الرئيسيةبحث

محمد مهدي شمس الدين

ولد ولد الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين قدس سره في النجف الاشرف من العراق ليلة الجمعه في الخامس عشرمن شعبان سنة 1354\1936م* .والده العلامه الأكبر آية الله الشيخ عبد الكريم شمس الدين المولود في البصرة ابن الشيخ عباس شمس الدين إلى شمس الدين محمد بن مكي الشهيد الاول * رضوان الله عليه و كانت و لادته اثناء هجرة والده من لبنان إلى العراق لطلب العلم .بقي الامام شمس الدين مع والده حتى بلغ الثانية عشرة من عمره,ثم عاد ابوه إلى لبنان و تركه في النجف لتحصيل العلوم الدينية. و اشرنا إلى ان الشيخ عبد الكريم ترك الامام الراحل في العراق و عاد إلى لبنان بسبب الظروف القاسيه التي كان يمر بها ،ظروف لم تكن تسمح له بالبقاء ،و قد حدثنا انه لم يكن معه من المال ما يوصله إلى بلدته في لبنان * ،وعلى الرغم من حالة العوز و الفقر خير ولده بين البقاء في النجف و بين العودة معه إلى لبنان. قال لنا سماحة الشيخ عبد الكريم:"انه كان عمر و لدي محمد مهدي ما يقارب 12 سنه ،فتذاكرت معه في ابقائه في النجف الاشرف لطلب العلوم الدينيه ،و تهذيب الاخلاق النفسيه فوافق على ذلك باختياره ،وتصميم عزمه * ،وانه كان في هذا السن قد قطع شوطا بعيدا في دراسة النحو والصرف و المعاني و البيان ،فتركته برعاية الله و حمايته و حامي الجار سلام الله عليه". ويقول الامام الراحل:( تلقيت علومي الاوليه في النحو و الصرف و مبادىء الفقه على يد الشيخ الوالد حفظه الله .و درست مقدمات الاصول و البلاغه و المنطق على بعض الفضلاء من مدرسي الحوزة الدينيه في ذلك الحين * ،وأتممت دراستي على مستوى الخارج في الفقه على السيد الجليل سماحة المرجع الديني المقدس محسن الجكيم رضوان الله عليه* ،و في الفقه و الاصول على السيد أبو القاسم الخوئي)* قدس سره.

الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في العراق لم تكن حياة الامام المقدَّس آية الله العلامه الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعد عودة والده إلى لبنان حياةً مختلفه عمَّا كانت عليه قبل أن يبق الشيخ وحيداً في العراق, بل يمكن القول, بحسب النص الذي بين أيدينا. وبحسب نصوص أخرى أطلعنا عليها والد الامام الراحل, وهي عبارة عن رسائل كان قد بعث بها إلى ولده في العراق يعتذر له فيها عن قصر اليد وعدم القدره على المساعده الماليه*. من خلال جملة من النصوص يمكن الجزم بأنَّ حياة الامام شمس الدين في النجف كانت أسوأ بكثير مما كانت عليه حالة الجميع قبل العوده إلى لبنان, يقول الامام المقدَّس واصفاً الحال في العراق : ((وكنت اذ ذلك في بداية الشباب, وفي ذروة الحياة الدراسيه في النجف الأشرف وحلقاتها العلميَّه, حيث الفقر حينذاك والحاجة إلى حدّ الجوع, وطيّ الليالي والأيام بلا طعام. وحين يتيسّر الطعام فهو غالباً طعام بسيط, فقد كان الشبع من الطعام الجيّد ترفاً نادراً, وحيث البحث في ليالي الجوع الظلماء عن نفايات الخبز في شرفات غرفة الطلبه في المدرسه, وهي نفايات قليله _فأغلبهم أيضاً فقراء, وان لم يبلغوا في فقرهم حدَّ الجوع) وقلَّما كانت تتاح الفرصه للحصول عليها, لغلبة الحياء, وخوف انكشاف الحال, فتغسل مما علق بها من تراب وتنقَّع في الماء لتلين... وحيث النوم بلا وطاء أو بلا غطاء, وحيث الثياب الممزَّقه المرقَّعه, ولبس ثياب الصيف في الصيف والشتاء في بعض السنين, ولبس ثياب الشتاء في الشتاء والصيف في سنين أخرى... وحيث الحفاء في شكل الاحتذاء, أو الاحتذاء الشبيه بالاحتذاء ... و الحمد لله على نعمته لقد كانت أياماً مباركة ،رزقنا الله فيها الصبر ،وكانت قسوتها تربية و ترويضاً واعداداً لما اراده الله اللطيف بعباده...كانت حياةً قاسية,وكان الملاذ من كل ذلك إلى الدرس و القراءه و زيارة أمير المؤمنين علي(ع) و مسجده....))* هذه باختصار حياة الفقر والعذاب في العراق,فلم تحمله هذه الحياة على العودة إلى لبنان مع والده,بل كانت حافزاً لتحصيل العلم,وتهذيب النفس.انّ الامام شمس الدين في حياته عاكس المقولة التي تقول ان المرء في حالة الفاقة القصوى و الفقر المدقع,يستسلم إلى اليأس و تخاذل القوى,وتضيق عليه مذاهبه,وتتعذر عليه المعرفه....والتجربة دلّت على ان الفقر في أي مكان يمكن ان يؤدّي إلى اليأس و الضعف,لكن الشعور بالحاجة في النجف الاشرف و بين مقامات الائمة يتحول إلى قوة وتقوى تدفع الانسان نحو تحصيل العلم,وتجعله مدركا لابعاد معاناته في سبيل الوصول إلى اليقين...تأسيا بأئمة الهدى اللذين كانوا يربطون الحجار على البطون,و يأكلون أقراصا قليلة في اليوم."كيف أبيت مبطاناً و من حولي بطون غرثى تحن إلى القد " كما جاء على لسان الامير (ع) الذي كان يفزع آية الله الامام شمس الدين إلى مسجده في أوقات الشدة و البرد و الجوع* .

النشاط الفكري و السياسي في العراق لقد قضى آية الله الامام شمس الدين في العراق ما يقرب من 35 عاما ،حيث انقسمت هذه السنين بين تحصيل العلوم الدينيه ، و بين الجهاد في سبيل الله من خلال المشاركه في العمل الاسلامي ،و بناء المساجد و المكتبات ،و التدريس في كلية الفقه* ،لم تكن هذه السنون سنيّ راحة و اطمئنان, بل كانت سنين قلق و عذاب و جهاد في سبيل اعلاء كلمة الله تعالى و يمكن القول ان هذه الحال, لم تكن مقتصره على الامام شمس الدين,وانما هو حال و حياة عدد كبير من العلماء اللذين و قفوا حياتهم على نصرة الحق,و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر,يقول الامام الراحل:"لقد عملنا في الحركة الاسلامية التي برزت إلى العلن بعد انقلاب 14 من تموز سنة 1958 ميلاديه في العراق* مع اخوان لنا كثيرين, استشهد قسم كبير منهم,ونسأل الله تعالى ان يحفظ الباقين و يوفقهم للاستمرار في الجهاد..."* ان حركة الامام الجهادية و الفكرية في العراق كانت مميزه من حيث القدرة على التأثير بالواقع و بالناس اذ انه استطاع بحكم مسؤوليته في الفرات الاوسط ان يتفاعل مع الناس,وان يعطي الدين بعض الحيويه في الواقع و السلوك و الممارسة,و قد عبر الامام عن هذه الحقيقة بقوله:"عملنا في النجف و في منطقة الفرات الاوسط, وكان مركز العمل في الديوانيه منذ سنة 1961 ميلاديه و حتى 1969 ،اي حتى العودة إلى لبنان.و الحمد لله كان لعملنا تأثير كبير في ذلك المحيط,و أنشأنا برعاية السيد الحكيم رضوان الله عليه مشروعا ضخما لا يزال قائما حتى الان في مدينة الديوانية و هو المكتبة العامة التي كانت تؤدي و ظيفه أكثر من مكتبة في الحقيقة ، هي كانت تؤدي و ظيفة مركز اسلامي عام... هذا إلى بالاضافة إلى انشاء او المشاركة في انشاء ما يزيد على 20 مسجدا في نفس الديوانيه و ما يحيط بها من البلاد...."* لا شك ان الهدف من بناء المكتبات و المساجد ليس جمع الناس فيها فقط ،وان كان هذا من جملة الاهداف,لكن الهدف الرئيس كان توعية الناس و حملهم على المشاركة في تغير الواقع السيء الذي كان ناشئا عن النظام الفاسد,و قد تجلّى اثر بناء هذه المؤسسات في المظاهرات التي كانت تنطلق إلى بغداد بعد ان انتقل المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم إلى بغداد,كان الامام شمس الدين من جملةالذين اعترضهم النظام العراقي ومنعهم من الدخول إلى العاصمة بعد ان ادرك النظام ان الهدف من انتقال المرجعية إلى بغداد هو تقوية المعارضة داخل العاصمة ،و بغض النظر عن ما اذا كانت هذه الحركة الاسلامية فشلت او نجحت في استقطاب الشعب فانه يمكن القول ان المرجعية ما كانت لتنتقل إلى العاصمة لولا تأكدها ان الحركة الاسلامية اصبحت على شيء من القوه....يقول الامام الراحل عن طبيعة العمل السياسي في النجف:"نحن نشاطنا السياسي في النجف بدأ في دائرة العمل السياسي العام الذي بدأ يظهر إلى العلن منذ انقلاب تموز و عملنا في حقول متنوعه منها ما كان ظاهرا,ومنها ما لك يكن ظاهرا سواء في اصدار البيانات او المشاركة في اصدار البيانات ،او بالمشاركة في ايجاد و ادامة و اصدار مجلة الاضواء في حينه و في تربية الكوادر الاسلامية ،او في كتابة نصوص تتعلق بمهمات العمل الاسلامي في ذلك الحين..."* هذا الكلام يدل على حيوية الحركة في الواقع بعد انقلاب تموز,و فيه دليل ايضا على مدى فاعلية المؤسسات التي انشأت في الديوانية و غيرها في العراق اجل لم تكن هموم العلماء في النجف و الديوانية آن ذاك و اهدافهم انشاء احزاب متعدده لكل منها شعارات تتففق احيانا و تتناقض احيانا اخرى ،كما هو حال الاحزاب في اي بلد من البلدان في الوقت الحاضر ، وإنَّما كان همّهم جميعاً واحداً هو أن يكون العمل الإسلامي جاداً في مواجهة النظام وشروره, وأن تنطوي جميع الفاعليّات والمؤسّسات في عملٍ إسلاميٍّ عام يخدم الهدف الذي من أجله أسست الحركه الإسلاميّه, وقد عبَّر الامام شمس الدين (قده) عن هذه الحقيقة بقوله: "حينما سألته مجلة الحوزه عمّا إذا كان إنتهى إلى تشكيل حزب معيَّن في العراق؟", فأجاب:" كان هناك تيّار إسلاميّ عام وُجِدت فيه عِدّة هيئات نحن كنَّا نعمل في نطاق التيار الإسلامي العام"* . إنَّ السرّ الكبير في حركة العمل الإسلامي العام هو أنّه لم يكن منفصلاً عن المرجعيّه في الجهاد ضدّ النظام والمستعمر معاً, وضدّ الأحزاب اليساريّه أيضاً, بدليل أنّ المرجعيّه كانت تؤيد وترعى نشاط الحركه الإسلاميّه وتبارك خطواتها, وتتدخّل في كلّ صغيرةٍ وكبيره, يقول الامام الراحل حول دعم وتأييد المرجعيَّه للنشاط الاسلامي في العراق:" بلا شكّ أنّ المرجعيّه في ذلك الحين كانت وراء هذا النشاط, كانت تدعمه وتموله وتتابعه وتحث عليه, وأذكر أنّه في إحدى الحالات (حالات المحنه) الكبيره جدّاً التي واجهت الحوزه وواجهت الإسلاميين يعني التيّار الاسلامي في ذلك الحين, بحيث أنّه كان مجرّد التجول في الأسواق وشوارع النجف أو غير النجف كان يعتبر مغامرة خوفاً من تعرض السفهاء والحزبيين اليساريين في ذلك الحين وغيره. أَذكُرُ أن السيد الحكيم رضوان الله عليه قال : أنه ينبغي أن تخرجوا ولو لأجل التمشي في الشارع وإن تعرضتم للإهانه أو تعرّضتم للعدوان لمجرّد أن يبقى الناس يرون هذا الزي وانّ هذا الخط موجود ولن ينكسر, يعني إلى هذه الدرجه كان يوجد متابعه للمرجعيه لهذا العمل ..."*.

من جملة النشاطات في العراق أيضا أن سماحة آية الله الامام شمس الدين (قده) كان مناصراً لتيار التحديث* ، حيث أنّ المواد التي كانت تدرّس سواء في اللغة أو في المنطق أو في الأصول, كانت صعبةً للغاية وأكبر من مستوى التلميذ, والامام نفسه كان يقول : عانى من هذه المواد. وبعد أن تقدّم في طلب العلوم رأى أنّه منة الضروري إتباع منهج يكون موافقاً لضرورات العصر, يقول الامام شمس الدين (قده) :" تبيّن لي بعد معاناتي الكبيره وجميع من كنيت معهم أن كتب التدريس, وأغلب المواد الأوّليه لا تصلح لأن تكون مدخلاً إلى العلوم المطلوبه"* مما يعني أنّه يجب إعادة صياغة المنهج عاى أساس من متطلبات العصر الذي يقضي ألواناً من المعرفه, هذه المعانات أحدثت رغبةً عند الامام (قده) في الدعوة إلى التحديث كما أنّ هذه المعانات وهذا الاكتشاف بعد التقدم في طلب العلوم هو الذي كان وراء فكرة التحديث وكانت الجهة التي تطرح هذة الفكرة وتعمل على تأصيلها هي جمعيّة منتدى النشر التي كانت تمثّل التعابير الأكثر رصانةً ووعياً وواقعيّةً عن حاجات المجتمع آن ذاك, وبما أنّ الامام (قده) قد وجد بأنّ طموحه هو نفس طموح هذه الجمعيّه, فما كان عليه الا أن إنتسب اليها وشارك في أعمالها, لأنّها كانت تمثل أوّل محاوله لتنظيم الدراسه العلميّه, ولتطوير المأتم الحسيني في العراق... هو جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف وعلى رأسها العلامه المرحوم الحجة الشيخ محمد رضا المظفَّر* ، وأخينا العلامه السيد الحجه محمد تقي الحكيم.

وكان من جملة أهداف جمعية منتدى النشر تأسيس كليّه لتخريج خطباء المنبر الحسيني المستوعبين للمتغيّرات, والواعين لظروف العصر القادرين على مواجهته بالثقافة الرصينه العميقه, والعلم والموضوعيّه لا بالخرافة والتهريج كما كان يحدث في كثير من الحالات, ومع أنّ هذه الدعوه إلى التفيير قد جوبهت في النجف بعنف فاق كلّ توقع. وأثارت ردود فعل سلبيّه حادّه في بعد الأوساط, إلا أنّ القائمين على دعوة التغيير ثبتوا بالرغم من أنّهم لم يتكنوا من تحقيق طموحهم إلى تأسيس كليةً لتخريج خطباء المنبر الحسيني, فقد عملوا بأساليب غير نظاميّه على نشر الفكرة الطموحة التي لاقت قبولاً بل ترحيباً في أواسط كثيرةٍ, وكان من خيرات هذه الفكرة تكوين عدد من الخطباء البارزين في حقل المأتم الحسيني يحضون بإقبال واسع من الجماهير ويحققون نفعا كبيراً. وقد زاد عددهم كثيراً في السنين الأخيره والحمد لله. وقد اسست منتدى النشر بعد ذلك كلية الفقه فجعلت من جملة أهدافها التغييريه هذا الهدف الكبير,و قد تخرج منها جمله من الخطباء المتخصصين في شأن المآتم الحسينيه و المسلحين بالوعي لمشكلات عصرهم,و المعرفه الكافيه بأداة عملهم و شروطه... و انه لمما يشرفني,يقول الامام الراحل ،ويسعدني ان اكون-في حدود الفرص التي اتيحت لي- قد ساهمت مع زملائي في الهيئه التدريسيه في كلية الفقه ،بنصيب ضئيل في ...))عملية * التطور هذه هي جملة النشاطات السياسيه و الفكريه للشيخ الامام في العراق ،وتقول هذه هي بمعنى ان هذا هو ما تكمنا من الحصول عليه,و بالتأكيد ان هناك الكثير من النصوص التي لم نتمكن من الحصول عليها لاسباب عده .و نختم كلامنا هنا بالقول ان الشيخ الامام شمس الدين كان له في العراق دوران اولاً دور داخلي في نطاق الفكر الشيعي لجهة تأكد الشيخ ان العصر يجب ان يواكب ،باعتبار ان هناك اشياءً كانت لازمة في الماضي ،لكنها لم تعد لازمة في الحاضر و هذا يستدعي تطويرا و تحديثا.ثانيا و هو العمل في الحركة الاسلامية ،و الجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله من خلال اقامة مؤسسات ،و المشاركة في اصدار البيانات السياسيه التي تدعو ال التعاون على البر و التقوى ،و العمل على الناس ليكون الاسلام حيويا في الواقع من خلال تطبيق يحمل ما في النظرية الاسلامية من خصائص.