الرئيسيةبحث

التحديث ( Modernization )


التّحديث مصطلح يعني التقدم والحركة. والتَّحديث ضد الثبات والجمود كما يحمل بين طياته معنى التغير والجدة والنسبية فما كان حديثًَا بالأمس يصير تقليديًا وقديمًا اليوم ؛ وما هو حديث اليوم سيصبح قديمًا غدًا. فالمستقبل يعيش في أرض الحاضر. ولا يتجلى التحديث إلا من خلال عملية الابتداع والابتكار لا من خلال التقليد.

أما الحديث في اللغة العربية فنقيض القديم. والحديث هو الجديد من الأشياء. وقد استعملت مصطلحات مثل : التحديث والحديث والاستحداث والحداثة وجعل الشيء حديثًا، استعمالات عديدة متباينة ومميزة. فأولاً قد يعني الحديث المعاصر أو الأكثر معاصرة وبهذا المعنى فالمراد بجعل الشيء حديثًا استبدال الأساليب والظواهر السائدة بأساليب وظواهر أكثر حداثة. ويرتبط التحديث والحديث بالتقدم والمعاصرة والتقدمية بالمعنى المتداول حاليًا بين المفكرين والمثقفين. ويعرّف بعض المنظرين التحديث بأنه نتاج اتساع معرفة الإنسان وسيطرته على البيئة. وثمة تعريف ثان يرى التحديث مجموعة الآثار التي تترتب على تراكم جديد من المعرفة الإنسانية، وسيطرة الإنسان على الطبيعة في العصر الحديث.

فالتحديث هنا يعني قدرة المجتمع على التفاعل مع المعلومات المتاحة والاستجابة لهذه المعلومات. كما عُرّف التحديث بأنه قدرة النسق على إحداث التغير، ولكن لن يكون هذا التغير عملية آلية، بل نتيجة تدبر عقلي وإرادة بشرية. وهناك تعريف رابع يقول إن التحديث عملية تحول من البدائية التقليدية إلى المعاصرة ويصاحب هذا التحول تغير في حجم المجتمع، وازدياد التخصص المهني، وتقسيم العمل والاعتماد على تبادل العلاقات النفعية في مجال أكبر وازدياد التحضر وتعقّد شبكة العلاقات الاجتماعية وتلاشي الاعتقاد بالسحر.

ويرى تعريف خامس أن عملية التحديث ترتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وقد يعني تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي بما يتمشى مع مقتضيات العصر مع المحافظة على الهوية الثقافية.

ولنا أن نصنِّف هذه التعريفات المتباينة للتحديث إلى ثلاث فئات من المعاني ؛ فالمعنى الأول تحليلي يشير إلى أن التحديث وجعل الشيء حديثًا، يقتضي تحقيق خصائص وعمليات اجتماعية مثالية في البناء الاجتماعي، ومن ثم توصف المجتمعات بأنها حديثة بقدر ما تحقق هذه الخصائص والعمليات المثالية. فالتحديث يرتبط بسعي الإنسان للكمال.

والمعنى الثاني قد يعني معنًى تاريخيًا ويشير إلى وقوع الحدث في فترات تاريخية معينة من الزمان تتميز عن المراحل السابقة بخصائصها الجديدة وتتميّز المرحلة المعاصرة بنمو الرأسمالية وازدهار العلم ولا يعني هذا القول انفصال الحاضرعن الماضي، فهذا تفسير خاطئ. فازدهار الحاضر يرتبط بالماضي إذ إنَّ هذه الخصائص قد نشأت في رحم الماضي. وترتبط هذه الرؤية بروح العصر.

أما المعنى الثالث فيرتبط بمجموعة الخطط والسياسات الواعية التي يحققها الساسة والصفوة لتغيير نمط حياة المجتمع من نمط المجتمع التقليدي إلى نمط المجتمع المتقدم والذي ينظر إليه قادة الدول النامية باعتباره النمط الرائد.

وتحدث عملية التحديث في كل المجتمعات وكل الأزمنة ولكن بدرجات متباينة، فالتغيرات المعاصرة تفوق التغيرات السابقة كمًا وكيفًا وسرعة حدوث.

وقد مارس الغرب ظاهرة التحديث المعاصرة ابتداء بعصر النهضة، فحركة الإصلاح الديني اللوثري، فعصر التنوير ونمو الرأسمالية والثورتين الصناعية والسياسية والاعتقاد بالمنهج العلمي وقوة العقل وقد تجاوز الغرب هذه المرحلة إلى مرحلة ما بعد الحداثة.

وقد ظهرت بدايات التحديث في العالم العربي ابتداء من تأسيس دولة عصرية في مصر على يد محمد علي وتأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز، وقد ظهرت مظاهر التحديث في بلدان شمال إفريقيا ولبنان وسوريا والسودان والعراق ولكن تشابهت حركة التحديث مع التغريب. والحقيقة أن الإسلام لا يرفض التحديث بل إن القرآن والسنة، وما يتضمنان من تعاليم الإسلام في المعاملات والعبادات كانا تحديثًا لمجتمع الجاهلية. بل كان ظهور الإسلام هو أساس التحديث. ولا يوجد تناقض بين الإسلام والتحديث، ولكن الإسلام يمنع المسلم من التغريب بمعنى التشبه بالفرنجة في الأفعال والاقتداء بهم. وعملية التحديث ليست سهلة بل عملية منظمة عمادها الإبداع، وتحدث في كل المجالات ابتداء من تحديث الاقتصاد، وأدوات ونظم الإنتاج والتعليم والأداء الحكومي، والطب والزراعة والإعلام، وانتهاء بتحديث الفكر والأدب، والسياسة والفن والعمارة والعادات. وهناك أسباب عديدة تعوق عملية التحديث في بعض البلدان: أهمها الأميَّة والحروب الداخلية والصراعات القبلية والعرقية وجمود العادات والتقاليد والخرافات. وللتحديث خصائص تميز الحقبة الزمانية التي يوجد فيها إذ تحدد خصائص التحديث بفترة زمانية محددة تسبق فترة قادمة في التاريخ وتعقب فترة أخرى سبقتها ويمكن أن نوجز خصائص التحديث المعاصر في: 1- تكافؤ الفرص بين العاصمة والأطراف، وهذا يولد عند المواطنين الوعي بالانتماء 2- الإيمان بالمساواة وأهمية دفع المواطنين إلى المشاركة وتحقيق العدالة. 3- سيطرة التفكير العلمي والاعتقاد بالتغير 4- المعرفة قوة اجتماعية 5- ظهور أهمية الروابط التي ينتمي إليها المواطن 6- الربط بين السياسة والاقتصاد 7- ازدهار التقنية في كل المجالات 8- احترام الطبيعة والمحافظة على البيئة من التلوث.

ومن أشهر منظري التحديث في علم الاقتصاد وعلم الاجتماع والتنمية، الاقتصادي الأمريكي والت روستو الذي صاغ وابتكر نظرية في التحديث. وللوصول إلى مرحلة التحديث يتعين على كل مجتمع أن يمر بمراحل خمس لا يحيد عنها هي: 1- المرحلة التقليدية 2- مرحلة التهيؤ للانطـلاق 3- مـرحـلـة الانـطلاق 4- مرحـلة النضج 5- مرحلة الاستهلاك الضخم.

★ تَصَفح أيضًا: الحداثة ؛ التنمية ؛ التغير الاجتماعي ؛ الاجتماع، علم ؛ التخلف الثقافي ؛ التغريب.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية