محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى، ولد في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق . يعد صلاح عبد الصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي . ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي ، كما يعدّ واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي, وفي التنظير للشعر الحر .
فهرس |
إلتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية في عام1947 وفيها تتلمذ علي يد الشيخ أمين الخولي الذي ضمه إلى جماعة (الأمناء) التي كوّنها, ثم إلى (الجمعية الأدبية) التي ورثت مهام الجماعة الأولى . وكان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر . وعلى مقهى الطلبة في الزقازيق تعرف على أصدقاء الشباب مرسى جميل عزيز و عبد الحليم حافظ ، وطلب عبد الحليم حافظ من صلاح أغنية يتقدم بها للإذاعة وسيلحنها له كمال الطويل فكانت قصيدة لقاء . تخرج صلاح عبد الصبور عام 1951 وعين بعد تخرجه مدرسا في المعاهد الثانوية ولكنه كان يقوم بعمله عن مضض حيث استغرقته هواياته الأدبية .
ودع صلاح عبد الصبور بعدها الشعر التقليدى ليبدأ السير في طريق جديد تماماً تحمل فيه القصيدة بصمته الخاصة ، زرع الألغام في غابة الشعر التقليدى الذى كان قد وقع في أسر التكرار والصنعة فعل ذلك للبناء وليس للهدم ، فأصبح فارسا في مضمار الشعر الحديث . وبدأ ينشر أشعاره في الصحف واستفاضت شهرته بعد نشره قصيدته شنق زهران وخاصة بعد صدور ديوانه الأول الناس في بلادي إذ كرسه بين رواد الشعر الحر مع نازك الملائكة و بدر شاكر السياب وسرعان ما وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي منذ وفاة أحمد شوقي عام 1932 وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الإنحيازات والإنتماءات الحزبية . كما كان لعبد الصبور إسهامات في التنظير للشعر خاصة في عمله النثري حياتي في الشعر . وكانت أهم السمات في أثره الأدبي استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي.
تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبد الصبور : من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي ، مروراً بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج و بشر الحافي ، اللذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات . كما استفاد الشاعر من منجزات الشعر الرمزي الفرنسي والألماني ( عند بودلير و ريلكه ) و الشعر الفلسفي الإنكليزي ( عند جون دون وييتس و كيتس و ت. س. إليوت بصفة خاصة). ولم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافياً لسفارة بلاده, بل أفاد ـ خلالها ـ من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة. وقد صاغ الشاعر ـ باقتدار ـ سبيكة شعرية نادرة من صَهره لموهبته ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة . وبهذه الصياغة اكتمل نضجه وتصوره للبناء الشعري .
في شهر أغسطس من العام 1981 رحل الشاعر صلاح عبدالصبور إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة أودت بحياته، اثر مشاجرة كلامية ساخنة مع الفنان الراحل الفنان الراحل بهجت عثمان، في منزل صديقه الشاعر احمد عبد المعطي حجازي، وكان عبد الصبور يزور حجازي في منزله بمناسبة عودة الأخير من باريس ليستقر في القاهرة. تقول أرملة صلاح عبد الصبور السيدة سميحة غالب: - «سبب وفاة زوجي أنه تعرض إلى نقد واتهامات من قبل أحمد عبد المعطي حجازي، وبعض المتواجدين في السهرة.. وأنه لولا هذا النقد الظالم لما كان زوجي قد مات!». لقد اتهموه بأنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعاً في الحصول على المكاسب المالية ،متناسيا واجبه الوطني والقومي في التصدي للخطر الاسرائيلي الذي يسعى للتطبيع الثقافي، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة.. لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية.. ويتصدى الشاعر حجازي لنفي الاتهام عن نفسه من خلال مقابلة صحفية أجراها معه الناقد جهاد فاضل قائلا: -«أنا طبعا أعذر زوجة صلاح عبد الصبور، فهي تألمت كثيراً لوفاة صلاح. ونحن تألمنا كثيراً. ولكن آلامها هي لاأقول أكثر وإنما أقول على الأقل إنما من نوع آخر تماما. نحن فقدنا صلاح عبد الصبور، الصديق والشاعر والقيمة الثقافية الكبيرة، وهي فقدت زوجها، وفقدت رفيق عمرها، وفقدت والد أطفالها.. صلاح عبد الصبور، كان ضيفاً عندي في منزلي، وأيا كان الأمر ربما كان لي موقف شعري خاص، أو موقف سياسي خاص، لكن هذا كله يكون بين الأصدقاء الأعزاء، ولايسبب نقدي مايمكن أن يؤدي إلى وفاة الرجل. الطبيب الذي أشرف على محاولة انقاذه، قال إن هذا كله سوف يحدث حتى ولو كان عبد الصبور في منزله، أو يقود سيارته، ولو كان نائما.وفاته اذن لاعلاقة لها بنقدنا،أو بأي موقف سلبي اتخذه أحد من الموجودين في السهرة». وينهي حجازي كلامه قائلاً: «صلاح عبد الصبور شاعر كبير، وسوف يظل له مكانة في تاريخ الشعر العربي من ناحية ،وفي وجدان قارىء الشعر من ناحية أخرى،وشعره ليس قيمة فنية فحسب، وإنما إنسانية كبرى كذلك».
قد ترك عبدالصبور آثارا شعرية ومسرحية أثرت في أجيال متعددة من الشعراء في مصر والبلدان العربية ، خاصة ما يسمى بجيل السبعينيات ، وجيل الثمانينيات في مصر ، وقد حازت أعماله الشعرية والمسرحية قدرا كبيرا من اهتمام الباحثين والدارسين ، ولم تخل أية دراسة نقدية تتناول الشعر الحر من الإشارة إلى أشعاره ودواوينه ، وقد حمل شعره سمات الحزن ، والسأم، والألم ، وقراءة الذكرى ، واستلهام الموروث الصوفي ، واستخدام بعض الشخصيات التاريخية في إنتاج القصيدة ، ومن أبرز أعماله في ذلك: " مذكرات بشر الحافي" و " مأساة الحلاج" و " ليلى والمجنون" ، كما اتسم شعره من جانب آخر باستلهام الحدث الواقعي ، كما في ديوانه: " الناس في بلادي " ومن أبرز الدراسات التي كتبت عن أعماله ، ما كتبه الناقد الدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه: " الشعر العربي المعاصر : قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية " و " الجحيم الأرضي " للناقد الدكتور محمد بدوي ، ومن أبرز من درسوا مسرحياته الشعرية الناقد الدكتور وليد منير في : " المسرح الشعري عند صلاح عبدالصبور" . تقلد عبدالصبور عددا من المناصب ، وعمل بالتدريس ، وبالصحافة ، وبوزارة الثقافة ، وكان آخر منصب تقلده رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وساهم في تأسيس مجلة فصول للنقد الأدبي ، فضلا عن تأثيره في كل التيارات الشعرية العربية الحداثية .