الفقر ( Poverty )
☰ جدول المحتويات
الفَقـر العوز والحاجة، ويصير الناس فقراء إذا فقدوا الدخل أو المورد الذي يكفل لهم أدنى مستويات العيش. ودرجة الفقر يحددها نسق القيم الاجتماعية السائد في المجتمع، وهذا النسق يختلف باختلاف الزمان والمكان. فعلى سبيل المثال، نجد أن كثيرًا من الناس الذين يعيشون في المجتمعات الغربية الصناعية يعتقدون أنه من الضروري لهم اقتناء سيارة حتى يعيشوا بصورة لائقة. ويعتبرون أنفسهم فقراء إذا لم يتسن لهم شراء سيارة. بينما ينظر كثير من الناس الذين يعيشون في بلدان أخرى إلى السيارات على أنها أمر كمالي. ولايعتبرون عدم اقتناء سيارة علامة على الفقر. ولم يكن سكان الدول الصناعية الذين عاصروا اكتشاف السيارة يعتبرون السيارات ذات أهمية للمستوى المعيشي اللائق.
تأثيرات الفقر
يسبب الفقر المعاناة لملايين من بني البشر. فللفقراء فرص أقل في الحصول على ما يحتاجونه من طعام يكفل لهم الصحة الجيدة وتلقي العناية الطبية المناسبة في حالات المرض. وقد لايجد أطفالهم الأكل الكافي. كما تزيد نسبة معاناة الفقراء من المرض والوفاة في عُمرٍ مبكر عن بقية الناس.
تعيش كثير من الأسر ذات الدخل المنخفض في الأحياء الفقيرة القذرة من المدن أو المناطق الريفية التي لا تكفل الاحتياجات الأساسية من الطعام والمأوى والملبس. ولايوفر لهم العمل سوى دخل متدن، غير ثابت، وضمانات غير كافية. ويعمل العديد من الفقراء تحت ظروف خطيرة أو غير صحية.
يسبب الفقر اليأس والغضب وتعمل المشاكل المالية والعاطفية والمرضية على توتر الروابط الأسرية.
ليس للفقراء وزن كبير في كثير من المجتمعات. وتهتم المؤسسات التجارية والخدمية بتلك الفئة في المجتمع التي تشتري منتجاتها، وتستفيد من خدماتها. وللفقراء سلطة سياسية محدودة إذ إن الكثيرين منهم لايدلون بأصواتهم في الانتخابات لاعتقادهم أنه لايوجد مرشح سياسي يستطيع مساعدتهم.
تشيرُ الدراسات إلى أن أعدادًا كبيرة من الأطفال الذين يولدون في أسر ذات دخلٍ منخفض يظلون فقراء طوال حياتهم. ويشعر بعضهم بالعجز أسوة بآبائهم. وفي بعض أنحاء العالم، ينظر الفقراء إلى الأسر الكبيرة على أنها مصدر تأمين للعيش عن طريق إيجاد العمل لأفرادها في أراضيهم أو العناية بكبار السن منهم.
قد يعاني الأطفال المحرومون قلة التغذية التي تكفل لهم النمو الصحي خلال أهم سنوات عمرهم المبكرة. ومن النادر أن يتوقعوا الالتحاق بمدارس حسنة، تهيئ لهم فرصة التعليم التي تكفل لهم حياة سوية.
قياس الفقر
بلغت نسبة الفقر في تسعينيات القرن العشرين في جميع أنحاء العالم درجة كبيرة حيث عَرَّضت حياة بليون إنسان وصحتهم، أو ما يعادل خمس السكان على الأقل، للخطر. ويختلف تعريف الفقر من بلدٍ إلى آخر تمامًا كما تختلف مستويات المعيشة، وبالتالي فمن الصعب إعطاء إحصاءات دقيقة. ولكن المؤكد هو أن أكثر أنواع الفقر انتشارًا وقسوة تحدث في الدول ذات الموارد القليلة أو غير النامية. وتسمى هذه الدول عادةً الدول النامية أو دول العالم الثالث. ★ تَصَفح: العالم الثالث.
ويدخل ما يزيد على مائة قطر تحت قائمة الدول النامية، وقد كانت مستعمرات سابقة للدول الصناعية. ومن أسباب فقر الدول النامية الحالي أنها كانت ـ فيما مضى ـ مستعمرات سلبتها القوى المُستعمِرة الكثير من ثرواتها. وقد أقامت بضعة بلدان نامية معاهدات سياسية مع بلدان الكتلة الشرقية أو مع الديمقراطيات الغربية خلال سنوات الحرب الباردة بين الشرق والغرب ★ تَصَفح: الحرب الباردة. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن دخل الفرد السنوي في الثمانينيات كان أقل من 425 دولارًا أمريكيًا في 51 دولة نامية. وتراوح دخل الفرد في 35 دولة نامية بين 426 و1,600 دولار أمريكي، وفي 19 دولة ؛ تراوح دخل الفرد بين 1,601 و7,500 دولار أمريكي.
وفي ثمانينيات القرن العشرين عاش نحو 25% من سكان آسيا في فقر تام. ويُعرِّف معهد المراقبة العالمي ـ وهو مجموعة متخصصة في دراسة الفقر ـ الذين يعيشون في فقرٍ تام بأولئك الذين يتراوح دخلهم السنوي بين 50 و500 دولار أمريكي. ويعيش في شمالي إفريقيا والشرق الأوسط، ما يقرب من 30% من الناس في فقر تام. وفي شبه صحراء إفريقيا يعيش في هذا المستوى 35% من الناس. وثلثا الذين يعانون شدة الفقر هم من الأطفال الذين هم دون سن الخامسة عشرة.
وفي ثمانينيات القرن العشرين نجحت الصين والهند، وهما أكثر بلدان العالم كثافة سكانية، في تخفيض نسبة الفقر، بينما ارتفعت في ذلك الوقت نسبة الفقر في أمريكا اللاتينية وإفريقيا. ويسكن معظم فقراء العالم في المناطق الريفية، بينما يسكن نصفهم في المدن في أمريكا اللاتينية. وقد انخفضت خلال الثمانينيات نسبة الدخل في بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى نسبة تتراوح بين 10% و25%.
حَدُّ الفقر:
تضع الولايات المتحدة حدًّا رسميًا للفقر كل عام. وهذا الخط هو المستوى الأدنى لدخل الفرد الذي يُعتبر كل من يقل دخله عنه فقيرًا. وقد كان الحد الأدنى لدخل أسرة مكونة من أربعة أفراد، عام 1995م، 15,569 دولاراً أمريكياً. وقد بُني هذا المقياس على المبلغ الذي تحتاجه الأسرة للعيش المقبول. ويفترض هذا المقياس أن الأسرة لن تنفق ما يزيد على ثُلث دخلها على الطعام. وتشمل البلدان التي تنفق فيها الأسرة ما يزيد على ثلث دخلها على الطعام : الهند (55%)، الفلبين (54%)، جنوب إفريقيا (39%)، وأيرلندا (37%).وقد تقود المقارنة بين البلدان إلى الخطأ نظرًا للاختلافات الكبيرة في الأحوال الاقتصادية المحلية وفي المستويات والعادات. فعلى سبيل المثال، تقع الولايات المتحدة في مرتبة عالية من جهة معدل الدخل لكل فرد وهو 25,000 دولار أمريكي، ومع هذا فقد عاش نحو 36,000,000 من سكانها تحت خط الفقر عام 1995م.
مقاييس أخرى:
تختلف نسبة تقسيم الدخل القومي بين الأسر الغنية والأسر الفقيرة في أنحاء العالم. ففي اليابان على سبيل المثال ذهب 37% من الدخل القومي للبلاد إلى 20% من الأسر الأكثر غنى و 9% فقط كانت نصيب 20% من الأسر الأكثر فقرًا. وفي الهند كان نصف الدخل القومي نصيب 20% من الأسر الغنية و 5% فقط ذهب إلى 20% من الأسر الفقيرة. وفي الولايات المتحدة كانت الأرقام 46% لأغنى الأسر و4% لأفقر الأسر. أما في الفلبين فقد ذهب 53% من الدخل لأغنى الأسر و 5% لأفقر الأسر. ومقياس آخر هو نسبة الأسر الريفية التي لا تمتلك أرضًا. تعادل هذه النسبة 40% في إفريقيا و 40% في ماليزيا والهند، و 60% في الفلبين، و 75% في أقطار أمريكا اللاتينية: بيرو والإكوادور.المشردون:
قدِّر عدد من لا مأوى لهم في العالم في تسعينيات القرن العشرين بنحو 100 مليون نسمة. والتشرد سمةٌ واضحة من سمات الفقر. يُجبر قانون الولايات المتحدة الحكومات المحلية على إيواء من لا مأوى لهم. ولكن قوائم الانتظار الطويلة للسكن العام قادت السلطات لإيواء الأسر في سكنٍ مؤقت لفترات طويلة. تتّسم بعض المدن في الدول النامية ـ مثل بومباي في الهند ـ بالأعداد الهائلة من المشردين خاصة الأطفال الذين يجوبون الطرقات بلا مأوى.أسباب الفقر
تعدُّ الديون سببًا رئيسيًا من أسباب الفقر، وغالبًا ما تزداد حالة الشخص سوءًا بفقدان الوظيفة أو سُبل العيش. ففي بلدٍ مثل الهند تؤدي أعباء الديون بعدد من الأسر إلى العيش الدائم في الفقر، فهي في الغالب لا تستطيع تسديد الدّيْن أبدًا، فيضطر المستدين إلى العمل عند الدائن حتى يصبح عبدًا له. وقد يستمر عبء الدّين على مدى أجيالٍ من الأسرة إذ يرث أبناء المدين دين والدهم.
وعندما تعاني شريحة كبيرة من المجتمع كارثة اقتصادية، أو حربًا أو فساد محصول، أو مرضًا وبائيًا فإن الفقر يؤثر على جميع الطبقات والجماعات. ولا تستطيع أي أقلية أو مجموعة تتمتع بامتيازات معينة الاستفادة من فرص التعليم والتوظيف المهيَّأة للآخرين بسبب التحيز الذي قد يكون مصدره واحدًا من عدة عوامل ؛ فقد يكون ذا منشأ عرقي أو قومي أو ديني أو جنسي أو لغوي.
تسببت الكوارث الطبيعية في انتشار الفقر بصورةٍ واسعة. فقد تسببت مجاعة البطاطس في أيرلندا في منتصف الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي في وفاة مئات الألوف، كما نزح الكثيرون من البلاد هربًا من الموت جوعًا. في الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي قضى الجفاف والحرب في إفريقيا على مئات الألوف. وفي عام 1991م دمّر الإعصار كثيرًا من الجزر في بنغلادش مما أدى إلى موت مئات الألوف. كل هذه الكوارث دفعت الملايين من الناجين إلى العُدْم. هذا ويمكن أن يتسبب الهلع والركود الاقتصادي في ازدياد الفقر.
محاربة الفقر
تحارب عدة حكومات ومنظمات الفقر في البلدان النامية وفي أوساط المحرومين من سكان الدول الصناعية المتقدمة في الغرب. وقد حاولت بعض الدول الصناعية الحد من آثار الفقر فيها عن طريق تحسين الرعاية الاجتماعية المنظمة والخدمات الاجتماعية، وبرامج التأهيل الوظيفي، ومساندة قوانين الحد من التمييز بين الناس.
تعمل المنظمات الخيرية ووكالات الإغاثة العالمية في العديد من البلدان النامية ؛ حيث تقوم بتوزيع الطعام والدواء في المناطق الأكثر فقرًا وحاجة. وغالبًا ما تواجهها مشاكل محلية كبيرة ؛ مثل طرق المواصلات الرديئة والحواجز الطبيعية كالجبال وغيرها.
تحاول بعض المنظمات مساعدة سكان هذه البلاد من أجل تحسين التقنية أو طُرق استغلال الموارد الموجودة بصورة أفضل. ومثل هذه المساعدات والبرامج المماثلة تبعث الأمل في وجود مستقبلٍ يقل فيه الفقر. وقد نجحت تجربة القروض الصغيرة في الهند التي تُسدَّد بطريقة تناسب حالة المُقترض.
وقد تقدَّم الخبراء باقتراحات حول إجراءات الحد من الفقر على المستوى القومي في البلاد ؛ وهي تشمل التخفيض أو الإعفاء من الديون المستحقة على تلك البلدان لصالح الدول الصناعية الدائنة، وإلغاء قيود الاستيراد ؛ حتى تستطيع بيع منتجاتها بسهولة. كما يرعى كل من البنك الدولي والأمم المتحدة وعدد من الوكالات برامج التنمية الاقتصادية في بعض البلاد التي تعاني ركودًا اقتصاديًا. ويعتقد العديد من المراقبين أن مثل هذه التنمية يجب أن يُخطَّط لها حتى لايكون عبؤها ثقيلاً على الموارد الطبيعية لتلك البلدان ؛ مثل الغابات.
نبذة تاريخية
عد كثير من الناس الفقر ـ منذ قديم الزمان وفي كثير من المجتمعات ـ حقيقةً لابد منها في الحياة. وتعتبره معظم المجتمعات نقمة. وقد تضمن الدين الإسلامي الزكاة والصدقة جزءًا أساسيًا من المبادئ التي تسير عليها حياة أفراده. ★ تَصَفح: الفقير. وقد عاش عدد من الصالحين والعلماء ورجال الدين حياة فقيرة. وفي الهند لم يترك النظام الطبقي الصارم أملاً لأفراد الطبقة الدنيا في المجتمع من الهروب من فقرهم.
وقد اعتمد اقتصاد الكثير من الدول في الماضي على تجارة الرقيق. وكانت بعض المجتمعات تمنح الرقيق فرصة العمل الخاص من أجل شراء حريتهم. ولكن معظمهم كانوا يعانون المصاعب المزدوجة : الرق والفقر.
وبانتقال المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية في معظم دول العالم، نزح الكثيرون من العمال الريفيين إلى العيش في المدن واقعين بذلك في مصيدة فقرٍ جديد ألا وهي البطالة المدنية. وفي ظل النظام الإقطاعي في العصور الوسطى كان كل سيد للأرض مسؤولاً عن سد حاجة المحتاجين في منطقته. وبانتهاء الحياة الإقطاعية صارت هذه المسؤولية من اختصاص السلطة الاجتماعية المحلية، وصارت الكنيسة أو الحكومة المحلية تمد هؤلاء بالإعانة. ونما في بريطانيا نظام سمي قانون الفقراء ؛ فعاشت الأسر المشردة على عناية الأبرشية التي تدعمها الإعانات الخارجية. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي تغير النظام فأصبح المشردون يجبرون على العيش في دور الإصلاح ؛ ومن يرفض ذلك لايحصل على الإعانة.
جذبت الثورة الصناعية في أمريكا وأوروبا أعدادًا هائلة من الناس إلى المدن، حيث كان عمال المصانع الجديدة يحصلون على أجور زهيدة ؛ كما درجت مصانع كثيرة على تشغيل الأطفال. فارتفعت البطالة المدنية، واكتظت المدن بالسكان، فعاش الفقراء في الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان.
وبنهاية القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ الكثيرون يدركون أن الفقر ليس بالأمر المحتوم، وبدأوا البحث عن الإصلاحات. ولفت الكاتب البريطاني أرنولد توينبي انتباه الرأي العام بكتابه الثورة الصناعية الذي نشر عام 1884م، بعد وفاته بعام. وافتُتحت بعد ذلك بوقت قصير دار توينبي للإيواء ـ أول مركز للرعاية الاجتماعية يعمل في منطقة فقيرة في لندن لخدمة فقراء المدينة، وقد سميت الدار على اسم توينبي. وأسست مصلحة اجتماعية أخرى تُدعى جين آدمز مركزًا آخر للرعاية الاجتماعية سمي دار هال وذلك في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة عام 1889م ونجحت في كفاحها من أجل سن قوانين لحماية الشرائح الفقيرة في المجتمع الأمريكي.
وبحلول عام 1889م، أجازت ألمانيا أول برنامج لتأمين الشيخوخة. وفي أوائل القرن العشرين كانت عدة أقطار أوروبية قد سنت قوانين مماثلة، وفي عام 1930م، أنشأت حكومة الولايات المتحدة أول برنامج فيدرالي شامل لمد المحتاجين من الناس بالضمان الاجتماعي.
وفي الستينيات من القرن العشرين، ركّزت حركة الحقوق المدنية الأمريكية انتباهها على الفقر وسط الأقليات العرقية. وخلال السبعينيات تحققت إنجازات مختلفة في محاربة الفقر. ولكن الركود الاقتصادي لعامي 1981م و 1991م أعاق التقدم.
تحرّى الإسلام علاج مشكلة الفقر بأساليب مختلفة، منها: حث المسلمين على السعي والعمل المنتج، ومنها الصدقة المفروضة (الزكاة)، وهي ركن أساسي في الإسلام، فلم يترك الأمر للنوازع الخيرة وحدها، بل جُعلت الزكاة فريضة، كما جعلها أنواعًا، وجعل لكل نوع نسبة محدودة، إلى غير ذلك مما هو مفصل في كتب الفقه، ومما لا نجد له نظيرًا في ديانة سماوية أو نظام اجتماعي.