إسطنبول ( Istanbul )
إسطنبول أكبر المدن التركية وتقع في أوروبا وآسيا، ويتدفق مجرى مائي يسمى القرن الذهبي خلال القسم الأوروبي (أعلاه) حيث تقع معظم معالم المدينة التاريخية. |
وكانت إسطنبول منذ أمد طويل، واحدة من أهم مدن العالم. فقد كانت هي القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية، ثم البيزنطية بعد ذلك. ثم أصبحت عاصمة الدولة العثمانية من عام 857هـ، 1453م حتى عام 1341هـ، 1922م، وعرفت إبان هذه الفترة باسم الآستانة. وفي عام 1342هـ، 1923م أصبحت العاصمة أنقرة مع مولد الجمهورية التركية. إلا أن إسطنبول ظلت أهم مركز للتجارة والصناعة والثقافة. ويزور السائحون المدينة لمشاهدة أسواقها ومتاحفها والكنائس البيزنطية، وجوامعها ذات الشهرة العالمية.
المدينة:
تغطي إسطنبول مساحة قدرها 238كم²، وتبلغ مساحة المنطقة الأوروبية حوالي مرة ونصف مرة أكبر من المنطقة الآسيوية، ويسكن 75% من سكانها في الجانب الأوروبي. وتتألف إسطنبول الآسيوية أساسًا من مناطق سكنية وتسهيلات للموانئ.ويقسم القرن الذهبي إسطنبول إلى قسمين أحدهما عصري والآخر قديم. والقرن مدخل صغير من البوسفور. ويقع القسم القديم جنوب القرن الذهبي، ويقع القسم العصري شماله. وتشكِّل المساجد القديمة أفق المنطقة القديمة، وتنعطف الأزقة المرصوفة بالحصى الكبير عبر المناطق الجبلية لتربط المناطق الحكومية والتجارية بالحدائق والميادين والأحياء السكنية. ويحتفظ بعض أجزاء القسم القديم ببعض الحِرَف. فهناك على سبيل المثال شارع للنحاسين ومناطق عديدة لحوانيت القرميد، وشارعان لباعة الكتب، كما يضم القسم القديم سوقًا كبيرًا مُغطى يضم حوالي 400 حانوت.
والجزء العصري من إســطنبول الأوروبية أهم منطقة تجارية فيها، وتشكل الفنادق والمباني الإدارية الحديثة أفق المدينة، ومن المألوف أن تجد في القسم العصري الشوارع الفسيحة.
وفي إسطنبول قرابة 1000 مسجد و 25 كنيسة بيزنطية وكثير من المتاحف. وفي الثلاثينيات من القرن السادس الميلادي، بنى الإمبراطور جستنيان الكاتدرائية الأرثوذكسية الضخمة المسماة أيا صوفيا. وقد تحولت إلى مسجد في عام 857هـ، 1453م. ومنذ عام 1354هـ، 1935م، صارت متحفًا. وتضم أشهر مساجد إسطنبول المسجد السليماني وجامع السلطان أَحمد. وقد قام بتصميم المسجد السليماني، الذي اكتمل بناؤه في عام 965هـ، 1557م، المهندس المعماري الأستاذ سنان. وكثيرًا ما يسمى مسجد السلطان أحمد المسجد الأزرق لأن جزأه الداخلي مزيّن بالقيشاني الأزرق. وهو المسجد الوحيد في إسطنبول الذي فيه ست مآذن. ويوجد كذلك في إسطنبول قصر توب كابي، وهو متحف كان يومًا ما مقراً للسلاطين الأتراك، وتقوم أطلال قنوات جر المياه وأسوار المدينة القديمة خارج المدينة، ويطل حصن رميلي هزار الصغير، الذي بني عام 1452م، على البوسفور شمالي المدينة تمامًا.
السكان:
معظم سكان إسطنبول أتراك مسلمون، وتضم أقليات من اليهود والنصارى والأرمن. وقد زاد عدد سكان إسطنبول كثيرًا منذ أوائل القرن العشرين، وفي عام 1401هـ، 1980م،كان في المدينة ثلاثة أضعاف عدد السكان الذين كانوا بها عام 1370هـ، 1950م، وحوالي أربعة أضعاف الذين كانوا بها عام1354هـ، 1935م. وحوالي نصف سكانها الذين يعيشون بها اليوم وُلدوا بها ، وجاء الباقون إليها من مدن وقرى في تركيا الآسيوية.وقد سبب نمو سكان إسطنبول السريع عدة مشاكل. فإمدادات بعض أجزاء المدينة من الكهرباء والغاز والمياه ليست كافية. وكثير من سكانها الجدد يعيشون في أكواخ بضواحي المدينة. وبعضهم يعيش في شقق عمارات حديثة أو في عمارات خشبية قديمة متراصة، بعضها مع بعض، على جانب التل.
التعليم والحياة الثقافية:
كانت إسطنبول المركز الثقافي لتركيا طوال مئات السنين. وتحتل جامعة إسطنبول أعلى مرتبة بوصفها أقدم وأكبر جامعة تركية. وتضم جامعات وكلِّيات إسطنبول الأخرى جامعة إسطنبول التكنولوجية وجامعة البوسفور.وتوجد في إسطنبول حوالي 15 مكتبة كبرى، ويحتفظ ناشرو الكتب والصحف بمكاتبهم هناك، وتقدم مسارح إسطنبول العديد من المسرحيات والأوبرات وحفلات الكونشيرتو السيمفونية. ويعرض الفنانون أعمالهم في معارض الفن بالمدينة. ويوجد بإسطنبول حوالي 30 صحيفة علمية ومعاهد للأبحاث.
ُتعدُّ مساجد إسطنبول وكنائسها من بين أروع أمثلة العمارة الإسلامية والبيزنطية، ويعرض متحف الفن الإسلامي التركي قطعاً فنية مثل السجاجيد القديمة والمخطوطات المزخرفة والقرميد الملون في براعة ؛ ويستطيع زوار قصر توب كابي أن يشاهدوا حجرات استعملها سلاطين الأتراك وأسرهم وحاشيتهم.
الاقتصاد:
تعد إسطنبول أهم مراكز الصناعة في تركيا، وتنتج مصانع المدينة الإسمنت والعقاقير والمعدات الكهربائية والأواني الزجاجية ومصنوعات البلاستيك والمنسوجات والأطعمة المصنَّعة. وبالمدينة أيضًا مصانع لتجميع السيارات، ويتم بناء السفن وإصلاحها في الأحواض الجافة القائمة بمحاذاة البوسفور.ويحتل موقع إسطنبول مركزًا رئيسيًا للتجارة والنقل، وتعد المدينة أهم ميناء في تركيا، وترسو سفن الشحن على امتداد شواطئ إسطنبول الآسيوية والأوروبية على حد سواء.ويمر طريق كبير للنقل بالسيارات بين أوروبا وآسيا عبر المدينة. ويجري قطار الشرق السريع بين إسطنبول الأوروبية وباريس. وثمة خط حديدي آخر يربط ما بين إسطنبول الآسيوية وسوريا والعراق. وتقلع من مطار يزلكوي، الذي يقع على مسافة 25كم إلى الغرب من قلب المدينة، رحلات طيران محلية ودولية.
ينتقل معظم الناس في داخل إسطنبول بالحافلات أو المعديّات، أو بسيارات أجرة خاصة تسمى دولموز. وتعمل هذه الأخيرة كثيرًا مثلما تعمل الحافلات ؛ فهي تنتقل على خطوط منتظمة وتحمل العديد من الركاب في وقت واحد.
نبذة تاريخية:
ربما أقام السكان فيما يسمى الآن بإسطنبول الآسيوية في وقت يرجع إلى 3,000 عام ق.م. وفي خلال منتصف القرن السابع ق.م، أسس الإغريق مدينة تدعى بيزنطة على الشاطئ الأوروبي، وقد أصبحت المدينة فيما بعد جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. وفي عام 324م، اختار الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول (الكبير) بيزنطة لتكون عاصمته، وقد أصبحت عاصمة رسمية في عام 330م. وسُمِّيت القسطنطينية، أي مدينة قسطنطين.وفي عام 395م، انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين. وغزا البرابرة الإمبراطورية الرومانية الغربية في منتصف القرن الخامس الميلادي، وظلت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية (التي سميت أيضًا بالإمبراطورية البيزنطية). وفي عام 532م، وفي أثناء حكم الإمبراطور جستنيان الأول دمرت أعمال الشَّغَب المناهضة للحكومة أجزاء كثيرة من المدينة، وأعاد جستنيان بناءها بعمائر مثل آيا صوفيا.
وقد تعرضت المدينة طيلة مئات السنين التالية لهجمات من جانب الفرس والبدو، وحاصرها المسلمون أكثر من مرة. وفي عام 1204م غزا أفراد من الحملة الصليبية الرابعة المدينة وألحقوا أضرارًا بأجزاء كثيرة منها. وحكم الصليبيون المدينة حتى عام 1261م، عندما أعاد الحكام البيزنطيون الاستيلاء عليها.
وجاء الأتراك العثمانيون ففتحوا القسطنطينية في عام 1453م، وأصبحت عاصمة للدولة العثمانية. وسمى الأتراك المدينة إسلامبول وإسطنبول وشنوا حملات عسكرية على أوروبا والشرق الأوسط انطلاقاً من المدينة. وبحلول منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كانت إسطنبول قد أصبحت مركزًا سياسياً وتجاريًا وثقافيًا كبيراً يسكنها قرابة نصف مليون نسمة.
وبدأ الضعف يسري في أوصال الدولة العثمانية بحلول أواخر القرن السابع عشر الميلادي. وفي القرن التاسع عشر الميلادي أدخل السلاطين كثيرًا من الإصلاحات، في محاولة لتقوية الدولة وتحديثها، وأدخلت المدارس ذات النمط الأوروبي وغيرها من عناصر الثقافة الغربية إلى إسطنبول.
وأثناء الحرب العالمية الأولي (1914 - 1918م) ألحق الحلفاء الهزيمة بالدولة العثمانية، واحتلوا إسطنبول من عام 1918م حتى عام 1923م ؛ وفي عام 1922م، تمكن مصطفى كمال الذي سمي فيما بعد كمال أتاتورك من إحكام السيطرة على الحكومة التركية، وألغى منصب السلطان. وفي عام 1923م، جعل كمال تركيا جمهورية ونقل العاصمة إلى أنقرة.
وطوال منتصف القرن العشرين الميلادي، نما عدد سكان إسطنبول نمواً سريعاً، وانتشرت الصناعة، وافتُتح جسر البوسفور في عام 1973م. وفي الثمانينيات هدمت السلطات المحلية في المدينة المصانع والأحياء القذرة الواقعة على طول القرن الذهبي وأقيمت حدائق وملاعب جديدة مكانها. واكتمل بناء جسر السلطان محمد الفاتح في عام 1988م. وفي أغسطس عام 1999م، ضرب زلزال قوي المناطق الشمالية الغربية من تركيا، بما فيها إسطنبول. وقد قدر عدد القتلى جراء هذا الزلزال بنحو 40,000 قتيل.