضع المنتصب ممكنًا، وذلك بوضع مركز الجاذبية للجسم فوق الحوض مباشرة. كما أن قدم الإنسان قد تكيفت للمشي خصيصًا على الرجلين. أما القردة فتستخدم جميع أطرافها الأربعة لتتحمل ثقل أجسامها، كما يمكنها أن تمسك الأشياء أو تقبض عليها بأقدامها تقريبًا مثلما تفعل أيديها. أما في الإنسان فإن القدم تتحمل الثقل الكلي للجسم، ولأصابع القدم مقدرة محدودة للقبض على الأشياء أو التحرك بحرية.

لقد وصل الدماغ البشري إلى حد بعيد من النمو، إذ يبلغ حجم الدماغ في الإنسان، على الأقل، ضعف حجم الدماغ عند القرد. وبسبب حجم الدماغ، فإن جمجمة الإنسان تكون أكثر استدارة من أي جمجمة حيوان آخر من الرئيسيات.

يعيش البشر فترة أطول، إلا أن تكوينهم يكون أبطأ من تكوين أيٍ من فئة الرئيسيات الأخرى. ويتراوح متوسط فترة عمر الإنسان بين حوالي 40 عامًا وأكثر من 70 عامًا. يولد الطفل البشري ضعيفًا تمامًا ويعتمد على أبويه لسنوات كثيرة. ويصل معظم البشر إلى النضج التام بين 18و25 سنة فقط من العمر. يتيح النمو والتكوين البطيء في الإنسان أن تكون فترة التعلم ونمو الدماغ أطول بكثير عما هو موجود في أي أنواع أخرى.

الخصائص الثقافية:

يوجد لدى بعض الحيوانات مظاهر بسيطة تدل على ثقافتها. مثلاً تتعلم صغار الشمبانزي (قرد إفريقي أصغر من الغوريلا، ولعله أذكى القرود) من الأفراد الأكبر سنًا في جماعتها كيف تشكِّل بعض الأدوات، وتصطاد هذه الأفراد النمل الأبيض عن طريق سلخ أو تقشير غُصين ما وغرزه في كومة للنمل الأبيض. كما أن هذه الأفراد تمضغ الأوراق وتجعلها إسفنجية وتنقعها في الماء من أجل أن تشرب.

وهناك حيوانات معينة منها القردة والنسانيس يتصل بعضها ببعض عن طريق مجموعة متنوعة هائلة من الأصوات. وهذه الأصوات تعبر عن الانفعال أو الإحساس. وقد تكون وسيلة لتبليغ بعض الرسائل البسيطة، ولكن يبدو ظاهريًا أن هذه الحيوانات لا يمكنها أن ترمز إلى أي شيء مُدْرك بالحس أو إلى أي فكرة. تميز اللغة ثقافة الإنسان عن كل أشكال ثقافة المخلوقات الأخرى. خلال الاستخدام المفصل المدروس للرموز، تُمكِّن اللغة الناس من أن يرمزوا إلى الأفكار المعقدة ويعبروا عن الأشياء المدركة حسيًا، والأحداث التي تكون متباعدة بعضها عن بعض في الزمان والمكان. وباستخدام اللغة، طوَّر البشر القدرة على تفسير المشكلات وحلها على مستوى عالٍ، الأمر الذي يختلف عن أي مخلوق آخر. كما مَكَّنت اللغة البشر من أن ينقلوا المعرفة والمهارات من جيل إلى جيل.

التطور الجسماني للإنسان

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى خلق السموات والأرض وما فيهن في ستة أيام. والقرآن الكريم اهتم بالإنسان اهتمامًا خاصًا وبيَّن أصله وخلقه وطبيعته ومكانته بين الكائنات وعبوديته لله تعالى. وجاء في القرآن الكريم أن آدم (عليه السلام) هو أبو البشر جميعًا، وأن الله خلقه خلقًا مستقلاً وأن خلقه مر بمراحل متطورة حتى استوى كاملاً. فأصل الإنسان، أن آدم كان ترابًا ﴿ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ الروم: 20 ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾ آل عمران: 59 . ثم أضيف الماء إلى التراب فصار طينًا ﴿ هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً، وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون﴾ الأنعام : 2. وقد خلقه الله بيديه ونفـخ فيه من روحه وأسجـد له ملائكتـه. ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من صلصال من حمإٍ مسنون ¦فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ الحجر: 28، 29 .

وقد بيَّن القرآن أن آدم عليه السلام بعد أن مر بالمراحل السابقة كرمه الله فسواه وخلقه في أحسن هيئة، وزوده بالعلم ووسائل المعرفة وجعله خليفة في الأرض وأناط به المسؤولية والتكليف. وأصبح بذلك إنسانًا عاملاً واعيًا مسؤولا ومكلفًا ﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ¦ ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين ¦ ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون﴾ السجدة : 7 - 9 ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة...﴾ البقرة : 319 وهذه الحقائق القرآنية وهذه الإخبارات قد دحضت أي اعتقاد يقول بغير هذا مثل نظرية التطور (النشوء والارتقاء)، أو يجعل بشرًا إلها مقدسًا منزها، أو أن فلانًا أو نبيا هو ابن لله أو مثله أو ... إلخ. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا

أسلاف ما قبل الإنسان:

يعتقد بعض الغربيين الوضعيين أن البشر وقردة الشمبانزي والغوريلا جميعها تطوّرت من أصل واحد عاش منذ 14 - 18 مليون سنة. وقد زعم بعضهم فيما مضى أن السلف المباشر للإنسان كان مخلوقًا يدعى رامابِتكس عاش منذ 8 - 14 مليون سنة مضت. لكن اكتشاف أحافير رامابِتكس في الصين وباكستان، التي تمت في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، أوضحت أن هذا المخلوق كان قردًا.

يعتقد بعض العلماء أنه منذ أكثر من أربعة ملايين سنة مضت، ظهر في إفريقيا شكل أكثر رقيًا لمخلوق شبيه بالإنسان أطلق عليه القرد الجنوبي (أيسترالوبتكس). وتشير بقايا أحفورة هيكل هذا الكائن إلى أن هذه المخلوقات كانت تقف منتصبة تمامًا، وكانت تسير على رجلين وكان طول هذه الكائنات يتراوح بين 120 و150 سم. وكان حجم الدماغ فيها بيلغ حوالي ثلث حجم دماغ الإنسان العصري.

البشر البدائيون:

يعتقد معظم العلماء الغربيين أن نوع الإنسان الماهر (هوموهَبيليس) هو النوع الأول للإنسان. وظهر الإنسان البدائي في إفريقيا منذ حوالي مليوني سنة مضت، وكان هناك زعم أنه قد تطور من نوع القرد الجنوبي. وتوضح المعلومات الأثرية أن الأفراد التابعين لنوع الإنسان الماهر (هوموهبيليس) كانوا يستخدمون أدوات مصنوعة من الحجارة.

تم العثور على أحافير الإنسان الماهر في بحيرة توركانا، في كينيا، ومناطق أخرى في شرقي إفريقيا، ويعتقد معظم العلماء الغربيين أن الإنسان الماهر قد تطور إلى نوع أكثر رقيًا لإنسان ما قبل التاريخ، وسُمِّي هذا النوع الإنسان المنتصب (هومو إركتس)، وقد ظهر الإنسان المنتصب في إفريقيا منذ حوالي مليون ونصف مليون سنة مضت، ثم انتشر في آسيا وأوروبا. ويتميز هذا النوع عن أسلافه بوجود دماغ أكبر وجمجمة أقرب شبهًا بجمجمة الإنسان. ويتشابه الإنسان المنتصب مع البشر الحاليين ـ كما يصفون ـ في جزء الرقبة الممتد حتى مؤخرة الجسم، ولكن جبهته منخفضة، وله فك كبير مثل الإنسان الماهر، وأفراد نوع القرد الجنوبي. كما أن ثقافة الإنسان المنتصب كانت أكثر تطورًا من ثقافة الإنسان الماهر، فلقد صنع الإنسان المنتصب واستخدم أدوات حجرية أكثر تنوعًا عما كان يفعل أسلافه. كما أنه تعلم كيف يشعل النار من حوالي مليون ونصف مليون سنة مضت، ومن المحتمل أنه قد يكون النوع الأول من البشر الذي قام بهذا الفعل. وتشير الدراسات الأحفورية إلى أن الإنسان المنتصب كان يصطاد الحيوانات الكبيرة، ويتطلب هذا النوع من الصيد رسم الخطط، وتعاون الأفراد فيما بينهم.

الإنسان العصري:

يرى بعض الباحثين الغربيين أن الأفراد الأُوائل لنوع الإنسان العاقل (هوموسابين) قد ظهروا منذ حوالي 450,000 سنة، وكان هؤلاء الأفراد متشابهين أساسًا مع نوع الإنسان المنتصب. إلا أن لديهم مخًا أكبر وفكوكًا وأسنانًا أصغر. وبمرور الوقت، تكونت في نوع الإنسان العاقل (هومو سابين) جمجمة مستديرة وأطراف طويلة مستقيمة، وقد تشابه الإنسان العاقل مع البشر الحاليين منذ 40,000 سنة مضت على الأقل، وربما حدث هذا التشابه منذ 100,000 سنة. ويضع علماء الإنسان (الأنثروبولوجيون) جميع الناس الذين عاشوا في الـ 40,000 سنة الأخيرة تحت تصنيف الإنسان المعاصر (هومو سابين سابين). وهذه الآراء في مجملها لا تعدو أن تكون نظريات وآراء ظنية لا ترقى إلى مستوى المتابعة العلمية اليقينية عن تاريخ الإنسان على هذه الارض. وهي عرضة للنقض في كل لحظة، وصدق الله إذ يقول ﴿ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدًا﴾ الكهف: 51.

التطور الثقافي البشري

التطـور الثقافي البشــــري لقد مرت ثقافة الإنسان بثلاثة أطوار أساسية هي: 1- مجتمعات الصيد والجمع. 2- مجتمعات زراعية. 3- مجتمعات صناعية.

مجتمعات الصيد والجمع:

طوال معظم فترة ما قبل التاريخ، عاش الناس على مهنة الصيد وجمع الفاكهة والجوز والجذور والبذور، وأطعمة نباتية أخرى. وتوضح المعلومات الأثرية أن الصيادين والقائمين بعمليات الجمع عاشوا في مجموعات مكونة من 25 - 50 شخصًا. وكانت هذه المجموعات متباعدة بعضها عن بعض بدرجة كبيرة. وكان هؤلاء الناس البدائيون يتجولون في مساحات كبيرة بحثًا عن الطعام. لقد عاشوا في وئام مع بيئتهم واستفادوا من مواردها الطبيعية بكفاءة.

وربما شملت مخترعاتهم الأولى: الأسلحة وآلات لذبح وقطع لحوم الحيوانات، إضافة إلى أوان لجمع الأطعمة النباتية. ومع تطور مهارات الصيد عند هؤلاء الناس، أمكنهم الحصول على كميات كبيرة من اللحم، وذلك بقتل الحيوانات الثديية الضخمة بما فيها الفيلة.

المجتمعات الزراعية:

ظهرت المجتمعات الزراعية منذ حوالي 9,000 سنة ق.م، بعد أن بدأ الناس في استئناس الحيوانات والنباتات البرية، وأدت هذه الأنشطة الزراعية إلى زيادة كمية الغذاء المنتفع بها في أي منطقة بدرجة كبيرة. وبدأت القرى الدائمة في الظهور، وتكونت البلاد والمدن فيما بعد. ودَعَّم الإمداد الغذائي الكبير والمعتمد عليه الزيادة المطردة في عدد السكان.

وفرت الزراعة الطعام لعدد كبير من الناس ولم يعد من الضروري لكل فرد أن يساعد في إنتاج الطعام، وأصبح بعض الأفراد اختصاصيين في مجالات أخرى كالتصنيع أو التجارة، وقد تأسست الحكومات كما أقيمت الأنظمة الكتابية، وهكذا فتح الاختراع الزراعي الطريق لتطوير الحضارة.

المجتمعات الصناعية:

ظهرت المجتمعات الصناعية في صورتها الحديثة خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك بعد أن تعلم الناس إدارة الآلات بوساطة الطاقة المولدة من الفحم ومصادر أخرى للوقود. وفي الوقت الحالي، تأتي معظم الطاقة التي تستخدمها المجتمعات الصناعية من النفط والفحم والغاز الطبيعي والوقود النووي. وقد أحدثت هذه الأنواع المتعددة لمصادر الوقود توسعًا تكنولوجيًا ضخمًا.

وأدت العمليات والمنتجات المطورة صناعيًا إلى تحسين مستوى المعيشة بدرجة كبيرة لعدد لا يحصى من الناس. كما ساعدت هذه التطورات في جعل التقدم ممكنًا في مجالات أخرى متعددة، من بينها الزيادة الهائلة في المعلومات البشرية، وفي تنوع التعبير الفني. لكن الشعوب والطبقات الاقتصادية لم تنل الفوائد الكاملة من التقدم الصناعي. وتسببت التكنولوجيا الصناعية في حدوث كثير من التأثيرات الجانبية السلبية، مثال ذلك: أدت مخلفات هذه التقنيات إلى تلوث البيئة، كما أن طرق إنتاجها تؤدي أحيانًا إلى خلق وظائف رتيبة غير مناسبة.

وتواجه المجتمعات الصناعية في الوقت الحالي تحديات كثيرة، ويجب أن تتطور التقنيات الحديثة للاستفادة من موارد العالم الطبيعية المحدودة بأقصى فعالية. إن العالم اليوم في حاجة إلى مصادر جديدة لطاقة غير ملوثة. بالإضافة إلى ضرورة أن يجد الناس أساليب فعَّالة لضبط النمو السكاني وتنظيمه، وأيضًا لمد فوائد التقنيات العصرية لكل أفراد العالم.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية