ذو القَعْدَة اسم الشهر الذي يلي شوالاً ويسبق ذا الحجة، وهو الشهر الحادي عشر من شهور السنة وفق التقويم الهجري. وقد سمي بهذا الاسم نحو عام 412م في عهد كلاب بن مُرَّة الجد الخامس للرسول ﷺ. وذو القَعْدَة بفتح القاف وهو المشهور، وفي لغة قليلة تشيع لدى العامة بالكَسْر. وسمي بذلك لأن العرب كانت تلزم فيه منازلها، وتقعد فيه عن القتال استعدادًا للحج في ذي الحجَّة. وقيل بل سمي بذلك لقعودهم في رحالهم عن الغزو وعن السفر لابتياع طعامهم وطلب الكلأ. وهذا الشهر أول الأشهر الحُرم الأربعة ؛ ثلاثة سَرْد (متتابعة) وهي ذو القَعدة وذو الحجَّة والمحرم، وواحد فَرْد وهو رجب، وهي الأشهر التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله ﴿إن عدةَ الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم﴾ التوبة: 36. وكانت كل القبائل تَتَقَيَّد بحرمة هذه الأشهر فلا يغيرون فيها على بعضهم بعضًا سوى حيَّيْن هما خَثْعم وطَيِّء. وكان ذو القَعْدَة شأنه كسائر الأشهر الحرم مناسبةً تُقام فيها الأسواق للتجارة، والشِّعر، وتبادل المنافع في كل من عُكاظ والمِرْبَد وذي المجاز والمِجَنَّة. أما ذو القعدة فقد كان ينعقد فيه سوق عكاظ بمكة، وهناك روايتان تختلفان في وقت انعقاده ؛ تقول الأولى إنه كان يعقد فيه من أوّله إلى العشرين منه، والرواية الأخرى تقول إنه كان يعقد من نصفه إلى آخره، ثم إذا رأوْا هلال ذي الحِجَّة انصرفوا إلى سوق ذي المجاز. وفي هذه الأسواق كان الرجل يلْقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يهيجه تعظيمًا لحرمة الشهر. وكان يكثر الخلاف على أول ليلة فيه ؛ فقد كان يستحلها حتى أولئك الملتزمون بحرمة الشهر، وكانوا يسمون الليلة التي لا يدرون أهي من شوّال أم من ذي القَعْدَة الفَلْتَة. وكان الموتورون يسارعون إلى الأخذ بثأرهم خوفًا من أن يتوانوا فيه فإذا كان الغد دخل الشهر الحرام ففاتهم ذلك. ويقال بل كان للعرب في الجاهلية ساعة يقال لها الفَلْتة ؛ وهي آخر ساعة من آخر يوم في شوال يغيرون فيها وإن كان هلال ذي القَعْدَة قد طلع ؛ لأن تلك الساعة تُعدّ من شوال ما لم تغب الشمس. ولربّما رأي قوم الهلال، ولم يبصره آخرون، فيُغير هؤلاء على أولئك ـ على حين غِرَّة ـ وسُمِّيت فَلْتة لأنها كالشيء المُنْفَلت بعد وثاق، أنشد ابن الأعرابيّ:
|
وغارةٍ بين اليَوْمِ واللَّيْلِ فَلْتَةٍ | | تَدارَكْتُها ركْضًا بسيدٍ عَمَرَّدِ |
|
أسماؤه:
عرف العرب أربع سلاسل من الأسماء للشهور العربية كانت آخرها السلسلة المستخدمة حاليًا التي استقر الرأي عليها في مطلع القرن الخامس الميلادي على وجه التقريب. ولم تستخدم كل هذه الأسماء في زمن أو مكان واحد ؛ فقد كان للعرب المستعربة أسماء أطلقوها على شهورهم، وكان للعرب العاربة شهورهم كذلك. والشهور المستخدمة في التقويم الهجري الحالي أسماء الشهور التي وضعتها العرب المستعربة وظلت على ما هي عليه دون تعديل أو تغيير منذ ما يقرب من 19 قرنًا. أما ثمود، قوم صالح عليه السلام، فقد كانت لديهم سلسلة أخرى مخالفة لهذه الشهور، وكانوا يبدأون سنتهم بشهر رمضان (دَيْمَر) وليس المحرم (مُوجِب)، وأسْموا ذا القَعْدَة (حَيْفَل). قال الشاعر:
|
ودابِرُ يمضي ثم يُقْبلُ حَيْفَلٌ | | ومُسْبِلُ حَتَّى تمَّ فِيهنَّ أشْهرُ |
|
وعنى بدابر شوال وبمُسْبِل ذا الحجَّة.
ومن الأسماء الأخرى التي أطلقت على ذي القعدة قبل الإسلام بوقت طويل حَرْف، وهُواع، ورَنَّة، والرَّنَّة الصيحة الحزينة أو الصوت الحزين عند الغناء ؛ ولربما كان ذلك لأنه يمثل الوقت الذي يتحركون فيه إلى الحج مغنّين مُلَبّين، ثم إن حجهم نفسه كان مكاء وتصدية (صفيرًا وتصفيقًا). وقد نظم أحد الشعراء إحدى السلاسل الأربعة من الشهور التي استعملت قبل القرن الخامس الميلادي فقال:
|
بمُؤْتَمِرٍ وناجِرَةٍ بدأنا | | وبالخَوّان يتبعه الصُّوانُ | وبالزّباء بائدة تليه | | يعود أصَمُّ صَمَّ به السنانُ | وواغِلَةٌ وناطِلَةٌ جميعًا | | وعادلةٌ فهم غُرَرٌ حِسانُ | ورَنَّةُ بعدها بُرَكٌ فتمَّت | | شهور الحَوْل يعقدها البنان |
|
ومن أحداث هذا الشهر خروج الرسول ﷺ فيه من سنة 6 هـ ؛ أي سنة الاستئناس للعمرة، لكن الكفار منعوه، ومن ثم تم عقد صلح الحديْبِية الذي كان بعيد النتائج، وكان فتح مكة من نتائجه. وفي ذي القَعْدَة من العام التالي 7 هـ ؛ أي سنة الاستغلاب كانت عمرة القضاء حسب نص صلح الحدْيِبية. وفي يوم السبت 25 ذي القَعْدة من العام العاشر للهجرة ؛ أي سنة الوداع خرج الرسول ﷺ من المدينة إلى مكة لأداء الحج، (حجة الوداع) ولم يحج الرسول ﷺ بعدها. ووقعت معركة جلولاء في غُرّة هذا الشهر من عام 16هـ، وكانت بين المسلمين والفرس، ويقال إن المتحاربين فيها استعملوا الرماح حتى تقصَّفت والسيوف حتى انْثَنَتْ ولكن المسلمين ثبتوا حتّى كتب لهم النصر.
مقالات ذات صلة
المصدر: الموسوعة العربية العالمية