الرئيسيةبحث

الموضة ( Fashion )



الموضة تتغير في الملابس والأثاث والديكور الداخلي بمرور الزمن. فالأنماط التزيينية التي كانت سائدة في التسعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي (إلى اليمين) مالبثت أن تلاشت لتحل محلها موضات أكثر بساطة فى الأربعينيات من القرن العشرين، (إلى اليسار).
الموضة تعبير يطلق عامة لوصف طراز الملابس التي يرتديها السواد الأعظم من الناس في بلد ما في فترة زمنية محددة. وكذلك فإن الطراز المحبب لدى الناس من السيارات، والأثاث، والبيوت، وما إلى ذلك من الأمور يدخل أيضاً ضمن باب الموضة التي قد تندرج تحتها أيضًا أنماط الفنون، والموسيقى، والأدب، والرياضة التي يفضلها عدد كبير من الناس. وهكذا، فإن الموضة تعكس شكلاً من أشكال السلوك المقبول لدى السواد الأعظم من الناس في مجتمع ما.

وقد تبقى موضة ما شائعة لأشهر أو لسنوات عدّة، إلى أن تُسْتَبْدَل بها أخرى. يعد مُنْتج ما، أو نشاط ما موضة أو مسايرًا للموضة خلال الفترة التي يعد فيها مقبولاً من قطاع واسع من المجتمع. غير أن هذا المُنتج أو النشاط لا يلبث أن يصبح موضة قديمة بعد مرور فترة من الزمن، وذلك حين تَكُفّْ غالبية الناس عن تقبّله.

ولابد من القول إن معظم الناس لايتقبلون التغييرات المبالغ فيها من أنماط الموضة، ولذا فإن الموضات الجديدة تشابه في الغالب تلك التي تحل محلها من مناح كثيرة.

قد يبدأ استعمال طراز معين من الملابس كطراز من الموضة، إلا أنه لا يلبث أن يدخل ضمن نطاق العادة أو العرف التقليدي حين يتم توارثه من جيل إلى آخر. فعلى سبيل المثال، حلَّت السراويل الطويلة في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي محل تلك التي لاتتجاوز في طولها حدود الركبة، مع ارتداء الجوارب كموضة في ملابس الرجال في أوروبا والولايات المتحدة. أما الآن فقد أصبح ارتداء السراويل الطويلة عرفًا تقليديًا بالنسبة للرجال في معظم بلدان العالم، وإن كانت التغييرات في لون السراويل الرجالية ماتزال تُستحدث بين حين وآخر على مر السنين.

يُطلق باستمرار على الموضات التي تسود وتختفي بسرعة اسم تقليعة، علماً بأن الغالبية العظمى من الناس لايتقبلون التقليعات. وقد يمارس بعض الناس تقليعات معينة في السلوك لأن من الممكن الترويج للتقليعات على نطاق واسع. فقد انتشرت في منتصف القرن العشرين الميلادي مثلاً تقليعة اللعب بالأطواق التي تدار بسرعةٍ حول الخصر، وكذلك لعبة ألواح التزحلق.

لماذا يتبع الناس الموضة

كانت بعض البلدان تفرض قوانين معينة قبل القرن التاسع عشر الميلادي لتنظيم موضات الثياب التي يرتديها المنتمون لطبقات اجتماعية معينة. وكان الهدف من وضع قوانين الضبط (قوانين تنظيم الصرف) هو الحفاظ على نظام الطبقات. فقد كانت تجبر الناس في بعض الأحيان على شراء منتجات وطنية مصنوعة في بلدهم، إذ صدر في إنجلترا إبان القرن السابع عشر الميلادي، على سبيل المثال، قانون يفرض على الرجال من الطبقات الدنيا ارتداء قبعات صوفية مصنوعة في إنجلترا. غير أن هذا القانون نفسه يسمح للرجال ممّن يحتلون مكانةً مرموقةً في المجتمع أن يرتدوا قبعات مخملية مستوردة من فرنسا أو إيطاليا.

أما الآن فإن الناس ينتهجون أساليب الموضة لأسباب متنوعة. فقد يرغبون على سبيل المثال في أن يُقْرِنوا أنفسهم بالفئات المختارة من الناس، إذ قد يتبع الموضة الجديدة على الفور الناس المرموقون، مثل الرياضيين ونجوم السينما والشخصيات السياسية. وما يلبث آخرون أن يحذوا حذوهم، ويتبنوا الموضة الجديدة، ليقرنوا أنفسهم بهذه الفئات المتميزة، علماً بأن بعض الناس يعتقدون أن الملابس والمقتنيات التي تساير الموضة من شأنها أن ترفع من مكانتهم في الحياة.

يتيح اتباع الموضة للناس السبل الكفيلة بقبولهم من جانب الآخرين، ويسري هذا على الملابس والسلوك الاجتماعي، أكثر مما يسري على السيارات والبيوت وغيرها من الأمور التي لا يتمكن غالبية الناس من تغييرها وتبديلها بشكل دائم. ولقد حاول كثير من الناس في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين أن يعبروا عن ولائهم وتبنيهم لمعتقدات سياسية واجتماعية معينة بارتداء الجينز. إلا أن الجينز مالبث أن أصبح موضة مقبولة من جانب قطاع واسع ومتنوع من الناس.

يتّبع الناس الموضة أيضاً ليُضْفُوا على أنفسهم المزيد من الجاذبية. ومن المعروف أن مقاييس الجمال تتبدل بتغير السنين، ويُزَيِّّن الناس أنفسهم بما يتلاءم مع المقاييس المتغيرة للمجتمع. كما أن مظاهر الجمال تختلف من ثقافة لأخرى. فالناس فى العديد من المجتمعات يستخدمون المساحيق مثلاً لزيادة جاذبيتهم، بينما يستعمل آخرون في مجتمعات أخرى دهانات ملونة لتلوين وجناتهم. ويزيّن الناس في بعض البلدان أنفسهم بالوشم، وباستحداث ندوب يملأونها بالصلصال الملون.

يستمتع الرجال والنساء على مر العصور بتغيير مظهرهم، ويتيح لهم تغيير طراز ملابسهم وتسريحاتهم وزينتهم الفرصة لتبديل مظهرهم بسبل مقبولة عامة من معظم الناس.

لماذا تتبدل الموضة

لم تكن الموضات تشهد تغيرات كبيرة قبل القرن الرابع عشر الميلادي. غير أن الظروف الاجتماعية والسياسية للبلدان، بالإضافة للتطورات التقنية أثّرت على الموضة من جوانب عديدة منذ ذلك التاريخ.

الظروف السياسية والاجتماعية:

بدأ حكام العديد من البلدان الأوروبية في القرن الرابع عشر الميلادي يقررون طراز الأزياء التي يجب أن يتقيد بها أعضاء هيئة البلاط لديهم. وفي منتصف القرن السابع عشر أخذ الملك لويس الثالث عشر يرتدي شعراً مستعاراً يخفي به صلعته، ومالبث الخاصة من الفرنسيين أن شرعوا في حلق شعرهم وارتداء الشعر المستعار. وفي منتصف القرن التاسع عشر أخذت النساء الإنجليزيات، فيما يقال، يُقَلِّدن الملكة فكتوريا بجسمها الضخم بارتداء فساتين منفوخة وذلك باستخدام الحشوات تحت الثياب.

كما رافق انهيار نظام الطبقات الاجتماعية بعض التغيرات في الموضة. ففي خلال القرن الرابع عشر فقدت طبقة النبلاء كثيرًا من نفوذها وأخذ نظام الطبقات الصارم يضعف في أوروبا. ولذا بدأ أعضاء طبقة النبلاء في الاعتناء بملابسهم لتمييز أنفسهم عن الطبقة الوسطى.

وقد أدى إنتاج الملابس بالجملة في منتصف القرن التاسع عشر إلى توفير الملابس التي تساير أساليب الموضة لأعداد كثيرة من الناس بأسعار أرخص. وبدأ الناس من جميع الطبقات الاجتماعية يرتدون ملابس متشابهة الطراز، بحيث أصبح من الأسهل الآن التعرف على الملابس الغالية من خلال نوعية قماشها وصنعتها، أكثر من طراز موضتها.

كما أثرت أنواع الألعاب الرياضية التي تروج على مر السنين على طريقة ارتداء الثياب لدى الناس. ففي القرن الثامن عشر الميلادي مثلاً بدأ الناس في إنجلترا يرتدون ملابس أكثر بساطة بعد أن بدأوا يهتمون بصيد الثعالب، وغير ذلك من النشاطات الرياضية التي يمارسونها في الهواء الطلق. ويعمد الكثيرون في الوقت الحاضر إلى ارتداء ملابس خاصة لدى ممارسة نشاطات معينة، مثل الجولف، وركوب الخيل، وصيد الحيوانات، وكرة المضرب (التنس).

وقد تركت الحروب أيضاً تأثيرها على طراز الثياب في كثير من البلدان. فقد أحضر الصليبيون لدى عودتهم إلى أوروبا مثلاً في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين أفكاراً متنوعة من الشرق حول طراز الملابس، كما جلبوا معهم الحرير النفيس وغيره من الأقمشة التي لم تكن معروفة في القارة الأوروبية حينذاك.

كما استبدلت إبان الثورة الفرنسية (1789 - 1795م) بالملابس الأنيقة التي ترتبط بطبقة النبلاء الفرنسيين، ملابس أكثر بساطة. وحين أصبح نابليون إمبراطوراً في عام 1804م أعاد الأزياء المعتنى بتفصيلها وخياطتها إلى البلاط الفرنسي.

ولقد أدى الشح في الأقمشة خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) إلى الحد من ظهور الأزياء الجديدة. كما لجأ العديد من الحكومات إلى تحديد كمية القماش المستعمل في صنع أنواع الثياب المختلفة، وشَحَّت الجوارب المصنوعة من النيلون خلال الحرب العالمية الثانية بحيث لجأت العديد من النساء إلى دَهْن سيقانهن بالطلاء.

التقدم التقني:

أحدث التطور في الآلات ومواد الصباغة والأقمشة تأثيراً كبيراً على اتجاهات الموضة، خاصة فيما يتعلق بالثياب، وأخذت الأزياء تتغير وتتبدل باستمرار في البلدان التي تملك أنظمة إنتاج متقدمة عالية التقنية.

في أوائل القرن الثامن عشر، أتاح استحداث أصباغ جديدة إمكانية إدخال تكوينات متعددة من الألوان في الملابس. كما أدى ابتداع آلات حلج القطن المسننة، والنول الآلي، وغير ذلك من الآلات في أواخر القرن الثامن عشر إلى زيادة كبيرة في إنتاج الأقمشة والخيوط. وبدأ إنتاج الملابس بالجملة بعد ابتداع آلات الخياطة المحسَّنة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وأدى تصنيع العديد من قطع الملابس المتماثلة إلى توحيد أكبر في طراز الأزياء لدى الكثير من الناس. ولقد تركت صناعة الملابس الجاهزة منذ ذلك الحين تأثيرها على موضات الأزياء الجديدة.

وقد بدأ رجال الصناعة في أوائل القرن العشرين بصناعة الملابس وغيرها من المنتجات بالخيوط الصناعية، وشاع استعمال هذا النوع من الأقمشة نظراً لسهولة العناية بها، ورخص أسعارها مقارنة ببعض الأقمشة المصنوعة من ألياف طبيعية. كما بدأ الناس في الوقت نفسه يرتدون ملابس أخف نظرًا لظهور شبكات تدفئة أكثر فعالية.

يضاف إلى ذلك أن التغيرات في الموضة كانت بطيئة الانتشار من بلد لآخر في الماضي. أما الآن فقد مكنت سبل الاتصال السريعة الناس من الاطلاع على آخر صيحات الموضة والتطورات الحاصلة فيها في جميع أنحاء العالم.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية