الرئيسيةبحث

المسرحية العربية ( Arabic drama )



المسرحية العربية تعنى هذه المقالة بالمسرحية العربية باعتبارها نصاً أدبياً أُلِّف أو ترجم أو اقتبس أو أُعدَّ بغرض عرضه على المسرح. ويدخل في ذلك الحديث عن موضوعاتها المختلفة وسمات بنائها النصيِّ وخصائصها الفنية.

العناصر الدرامية في المسرحية العربية

العناصر الدرامية للمسرحية العربية باعتبارها نصاً أدبياً لا تختلف عن العناصر الدرامية للنص المسرحي الأوروبي. وهي الفكرة، والحبكة، والشخصية، والحوار. وتكاد تكون هذه العناصر لازمة في كل نص مسرحي مهما كان إطاره الفني باستثناء بعض الأطر التجريبية الحديثة التي قد تلغي واحداً أو أكثر من هذه العناصر. وتتأثر الأهداف النهائية للنص الدرامي بهذه العناصر وبالتركيز على بعضها دون الآخر. وتتمثل هذه الأهداف في الوصول إلى قيم جمالية وعاطفية وفكرية وأخلاقية.

الفكرة:

الفكرة هي ما يريد المؤلف المسرحي إيصاله للمتلقي من مواقف المؤلف الجمالية والأخلاقية والعاطفية ومجمل تصوراته وإدراكه للكون والعالم والحياة والعلاقات الرابطة لكل ذلك. ويختلف أسلوب طرح الفكرة من كاتب إلى آخر ومن نص إلى غيره، فقد يطرح الكاتب الفكرة مكتملة من وجهة نظره محاولاً تعميمها وفرضها باعتبارها الحقيقة النهائية، وقد يطرح كاتب آخر أفكاره باعتبار أنها وجهات نظر قابلة للأخذ والرد، وقد يطرح ثالث قضايا عامة للنقاش مع المتلقي دون تحديد مسبق لوجهة النظر.

وقد كانت الفكرة المسيطرة على المسرحية العربية لدى روادها الأوائل هي فكرة المغزى الأخلاقي الداعي إلى الاستمساك بكريم القيم والتسابق إلى الفضائل والمكرمات بتزكية النفس على المستوى الفردي. وبرزت أيضاً فكرة البعث القومي العربي بالنظر إلى حاضر العرب غير المشرِّف ومحاولة تذكيرهم بمجدهم التليد بغية إيقاظ هممهم وشحذ إرادتهم للتخلص من صنوف الاستعمار المختلفة. ثم تطوّر أسلوب طرح الفكرة من الوعظي الخطابي المباشر الموجه للأفراد بغرض الإصلاح السلوكي إلى أسلوب التصدي لمواطن الفساد في المجتمع، وتعرية العناصر المنحرفة، والثورة على حراس الرذيلة. وقد بدأ هذا الاتجاه بعد زمن قليل من بداية المسرحية العربية عند الرائد الثالث للمسرحية العربية يعقوب صنوع، ثم وصل قمته في مرحلة المسرح الاجتماعي الواقعي في خمسينيات القرن العشرين وستينياته. ومن الأساليب التي برزت في طرح الأفكار أيضاً أسلوب توفيق الحكيم ـ الذي تبناه عن بعض المدارس المسرحية الأوروبية ـ في نقاش القيم والمبادئ والقناعات نقاشاً ذهنياً مطلقاً يتم في عقل الشخصية المسرحية وبالتالي في عقل المتلقي. وهنا تكون الفكرة عنصراً طاغياً على عناصر الحبكة والشخصية والحوار. ومنذ ستينيات القرن العشرين أخذت تسيطر على المسرحية العربية فكرة محاربة الاستبداد السياسي للحكام الطغاة الفاسدين، وأحياناً محاربة الاستعمار والإمبريالية عندما تتسع نظرة الكاتب لتشمل الحديث عن معاناة الإنسان أينما كان. ونظراً لبطش الحكام وجبروتهم فقد لجأ كثير من الكُتّاب إلى استلهام القصص الشعبي أو التاريخ الإسلامي أو العربي وتوظيفه توظيفاً رمزياً يحقق هدف تحريض الجماهير على الثورة ويجنِّب الكاتب بطش السلطات المستبدة القاهرة في معظم أقطار الوطن العربي وقتها. وفي بعض الأحيان لم ينج بعض الكتاب من شيء من صنوف هذا البطش.

ومع محاولات كُتّاب المسرحية العربية الكتابة في الأطر المسرحية الحديثة في أوروبا فقد برزت أفكار جديدة من قبيل التساؤل عن جدوى الوجود الإنساني مع الوعي بمرور الزمن وحتمية الموت، والاعتقاد بعبثية الحياة مع التكرار الميكانيكي لأحداث الحياة اليومية. وتلك الأفكار التي تنبني على النظر إلى الحركة داخل النفس الإنسانية وربطها بمظاهر الطبيعة والسلوك الاجتماعي الزائف في بعض الأحيان. وبصورة مجملة فإن الفكرة في المسرحية العربية هي الفكرة في كافة الأجناس الفنية للتعبير الإنساني بحسب الحقب السياسية والاجتماعية للعالم العربي.

الحبكة:

الحبكة عنصر خفي من عناصر النص الدرامي، وهي مما يدرك عقلياً ولا يحس به كبقية العناصر. وهي عملية تخطيط وترتيب منظم يقصد المؤلف من خلالها إلى إحداث تأثير قوي على المتلقي يتمثَّل في الإدهاش وإثارة العواطف الإنسانية.

اشتملت المسرحية العربية في مختلف أطوارها وفي شتى الأطر التي كتبت فيها على عنصر الحبكة، وقويت هذه الحبكة وضعفت بحسب قدرات الكاتب ؛ فقد حشد لها بعض الكُتَّاب بواعث الصراع الداخلي ومكامنه، واصطنعوا لها تأجيج العواطف أو همودها. وبهذا تجد الكاتب يقود المتلقي المندهش بتلاحق الأحداث ومقولات الأشخاص المبثوثة في ثنايا الحوار، والمضامين المتحركة المتدافعة في تطور تصاعدي متلاحق يبلغ به قمة العقدة المسرحية. وهو في كل ذلك قد أثار فيه لذة التطلع والترقب إلى نهاية المسرحية بعد أن مكَّنه من مداخل الشخصيات ومفاتيح الأحداث ليتيح له الدخول إلى عالمه الذي يرمي إلى تصويره وأهدافه التي يسعى إلى التبشير بها بعد أن يبدأ في حل العقدة رويداً رويدا.

وقد تحقق ذلك بدرجات متفاوتة في المسرحية العربية وبلغ مداه في مسرحيات الميلودراما. غير أن الأطر الحديثة للمسرحية العربية فيما عرف بالمسرح التجريبي المتبنية لبعض التجارب الأوروبية الحديثة قد ضعف فيها عنصر الحبكة بل وانعدم تماماً في بعض الأعمال.

الشخصية:

لابد لكل نص من شخصيات تحمل سمات العالم الدرامي الذي يدور في ذهن المؤلف. ويتوقف تكوين الشخصيات على نوعية المسرحية ومنهج الكاتب في المعالجة، غير أن أقوى الشخصيات عادة في الأعمال الدرامية هي الواضحة الملامح والطباع والمميزات، والممثلة للأبعاد المرادة من توظيفها سواء أكانت طبيعية أو خرافية أو مصورة لحالات نفسية مقصورة لذاتها.

وقد أفلح بعض كُتّاب المسرحية العربية في تكوين شخصياتهم المسرحية فكانت متوازنة طوال المسرحية متحركة في انسجام مع الانطباع الأول عنها أخلاقياً ونفسياً، ما لم يقتض التطور الدرامي تغيُّرها. وعلى العكس تماماً فقد كوَّن بعضهم شخصيات مهتزة تتحرك بلا دوافع طبيعية وتتصرف في غير عفوية فتبدوا وكأنها شخصيات مصنوعة أرجوزية تتحرك بفعل الكاتب لا بتلقائيتها.

وفي الفترة التي سيطرت فيها مسرحية الميلودراما على التاليف المسرحي ا لعربي فقد برزت شخصيات البطل والبطلة والشرير والمهرِّج. وغالباً ما يكون البطل شخصية تاريخية مهيبة توافر لها التقدير العام بحكم السيرة التاريخية الناصعة، أو محباً نبيلاً يسمو في طهر ملائكي على دسائس ا لحساد الذين يمثلهم الشرير، وشجاعاً قوياً يصارع فيصرع الأهوال التي يسوقها الشرير في طريقه ويضحي بنفسه بطريقة مثيرة للعواطف ضارباً مثلاً رائعاً للمحِّب الوفي ومبشِّراً بانتصار الحب النبيل ولو بعد حين. أما الشرير الذي تدفعه الأثرة ويسوقه حب الذات وكره الخير والحسد والغيرة إلى تحقيق رغائبه محطماً كل شيء فإن الخيبة هي عاقبة رجائه ومنتهى سعيه.

ومن شخصيات المسرحية العربية شخصيات توفيق الحكيم في مسرحه الذهني، فقد كانت بعيدة عن الملامح الإنسانية الواقعية وإنما كانت رموزاً تجسم مفاهيم ذهنية خالصة.

وأبرز كُتَّاب الدراما الاجتماعية الواقعية الشخصية النمطية التي تمثل نماذج داخل المجتمع تعبِّر عن تناقضاته وصراعه الطبقي. وغالبًا ما لا تكون هناك شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، وإنما تتقاسم المجموعة كلها بطولة المسرحية، حيث يعمد المؤلف إلى إبراز ملامحها بوضوح شديد بما يعرض له من تفاصيل حياتها اليومية الراتبة بكل دقائقها العادية. وهذه الشخصيات إلى جانب تميزها أو فرديتها إلا أنها يمكن أن تكون اختزالاً حياً للإنسان في وضعية اجتماعية أو فكرية معينة.

أما في المسرحية العربية التجريبية والمكتوبة وفق بعض الأطر المسرحية الحديثة فقد نجد أشكالاً غريبة للشخصية المسرحية ؛ فهي أحياناً تكون شبيهة بالدمى ذات الحركة الميكانيكية، أو هي تجسيد للمواقف الإنسانية بلا فردية ولا تحديد لهويات ثابتة كما في مسرح العبث واللامعقول.

الحوار:

الحوار عنصر واضح في النص الدرامي ؛ وهو بناء من الألفاظ والجمل والتراكيب والعبارات والأصوات المكونة للنص، ومن عمليات ترابطها وتقاطعها وتقابلها وتكرارها تتكون وحدة منسجمة تبلور مجمل رؤية الكاتب. وتتفاوت درجات جودة الحوار بتفاوت درجات قدرة الكاتب على إبراز التعبير المشحون بالصورة الدرامية، والمصوِّر لمواقف الشخصية وأبعادها النفسية.

والحوار أداة الكاتب الأساسية في الإفصاح عما يحسّ ويريد التعبير عنه للمتلقي في شكل الصدمة أو الإدهاش أو الإقناع والبرهنة. وبوساطة الحوار يدفع الكاتب نبرة الصراع الدرامي صعوداً أو هبوطاً، ويحدد ملامح الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والجسمانية.

وتراوحت لغة الحوار المسرحي العربي بين الشعر والنثر ؛ فقد كانت المسرحيات الأولى التي كتبها الرواد الأوائل شعراً ركيكاً خلط أحياناً بالنثر المسجوع كما في بعض أعمال أبي خليل القباني، أو نثراً يميل إلى العامية المهلهلة واقحام الزجل فيه أو بعض النصوص الشعرية بلا مسوغ فني. ولم تبلغ لغة الحوار الشعري نصاعتها ورصانتها إلا في أعمال أحمد شوقي في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن العشرين ؛ إذ توافرت لهذه اللغة ميزة القدرة التصويرية التي تسهم فنياً في البناء المسرحي العام بقدر ليس كبيراً جعل بعض النقاد يقولون إن نصيب مسرحيات شوقي من الشاعرية أوفر من نصيبها من قواعد البناء الدرامي. وبلغت لغة الحوار الشعري مستوى آخر من الجودة على أيدي شعراء التفعيلة ولاسيما في أعمال صلاح عبدالصبور الذي غالباً ما كان يستخدم الشعر لغة للحوار بين الشخصيات والنثر لغة للراوي في المسرحية. ولقد كان الشعر الجديد بحسب رأي بعض النقاد يحمل من الطاقات الفنية الجديدة ما يجعله وعاءً جيداً للحوار المسرحي ؛ ذلك أن السطر الشعري في شعر التفعيلة قادر على أن يقدِّم جملة حوارية كاملة دون قطعها بسبب اكتمال وحدة البيت كما في الشعر الجاري على نظام البحر.

أما النثر باعتباره لغة للحوار فقد بدأ مع إحساس بعض الكُتّاب بالحاجة إليه للاقتراب بالنصوص المسرحية من الفهم والتفاعل الجماهيري العام بعد أن طغت لغة الشعر الجزلة الفخمة على الأعمال الكلاسيكية المؤلفة على نسق التراجيديا اليونانية. وقد بدأت كتابة المسرحية نثراً قبل ذلك إلا أنه كان عامية مبتذلة لا تليق بجلال الموضوعات التي بدأ طرحها كتاب الواقعية الاجتماعية. ومع هذه المرحلة بدأت محاولات ما عرف بتفصيح العامية واللغة الثالثة. ولقد كان توفيق الحكيم أحد المهمومين بهذه القضية. ويرى بعض النقاد أن لغة الحوار النثري لدى كُتاب الواقعية الاجتماعية كانت غنية بشاعرية جعلتها لغة موحية تفضي بالمتلقي إلى عالم من التأثر البالغ بتلك الحكمة المفعمة بالمعاني.

عاب بعض النقاد على بعض كُتّاب المسرحية العربية انطاق شخصيات من التاريخ البعيد بلغة عصرية، أو تحدث شخصيات عادية بلغة شعرية متينة النسج بما لا يناسب الأبعاد الأخرى لهذه الشخصيات. وردَّ عليهم آخرون بأنه لا غضاضة في ذلك ؛ إذ ليس المراد هو محاكاة لغة عصر تاريخي بذاته، أو لغة شريحة اجتماعية معينة بقدر ما أن المراد هو إبراز أحداث تتلاحق وتتراكم مصورة صراعاً درامياً تسهم لغة الحوار بما فيها من إيحاءات وإيماءات ورموز في تأجيجه بحيث يأخذ بأنفاس المتلقي تحقيقاً لأهداف التشويق والإثارة.

والحوار في الأطر المسرحية الحديثة تختلف مهمته ولغته وشكله عما كان عليه في الأطر التقليدية ؛ فهو مثلاً في المسرحية الملحمية إسقاط لا شعوري لعوامل توترية، أو منولوج داخلي ينقل كل تعقيدات العالم الداخلي للإنسان. وهو في مسرحية العبث تمتمات متقطعة وجمل مبتورة وتوتر وصمت وتداع، وقد أصابه التهشيم الذي أصاب كافة العناصر الدرامية في هذا اللون من المسرحية.

وبشكل عام فإن الحوار المسرحي قد تراوح بين النجاح والإخفاق في أداء مهمته داخل النص ؛ فقد نجح أحياناً في تصوير الملامح الواضحة للشخصيات، ودفع الحوادث باتجاه التصاعد في توازن وتنظيم بلا قفزات ولا اندفاع، وفي اطلاق الصراع أو تقييده، وتأجيجه أو إهماده. وقد أخفق حيناً آخر ؛ فكان جملاً باردة أو مكررة. أو كان استطراداً لا يقتضيه حدث ولا موقف. وشمل ذلك كافة الأطر المسرحية وكافة فترات تطور المسرحية العربية في كافة أقطار الوطن العربي التي عرفت التأليف المسرحي.

الأطر الفنية للمسرحية العربية

أخذ العرب المسرح عن أوروبا فكان كُتّاب المسرحية العربية مقلدين لرصفائهم الأوروبيين، ومتتبعين كل تطور يطرأ على هذا الفن محاولين نقله إلي المتلقي العربي. ولقد كانوا في ذلك صنفين: صنف حريص على التقيد التام بقواعد الإطار الفني المسرحي الذي يكتب فيه، وصنف آخر تقصر موهبته عن الحفاظ على الأسس الفنية للبناء المسرحي في شكل أو إطار مسرحي بعينه.

تداخلت حدود الأطر الفنية في العمل الواحد لدى كُتاب المسرحية العربية الأوائل ؛ فكتب مارون النقاش المسرحية الجادة المعتمدة على النص الحواري في بناء فني مفكك أهمل كثيراً من قواعد البناء المسرحي بحسب رأي النقاد والذين عزوا ذلك إلى حداثة تجربة الكتابة المسرحية. وكتب أبو خليل القباني مسرحيات أقرب إلى الأوبريتات الغنائية التي تتخذ من حوادث قصة شعبية مناسبة لمواقف الغناء والرقص والانتشار. ولقد كانت هذه النصوص تفتقر إلى التماسك الفني، وتتسم بضعف في العناصر الدرامية المكونة للنص المسرحي مما ينم عن حرفية متواضعة في الكتابة المسرحية. وكتب يعقوب صنوع مسرحيات كوميدية انتقادية ذات طابع شعبي. وهو وإن تقدم على زميليه اقتراباً من أصول صنعة الكتابة المسرحية إلا أن أعمال الرواد الثلاثة يصعب تصنيفها بشكل دقيق ضمن أحد الأطر المسرحية السائدة وقتها في أوروبا بسبب صرامة التقيد بالقواعد الفنية لتلك الأطر.

مسرحية الميلودراما العربية:

تقوم الميلودراما على تبني القضايا الاجتماعية الملتهبة وإبرازها والتعبير عنها تعبيراً واضحاً وملتزماً يصل في سهولة ويسر إلى المتلقي. وتنحاز مسرحية الميلودراما إلى الفضيلة فتنصرها، وتحارب الرذيلة فتضعفها وتهزمها في نهاية الأحداث، ويتعرض خلال ذلك الشرفاء والفضلاء إلى كثير من المآسي والمواقف المحزنة بسبب ما يحيكه الخبثاء والأشرار من دسائس ومؤامرات. ويحدث كل ذلك غالباً في إفراط ومبالغة، سواء في عنف الأحداث أو ملامح الشخصيات الخيرة منها والشريرة.

تبلور شكل المسرحية العربية ليصنف في إطار العمل الميلودرامي في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في مصر حيث لم تكن المسرحية تكتب بشكل يمكن تسجيله في بلد عربي غيرها. ومثل هذا الإطار كتاب منهم إسماعيل عاصم وعباس علام وفرح أنطون، وإن كانت معظم أعمالهم ليست ميلودراما محكمة الصنعة. ثم كان أن خطت مسرحية الميلودراما خطوة أكبر نحو إجادة الصنعة على أيدي محمد تيمور وتوفيق الحكيم. وقد حقق الكاتبان قواعد البناء الفني لمسرحية الميلودراما بشكل كامل في قضايا اجتماعية وسياسية متناثرة في مواقف من الأسى والفكاهة والإثارة البالغة بشخصيات البطل والبطلة والشرير والمهرج، أحداث تطوي سراً يفشى في لحظة بداية انحلال العقدة.

واستمرت كتابة المسرحية في إطار الميلودراما عند كُتّاب المسرحية العربية ؛ فكتبها علي أحمد باكثير ومحمود تيمور وميخائيل رومان وآخرون. وجمعت بعض أعمالهم بين خصائص إطاري الميلودراما والدراما الواقعية مما مهد لظهور مسرحية الدراما.

مسرحية الدراما العربية:

إن أهم ميزات مسرحية الدراما تتبع كل ما هو واقعي من قضايا الإنسان الاجتماعية والسياسية ومشكلات العمل والحريات والحقوق والعلاقات الأسرية وما إلى ذلك. وبذلك اقتربت المسرحية في لغتها من اللغة العادية اليومية، وفي شخوصها من أنماط مأخوذة من عمق الحياة المعاشة. وتهتم مسرحية الدراما بإثارة القضايا ومناقشتها أكثر مما تهتم بتقديم الحلول، وغالباً ما تكون ذات نهاية مفتوحة متروكة لأسئلة المتلقي وتصوراته. وتُكرَّس كل عناصر النص لإيهام المتلقي بصدق ما يجري من أحداث وواقعيته.

ومثل هذا الإطار الفني للكتابة المسرحية كتاب الواقعية الاجتماعية في مصر في أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن العشرين. واعتبر النقاد مسرحية الناس اللي تحت لنعمان عاشور أول مسرحية التزمت خط الواقعية الاجتماعية بدقة وصدق فني تام، ومثلت بالتالي نموذجاً جيداً لمسرح الدراما.

المسرحية الملحمية العربية:

تقوم المسرحية الملحمية على عزل المتلقي عن النص ؛ بحيث يستطيع أن يتلقاه بشكل ناقد لا متعاطفاً مع شخصياته متأثراً وجدانياً وشعورياً بأحداثه. ومن أهم مميزاتها كسر الإيهام بجعل المتلقي مشاركاً في إنتاج العمل. وتتضح ملامح المسرحية أكثر ما تتضح بعد إخراجها على خشبة المسرح. ويحفز الكاتب في المسرحية الملحمية المتلقي إلى إثارة الأسئلة عن العلاقات السياسية والاجتماعية وكافة ألوان العلاقات في مجتمعه. وعن إرادة الفرد في هذا المجتمع وقدرته وحدود طاقته. ويهدف الكاتب من ذلك إلى أن يتحول النقد وطرح الأسئلة إلى ممارسة دائمة لدى المتلقي مما يساعد على تربية أفراد قادرين على تغيير المجتمع.

ولما كانت المسرحية العربية مقتفية آثار المسرحية الأوروبية فقد بدأت المسرحية الملحمية العربية بترجمات لأعمال برنجت راند هذا الإطار في أوروبا. ثم قدمت بعض الأعمال العربية الخالصة في مصر في ستينيات القرن العشرين متأثرة ببعض قواعد شكلية للإطار الملحمي تأثراً يصعب معه إدراجها ضمن هذا الإطار الفني ولو أن كتابها أرادوا بها ذلك. ولم تلبث هذه التجارب أن نضجت فظهرت المسرحية الملحمية في أعمال ألفريد فرج مستوفية قواعد الإطار الفني الملحمي، وكذلك في مسرحية على جناح التبريزي وتابعه قفة لعلي سالم والتي قارنها النقاد بمسرحية بريخت السيد بانتيلا وتابعه ماتي.

والشاهد أن معظم الأعمال العربية التي يمكن تصنيفها داخل إطار المسرحية الملحمية أو الآخذة بشيء من ملامحها كانت مأخوذة من التراث الشعبي العربي المحكي في شكل من الأشكال الشبيهة بالمسرح. وقد ركز كتابها على استحضار الوقائع ذات الدلالات العصرية. وسيطرت المسرحية الملحمية على مسرح عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.

الأطر الفنية التجريبية للمسرحية العربية:

في إطار البحث الدائب لكُتَّاب المسرحية العربية عن صيغة مناسبة للمسرحية العربية تستوعب تطلعات الفنان والمتلقي العربيين نشأ ما عرف بالمسرحية التجريبية. وكان الباعث على ذلك إلى جانب استيعاب المضامين الجديدة الرغبة في التأصيل للمسرحية والمسرح العربيين، وإيجاد إطار فني يكون أقدر على إحداث التأثير القوي السريع الذي تقتفيه الروح الجديدة للحياة العصرية ؛ فكان أن نظر مؤلفو المسرحية العربية في آخر ما استجد في أوروبا فكتبوا المسرحية التعبيرية والتجريدية والعبثية ومسرحية اللامعقول بلمسات عربية تحت تأثير هاجس التأصيل الذي طغى في ذلك الوقت.

مصادر التأليف المسرحي العربي

كان التاريخ والقصص الشعبي أهم مصادر التأليف المسرحي العربي. ووفق هذه المصادر تم تصنيف المسرحية العربية إلى ثلاثة أنواع: مسرحية تاريخية ؛ مسرحية تراثية ؛ مسرحية شعرية.

المسرحية التاريخية:

ويراد بها المسرحية التي يتخذ فيها التاريخ مصدراً للتأليف كاعتمادها على شخصية تاريخية أو حدث تاريخي أو زمان أو مكان أو كل ذلك معاً. وقد يتقيد الكاتب فيها بحقائق التاريخ فينقلها للمشاهد المعاصر عبر مشاهد تتوخى الصدق التاريخي، وقد لا يتقيد الكاتب بذلك فيتخذ من الشخصية التاريخية أو الحدث مدخلاً لمعالجات معينة تهدف إلى نقد واقع عصري أو دعوات ثورية ونحو ذلك. وقد اتجه الكاتب العربي منذ فجر محاولاته في الكتابة المسرحية إلى التاريخ العربي يستوحي منه المواقف القومية التي تدعو إلى الاعتزاز وتثير الحمية. ولم يكن الاتجاه للتاريخ العربي فحسب، بل اتجه بعض الكُتّاب إلى التاريخ الفرعوني والتركي القريب والتاريخ الكردي والأمازيغي في بلدان المغرب العربي.

وشغل هذا اللون من التأليف المسرحي حيزاً كبيراً في التراث الأدبي المسرحي على امتداد الوطن العربي وفي مختلف مراحل تاريخ المسرحية العربية. ويمثل هذا اللون من التأليف مسرحية المروءة والوفاء لخليل اليازجي (1876م) ؛ السلطان صلاح الدين في مملكة أورشليم لفرح أنطون (1914م) ؛ صقر قريش لمحمود تيمور (1956م) ؛ السلطان الحائر لتوفيق الحكيم (1960م) ؛ مأساة الحلاج لصلاح عبدالصبور (1966م) ؛ ثأر الله بجزأيها الحسين ثائراً والحسين شهيداً ؛ ميسلون للشاعر سليمان العيسى (1966م) ؛ مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوس ؛ المهرج لمحمد الماغوط (1973م). ويمثلها في المغرب العربي مسرحية الوليد بن عبدالملك لمحمد الحداد في بداية العشرينيات من القرن العشرين ومسرحية الملوك الثلاثة لأحمد الطيب العلج ومحمد مصطفى القباج.

المسرحية التراثية:

في إطار البحث عن شكل مسرحي عربي أصيل قريب من وجدان المشاهد العربي دأب كتاب المسرحية العربية منذ نشأتها على استيحاء القصص الشعبي موضوعاً لمسرحياتهم ؛ فقد كانت المحاولة الثانية لرائد الكتابة المسرحية العربية مارون النقاش وهي مسرحية أبو الحسن المغفل مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة. وكاد أبو خليل القباني الرائد الثاني لكتابة المسرحية أن يعتمد كلياً على القصص الشعبي في كتابة مسرحياته المأخوذة في معظمها من قصص ألف ليلة وليلة. وقد اعتمدت الموضوعات في هذ الفترة على ما يجد القبول لدى العامة من أحاديث الحب والخيانة والبطولة والشهامة. غير أن المسرحية التراثية قد لقيت دفعة تطويرية مع بروز اتجاهات جديدة في أساليب معالجة التراث وتوظيفه في خدمة أهداف عصرية. واستخلاص مواقف الثورة والرفض في التراث بدلاً عن مواقف الحب والخيانة.

ولقي هذا الاتجاه اهتماماً كبيراً لدى كُتَّاب المسرحية في مختلف الدول العربية، ووُظف القصص الشعبي في خدمة الأهداف السياسية المتمثلة في البحث عن ديمقراطية الحكم وحقوق الإنسان ومقاومة استبداد الحكام والدفاع عن طبقات المجتمع الدنيا. فظهرت مسرحيات مثل مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوس في سوريا، ونبتة حبيبتي للشاعر هاشم صديق في السودان، وبغداد الأزل بين الجد والهزل للكاتب العراقي قاسم محمد.

ويمثل الاهتمام بالتراث الشعبي مصدراً للتأليف المسرحي ومخرجاً عن التبعية الثقافية للغرب في المغرب العربي كُتاب مسرحيون منهم على سبيل المثال عبدالكريم برشيد وأحمد الطيب العلج والطيب الصديقي.

المسرحية الشعرية:

لما كان العرب قد أخذوا المسرح عن أوروبا فقد كتبوا المسرحية شعراً، كما كانت هنالك منذ التراجيديا اليونانية حتى ظهور الدراما الواقعية في القرن التاسع عشر. ويعتبر النقاد الشاعر أحمد شوقي الرائد الذي أخرج المسرحية الشعرية من ركاكة أشعار الرواد الأوائل إلى مسرحية الشعر الرصين بما امتلكه من موهبة مهولة. وتأثر به وتبعه في ذلك الشاعر عزيز أباظة، ثم علي أحمد باكثير. وقد كتب شوقي مسرحياته شعراً عمودياً حافظ فيه على وحدة البيت الشعري. وسجِّل النقاد لعلي أحمد باكثير أولى المحاولات للخروج عن وحدة البيت. وطور علي أحمد باكثير هذا النهج حتى استخدم الشعر المرسل المتحرر من قيود الوزن البحري والمعروف بشعر التفعيلة.

ثم كان أن برز في كتابة المسرحية الشعرية علامة مضيئة هو الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي الذي خطا خطوات واسعة في كتابة الدراما الشعرية بما استخدمه من لغة واضحة الدلالة، وصور شعرية تساند الأفكار في بناء درامي متماسك. غير أن الخطاب في مسرحيات الشرقاوي كان أقرب للمباشرة منه إلى الرمز، وتمثّل ذلك في مسرحية الفتى مهران، ومسرحية ثأر الله - الحسين ثائراً - الحسين شهيداً.

وحققت المسرحية الشعرية درجة عالية من النضوج على يد الشاعر صلاح عبدالصبور ؛ لما امتلكه الشاعر من رؤية جمالية خاصة، نهلت من المسرح العالمي في وعي وبصيرة مع ثقافة ثرة ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي العربي أتاحت له استيحاء مواقف الدراما الثورية. كل ذلك اتحد بموهبة شعرية فذة أنتجت أعمالاً مسرحية أجمع النقاد على روعتها واعتبارها علامة فارقة في تاريخ المسرحية الشعرية، بل المسرحية العربية بمختلف مصادرها. وقد وصلت أعماله المسرحية من مثل مأساة الحلاج ومسافر ليل بالتأليف المسرحي الشعري إلى مرحلة المسرحية الشعرية الدرامية التي يختلط فيها الشعر بالدراما وتندمج فيها غنائية الشعر وصوره بالبنية الدرامية للشخصيات والمواقف بما يخرج بناءً مسرحياً منسجماً.

وكان بعد ذلك أن كتب هذا اللون من المسرحية شعراء كثيرون على امتداد الوطن العربي منهم الشاعر فاروق جويدة حيث كتب الوزير العاشق ؛ دماء على ستار الكعبة، وكتب محمد الفيتوري مسرحيته سولارا، وكتب محمد عناني مسرحيته الغربان وشعراء آخرون.

تاريخ المسرحية العربية

تاريخ المسرحية في المشرق العربي:

يجمع دارسو تاريخ المسرح العربي على أن أول نص وضع ليكون مسرحية تُمثَّل على مسرح هو نص مسرحية البخيل لمارون النقاش (1817- 1855م). وقد كتب مارون هذه المسرحية عام 1847م ومثَّلها أفراد أسرته في مسرح أقامه أمام بيته. وذهب بعض النقاد إلى أنه ترجم هذه المسرحية أو اقتبسها من مسرحية البخيل لموليير. ويرى بعضهم الآخر أنه ألفها تأليفاً كاملاً بعد أن اطلع على مسرحية موليير فتردد صداها في مسرحيته. وكتبت المسرحية بشعر عربي أقرب إلى الركاكة والاختلال العروضي منه إلى الشعر الرصين، ولم تخلُ اللغة من استخدام للعامية اللبنانية.

وواصل مارون النقاش كتابة المسرحية فكتب في عام 1849م مسرحيته الثانية أبو الحسن المغفل، وهي مستوحاة من إحدى حكايات ألف ليلة وليلة. وفي عام 1851م كتب مسرحيته الثالثة السليط الحسود وهي ملهاة أخلاقية. ورغم أن رسم الشخصيات وتطويرها تبعاً لنمو العمل المسرحي كان جيداً إلا أن الكاتب كان يغفل بعض القواعد التي ينبغي اتباعها في فنية الكتابة المسرحية.

وظهر أبو خليل القباني ثاني كُتَّاب المسرحية العربية في دمشق (1833 - 1903م). وكان الرجل ذا معرفة بأصول الموسيقى والغناء العربي ؛ فكتب مسرحياته لتغنى على المسرح، فكان بذلك رائد المسرحية الغنائية التي ناسبت الذوق العربي في وقتها. وقد لجأ القباني إلى الموروث القصصي في ألف ليلة وليلة يصوغ منه مسرحياته ويحشد فيها المواقف الغنائية. ويعتبره بعض النقاد رائداً للتأصيل في المسرحية العربية والابتعاد بها عن التأثر بالمسرح الغربي الذي صبغ مسرحيات مارون النقاش. ومن مسرحيات القباني والتي كانت تهدف إلى التسلية والامتاع ولم تخلُ من اتجاهات وعظية مسرحيات الأمير محمود نجل شاه العجم ؛ ناكر الجميل ؛ هارون الرشيد مع أنس الجليس ؛ هارون الرشيد مع الأمير غانم ؛ قوت القلوب.

أما ثالث رواد المسرحية العربية فكان يعقوب صنوع (1839- 1912م) المؤلف المسرحي المصري والصحفي الذي اشتهر بأبي نظارة. ويرى النقاد أن يعقوب صنوع قد خطا بالمسرحية العربية خطوة جبارة خلصتها من فكرة الهدف الأخلاقي الطاغي على مجمل الأحداث، ووضعتها في إطار العمل الواقعي الاجتماعي الناقد المتصدي لقضايا الظلم الاجتماعي. وقد هاجم يعقوب صنوع في مسرحياته عقدة التشبه بالأوروبيين التي استشرت بين أبناء الطبقتين العليا والمتوسطة، وهاجم الجهل والجمود، كما هاجم طبقة الإداريين المرتشين. وكانت اللغة العامية المصرية التي يتحدثها الناس في حياتهم اليومية هي لغة مسرحيات يعقوب صنوع. ويذكر دارسو الأدب المسرحي العربي أن يعقوب صنوع قد ألّف 32 مسرحية تراوحت بين ذات الفصل الواحد وذات الفصول الخمسة. ومن أشهر مسرحياته الضرتان ؛ العليل ؛ حلوان ؛ الأميرة الإسكندرانية ؛ موليير مصر وما يقاسيه.

وفي بداية القرن العشرين وفي مصر على وجه التحديد كتبت مسرحيات مصرية خالصة صادقة الانتماء إلى الواقع المصري. وقد اهتمت هذه المسرحيات بمناقشة مشكلات اجتماعية فبشرت بقدوم المسرحية العربية الاجتماعية المؤلفة تأليفاً خالصاً بالعربية. وقد صاحب هذا الانتقال عناية برسم الشخصيات والبناء الفني للمسرحية. ومن ذلك مسرحيات فرح أنطون مصر الجديدة ومصر القديمة (1913م) ؛ صلاح الدين في مملكة أورشليم (1914م) ؛ بنات الشوارع وبنات الخدود (1913م). ومسرحيات محمد تيمور عبدالستار أفندي (1918م) ؛ العشرة الطيبة (1920م) ؛ الهاوية (1921م)، وبعض المسرحيات لتوفيق الحكيم.

ثم كانت مسرحيات أحمد شوقي الشعربية علامة بارزة في تاريخ المسرح العربي بما أحدثته من نقلة هائلة للمسرحية الشعرية. وقد عاد أحمد شوقي لكتابة المسرحية بعد انقطاع طويل منذ أن كتب مسرحيته الأولى علي بك الكبير (1893م) وهو لا يزال طالباً في فرنسا. عاد فكتب مسرحيته مصرع كيلوباترا 1927م. ثم كتب ما بين عامي 1927 و1932م مسرحيات مجنون ليلى ؛ قمبيز ؛ عنترة، وأعاد كتابة أميرة الأندلس. وقد دارت كل هذه المسرحيات في فلك التاريخ ؛ فكتب مصرع كيلوباترا وقمبيز من التاريخ الفرعوني. ومجنون ليلى وعنترة من التاريخ العربي. وعلي بك الكبير من التاريخ التركي. ويرى كثير من النقاد أن مسرحيات شوقي لها نصيب وافر في الشاعرية انتقص من نصيبها في حرفية التأليف المسرحي. ويقر هؤلاء النقاد بأن هذه المسرحيات قد وضعت اللبنة الأولى لاستخدام الشعر الرصين لغة للمسرحية العربية، وبقيت مناراً اهتدى به جملة من الشعراء في التأليف المسرحي الشعري. وأبرز هؤلاء الشعراء كان عزيز أباظة، ثم علي أحمد باكثير الشاعر الحضرمي الأصل المصري الجنسية.

ولئن كان شوقي في هذه الفترة علم التأليف المسرحي الشعري فقد ظهر توفيق الحكيم علماً في التأليف المسرحي النثري أكثر نضجاً وأوضح رؤية عما كانت عليه مسرحياته في بداية العشرينيات. فكتب في هذه الفترة وحتى النصف الأول من الخمسينيات مسرحياته المسماة مسرح المجتمع والمجموعة الأخرى المسماة المسرح الذهني. وقد ركّز في مسرحياته الاجتماعية على المشكلات والقضايا التي كان يعاني منها المجتمع المصري يومها. وأما مسرحياته الذهنية فكانت تعالج موضوعات فكرية فلسفية تقوم على حوار يُعنى بالأفكار لا الشخصيات في لغة فصيحة قريبة من العامية.

انتجت ثورة 1952م جيلاً جديداً من الكُتَاب المسرحيين كتب في قضايا تعني شعبهم بصورة مباشرة مقدمين شخصيات مصرية صميمة. وغالباً ما كانت لغتهم هي العامية المصرية. ويجمع النقاد على أن مسرحية الناس اللي تحت لنعمان عاشور التي عرضت في 1956م تعتبر بداية مرحلة جديدة في تاريخ التأليف المسرحي العربي ؛ إذ إنها استبدلت باللغة الفصيحة اللغة العامية وبالحوار الذهني الخالص الحوار الواقعي العفوي، وبالشخصيات المستدعاة من متحف التاريخ شخصيات عادية مما يصادفه الناس في الطريق العام، وبالعقدة الدرامية التقليدية المشكلة الاجتماعية المأخوذة مباشرة من ظروف الحياة العادية لعامة الناس. وعلى أيدي هذا الجيل عبرت المسرحية من المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلة الواقعية. وكان من رواد هذه المرحلة إلى جانب نعمان عاشور كل من سعد الدين وهبة وألفريد فرج ويوسف إدريس ورشاد رشدي ولطفي الخولي وآخرون.

برز في التأليف المسرحي في الستينيات اتجاه جديد اتخذ من شعر التفعيلة لغة للتأليف المسرحي، ومن موضوعات الثورة والرفض أساساً للمغزى والفكرة المسرحية. ومثَّل هذا الاتجاه الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والشاعر صلاح عبدالصبور. ومن ملامح هذا الاتجاه في التأليف المسرحي التحام الصياغة الشعرية بالبناء الدرامي للنص. ويعتبر بعض النقاد مسرحيات صلاح عبدالصبور مرحلة بذاتها في تاريخ المسرحية العربية، وذلك لما تمثَّل في هذه المسرحيات من قدرة فائقة في التغلب على إشكال المزاوجة بين الدراما والشعر. وإشكال الصراع حول موسيقى الشعر بين أنصار الشعر العمودي وأنصار شعر التفعيلة. حيث قدم من خلال هذا الشكل ما اصطلح على تسميته بالمسرحية المشكلة والمسرحية ذات الفصل الواحد والمسرحية متعددة النهايات والمسرحية المستمدة من التاريخ والمستمدة من الواقع على حد سواء. ومن أعلام الكتابة المسرحية في هذا الشكل سليمان العيسى وفاروق جويدة وغيرهما.

أعقب هذه الفترة في تاريخ المسرحية العربية مرحلة التأثر المباشر بألوان التأليف المسرحي الأوروبي فظهرت المسرحية الملحمية مثل مسرحية لومومبا لروؤف سعد، و آه يا ليل يا قمر لنجيب سرور و بلدي يا بلدي لرشاد رشدي. ثم ظهرت المسرحية العبثية ومسرحية اللامعقول ومثَّل ذلك مسرحيات يا طالع الشجرة لتوفيق الحكيم (1962م)، و الفرافير ليوسف إدريس (1964م)، و المهزلة الأرضية 1966م، و الوافد (1966م)، و الخطاب (1967م) لمخائيل رومان. وقد بدأت هذه المسرحيات بترجمات للرواد الأوروبيين لهذه المدارس من أمثال بريخت في المسرح الملحمي، وألبير كامو وبيكيت ويونسكو في مسرح العبث واللامعقول. وقد أثارت مسرحيات العبث واللامعقول جدلاً واسعاً بين نقاد المسرحية العربية بين مؤيد لاتجاه التقليد هذا باعتباره يمثِّل إثراءً وصقلاً للمسرحية العربية، وبين معارض يرى أن هذه ظواهر وإفرازات للحضارة الغربية غير معني بها المسرح خارج هذه الحضارة، ولا سيما المسرح العربي المعني بمشكلات مجتمع مختلف يقوم على أسس جماعية متماسكة لا فردية كالتي تفرز مثل هذه الظواهر في المجتمع الأوروبي.

والمسرحية العربية اليوم في غالبها فكاهية تكتب لتعرض على مسارح تجارية تهدف إلى جذب الجمهور عن طريق الإضحاك المبتذل القائم على النكتة اللفظية أو الحركات المبالغ فيها والخارجة عن المألوف أو الإشارات الجارحة للحياء أحياناً. ولذلك فإن هذه المسرحيات في معظمها تعاني من تفكك البناء الدرامي وسطحية المعالجة وضعف بناء الشخصيات. ويحاول الكُتّاب في هذه المسرحيات أن يبرزوا أهدافاً أخلاقية سامية وأن يتبنوا قيماً نبيلة في محاولة لمعادلة الإسفاف الذي يريده الجمهور حسب زعمهم. غير أن ذلك يبدو مقسوراً قسراً على البناء الدرامي، وغالباً ما يتم في خطابية ومباشرة. وبطبيعة الحال لا تخلو ساحة الكتابة المسرحية الحالية من أعمال كوميدية هادفة تتوافر لها عناصر النضج الفني، ولكنها قليلة نسبياً. كما أنه لا تزال تكتب المسرحية التجريبية التي تتمثل المدارس المسرحية العالمية الحديثة وتُقدَّم في مسارح خاصة بعرض هذه الأعمال كمسارح الجمعيات المسرحية والمسارح الأكاديمية. ولا يزال هناك كُتَّاب مهتمون بالبحث عن شكل المسرحية العربية المثالية.

تاريخ المسرحية في المغرب العربي:

يشير دارسو المسرح العربي إلى أن المغرب العربي قد عرف المسرحية العربية بعد نزوح فرقة سليمان القرداحي من مصر إلى تونس في عام 1908م وإقامتها هناك. وقد زارت الفرقة الجزائر ولم تصل إلى المغرب الأقصى بسبب الوضع السياسي فيه آنذاك. وقد أعقبت زيارة فرقة القرداحي زيارات فرق أخرى كفرقة سلامة حجازي.

وأشبهت بداية المسرحية العربية في المغرب بدايتها في المشرق ؛ إذ إن كُتّاب المسرحية في المغرب احتذوا خطوات المشرقيين في الترجمة والاقتباس من المسرح الأوروبي، ولاسيما المسرح الفرنسي بسبب الحماية التي فرضتها فرنسا على بلدان المغرب العربي وعملت فيها على نشر لغتها وتركيزها. وقد تركزت الترجمة والاقتباس على مسرح موليير على وجه الخصوص لتميز شخوصه بطباعها البشرية التي يمكن نقلها إلى مختلف البيئات.

ومن ناحية أخرى فإن تركيز الاحتلال الفرنسي على طمس الهوية العربية لشعوب المغرب العربي قد ولَّد بالمقابل رد فعل قوي للمحافظة على الهوية العربية تمثَّل في مجال الكتابة المسرحية في الوعي المبكر بأهمية التأصيل في النص المسرحي، بل وفي وضع الخشبة المسرحية نفسها، ليخرج كل ذلك عن دائرة تقليد التراث المسرحي الأوروبي والالتزام بقواعده إلى ما يخدم فكرة الحفاظ على الهوية الثقافية العربية. وتواصل هذا الاتجاه إلى أن بلغ نظرية متكاملة لدى الكاتب المسرحي المغربي عبدالكريم برشيد فيما سماه الفن الاحتفالي بدلاً عن العرض المسرحي. ويسبِّب ذلك بأن كلمة عرض متداولة في سوق التجارة، وهي تعني وجود بضاعة تعرض على مستهلك نسميه جمهوراً انحصر دوره في دفع ثمن التذكرة والتصفيق ؛ ولذا فهو يرفضها من واقع هذا الابتذال.

ومن أبرز كُتّاب المسرحية في بلدان المغرب العربي أحمد الطيب العلج والطيب الصديقي وعبدالكريم برشيد وكاتب ياسين وعلولة وآسيا جبار وآخرون.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية