عبد الرحمن الخميسي (1920 - 1987) شاعر مصري رومانسي تقلب بين مختلف ألوان الفن في الشعر والقصة والمسرح والتمثيل والصحافة والتأليف الإذاعي والإخراج السينمائي وتعريب الأوبريت بل وتأليف الموسيقى والأغاني كتابة ولحنا ، ومذيعا عرف بأنه " صاحب الصوت الذهبي " . ولد عبد الرحمن الخميسي ( عبد الرحمن عبد الملك الخميسي مراد ) في 13 نوفمبر عام 1920 بمدينة بور سعيد ، ودرس في مدرسة القبة الثانوية بالمنصورة لكنه لم يكمل دراسته بها . في سن مبكرة بدأ الخميسي يكتب الشعر ويرسل قصائده من المنصورة فتنشرها كبرى المجلات الأدبية حينذاك مثل " الرسالة " للأستاذ أحمد حسن الزيات ، و" الثقافة " للأستاذ أحمد أمين ، ثم استقر قراره على الانتقال للقاهرة عام 1936 ، وهناك أجبرته الظروف على العمل بائعا في محل بقالة وكومساري ومصححا في مطبعة ومعلما في مدرسة أهلية والنوم على أرائك الحدائق ، كما جاب الريف مع فرقة " أحمد المسيري " المسرحية الشعبية التي كان صاحبها يرتجل النصوص. وفي فترة لاحقة دخل إلي عالم الصحافة بانضمامه إلي جريدة المصري لسان حال الوفد قبل ثورة 1952 .
لمع الخميسي شاعرا من شعراء الرومانسية ومدرسة أبوللو بروادها الكبار : على محمود طه ، ومحمود حسن إسماعيل ، وإبراهيم ناجي ، وغيرهم . وفي سنوات ما قبل ثورة 52 أخذت تظهر مجموعات الخميسي القصصية التي صورت طموح المجتمع المصري وخاصة الطبقات الفقيرة إلي عالم جديد . وعندما قامت ثورة يوليو ، وأغلقت صحيفة المصري ، اعتقل الخميسي وظل رهن الحبس من يونيه 1953 حتى منتصف ديسمبر 1956 نظرا لموقفه الداعي للتشبث بالحياة الحزبية الديمقراطية . وبعد الإفراج عنه التحق بجريدة " الجمهورية " لكن الحكومة قامت فيما بعد بنقله فيما يشبه العزل السياسي مع مجموعة من أبرز الكتاب إلي وزارات مختلفة وكان نصيبه منها وزارة التموين ، فألف في تلك الفترة فرقة مسرحية باسمه كتب وأخرج أعمالها ومثل فيها وجاب بها المحافظات ، كما كتب للإذاعة عدة مسلسلات لاقت نجاحا خاصا أشهرها " حسن ونعيمة " التي تحولت لفيلم واعتبرها النقاد " قصة روميو وجولييت " المصرية .
ثم انتقل إلي تعريب الأوبريتات في تجربة كانت الأولي من نوعها في تاريخ المسرح الغنائي خاصة أوبريت " الأرملة الطروب " ، وألف العديد من الأوبريتات المصرية ، ثم انتقل إلي تأليف وإخراج الأفلام السينمائية . وإلي جانب ذلك كله كان الخميسي يواصل دوره الصحفي ، والأدبي في مجال القصة والشعر ، ومهد الطريق لمواهب كبرى مثل يوسف إدريس ، واكتشف طاقات أخرى مثل الفنانة سعاد حسني وغيرها ، وترك أثرا خاصا بدوره في فيلم الأرض ليوسف شاهين . وبرجوع الخميسي إلي جريدة الجمهورية كان أول ما نشره سلسلة من المقالات منع نشر ما تبقى منها ، وبعدها هاجر الخميسي من مصر في رحلة طويلة من بيروت إلي بغداد ومن بغداد إلي ليبيا ومنها إلي روما ثم باريس ثم موسكو ، حيث قضى ما تبقى من سنوات حياته في الغربة حتى وفاته في أبريل 1987 ، فنقل جثمانه ليدفن في المنصورة حسب وصيته الأخيرة . وعلى حد قول أحمد بهجت قام الخميسي بدور في : " تنوير الحياة الأدبية يشبه دور برتراند راسل في المجتمع الإنجليزي " ، وقال عنه يوسف إدريس إنه " أول من حطم طبقية القصة " ، وأنه : " عاش قويا عملاقا مقاتلا إلي ألف عام " ، وكتب أحمد بهاء الدين قائلا : " دهشت عندما قرأت في نعيه أنه توفي عن سبعة وستين عاما فقط وكنت أظنه أكبر من ذلك لكثرة ما أنتج وكثرة ما عاش ، وكثرة ما سجن ، وكثرة ما سافر في أنحاء الدنيا ، وكثرة ما ترك من الأبناء والبنات في شتى عواصم العالم " . وقد ترك الخميسي تراثا في مختلف حقول الفن ، وعد بذلك ظاهرة فنية وثقافية متعددة الفروع والتأثير .
أعمال الخميسي
- في الشعر ترك الخميسي سبعة دواوين شعرية هي : الدواوين : أشواق انسان ( مايو 1958 ) القاهرة - ثم " دموع ونيران " 1962 القاهرة ، ثم ديوان الخميسي دار الكاتب العربي 1967 ثم ديوان الحب 1969 القاهرة – إني أرفض ؟ بيروت – تاج الملكة تيتي شيرى 1979 بيروت– مصر الحب والثورة 1980 بيروت . وقد اعتبره الدكتور لويس عوض : " آخر الرومانسيين الكبار " وأشار إلي قصيدته " في الليل " معتبرا أنها " من أروع ما نظم شعراء العربية " . واعتبر د . محمد مندور أن الخميسي " بلغ بشعره حد السحر " .
- وفي القصة توالت مجموعاته القصصية بعد أن أعاد صياغة " ألف ليلة وليلة الجديدة " على صفحات المصري وصدرت في جزئين ، ثم ظهرت مجموعته الأولي " من الأعماق " ثم " صيحات الشعب " في نوفمبر 1952 ، ثم " قمصان الدم " مارس 53 ، و " لن نموت " مايو 1953 ثم " رياح النيران " مكتبة المعارف بيروت أبريل 1954 و " ألف ليلة الجديدة " و " دماء لا تجف " في نوفمبر 1956 ، " البهلوان المدهش " أكتوبر 1961 ( الكتاب الذهبي روز اليوسف ) ، وأخيرا " أمينة وقصص أخرى " ( الكتاب الماسي ) عام 1962 وكانت تلك آخر مجموعة قصصية له ، فلم يعد إلي فن القصة . وله أيضا قصة طويلة لم تطبع نشرت في المصري أواخر الأربعينات تحت عنوان " الساق اليمنى " .
- في المسرح شكل الخميسي فرقة مسرحية باسمه في 21 مارس 1958 وقدمت عرضها الأول على مسرح 26 يوليو الصيفي بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليف الخميسي وإخراجه وتمثيله وهي " الحبة قبة "، و" القسط الأخير " و " حياة وحياة " . ثم قدمت فرقته مسرحية " عقدة نفسية " المترجمة عن الرواية الفرنسية " عقدة فيلمون " لمؤلفها جان برنار لوك واقتبسها للمسرح الانجليزي جون كلمنتس وسماها " الزواج السعيد " ثم مصرها أحمد حلمي لفرقة الخميسي . وكانت عزبة بنايوتي تأليف محمود السعدني ثالث عروض الفرقة ، وفيها قام الخميسي بدور كشف عن طاقاته كممثل بارع . وقدمت الفرقة بعد ذلك عملها الرابع والأخير وهو " نجفة بولاق " تأليف عبد الرحمن شوقي في مارس 1961 ، وجابت الفرقة محافظات القاهرة ، ثم توقفت بسبب الظروف المالية .
- في مجال الأوبريت اتجه الخميسي إلى تعريب الأوبريتات وكتابتها ، فقدم أولا " الأرملة الطروب " عام 1961 التي وضع موسيقاها الموسيقار المجري فرانز ليهار عام 1905 وعرضت في نفس العام في فيينا ، وهي من تأليف "فيكتور ليون " و " ليوشتين " . وتمكن الخميسي مع الالتزام بالترجمة الشعرية الدقيقة للنص الأصلي من اختيار وضبط الكلمات العربية شعرا على مقياس الوحدات الموسيقية والألحان الأصلية التي وضعها فرانز ليهار . وقدم الخميسي تجربة ثانية مماثلة من تعريبه أيضا هي أوبريت " حياة فنان " تأليف الموسيقار الانجليزي ايفون نوفيللو ، وكان اسمها الأصلي " السنوات المرحة " وتم عرضها بدار الأوبرا في مطلع شهر ديسمبر عام 1970 ، وكلفت وزارة الثقافة المخرج النمساوي توني نيسنر الذي أخرج من قبل " الأرملة الطروب " بإخراجها . وقدم الخميسي للمسرح الغنائي من تأليفه هي أوبريت مهر العروسة عن تأميم قناة السويس ونشر الفصل الأول منها في الجمهورية في 27 مايو 1961 ، وعرضت في 2 أبريل عام 1964 ، وفي 29 يوليه 1963 وقع الخميسي عقدا مع المؤسسة العامة للمسرح والموسيقي قدم بموجبه أوبريت جديدة من تأليفه هي الزفة لكنها لم تعرض . وخاض غمار كتابة أوبريت جديدة هي " عيد الحبايب " ، كما خطط لكتابة أوبريت مشترك مع الشاعر التركي العالمي ناظم حكمت عن تاريخ كفاح الشعب المصري وذلك عندما التقى الفنانان في مؤتمر لكتاب آسيا وأفريقيا في القاهرة في فبراير 1962 ، لكن الظروف الشخصية للشاعرين حالت دون تحقيق ذلك الحلم .
- في السينما قدم الخميسي أربعة أفلام شارك في وضع قصصها وسيناريوهاتها وألف الموسيقى التصويرية لبعضها ومثل في بعضها الآخر وهي :الجزاء 1965 بطولة شمس البارودي وحسين الشربيني – عائلات محترمة عام 1968 حسن يوسف وناهد شريف – الحب والثمن أكتوبر 1970 أحمد مظهر زيزي البدراوي – زهرة البنفسج 1972 زبيدة ثروت عادل إمام . كما قدم للسينما اكتشافه الرائع سعاد حسني في فيلم حسن ونعيمة الذي كتب له السيناريو ، كما قام بأداء دور الشيخ يوسف في فيلم " الأرض " ليوسف شاهين .
- في النقد قدم كتاب " الفن الذي نريده " – الدار المصرية عام 1966 ، وكتاب " مناخوليا – محاورات ونظرات في الفن " - وكتاب " المكافحون " وهو سير لحياة العظام مثل عبد الله النديم وغيره صدر عن مطبوعات المصري في سبتمبر 1951 .
- في الترجمة ترجم مختارات من أشعار ووردزورث ، وكيتس ، ثم مختارات من القصص العالمية تحت عنوان " يوميات مجنون " صدرت في كتب للجميع مابين 1951- 1952 ، ثم مختارات من الشعر السوفيت عام 1985 صدرت عن دار رادوجا الروسية ، ثم الصهيونية غزو بلا سلاح للكاتب فلاديمير بيجون – بيروت عام 1985 .
وفي النهاية فقد ترجمت أعمال الخميسي إلي لغات عديدة منها الإنجليزية والروسية والفرنسية وغيرها وكانت موضوعا لرسائل الدكتوراه في جامعات أوروبية عدة .
مصادر
- سيرة عبد الرحمن الخميسي [1]
- بيان المثقفين المصريين [3]