فهرس |
اختلفت الآراء والنظريات في أصل الكتابة العربية وقام بعضها على فروض غيبية وأسطورية لا تستند إلى أساس من الواقع ولكن النقوش التي وجدت في شمال شبه الجزيرة العربية أزالت اللبس في هذا الأمر وأوضحت أصل الكتابة العربية وقبل أن نعرض هذا الدليل نسوق أولا وجهات النظر المختلفة، فقد ذهب الباحثون في أصل الكتابة العربية مذاهب شتي منها:
ومعناه أن الكتابة وقف من الله تعالى، علمها آدم عليه السلام وأن إسماعيل عليه السلام هو أول من نطق بالعربية ومن بعده نشأت العربية إلى يومنا هذا.
ذهب البعض إلى أن الخط العربي مشتق من خط المسند الحميرى وهو خط الحميريين في اليمن ولا يستند هذا الرأي إلى دليل مادي حيث لا توجد علاقة ظاهرة تربط بين خطوط أهل اليمن وخطوط العرب الشماليين التي وصلت إلينا.
ومجمل هذا الرأي أن أقدم حلقة في سلسلة الخط العربي هي الكتابة الهيروغليفية وهي إحدى كتابات المصريين القدماء وأنها أصل الكتابة المعروفة الآن في العالم المتمدن حيث حولها الفينيقيون إلى الحروف الهجائية وعلموها لليونان في القرن السادس عشر قبل الميلاد ومن اليونان انتشرت في أرجاء أوربا. الرأي الحديث: بعد عرض الآراء المختلفة في أصل الكتابة يجزم هذا الرأي بأن العرب لم يعرفوا الكتابة إلا حين كان لهم اتصال بالمدنية وذلك نتيجة هجرتهم من قلب الجزيرة وأوساطها إلى إطرافها المتحضرة وفي هذه البقاع خرج العرب عن طبيعتهم البدوية وسلكوا سبل الحضر في كثير من سبل المعيشة ومظاهر العمران. وقد نشأت في هذه البقاع مملكة النبط وعاصمتها البتراء وابتدعوا بأنفسهم خطا اشتقوه من الخط الآرامي فيما عرف بالخط النبطي. وقد زالت مملكة النبط في أواخر القرن الثاني الميلادي ومع ذلك ظلت طريقتهم في الكتابة باقية يكتب بها الأعراب النازلون من أقصي شمال الجزيرة. وقد مر الخط العربي بعد ذلك بعدة مراحل حتى تحول من صورته النبطية الخالصة إلى صورته المعروفة اليوم.
تلقي العرب الكتابة وهي على حالة من البداوة الشديدة ولم يكن لديهم من أسباب الاستقرار ما يدعو إلى الابتكار في الخط الذي وصل إليهم ولم يبلغ الخط عندهم مبلغ الفن إلا عندما أصبحت للعرب دولة تعددت فيها مراكز الثقافة ونافست هذه المراكز بعضها بعضا على نحو ما حدث في الكوفة والبصرة والشام ومصر فاتجه الفنان المسلم للخط يحسنه ويجوده ويبتكر أنواعا جديدة منه.
وقد كان العرب يميلون إلى تسمية الخطوط بأسماء إقليمية لأنهم استجلبوها من عدة أقاليم فنسبوها إليها مثلما تنسب السلع إلى أماكنها لذلك عرف الخط العربي قبل عصر النبوة بالنبطي والحيري والأنباري لأنه جاء إلى بلاد العرب مع التجارة من هذه الأقاليم وعندما استقر الخط العربي في مكة والمدينة وبدأ ينتشر منها إلى جهات أخرى عرف باسميهما المكي والمدني.
إلا أن الخط العربي لم يقدر له أن ينال قسطا من التجديد والإتقان إلا في العراق والشام بعد أن فرغ العرب إلى التجويد والإبداع فيه بعد أن فتح الله عليهم البلاد وأصبحت لهم عمارة وفنون واحتاجوا إلى الدواوين. وما يقال عن العراق يمكن أن يقال عن الشام كذلك فقد اتسعت رقعة الدولة في العصر الأموي وأصبحت دمشق عاصمة الأمويين وظهر في هذا العصر الترف والميل إلى البذخ والتحضر ونشطت حركة العمران فظهرت الكتابات على الآنية والتحف واعتني بكتابة المصاحف وزخرفتها. وفي العصر العباسي ترسخت الكتابة وازدهرت الخطوط وتنوعت وأختص كل إقليم بنوع من الكتابة.
وجدير بالذكر أن الأقلام ( الخطوط ) في ذلك العصر كانت تسمي بمقاديرها كالثلث والنصف والثلثين كما كانت تنسب إلى الأغراض التي كانت تؤديها كخط التوقيع أو تضاف إلى مخترعها كالرئاسي لنسبة إلى مخترعه ولم تعد الخطوط بعد ذلك تسمي بأسماء المدن إلا في القليل النادر.
وكما جعل المصريون كتابتهم على ثلاثة أنواع، الهيروغليفي "الكهنوتي"، والهيراطيقي "الدواويني"، والديموطيقي "الشعبي" ، كذلك كان الأمر في خطوط العصر العباسي فكان لكل خط اختصاصات معينة ومن ذلك: قلم الطومار: وكان مخصصا لتوقيع الخلفاء والكتابة إلى السلاطين. مختصر الطومار: لكتابة اعتماد الوزراء والنواب والمراسم. قلم الثلثين: لكتابة الرسائل من الخلفاء إلى العمال والأمراء في الولايات. قلم المدور الصغير: لكتابة الدفاتر ونقل الحديث والشعر. قلم المؤاتمرات: لاستشارة الأمراء ومناقشتهم. قلم العهود: لكتابة العهود والبيعات. قلم الجرم: للكتابة إلى الأميرات. قلم غبار الحلية: لكتابة رسائل الحمام الزاجل.
هذا وقد اندثر كثير من هذه الخطوط وبقي بعضها الآخر مستعملا إلى يومنا هذا، وفيما يلي سنوضح أهم هذه الخطوط وصفاتها واستخداماتها.