الرئيسيةبحث

مشروع الجينوم البشري

الجي البشري Human genome: هو الطقم الكامل المكوّن من أكثر من 500000 جين موجودة في نواة الخلية لأغلب الخلايا البشرية. ويتوزع الجينوم النووي للأنثى على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات المتشابهة بنيويا، لكن الكروموسوم X في الذكور يقترن مع الكروموسوم Y غير الشبيه به، وبذلك يصبح هناك 24 نوعا مختلفاً من الكروموسومات البشرية. وبكلمات أخرى، يمكننا القول بأن الجينوم هو كامل الحمض الريبي النووي منزوع الأكسجين (أو الدنا DNA اختصاراً) في كائن حي معين، بما فيه جيناته genes. وتحمل تلك الجينات (المورثات) جميع البروتينات اللازمة لجميع الكائنات الحية. وتحدد هذه البروتينات، ضمن أشياء أخرى، كيف يبدو شكل الكائن الحي، وكيف يستقلب metabolize جسمه الطعام أو يقاوم العدوى، وأحياناً يحدد حتى الطريقة التي يتصرف بها.

ويتكون جزيء الدنا DNA في البشر والرئيسيات، من خيطين يلتف كل منهما حول الآخر بحيث يشبهان السلم الملتوي والذي يتصل جانباه، والمكونان من جزيئات السكر والفوسفات، بواسطة روافد rungs من المواد الكيميائية المحتوية على النتروجين، والتي تسمى القواعد bases ويرمز إليها اختصاراً A و T و C و G. وتتكرر هذه القواعد ملايين أو مليارات المرات في جميع أجزاء الجينوم، ويحتوي الجينوم البشري، على سبيل المثال، على ثلاثة مليارات زوج من هذه القواعد، في حين يحتوي الجسم البشري على نحو 100 تريليون (100،000،000،000،000،000،000) خلية!

ونظراً لأن جميع الكائنات الحية ترتبط بعلاقات مشتركة من خلال التشابه في بعض متواليات الدنا DNA ، تمكننا التبصّرات التي نحصل عليها من الكائنات الحية غير البشرية من تحقيق المزيد من الفهم والمعرفة لبيولوجية الإنسان.

فهرس

منظمة للجينوم البشري

ظلت وزارة الطاقة الأمريكية ( DOE) والهيئات الحكومية التابعة لها مسئولة، ولمدة تقارب الخمسين سنة، عن البحث بعمق في الأخطار المحتملة على صحة الإنسان نتيجة لاستخدام الطاقة ونتيجة للتقنيات المولدة للطاقة - مع التركيز بصورة خاصة على تأثير الإشعاع الذري على البشر، لذلك فمن الانصاف أن نعلم بأن أغلب ما نعرفه حالياً عن التأثيرات الصحية الضارة للإشعاع على أجسام البشر، نتج عن الأبحاث التي دعمتها هذه الوكالات الحكومية - ومن بينها الدراسات طويلة المدى التي أجريت على الناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما ونجاساكي، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التجريبية التي أجريت على الحيوانات.

حتى وقت قريب، لم يقدم العلم سوى أمل ضئيل في اكتشاف تلك التغيرات الطفيفة التي تحدث في الحمض النووي (الدنا DNA) الذي يشفر برنامجنا الوراثي، كنا بحاجة إلى أداة تكتشف التغيرات الحادثة في (كلمة) واحدة من البرنامج، والذي ربما يحتوي على مائة مليون (كلمة).

في عام 1984، وفي اجتماع مشترك بين وزارة الطاقة الأمريكية واللجنة الدولية للوقاية من المطفرات ( Mutagens) والمسرطنات ( Carcinogens) البيئية، طرح لأول مرة بصورة جدية ذلك السؤال: (هل يمكننا، أو هل يجب علينا، أن نقوم بسلسلة ( Sequence) الجينوم البشري ?: وبكلمات أخرى: هل علينا تطوير تقنية تمكننا من الحصول على نسخة دقيقة (كلمة بكلمة) للمخطوطة الوراثية الكاملة لإنسان (عادي). وبهذا نتوصل إلى مفتاح اكتشاف التأثيرات المطفرة Mutagenic الخادعة للإشعاع وللسموم المسببة للسرطان ?

لم تكن إجابة هذا السؤال من السهولة بمكان، لذلك فقد عقدت جلسات عمل عدة خلال عامي 1985 و 1986، وتمت دراسة الموضوع برمته من قبل المجموعة الاستشارية لوزارة الطاقة، ومكتب تقييم التكنولوجيا التابع للكونجرس، والأكاديمية الوطنية للعلوم، بالإضافة إلى الجدل الذي احتدم وقتها بين العلماء أنفسهم على المستويين العام والخاص. وعلى أي حال، فقد استقر الإجماع في نهاية الأمر على أننا يجب أن نخطو في هذا الاتجاه.

في عام 1988، أنشئت منظمة الجينوم البشري ( Human Genome Organization (HUGO في الولايات المتحدة، كان هدف هذه المنظمة الدولية هو حل شفرة كامل الجينوم البشري.

أما مشروع الجينوم البشري ( HGP) Human Genome Project فهو مشروع بحثي بدأ العمل به رسمياً في عام 1990، وقد كان من المخطط له أن يستغرق 15 عاماً، لكن التطورات التكنولوجية أدت إلى تسريع العمل به حتى أوشك على الانتهاء قبل الموعد المحدد له بسنوات عدة. وقد بدأ المشروع في الولايات المتحدة كجهد مشترك بين وزارة الطاقة Department of Energy (DOE) ، والمعاهد الوطنية للصحة ( NIH). وقد تمثلت الأهداف المعلنة للمشروع فيما يلي:

السلسلة الحيوية

تبدأ سلسلة الـ DNA البشري بأخذ عينات الدم من المتطوعين، والتي تستخلص باستخدام الطرق الكيميائية الروتينية، ثم تجمّع pooled وتبرد عند درجة صفر فهرنهايت، ثم تقطع إلى متواليات متراكبة يبلغ طول كل منها نحو 150.000 حرف. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد في هذه العينات الأصلية مقدار من الـ DNA يكفي لتحليله، ولذلك فالخطوة التالية هي استنساخ (تنسيل: Cloning) كل شظية (شدفة: Fragment) في البكتريا ، والتي تصنع نسخاً عدة منها مع تكاثرها.

وتستخدم الربوتات Robots في نقل هذه المستعمرات البكتيرية إلى آلة تضخمها Amplify لدرجة أكبر.

وتسمى التقنية التي تستخدمها هذه الآلة (تفاعل سلسلة البوليمريز Polymerase Chain Reaction - PCR) وقد أهل مكتشفه الكيميائي الأمريكي كاري موليس Mullis لنيل جائزة نوبل عام 1993.

وبعد ذلك، تفك شفرة متوالية كل شظية باستخدام آلة تسمى (المسلسل) Sequencer ، والتي تنفذ مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي طوّرها العالم البريطاني فريد سانجر Sanger ، والحائز جائزة نوبل. وللتبسيط، نقول إن تلك التفاعلات تتضمن تمييز كل حرف في أي شظية بعينها بجزيء ملون يمكن قراءته بواسطة أشعة الليزر. ويقوم جهاز كمبيوتر بتحليل نتيجة الفحص بالليزر لإنتاج متوالية sequence لهذه الشظية، ثم يجمع جميع متواليات الشظايا (الشدف) المتراكبة overlapping ، وذلك لتكوين جينوم العيّنة الأصلية.

لماذا ندرس الجينوم

سيتيح مشروع الجينوم البشري فوائد جمة للبشرية، يمكننا توقع بعضها بينما سنفاجأ بالبعض الآخر. أما الفوائد المتوقعة للعلاج بالجينات فهائلة، ويمكن تلخيصها في مجالات عدة كالتالي:

تطوير أدوية ومعالجات جديدة: بالإضافة إلى صنع أدوية جديدة، يمكن اعتبار مشروع الجينوم البشري كبداية لحقبة جديدة من الطب الشخصي Personalized medicine. فالناس يميلون للاستجابة بصورة مختلفة تماماً للأدوية التي يصفها لهم الأطباء - حتى 50% من الأشخاص الذين يتناولون دواء معينا سيجدون أنه إما غير مؤثر، أو أنهم سيتعرضون لتأثيرات جانبية غير مرغوبة. ويعد أسلوب (اضرب واخسر) مضيعة مرعبة للوقت والمال، بل إنه قد يعرّض الحياة ذاتها للخطر.

وبالإضافة لذلك، فنحن جميعاً نختلف في قابليتنا للإصابة بالأمراض المختلفة، فبينما قد ينتهج رجل نمطا صحيا نسبيا للحياة قبل أن يسقط ضحية لنوبة قلبية في منتصف العمر، قد يظل صديقه الذي يدخن عشرين سيجارة يومياً ويتناول إفطاراً مقلياً كل يوم، قوياً حتى سن الثالثة والتسعين، لكن لماذا ?... يقع جزء مهم من الإجابة في الجينوم البشري.

وقد اتضح أن 99.9% من متتاليات الـ DNA متشابهة في جميع البشر (ولذلك فنحن ننتمي جميعاً للنوع الحي نفسه)، لكن هذا الفرق الذي لا يزيد على 0.1% قد يفسّر استجاباتنا الفردية للأدوية وقابليتنا للإصابة بالأمراض.

الطب الجزيئي ( Molecular medicine)

الجينوميات الجرثومية Microbial genomics

الدراسات السكانية والأنثروبولوجية

استخدامات الدنا DNA في مجال الطب الشرعي

الزراعة، وتربية الحيوان، والمعالجة البيولوجية

مخاطر متوقعة

عندما تصبح المنابلة الجينية إجراء دقيقاً، سيواجه الآباء المتوقعون بمجموعة واسعة من الاحتمالات. وهم سيرغبون، بطبيعة الحال، في أن يتأكدوا خلال المرحلة الجينية لنسلهم، في أن يقوم المعالجون بالجينات بتصحيح أي مشكلات قد تنشأ بسبب وجود جينات معيبة، وقد يطلب الآباء أيضاً من أولئك المعالجين رفع معدلات ذكاء أطفالهم، أو إضافة بضع بوصات إلى أطوالهم، أو منحهم قدرات رياضية متفوّقة، أو شعر مجعد، وعيون زرقاء، وبشرة متوافقة مع أحدث صرعة.

ويمكن أن تحظى المعالجة الوراثية بقبول عام أوسع إذا أمكن منع احتمال توافرها فقط كمعالجة مميزة للأغنياء وحدهم، ويتوقع فيليب كيتشر Kitcher ، مؤلف الكتاب المعنون (حيوات قادمة: الثورة الوراثية والاحتمالات البشرية)، إن تلك الشكاوى المتعلقة بالعلاج بالجينات ستكون نادرة. ويقول (إذا ضمن المجتمع المستقبلي الوصول المتساوي لكل مواطنيه (و) إذا اهتم أولاً بالاحتياجات الصحية العاجلة قبل خلق الفرص لتحسين القدرات).

يجب علينا أيضاً أن نضع في اعتبارنا تأثيرات الهندسة الوراثية في المجالات الاجتماعية والسياسية، ونظراً لأن الفوائد الزراعية والطبية للهندسة الوراثية باهظة التكاليف، لن يتمكن الأفراد الفقراء، ولا الأمم الفقيرة من تحمّلها - على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تتسع الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء، وبالإضافة إلى ذلك، يحاول زعماء العالم الثالث حماية النباتات والأنواع الحيوانية غير العادية من الاستغلال الغربي، فالشركات الغربية تريد هذه الأنواع من أجل مشاريع الهندسة الوراثية، وتأمل في أن تحصل عليها بأقل تكلفة ممكنة.

ماذا عن الأخلاق؟

إن العلم في حد ذاته لا هو جيد ولا سيء، لكن الاستعمالات التي يستخدم فيها هي التي تثير الأسئلة الأخلاقية، وما الهندسة الوراثية إلا تقنية فحسب، وعلينا أن نقرر إذا كنا نريد استخدامها، ومتى وكيف، ويجب أن تكون هذه القرارات مسئولية الجميع.

ويمكن أن تمثل المخاوف التي يظهرها الناس فيما يتعلق بالهندسة الوراثية، علامة تشير إلى بداية العمل الفعّال للمواطن بخصوص القضايا البيئية العالمية، وكلما تأخرنا في الفعل، قلت إمكانية نجاحنا في إنقاذ الأنظمة البيئية وتنوّعها البيولوجي.

المصدر

مجلة العربي عدد يناير 2001 (بقلم د/إيهاب عبد الرحيم) حسب ترخيصها في ويكيبيديا:تصاريح بالنقل والاقتباس