جاكرتا ( Jakarta )
جاكرتا عاصمة إندونيسيا وأكبر مدنها. بلغ عدد سكانها سنة 2000م نحو 6,671,886 نسمة. وتعد جاكرتا المركز الاقتصادي الرئيسي في البلاد، وكانت تُسَمَّى باتافيا عندما كانت إندونيسيا مستعمرة هولندية. ويأتي اسم جاكرتا من جاياكارتا اسمها القديم ويعني المزدهرة والتي لاتقهر. وكانت قبل ذلك تكتب دجاكرتا.
وتقع جاكرتا على الساحل الشمالي الغربي من جاوه، على خليج جاكرتا حيث يجري نهر سيليونج إلى بحر جاوه.
ومناخ جاكرتا حار رطب، لأنها قريبة من خط الاستواء ومتوسط كمية المطر السنوي عليها نحو 200 سم، ويوجد فصل جاف من يوليو إلى سبتمبر. وعلى مدار بقية العام يسقط مطر استوائي غزير.
ومعظم الأراضي التي امتد عليها عمران مدينة جاكرتا لايرتفع إلا أمتارًا قليلة فوق سطح البحر، وقد بنيت المدينة على أرض مستنقعات سابقة.
المدينة
المباني الشاهقة الحديثة على امتداد طريق حسني تامرين المؤدي إلى تمثال مرحبا. |
وجاكرتا مدينة ممتدة شاسعة المساحة. ويمكن فهم مخطط المدينة كما هو موجود اليوم من دراسة تاريخ نموها. كانت البداية مستوطنة هولندية أنشأها الهولنديون حول الميناء الذي يقع عند مصب نهر سيليونج سنة 1600م، وتعرف هذه المنطقة الآن باسم كوتا.
وفي الثمانينيات من القرن التاسع عشر تحوّل ميناء كوتا إلى أرض من الطمي. وقام الهولنديون في ذلك الوقت ببناء ميناء آخر في تانجونج بريوك على بعد نحو 10كم إلى الشرق. وتم ربط تانجونج بريوك وكوتا بطريق خط سكة حديد وقناة. ولمدة طويلة لم تظهر إلا بيوت قليلة على طول خطوط النقل هذه. وإلى الجنوب كان يوجد عدد من البيوت بين كوتا وميدان المدينة الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم كوننغسبلين، أما اليوم فيعرف الميدان باسم ميدان ميرديكا (ميدان الحرية) وهو مركز البنايات الحديثة في جاكرتا، وتوجد غرب الميدان شوارع كبيرة مزدحمة بها كثير من الفنادق متعددة الطوابق ووحدات المكاتب.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، كانت منطقة ولترفريدين ـ وتسمى الآن جامبيير ـ منطقة مكتملة البناء، غير أن بقية مايعرف بجاكرتا الآن، كانت مناطق ريفية في مجملها. أما الضواحي الجديدة إلى الجنوب من كوننغسبلين، مثل مينتنج وجوندانجديا، فقد ظهرت في بداية القرن العشرين. ولكنها اليوم ضواح حديثة الطراز.
وفي أغسطس سنة 1948م، وافقت حكومة الاستعمار الهولندي على خطط لبناء مدينة ثانوية في المنطقة المعروفة باسم كيبايوران، أما الآن فإن كيبايوران بارو ـ وهو اسمها الحديث ـ ضاحية سكنية شهيرة. واستمر امتداد جاكرتا المطرد جنوباً.
الميادين الفسيحة جيدة التنظيم مثل ميدان فاتاليللا (إلى اليمين) من معالم جاكرتا. تعد هذه الميادين متنزهات جميلة لعمال المدينة وسكانها. |
الأماكن السياحية:
في ميدان ميرديكا تقف أشهر معالم جاكرتا، النصب التذكاري القومي، وهو مسلة من الرخام يبلغ ارتفاعها 137م، وفي قمتها شعلة مغطاة بـ 35 كجم من الذهب، وفي قاعدة المسلة يوجد متحف النضال القومي. وهذا النصب التذكاري الذي يمثل استقلال إندونيسيا، تم افتتاحه رسميًا في 17 من أغسطس عام 1945م. وهذه المسلة واحدة من عدة نصب تذكارية بنيت في أثناء الفترة التي اجتاحتها النزعة القومية الشديدة في عهد الرئيس سوكارنو في آواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين.وتحيط المباني الحكومية بميدان ميرديكا، ففي الجانب الشمالي يوجد القصر الرئاسي، استانا ميرديكا ويعني قصر الحرية، وهو القصر الرسمي لرئيس إندونيسيا. وفي أيام الاستعمار كان هذا القصر هو مقر الحاكم العام الهولندي. وفي هذا القصر أيضًا تم انتقال السيادة من هولندا إلى إندونيسيا في 27 من ديسمبر عام 1949م عندما تم إنزال العلم الهولندي ورفع العلم الإندونيسي على القصر.
على الجانب الغربي من ميدان ميرديكا يوجد المتحف القومي الذي أسسه الهولنديون في عام 1778م. ويعرف هذا المتحف باسم جيدونج جاجة أي مبنى الفيل وذلك نسبة إلى تمثال الفيل الموجود أمامه. وقد أهدى هذا التمثال أحد ملوك تايلاند عام 1871م. ويشتمل المتحف على مجموعات شاملة للفن الآسيوي، وبخاصة المنحوتات التي ترجع إلى الفترات الهندوسية والبوذية في جاوه. ويوجد أيضًا بالمتحف بعض شواهد قبور المسلمين، وأمثلة للمشغولات اليدوية من أجزاء مختلفة من إندونيسيا، ومكتبة بها آلاف المخطوطات باللغات الجاوية، والعربية والماليزية، ولغات أخرى.
محبو الطيور يستمتعون بزيارة حديقة الطيور وهي واحدة من المناطق الترويحية الجذابة في جاكرتا، التي يوجد بها أقفاص كبيرة وجميلة للطيور بالإضافة إلى حدائقها الجميلة. |
ومن المعالم التي أقامها سوكارنو أيضًا مسجد الاستقلال الضخم، ومجمع الألعاب الآسيوي في سنايان. وأنشأ أيضًا محلات السارينه وهي محلات ضخمة متعددة الأغراض، بالإضافة إلى إنشاء سوق سينين.
أما المشروعات الحكومية الأكثر حداثة والتي تشمل التامان ميني، أو حديقة إندونيسيا المصغرة، فقد أسستها زوجة سوهارتو. وهذه الحديقة تقدم صورة للتنوع في نمط الحياة وخصوصًا بالنسبة للعمارة. يوجد أيضًا حديقة فواكه، وقفص كبير يضم الطيور المختلفة. وتشمل حديقة إندونيسيا المصغرة أيضًا أماكن ترويحية ومطاعم ومسبحًا. وتقدم الفقرات الترفيهية والتسلية على مسرح مجمع السينما والمسرح الضخم الذي يسمى كيونج ماس أي القوقع الذهبي. ويوجد أيضًا متاحف متخصصة للسيراميك وطوابع البريد والدمى، والمنسوجات.
ويقع طريق جالان سورابايا في إحدى المناطق السكنية بالمدينة، ويشتهر بالسوق الكبير الموجود به. ويباع في هذا السوق كل أنواع البضائع القديمة بما في ذلك الخزف الصيني وبعض الآثار العتيقة الحقيقية.
وأكبر حدائق جاكرتا الترويحية هي جايا أنكول. وقد بُنيت على أرض مستصلحة في خليج جاكرتا. وبها حديقة ألعاب تسمى دنيا فانتازي. وتوجد أيضًا مسابح، وبحيرة صناعية للتجديف. وتقدم حيوانات الدلفين وسباع البحر عروضها اليومية للجمهور.
بالقرب من جاكرتا منتجعات على الشاطئ، حيث يستمتع الزوار بالتجديف والصيد والسباحة. ويستطيع الزوار أيضًا أن يقوموا برحلات بالقوارب إلى جزر الألف جزيرة بولاو سريبو البعيدة عن الشاطئ التي تتوافر بها تجهيزات وتسهيلات لهواة رياضة الغطس.
في المدينة القديمة كوتا ترى بقايا وذكريات الماضي الهولندي. فتجد دار البلدية الهولندية التي بنيت في سنة 1627م، وتوجد الزنزانات في قاعدتها. وفي السبعينيات من القرن العشرين تحوّل مبنى البلدية القديم إلى متحف التاريخ بجاكرتا، وقد كان تجديد هذا المتحف مدعاة إلى تجديد الأجزاء القديمة في المدينة. ويعرض في هذا المتحف وثائق تاريخية وقطع أثاث، وخزف صيني من زمن الحكم الهولندي. أما متحف الأحياء المائية فيوجد في مستودعَيْن. كل ذلك قد تبقى من أول حصن لشركة الهند الشرقية الهولندية في جاوه. وفي المنطقة نفسها توجد سوندا كلبا، التي تعرف باسم باسار لكان أو سوق السمك، وهذا هو المكان الأصلي لميناء جاكرتا قبل أن يأتي الهولنديون إلى المنطقة. ويخدم هذا المكان الآن سفن الصيد وكثيراً من السفن التي تبحر بين الجزر.
السكان:
جاكرتا مدينة مزدحمة تصل كثافة السكان بها إلى 12,288 نسمة لكل كيلو متر مربع. أما متوسط النمو السكاني فهو أكثر من 3% في السنة.والناس في جاكرتا، كما هو الحال في أي مكان في إندونيسيا، أحرار في اختيار دينهم. مايقارب 85% من السكان مسلمون. ويشكل النصارى البروتستانت نحو 6%، والكاثوليك الروم نحو 5%، أما البوذيون فنسبتهم نحو 4% من السكان.
اللغة المحلية هي لهجة جاكرتا، وهي إحدى لهجات اللغة الإندونيسية التي كانت تسمى من قبل باسم بتاوى، ويطلق عليها الآن اسم ديالك جاكرتا. وبالرغم من ذلك فإن الإندونيسية هي اللغة الرسمية التي يتكلم بها الناس في جاكرتا وفي جميع أنحاء إندونيسيا.
جاكرتا أكثر المدن انفتاحًا في إندونيسيا ؛ حيث تضم مجموعة سكانية من كل أجزاء إندونيسيا، ومن دول أخرى. وتتركز بها السفارات والقنصليات الأجنبية.
التعليم:
أصبحت جاكرتا ـ التي كانت تسمى باتافيا بوصفها عاصمة لجزر الهند الهولندية في ذلك الوقت ـ مركزًا للتعليم. في سنة 1851م أسس الهولنديون مدرسة للطب هناك. تأسس مكتب الأدب الشعبي الحكومي بالاي بوستاكا سنة 1908م لكي يقوم بنشر كتب باللغات الإندونيسية. في سنة 1926م أسس الهولنديون كلية الحقوق. وتلا ذلك تأسيسهم كلية للفنون. والآن يوجد كثير من الجامعات والمعاهد العليا أشهرها جامعة إندونيسيا. ومن الجامعات الأخرى التابعة للتعليم العالي نجد الجامعة النصرانية والجامعة الأهلية.الاقتصاد:
تعد جاكرتا المركز الاقتصادي لإندونيسيا. ويوجد بها المقر الرئيسي للشركات الحكومية الكبرى بالإضافة إلى معظم الشركات الإندونيسية الخاصة، التي يمتلكها أجانب أو إندونيسيون.تنتج المصانع في جاكرتا الأواني الزجاجية، والآلات، والسمن والزيوت النباتية، والورق، ومنتجات المطاط، والصابون، والمنسوجات ومنتجات أخرى.
أما أول منشأة صناعية في إندونيسيا فقد تأسست في بلوجادونج على بعد 15 كم من تانجونج بريوك. وبالإضافة إلى ذلك يوجد مصنع للجعة ومسبك للحديد.
النقل والمواصلات:
يتعامل ميناء تانجونج بريوك مع نسبة كبيرة من التجارة الخارجية في إندونيسيا. ومعظم خطوط الشحن الإندونيسية التي تخدم الجزر الإندونيسية والموانئ التي تستقبل السفن الخارجية توجد في جاكرتا. وبالمدينة مطار دولي حديث هو مطار سوكارنو ـ هَتّا.يربط جاكرتا بمدينة جاوه شبكة طرق وسكك حديدية مكثفة. وشوارع المدينة مزدحمة بالسيارات، والحافلات، وسيارات الأجرة، والشاحنات، وتتعرض للتكدس المروري في أثناء ساعات الذروة في الصباح والمساء. وقد منعت الحكومة تسيير الـ بيكاكز ـ وهي دراجات ذات ثلاث عجلات كانت تستخدم في نقل الركاب ـ بالتدريج من معظم أجزاء المدينة. وفي التسعينيات من القرن العشرين منعت حكومة الإقليم مثل هذه الدراجات من جميع أجزاء جاكرتا لأنها تعوق حركة مرور السيارات.
نبذة تاريخية
كان المكان الذي تقع عليه جاكرتا الآن آهلاً بالسكان حتى في عصور ماقبل التاريخ. وتشير الدلائل التاريخية إلى وجود مملكة هندية ـ جاوية في القرن الرابع الميلادي. وفي القرن الحادي عشر الميلادي أصبح المكان ميناء اسمه سوندا كلبا. وفي عام 1509م زارت الأساطيل البرتغالية التجارية هذه المنطقة، وحاول البرتغاليون إنشاء مقر تجاري في سوندا كلبا سنة 1522م، وقبل أن يحقق البرتغاليون هذه الرغبة، قامت دولة بانتن المسلمة المجاورة بالاستيلاء على المنطقة وأعادت تسميتها.
وفي القرن السابع عشر الميلادي سمح أمير جاكرتا لشركة الهند الشرقية الهولندية ببناء مخزن في المدينة. وفي عام 1619م تولى بيترسزون كوون منصب حاكم عام ممتلكات الشركة في آسيا. وفي العام نفسه استولى على جاكرتا وأعاد الهولنديون تسميتها باتافيا. قاوم الهولنديون الهجمات من بانتن ومن ماتارام. وظلت باتافيا لمدة تزيد على 300 سنة قاعدة للتوسع الهولندي في جزر الهند الشرقية، وهو الاسم الذي كانت إندونيسيا تعرف به آنذاك.
المباني المصنوعة من الخيزران والخشب على الطراز القديم مازالت كثيرة في جاكرتا. ومازالت القنوات والقوارب الهولندية يستخدمها بعض السكان المحليين. |
ساءت سمعة باتافيا وأصبحت واحدة من أقل مدن العالم مستوى من الناحية الصحية. وفي العشرينيات من القرن التاسع عشر كان يموت 320 شخصًا من كل 1,000 أوروبي من الذين يعيشون بها سنوياً. وعندما أوضحت التقارير أن البعوض يساعد في نشر الملاريا بالمنطقة، اتخذت الإجراءات لمنع توالده في المستنقعات المحلية. واستحدثت ترتيبات صحية انخفض على أثرها معدل الوفيات بشكل كبير. وبحلول القرن العشرين الميلادي انخفض معدل الوفيات حتى وصل إلى 30 فقط من كل 1,000 أوروبي.
ابتداءً من عام 1745م أصبح للحاكم العام منزل ريفي في تلال بوغر ذات الهواء العليل، وكان يعرفها الهولنديون باسم بوتنزورغ. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، قرر الهولنديون نقل عاصمتهم من باتافيا على الأراضي المنخفضة إلى باندونج، وهو مكان أكثر نظافة وصحة فوق التلال. غير أن تنفيذ ذلك تعثّر بسبب الغزو الياباني في سنة 1942م.
وفي أثناء الغزو الياباني للبلاد، غيّر اليابانيون اسم باتافيا إلى جاكرتا. وفي عام 1959م، اتخذت الحكومة الإندونيسية قرارًا بجعل جاكرتا العاصمة الدائمة للبلاد.
كان علي صديقن ـ وهو قائد بحري سابق ـ الذي عينه سوكارنو حاكمًا لجاكرتا من عام 1966م إلى 1977م، من أنجح الحكام في تاريخ جاكرتا ؛ إذ أن كفاءته الإدارية بالإضافة إلى انضباطه بصفته ضابطاً بحريًا مدربًا ؛ قد انعكست على حسن ولايته للمدينة. غير أن الأحوال الاقتصادية الجيدة التي حققها سوهارتو هي التي ساعدت علي صديقن على تحقيق أكثر منجزاته. بنى علي صديقن نظاماً حضارياً جيد التنظيم، يرتكز على الطرق السريعة الحديثة التي تطوقها المباني الجميلة. وقام أيضًا بإكمال بعض مشروعات سوكارنو، كمسجد الاستقلال الذي كان في ذلك الوقت أكبر مسجد في العالم. وأتم أيضًا مباني البرلمان في سنيان بالإضافة إلى عدة مراكز تجارية. وفي عهد علي صديقن كانت الفنادق تبنى برأسمال خاص. وقد حسَّن علي صديقن الطرق ووسائل المواصلات العامة. كما حسَّن أيضًا خدمات الهاتف والمياه.
كانت مشكلة جاكرتا، وما تزال، الازدياد السكاني المطرد. كان عدد السكان 10,000 نسمة عندما استولى الهولنديون على المنطقة. وفي عام 1850م كان عدد السكان في المدينة أقل من 70,000 وفي عام 1935م بلغ عدد السكان 435,000 نسمة، وبنهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م صار عددهم 844,000 نسمة. أما في عام 1965م فقد تضخم عددالسكان حتى وصل إلى 4 ملايين. وفي عام 1967م وصل إلى 6 ملايين. وفي عام 1970م أعلن علي صديقن جاكرتا مدينة مغلقة أمام المهاجرين، وأصبح لزاماً على المقيمين فيها حمل بطاقات هوية. غير أن هذه الإجراءات الإدارية لم تكن مجدية في تقليل الوافدين إلى جاكرتا، واستمر عددالسكان في الازدياد.
★ تَصَفح أيضًا: إندونيسيا ؛ جاوه.